إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ.
(134)
قَوْلُهُ ـ تَبارَكَ وتَعَالَى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ} أيْ إنَّ الذي تُوعَدونَهُ مِنَ القيامَةِ والحِسابِ والعِقابِ والثَوابِ وتَفاوُتِ الدَرَجاتِ والدِرْكاتِ، لا محالةَ آتٍ ولا مَحيدَ عن ذلك. والحَقُّ ـ سُبْحانَهُ وتَعالى ـ إذا وَعَدَ فلا بُدَّ أَنْ يَتَحَقَّقَ وَعْدُهُ، وإذا أَوْعَدَ فلا بُدَّ أنْ يَأتيَ وعيدُه. لذلك قال: "لآتٍ" فجاء الفعلُ مؤكّداً، وصيغةُ الاستقبالِ للدَلالةِ على الإسْتِمرارِ التَجَدُّدِيِّ، ويَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ "توعدون" مِنْ "أَوْعَدْتُ" فِي الشَّرِّ، وَالْمَصْدَرُ الْإِيعَادُ. وَالْمُرَادُ عَذَابُ الْآخِرَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ "وَعَدْتُ" عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ السَّاعَةَ الَّتِي فِي مَجِيئِهَا الْخَيْرُ وَالشَّرُّ فَغُلِّبَ الْخَيْرُ.
قولُ: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} أَيْ فَائِتِينَ عَمَّا هو نازِلٌ بِكم وواقعٌ عليكم، يُقَالُ: أَعْجَزَنِي فُلَانٌ، أَيْ فَاتَنِي وغَلَبني. يقال أعجزني فلان أي فاتني وغلبني، وقال ابن عباس: أي سابقين، وقيلَ هاربين مِنْه وهُو مُدْرِكُكم لا مَحالَةَ. والمُرادُ بيانُ دوامِ انْتِفاءِ الإعجازِ لا بيان انتفاءِ دوامِهِ، فإنَّ الجُمْلَةَ الاسْمِيَّةَ كما تَدُلُّ على دوامِ الثُبوتِ، كذلك تَدُلُّ بمَعونَةِ المَقامِ إذا دَخلَ عليها حَرْفُ النَفْيِ على دَوامِ الانْتِفاءِ لا على انْتِفاءِ الدَوام.
قولُه تَعالى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ} ما: اسمُ "إنَّ" وهي اسمٌ موصولٌ بمَعنى الذي وليستِ الكافَّةَ، و"توعدون" صِلَتُها، والعائدُ مَحذوفٌ، أي: إنَّ ما تُوعَدونَه، و"لآتٍ" خبرُها، واللامُ للتوكيدِ.
وقرأَ الأَخَوان (حمزةُ والكسائيُّ) هُنا وفي القَصَصِ، بالياءِ، وقرأ الباقون بالتاءِ مِن فوق. وهما واضحتان فإنَّ تأنيثها غيرُ حَقيقيٍّ، وقد تقدَّم ذلك في قولِه: {وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ} البقرة: 123.