روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 103

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية:  103 Jb12915568671



فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية:  103 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 103   فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية:  103 I_icon_minitimeالأربعاء يناير 22, 2014 6:57 am

لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.
(103)
قَوْلُهُ تبارك وتَعَالَى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ} أي لا تُحيطُ بِعَظَمَتِهِ وجَلالِهِ على ما هوَ عَلَيْهِ ـ سُبْحانَهُ ـ أَبْصارُ الخلائقِ، أوْ لا تُدركُه الأبصارُ إدْراكَ إحاطَةٍ بِكُنْهِهِ وحَقيقتِه، فإنَّ ذلك مُحالٌ، والإدراكُ بهذا المَعنى أَخَصُّ مِنَ الرُؤيَةِ التي هي مُجرَّدُ المُعايَنَةِ، فنَفْيُهُ لا يَقْتَضى نَفْيَ الرُؤْيَةِ، لأنَّ نَفْيَ الأَخَصِّ لا يَقْتَضي نَفْيَ الأَعَمِّ، فنحنُ نَرى الشَمْسَ ولكنَّنا لا نُدْرِك كُنْهَهَا وحقيقتَها. لأنَّ البَصَرَ آلةُ إدراكٍ لَها قانونُها وذلك بأنْ يَنْعَكِسَ الشُعاعُ مِنَ المَرْئي إلى الرائي فيُحَدِّدُهُ، فلو أَنَّ الأبْصارَ تُدْرِكُهُ لَحَدَّدَتْهُ، وأَصبَحَ مَنْ يَراهُ قادراً عليْه، ولَصارَ مَقْدوراً لأَبْصارِنا وهو محالٌ.
إذاً فمِنْ عَظَمَتِهِ ـ تعالى ـ أنَّه لا يُدْرَكُ. و"الأبْصارُ" جمعُ بَصَرٍ ويُطْلَقُ على الجارحةِ النَّاظِرَةِ، وعلى القُوَّةِ التي فيها، ويُطلقُ أيضاً على البَصيرةِ، وهي قوَّةُ القَلْبِ المُدْرِكَةِ. وإدْراكُ الشيءِ يَعْني الوُصولَ إلى غايَتِهِ والإحاطَةَ بِهِ. والتوحيدُ (أَنْ لا تَتَوَهَّمَهُ) كما قالَ أميرُ المؤمنين عليٌّ ـ كَرَّمَ اللهُ وجهَهُ: (كلُّ ما أَدْرَكْتَهُ فهو غيرُه). ورُويَ عن أَبي بَكْرٍ الصدِّيقِ ـ رضي الله عنه ـ قولُه: (يا مَنْ غايَةُ مَعرِفَتِهِ القُصُورُ عنْ مَعْرِفَتِهِ). وَقِيلَ: "لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ" أيْ لَا تُحِيطُ به وهو يُحيطُ بِها. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُ الْقُلُوبِ، أَيْ لَا تُدْرِكُهُ الْعُقُولُ فَتَتَوَهَّمُهُ، إِذْ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} سورة الشورى، الآية: 11. فقد بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ سِمَاتِ الْحُدُوثِ، وَمِنْهَا الْإِدْرَاكُ بِمَعْنَى الْإِحَاطَةِ وَالتَّحْدِيدِ، كَمَا تُدْرَكُ سَائِرُ الْمَخْلُوقَاتِ، أَيْ لَا يُبْلَغُ كُنْهُ حَقِيقَتِهِ، كَمَا تَقُولُ: أَدْرَكْتُ كَذَا وَكَذَا.
ويَجوزُ أنْ يَكونَ المُرادُ لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ على الوَجْهِ المُعتادِ في رُؤيةِ المَحسوساتِ على ما يُشير إليْه آخِرُ الآية، والآيَةُ إنَّما تَدُلُّ على أَنَّ الأَبصارَ لا تُدْرِكُهُ.
ويجَوز حُصولُ إِدْراكِ اللهِ تعالى بحاسَّةٍ سادِسَةً مُغايِرَةٍ للحواسِّ الخمسِ، فإنَّ اللهَ تعالى لا يُرى بالعينِ وإنَّما يُرى بِحاسَّةٍ سادسةٍ يخلُقُها سبحانَه يومَ القيامةِ. فقد قِيلَ الْمَعْنَى لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ الْمَخْلُوقَةُ فِي الدُّنْيَا، لَكِنَّهُ يَخْلُقُ لِمَنْ يُرِيدُ كَرَامَتَهُ بَصَرًا وَإِدْرَاكًا يَرَاهُ فِيهِ كَمُحَمَّدٍ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ ـ إِذْ رُؤْيَتُهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا جَائِزَةٌ عَقْلًا، فلَوْ لَمْ تَكُنْ جَائِزَةً لَكَانَ سُؤَالُ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ مُسْتَحِيلاً، وَمُحَالٌ أَنْ يَجْهَلَ نَبِيٌّ مَا يَجُوزُ عَلَى اللهِ وَمَا لَا يَجُوزُ، بَلْ لَمْ يَسْأَلْ إِلَّا جَائِزًا غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ.
