قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ.
(65)
قولُه جَلَّ وعلا: {قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} أَيِ إنَّ الْقَادِرَ عَلَى أنْ يُنَجِّيكُمْ مِنَ الْكَرْبِ، قَادِرٌ أيضاً على تعذيبِكم. وكلمة "قادر" تَعني أَنَّهُ المُتَمَكِّنُ تمامَ التَمَكُّنَِ، وأَنَّهُ لا قُدْرَةَ ولا حِيلَةَ لأَحَدٍ حِيالَ قدرتهِ؛ ومعنى "مِنْ فَوْقِكُمْ" أي بالطُّوفَانُ وَالرِّيحِ وَالصَّيْحَةِ والرَّجْمِ بالحِجارَةُ، كَمَا فَعَلَ بِعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ شُعَيْبٍ وَقَوْمِ لُوطٍ وَقَوْمِ نُوحٍ ، أوْ كما فُعِلَ بِ "أَبْرَهَةَ" الحَبَشِيِّ وجُنْدِهِ الذين أرادوا هَدْمَ الكَعْبَةِ، فَسَلَّطَ عليهم طَيْراً أَبابيلَ، تَرْميهم بحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، جَعَلَتْهُم كَعَصْفٍ مَأْكولٍ، وهناكَ مَنْ أُهْلِكَ بريحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ، وكلُّ ذلكَ عَذابٌ جاءَ مِنْ فوقِ تِلكَ الأَقْوامِ. "أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ" أيْ بالْخَسْفِ والزلْزلَةِ وَالرَّجْفَةِ، كَمَا فُعِلَ بِقَارُونَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وغيرهم. وَقِيلَ: "مِنْ فَوْقِكُمْ" يَعْنِي الأُمَرَاءَ الظَلَمَةَ، "أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ" يَعْنِي عَبِيدَ السُّوءِ والسَّفَلَةَ. "أَوْ يَلْبِِسَكُمْ شِيَعاً" أَيْ يُجَلِّلُكُمُ بالْعَذَابِ وَيَعُمُّكُمْ بِهِ، وَهَذَا مِنَ اللُّبْسِ بِضَمِّ الأَوَّلِ، وبالْفَتْحِ مِنَ اللَّبْسِ، أَيْ يَلْبِسُ عَلَيْكُمْ أَمْرَكُمْ، وَاللَّبْسُ أَنْ يَخْلِطَ أَمْرَهُمْ فَيَجْعَلَهُمْ مُخْتَلِفِي الأَهْوَاءِ. وَقِيلَ: مَعْنَى "يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً" أي يُقَوِّي عَدُوَّكُمْ حَتَّى يُخَالِطَكُمْ وَإِذَا خَالَطَكُمْ فَقَدْ لَبِسَكُمْ. و"شِيَعاً" أيْ فِرَقًا. وَقِيلَ يَجْعَلُكُمْ فِرَقًا يُقَاتِلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَذَلِكَ بِتَخْلِيطِ أَمْرِهِمْ وَافْتِرَاقِ أُمَرَائِهِمْ عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا. وهو معنى قولِهِ: "وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ" أَيْ بِالْحَرْبِ وَالْقَتْلِ فِي الْفِتْنَةِ. وَالآيَةُ عَامَّةٌ فِي الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ. وَقِيلَ هِيَ فِي الْكُفَّارِ خَاصَّةً. وَقَالَ الْحَسَنُ: هِيَ فِي أَهْلِ الصَّلاةِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّهُ الْمُشَاهَدُ فِي الْوُجُودِ، فَقَدْ لَبِسَنَا الْعَدُوُّ فِي دِيَارِنَا وَاسْتَوْلَى عَلَى أَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا، مَعَ الْفِتْنَةِ الْمُسْتَوْلِيَةِ عَلَيْنَا بِقَتْلِ بَعْضِنَا بعضاً واستباحَةِ بعضِنا أموالَ بعضٍ. نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا أَنَّهُ تَأَوَّلَ ذَلِكَ فِيمَا جَرَى بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ثَوْبَانَ رضي اللهُ عنه أنه قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيَتِ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي أَلاَّ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَلاَّ يُسَلَّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لا يُرَدُّ، وَإِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَلاَّ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَلاَّ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا، أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا)). وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ خَبَّابَ بْنِ الأَرَتِّ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ رَاقَبَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّليْلَةَ كُلَّهَا حَتَّى كَانَ مَعَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللهِ مِنْ صَلاتِهِ جَاءَهُ خَبَّابُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! لَقَدْ صَلَّيْتَ اللَّيْلَةَ صَلاةً مَا رَأَيْتُكَ صَلَّيْتَ نَحْوَهَا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَجَلْ إِنَّهَا صَلاةُ رَغَبٍ وَرَهَبٍ، سَأَلْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا ثَلاثَ خِصَالٍ فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَلاَّ يُهْلِكَنَا بِمَا أَهْلَكَ بِهِ الأُمَمَ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَلاَّ يُظْهِرَ عَلَيْنَا عَدُوًّا مِنْ غَيْرِنَا فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَلاَّ يَلْبِسَنَا شِيَعًا فَمَنَعَنِيهَا)).
وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِجِبْرِيلَ: ((يَا جِبْرِيلُ مَا بَقَاءُ أُمَّتِي عَلَى ذَلِكَ))؟ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: (إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِثْلُكَ فَادْعُ رَبَّكَ وَسَلْهُ لأُمَّتِكَ) فَقَامَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَوَضَّأَ وَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ وَصَلَّى وَأَحْسَنَ الصَّلاةَ، ثُمَّ دَعَا فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَقَالَ: (يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللهَ تَعَالَى سَمِعَ مَقَالَتَكَ وَأَجَارَهُمْ مِنْ خَصْلَتَيْنِ وَهُوَ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ). فَقَالَ: ((يَا جِبْرِيلُ مَا بَقَاءُ أُمَّتِي إِذَا كَانَ فِيهِمْ أَهْوَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ وَيُذِيقُ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ))؟ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ بِقولِهَ عزَّ وجَلَّ: {الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وهم لا يُفْتَنون} العنكبوت، الآيَةَ: 1 و 2. وَرَوَى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: "قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ" قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَعُوذُ بِوَجْهِ اللهِ)) فَلَمَّا نَزَلَتْ "أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ" قَالَ: ((هَاتَانِ أَهْوَنُ)). وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَدَعْ هؤلاءِ الكَلِماتِ حين يُصْبِحُ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي. اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي)). ورواه أبو داوود، والنَّسائي، وابنُ حِبَّان، والحاكمُ مِنْ حديثِ عُبادَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، بِهِ وقالَ الحاكِمُ: صحيحُ الإسنادِ. قَالَ وكيعٌ: "أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي": يَعني الخَسْفَ.
قولُهُ تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} أَيْ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْحُجَجَ وَالدَّلالاتِ تقريراً للمعنى وتقريباً إلى الفَهم، أوْ نُصَرِّفُها بالوَعْدِ والوَعيدِ. "لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ" أيْ لكي يَعلَموا جَلِيَّةَ الأمرِ فيرجِعوا عَمَّا هُم عليْه مِنَ المُكابَرَةِ والعِنادِ، ومَا هُمْ عليْهِ مِنَ الشِرْكِ والمَعاصِي. واسْتَدَلَّ بعضُ أهلِ السُنَّةِ بهذه الآيةِ على أنَّ اللهَ تَعالى خالقٌ للخيرِ والشَرِّ.
قولُهُ تَعالى: {عَذَاباً مِّنْ فَوْقِكُمْ} يجوزُ أنْ يَكونَ الظرفُ مُتَعَلِّقاً ب "نبعث"، وأَنْ يَكونَ متعلِّقاً بمحذوفٍ على أنَّه صِفَةٌ لِ "عذاباً" أيْ: عَذاباً كائناً مِنْ هاتين الجِهَتَيْن.