وَالرُّؤْيَةُ ثَابِتَةٌ، لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْأَحَادِيثُ فِي الرُّؤْيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ" فِي الدُّنْيَا، وَيَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ فِي الْآخِرَةِ، لِإِخْبَارِ اللهِ بِهَا فِي قَوْلِهِ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ * إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} سورة القيامة، الآيتان: 22و23. ويؤيد هذا أَنَّ "لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصارُ" وَقَعَ بعدَ قولِهِ ـ سبحانَه: {وَهُوَ على كُلّ شَيْء وَكِيلٌ} الأنعام: 102. أيْ مُتَوَلٍّ لأُمورِهِ، والأَبْصارَ مِنَ الأَشياءِ، وإدْراكُها مِنْ أُمورِها فهو ـ سبحانَه وتَعالى ـ مُتَوَلِّيها، ومُتَصَرِّفٌ فيها على حَسَبِ مَشيئتِهِ، فيُفيضُ عليها الإدراكَ، ويَأْذَنُ لَها إذا شاءَ كيفَ شاءَ، وعلى الحَدِّ الذي شاءَ، ويَقْبِضُ عنْها الإدْراكَ قَبْضاً كُلِّيّاً، أوْ جُزْئيّاً في أيِّ وقتٍ شاءَ، كيفَ شاء. فالمُرادُ نفيُ الرُؤيةِ وقتَ عَدَمِ إذْنِهِ ـ تعالى ـ للأبْصارِ بالإدْراكِ، والدَليلُ على صِحَّةِ إرادةِ هذا القيدِ، هو أنَّ إرادةَ الأَبْصارِ فِعْلاً من أَفعالَ العبيدِ وكَسْباً مِنْ كَسْبِهم، وقد ثَبَتَ بغيرِ ما دليلٍ أَنَّ العِبادَ لا يَقْدِرونَ على شيءٍ ما مِنَ المَقدوراتِ إلاَّ بإذنِ اللهِ ومَشيئَتِهِ وتَمْكينِهِ، فلا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ إلاَّ بإذنِهِ وهوَ المَطْلوبُ. وَهُوَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ لِدَلَالَةِ التَّنْزِيلِ وَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِرُؤْيَةِ اللهِ فِي الْجَنَّةِ. ولا يَخْفى أنَّ هذا غايةٌ في التَمَدُّحِ بالعِزَّةِ والقَهْرِ والغَلَبَةِ فإنَّ مَنْ هُو على كُلِّ شيءٍ وكيلٍ، إذا لم تُدْرِكُهُ الأَبْصارُ إلاَّ بإذْنِهِ ـ مَعَ كَوْنِهِ يُدرِكُ الأبْصارَ ولا تَخْفى عَلَيْهِ خافِيَةٌ ـ كانَ ذلك غايةً في عِزَّتِهِ وقَهْرِهِ، وكونِهِ غالِباً على أَمْرِهِ. فقد روي أنَّ ابْنَ عبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ قال: (رأى مُحَمَّدٌ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ربَّه) فقالَ لَهُ عِكْرِمَةُ: أَلَيْسَ اللهُ ـ تعالى ـ يقولُ: "لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار" فقالَ: لا أُمَّ لَكَ، ذاك نُورُه الذي هو نورُه إذا تَجَلى بِنُورِهِ لا يُدْرِكُهُ شيء).
وفي جوابيْهِ ـ عليْهِ الصلاةُ والسلامُ ـ لأبي ذَرٍّ حيثُ سأَلَهُ: هلْ رأيتَ رَبَّكَ؟ فقالَ في أَحَدِ جوابَيْهِ. ((نُورٌ أَنَّى أَراهُ)). وفي الجوابِ الآخَرِ ((رأيتُ نُوراً)). فإنَّ النورَ الذي نَفى رُؤيَتَهُ هو النورُ الذي يَذْهَبُ بالأَبْصارِ، ولا يَقومُ لَهُ بَصَرٌ، والنورُ الذي أَثْبَتَ رُؤيَتَهُ، هو النُورُ الذي لا يَذْهَبُ بالأَبْصارِ. وكذا يُمكِنُ حَمْلَ قولِ السيدةِ عائشةَ ـ رضيَ اللهُ عنها ـ فقد أرادتْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّداً ـ عليْه الصلاةُ والسَلامُ ـ رأى رَبَّهُ ـ سبحانَهُ وتعالى ـ في نورِهِ الذي يَذهَبُ بالأَبْصارِ، فقد أَعظَمَ على اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ الفِرْيَةَ. فقدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي رُؤْيَةِ نَبِيِّنَا ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ ـ رَبَّهُ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشَةَ (هي كُنيةُ الإمامِ مَسْروق)، ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ. قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَتْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ. قَالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْظِرِينِي وَلَا تُعْجِلِينِي، أَلَمْ يَقُلِ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} و{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى}؟ فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ: ((إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ ما بَيْنَ السماءِ والأرضِ)). وقالتْ: أوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يَقُولُ: "لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"؟ أوَ لَمْ تَسْمَعِ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يَقُولُ: {وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} إِلَى قَوْلِهِ: {عَلِيٌّ حَكِيمٌ} سورة الشورى، الآية: 51. قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَتَمَ شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ} سورة المائدة، الآية: 67. وقَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ} سورة النمل، الآية: 65. وَإِلَى مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ أمُّنا عَائِشَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ مِنْ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا رَأَى جِبْرِيلَ ذهب ابْنُ مَسْعُودٍ، وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ وأنَّه رأى جبريلَ، واختلَفَ عَنْهُما. وَقَالَ بِإِنْكَارِ هَذَا وَامْتِنَاعِ رُؤْيَتِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنِهِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ. وَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى} سورة النجم، الآية: 11. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ: اجْتَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا نَحْنُ بَنُي هَاشِمٍ فَنَقُولُ إِنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ مَرَّتَيْنِ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَعْجَبُونَ أَنَّ الْخُلَّةَ تَكُونُ لِإِبْرَاهِيمَ وَالْكَلَامُ لِمُوسَى، وَالرُّؤْيَةُ لِمُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. قَالَ: فَكَبَّرَ كَعْبٌ حَتَّى جَاوَبَتْهُ الْجِبَالُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللهَ قَسَمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلَامَهُ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَمُوسَى، فَكَلَّمَ مُوسَى وَرَآهُ مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِما وَسَلَّمَ. وَحَكَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَحْلِفُ بِاللهِ لَقَدْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ. وَحَكَاهُ أَبُو عُمَر عَنْ عِكْرِمَةَ، وَحَكَاهُ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْأَوَّلُ عَنْهُ أَشْهَرُ. وَحَكَى ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ مَرْوَانَ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ؟ فَقَالَ نَعَمْ وَحَكَى النَّقَّاشُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَقُولُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بِعَيْنِهِ رَآهُ رَآهُ! حَتَّى انْقَطَعَ نَفَسُهُ، يَعْنِي نَفَسَ أَحْمَدَ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: (أَنَّ مُحَمَّدًا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ رأى اللهَ ببَصَرِهِ وعَيْنَيْ رأسِهِ). وقالَهُ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَالرَّبِيعُ وَالْحَسَنُ. وَكَانَ الْحَسَنُ يَحْلِفُ بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالْقُرَظِيُّ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: إِنَّهُ إِنَّمَا رَأَى رَبَّهُ بِقَلْبِهِ وَفُؤَادِهِ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَعِكْرِمَةَ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَآهُ بِقَلْبِهِ، وَجَبُنَ عَنِ الْقَوْلِ بِرُؤْيَتِهِ فِي الدُّنْيَا بِالْأَبْصَارِ. وَعَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: لَمْ يُرَ فِي الدُّنْيَا، لِأَنَّهُ بَاقٍ وَلَا يُرَى الْبَاقِي بِالْفَانِي، فَإِذَا كَانَ فِي الْآخِرَةِ وَرُزِقُوا أَبْصَارًا بَاقِيَةً رَأَوُا الْبَاقِيَ بِالْبَاقِي. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ مَلِيحٌ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الِاسْتِحَالَةِ إِلَّا مِنْ حَيْثُ ضَعْفِ الْقُدْرَةِ، فَإِذَا قَوَّى اللهُ تَعَالَى مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ وَأَقْدَرَهُ عَلَى حَمْلِ أَعْبَاءِ الرُّؤْيَةِ لَمْ يَمْتَنِعْ في حَقِّهِ.
ويؤيِّدُ ذلك ما أَخْرَجَهُ الحَكيمُ الترمذيُّ في (نوادِرِ الأُصول) وأبو نُعَيْمٍ في (الحُلْيَة) عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ قال : (تَلا رسولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ قولَه تعالى على لسانِ موسى ـ عليه السلام: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} الأعراف: 143. فقال: ((قال الله تعالى: يا موسى إنَّهُ لا يَراني حَيٌّ إلاَّ ماتَ، ولا يابِسٌ إلاَّ تَدَهْدَهَ، ولا رَطْبٌ إلاَّ تَفَرَّقَ، وإنَّما يَراني أَهْلُ الجَنَّةِ الذين لا تَموتُ أَعْيُنُهم ولا تبلى أَجْسادُهُم)).