قولُهُ: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ} عَطفٌ على "يَبْعَثُ" والجُمهورُ على فتْحِ الياءِ مِنْ "يَلْبسَكمْ" أَيْ بمعنى يخْلطَكم فِرَقاً مختَلِفين على أَهواءٍ شَتَّى، كلُّ فِرْقَةٍ مُشايِعَةٍ لإِمامٍ، ومَعْنى خَلْطِهم إنْشابُ القِتالِ بينَهم فيَخْتَلِطوا في مَلاحِمِ القتالِ كقولِ الشاعرِ الحَماسِيِّ المُخَضْرَمِ المُلَقَّبْ بِفرّارٍ السَّلَمِيِّ ولُقِّب بالفرّار بسببِ قولِهِ هذا:
وكتيبةٍ لَبَّسْتُها بكتيبةٍ .................. حتى إذا التبسَتْ نَفَضْتُ لها يدي
فَتَرَكْتُهمْ تَقِصُ الرماحُ ظهورَهم .............. ما بين مُنْعَفِرٍ وآخرَ مُسْنَدِ
ما كانَ يَنْفَعُنِي مَقالُ نِسائِهِمْ ............... وقُتِلْتُ دُونَ رِجالِها: لا تَبْعَدِ
فجَعَلَهُ مِنَ اللَّبْسِ الذي هو الخَلْطُ، وبهذا التَفسيرِ الحَسَنِ ظَهَرَ تَعَدِّي "يَلْبِسَ" إلى المَفعولِ. و"شِيَعاً" نَصْبٌ على الحالِ. وهي جمعُ شِيْعةٍ ك "سِدْرة وسِدَرٍ". وقيلَ: "شيعاً" مَنصوبٌ على المَصدرِ مِنْ مَعْنى الفِعْلِ الأَوَّلِ أيْ: إنَّهُ مَصدرٌ على غيرِ الصَدرِ ك "قَعَدْتُ جُلوساً". قالَ الشيخُ أبو حيّان: "ويحتاج في جَعلِهِ مَصْدَراً إلى نَقْلٍ مِنَ اللُّغةِ". ويجوزُ على هذا أيضاً أنْ يَكونَ حالاً ك "أَتَيْتُهُ" رَكَضاً أيْ: راكضاً أوْ ذا رَكْضٍ. والجُمهورُ على فتْحِ الياءِ أيْ: يَلْبِسَ عَلَيْكُم أُمورَكم، فحَذَفَ حَرْفَ الجَرِّ والمَفعولَ، والأَجودُ أنْ يَكونَ التَقديرُ: أوْ يَلْبِسَ أُمورَكم، فحُذِفَ المُضافُ وأُقيمَ المُضافُ إليْهِ مُقامَهُ".
وقرَأَ أَبو عَبْدِ اللهِ المَدني: "يُلْبِسَكم" بِضَمِّ الياءِ مِنْ "أَلْبَسَ" رُباعيّاً، على أَنْ يَكونَ المَفعولُ الثاني محذوفاً تَقديرُهُ: أوْ يَلْبِسَكُمْ الفِتْنَةَ. و"شِيَعاً" على هذا حالٌ أيْ: يُلْبِسَكُمُ الفِتْنَةَ في حالِ تَفَرُّقِكم وشَتاتِكم. أو يَكون "شِيعاً" هو المفعولُ الثاني كأنَّه جَعَلَ النَّاسَ يَلْبِسونَ بعضَهم مجازاً كقولِ
النابغة الجَعْدِيِّ:
لَبِسْتُ أناساً فَأَفْنَيْتُهمْ ........................... وأَفْنَيْتُ بعد أُناسٍ أُناسا
وشِيعَةُ الرَّجُلِ: مَنْ يَتَقَوَّى بهِمُ، والجمعُ: "شِيَعٌ" و"أَشْياعٌ" كما تَقَدَّمَ، والظاهرُ أنَّ أشياعاً جمعُ شِيَعٍ كَعِنَبٍ وأَعْنابٍ وضِلَعٍ وأَضْلاعٍ، وشِيَعٌ جمعُ شِيْعةٍ، فهو جمْعُ الجَمْعِ.
قولُه: {وَيُذِيقَ} عطفُ نَسَقٍ على "يَبْعَث"، والإِذاقةُ: اسْتِعارَةٌ، وهي فاشِيَةٌ، ومِنْ ذلك قولُهُ تعالى: {ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ} القَمَر: 48. ومنْهُ قولُه: {ذُقْ إِنَّكَ أنتَ {الْعَزِيزُ الْكَرِيم} الدُخانُ: 49. ومنه قولُه: {فَذُوقُواْ العذابَ} الأنعام: 30، وقال الشاعر:
أَذَقْناهُمْ كؤوسَ الموت صِرْفاً .................. وذاقوا من أَسِنَّتنا كؤوسا
وقرأَ الأعْمَشُ: "ونُذيق" بِنُونِ العَظَمَةِ، وهوَ التفاتٌ فائدتُه تَعظيمُ الأمْرِ والتَحذيرُ مِنْ سَطْوَتِهِ.