قَوْلُهُ: {وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ} أيْ يَراها على وجهِ الإحاطةِ أوْ يُحيطُ بها عِلْماً، أوْ عِلْماً ورُؤيَةً، فلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شي إلاَّ يَراه ويَعلَمُهُ. والمُرادُ بالأبْصارِ هُنا النورُ الذي تُدْرِكُ بِهِ المُبْصِراتُ فإنَّهُ لا يُدْرِكُهُ مُدْرِكٌ، بِخِلافِ جُرْمِ العَيْنِ فإنَّهُ يُرى، ولَعَلَّ هذا هُوَ السِرُّ في الإظْهارِ في مَقامِ الإضْمارِ، أَوِ المُرادُ أَنَّ كُلَّ عَيْنٍ لا تَرى نَفْسَها. وإنَّما خَصَّ الْأَبْصَارَ، لِتَجْنِيسِ الْكَلَامِ. وَفِي هَذَا الْكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَلْقَ لَا يدركون الْأَبْصَارَ، أَيْ لَا يَعْرِفُونَ كَيْفِيَّةَ حَقِيقَةِ الْبَصَرِ، وَمَا الشَّيْءُ الَّذِي صَارَ بِهِ الْإِنْسَانُ يُبْصِرُ مِنْ عَيْنَيْهِ دُونَ أَنْ يُبْصِرَ مِنْ غَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ أَعْضَائِهِ.
قَولُهُ: {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} أَيِ الرَّفِيقُ بِعِبَادِهِ، يُقَالُ: لَطَفَ فُلَانٌ
بِفُلَانٍ يَلْطُفُ، أَيْ رَفَقَ بِهِ. وَاللُّطْفُ فِي الْفِعْلِ الرِّفْقُ فِيهِ. وَاللُّطْفُ مِنَ اللهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ. وَأَلْطَفَهُ بِكَذَا، أَيْ بَرَّهُ بِهِ. فألطافُه ـ جَلَّ شأنُهُ لا تتناهى ظواهرُها وبَواطِنُها في الأُولى والأُخرى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا} النحل: 81. وقيل: اللَّطيفُ: العليمُ بالغوامِضِ والدَقائقِ مِنَ المَعاني والحَقائق، وَالِاسْمُ اللَّطَفُ بِالتَّحْرِيكِ. يُقَالُ: جَاءَتْنَا مِنْ فُلَانٍ لَطَفَةٌ، أَيْ هَدِيَّةٌ. وَالْمُلَاطَفَةُ الْمُبَارَّةُ، عَنِ الْجَوْهَرِيِّ وَابْنِ فَارِسٍ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: الْمَعْنَى لَطِيفٌ بِاسْتِخْرَاجِ الْأَشْيَاءِ خَبِيرٌ بِمَكَانِهَا. وَقَالَ الْجُنَيْدُ: اللَّطِيفُ مَنْ نَوَّرَ قلبَكَ بالهُدى، ورَبّى جسمَك بالغِذاءِ، وَجَعَلَ لَكَ الْوِلَايَةَ فِي الْبَلْوَى، وَيَحْرُسُكَ وَأَنْتَ فِي لَظَى، وَيُدْخِلُكَ جَنَّةَ الْمَأْوَى. وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا، مِمَّا مَعْنَاهُ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى الرِّفْقِ وَغَيْرِهِ. ويَجوزُ أنْ يَكونَ ما ذُكِرَ مِنْ بابِ اللَّفِّ فإنَّ اللطيفَ يُناسِبُ كونَه غير مُدْرَكٍ، والخَبيرُ يُناسِبُ كونَه تعالى مُدرِكاً، واللطيفُ مُسْتَعارٌ ـ من مُقابِلِ الكَثيفِ ـ لِمَا لا يدرك بالحاسَّةِ مِنَ الشيءِ الخَفِيِّ. والنورُ المُطلَقُ الذي يَجِلُّ عَنْ إدراكِ البَصائرِ، فَضْلاً عنِ الأبصارِ، ويَعِزُّ عنْ شُعورِ الأسرارِ فَضْلاً عن الأفكار، ويَتعالى عنْ مشابَهَةِ الصُوَرِ والأمثالِ، ويُنَزَّهُ عن حُلولِ الأَلْوانِ والأشكالِ، لا يبعُدُ أن يوصَفَ باللّطافةُ المُطْلَقَةُ، فإنَّ كَمالَ اللَّطافَةِ إنَّما يَكونُ لِمَنْ هذا شأنُهُ، ووصْفُ غيرِهِ بِها لا يَكونُ على الإطلاقِ، بَلْ بالقياسِ إلى ما هُو دُونَه في اللَّطافَةِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 103
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 8
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 24
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 41
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 56
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 73

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: