روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 52

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 52 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 52 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 52   فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 52 I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 8:33 am

وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} خطابٌ مِنَ اللهِ تَعالى لِرَسولِهِ صلى الله عليه وسَلَّمَ بعد أنْ أُمِرَ في الآيةِ السابقةِ بإنذارِ المذكورين لَعلَّهم يَنْتَظِمون في سِلْكِ المُتَّقين، نُهِيَ أنْ يُؤدِّي ذلك إلى طَرْدِهم، يقولُ لَهُ الحقُّ تبارك وتعالى في هذه الآيةِ: يَا أيُّهَا الرَّسُولُ لا تُبعِدِ المُؤْمِنِينَ الذِينَ يَخْشَوْنَ رَبًّهُمْ، وَيُحافظون على صَلَوَاتهم اليوم كلَّه ويجأرون إليه بالدعاء صَبَاحًا مَسَاءً، لاَ يَبْتَغونَ بِذَلِكَ إلاَّ رِضَاه سبحانه وَمَغْفِرَتَهِ، فَلَيْسَ عَلَيكَ أَيها النبيُّ مِنَ حَسَابِهِمْ مِنْ شَيءٍ، إنَّمَا حِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ، كما ليس لهم أيضًا مِنْ حسابِكَ مِنْ شيْءٍ، فالله وحدَهُ هو صاحبُ هذا الحَقِّ وهو القادرُ عليه، فَإذَا أَبْعَدْتَهُمْ وَطَرَدْتَهُم مِنْ مَجْلِسِكَ كُنْتَ مِنَ الظَّالِمِينَ.
وكان نَفرٌ مِنْ زُعماءِ الْمُشْرِكُونَ قد اشْتَرَطوا عليْه صلى الله عليه
وسلَّمَ طَرْدَ الضُعَفاءِ مِنَ المُسْلِمين مِنْ مجلِسِهِ إذا أرادَ أنْ يَحْضُرَ مجلِسَه هؤلاءِ الزُعماءُ، لأنهم يأنَفونَ مجالسةَ أولئكَ الفُقَراءِ والضُعفاءِ، فقد أَبى عليْهم اسْتِكْبارُهُم أنْ يجالِسوهم فلْيَطْرُدْهم أوْ فَلْيُحَدِدْ لهم يَومًا إذا شاءَ يجالسونه فيه ولْيُحَدِّدْ لألئك الضَعفاءِ يومًا، وكيفَ يُشاركونهم مجالِسَهم وقد كانوا بالأمسِ مواليَ لهم وعَبيدًا!. وقالوا: لنْ  نَرْضَى بِمُجَالَسَةِ أَمْثَالِ هَؤُلاءِ، يَعْنُونَ سَلْمَانَ وَصُهَيْبًا وَبِلالاً وَخَبَّابًا، رضي الله عنهم وَطَلَبُوا أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ النبيُّ  بِذَلِكَ كتابًا، فَهَمَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وَدَعَا عَلِيًّا رضي اللهُ عنه لِيَكتُبَ، فَقَامَ الْفُقَرَاءُ وَجَلَسُوا نَاحِيَةً، فَأَنْزَلَ اللهُ الآيَةَ. وَلِهَذَا أَشَارَ سَعْدٌ بنُ أبي وقّاصٍ رضي الله عنه فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، بقولِهِ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقَعَ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا مَالَ إِلَى ذَلِكَ طَمَعًا فِي إِسْلامِهِمْ، وَإِسْلامِ قَوْمِهِمْ، وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ لا يُفَوِّتُ أَصْحَابَهُ شَيْئًا، وَلا يُنْقِصُ لَهُمْ قَدْرًا، فَمَالَ إِلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللهُ الآيَةَ، فَنَهَاهُ عَمَّا هَمَّ بِهِ مِنَ الطَّرْدِ لا أَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّرْدَ. فقد جاء في صحيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعْدٍ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: كنَّا مَعَ النَبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ نَفَرٍ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اطْرُدْ هَؤُلاءِ عَنْكَ لا يجترئون عَلَيْنَا، قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَبِلالٌ وَرَجُلانِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقَعَ، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: "وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ". وأخرجَ الإمامُ أَحمدٌ والطَبرانيُّ وغيرُهما عنِ ابْنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ تعالى عنْه قال: (مَرَّ المَلأ مِنْ قريشٍ على النَبيِّ صلى الله عليه وسَلَّمَ وعندَه صُهيبٌ وعمَّارٌ وبلالٌ وخَبَّابٌ ونحوُهم مِنْ ضُعفاءِ المسلمين، فقالوا: يا محمَّدُ رَضيتَ بهؤلاءِ مِنْ قومِكَ؟ أَهؤلاءِ مَنَّ اللهُ تعالى عليهم مِنْ بَيْنِنا؟ أَنحنُ نَكونُ تَبَعًا لهؤلاءِ؟ اطْرُدْهُم عنكَ، فلَعلَّكَ إنْ طَرَدْتَهم أنْ نَتَّبِعَكَ. فأنْزَلَ اللهُ تَعالى فيهم القرآنَ {وَأَنذِرْ بِهِ الذين} إلى قولِه سبحانه: {والله أَعْلَمُ بالظالمين} الأنعام: 51 58.
وأخرج ابْنُ جَريرٍ والبَيْهَقِيُّ في (الدلائل). وغيرُهما عنْ خَبَّابٍ رَضِيَ اللهُ تَعالى عنْه قالَ: جاءَ الأقرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَميميُّ وعُيَيْنَةُ بْنُ حُصْنٍ الفَزاريُّ، فوجدا النَبيَّ عليه الصلاةُ والسلام قاعدًا مَعَ بِلالٍ وصُهَيْبٍ. وعَمَّارٍ وخبَّابٍ في أُناسٍ ضُعفاءَ مِنَ المُؤمنين فلمَّا رَأَوْهُمْ حولَهُ حَقَروهم، فأَتَوْهُ فخَلَوْا بِهِ فقالوا: نُحِبُّ أنْ تَجْعَلَ لَنا مِنْكَ مَجْلِسًا تَعرِفُ لَنا العَرَبُ لَهُ فَضْلَنا، فإنَّ وُفودَ العَرَبِ تَأتيكَ فَنَسْتَحي أنْ تَرانا قُعُودًا مَعَ هؤلاءِ الأَعْبُدِ، فإذا نحنُ جِئناكَ فأَقِمْهُم عنَّا فإذا نحنُ فَرَغْنا فاقْعُدْ مَعَهم إنْ شِئْتَ قال: نعم، قالوا: فاكْتُبْ لَنا عليكَ بِذَلِكَ كِتابًا، فَدَعا بالصَحيفَةِ ودَعا عَلِيًّا كَرَّمَ اللهُ تعالى وجْهَهُ لَيَكْتُبَ، ونحنُ قعودٌ في ناحيةٍ، إذْ نَزَلَ جِبْريلُ بهذِه الآيةِ "وَلاَ تَطْرُدِ الذين .." الخ ثمَّ دَعانا فأَتَيْناهُ وهو يَقولُ: {سلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمةَ} الأنعام: 54. فكُنَّا نَقْعُدُ معَهُ فإذا أَرادَ أَنْ يَقومَ قامَ وتَرَكَنا فأَنْزَلَ اللهُ تعالى: {واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم} الكَهف: 28. الخ، فكانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ يَقٍْعُدُ مَعَنا بَعْدُ فإذا بَلَغَ الساعةَ التي يَقومُ فيها قُمْنا وتَرَكْناهُ حتَّى يَقومَ.
وأَخْرَجَ ابْنُ المُنذِرِ وغيرُهُ عنْ عِكْرِمَةَ قال: مَشى عُتْبَةُ وشَيْبَةُ ابْنا رَبيعَةَ، وقَرَظَةُ بْنُ عَمْرٍو بْنِ نَوفَلٍ، والحَرْثُ بْنُ عامرٍ بْنِ نَوفلٍ، ومُطْعِمٌ بْنُ عَدِيٍّ، في أَشْرافِ الكُفَّارِ مِنْ عَبْدِ مَنافٍ إلى أَبي طالبٍ فقالوا: لَوْ أَنَّ ابْنَ أَخيكَ طَرَدَ عنَّا هَؤلاءِ الأَعْبُدَ والحُلَفاءَ، كان أَعْظَمَ لَه في صُدورِنا، وأَطْوَعَ لَه عِنْدَنا، وأَدْنى لاتِّباعِنا إيَّاهُ وتَصديقِه، فذَكَرَ ذَلك أَبو طالبٍ للنَبي صلى الله عليه وسلَّمَ، فقالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، رَضيَ اللهُ تعالى عنْه: لو فعلتَ يا رَسولَ اللهِ حتى نَنْظُرَ ما يُريدون بقولهم: وما يَصيرون إليْه مِنْ أمرِهِمْ، فأنزَلَ اللهُ سبحانَه {وَأَنذِرْ بِهِ} إلى قولِهِ سبحانَهُ: {أَلَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بالشاكرين} الأنعام: 51 ـ 53. وكانوا بِلالاً وعمَّارًا بْنَ ياسِرٍ، وسالمًا مولى أَبي حُذيفةَ، وصُبَيْحًا مولى أُسَيْدٍ، وكان الحُلفاءُ عبدَ اللهِ ابْنَ مَسعودٍ، والمِقدادَ بْنَ عَمْرٍو، وواقِدًا بْنَ عبدِ اللهِ الحَنْظَلِيَّ، وعَمْرًا بْنَ عبدِ عَمْرٍو ومَرْثَدًا بْنَ أبي مَرْثَدٍ وأَشْباهُهم. ونَزَلَ في أَئِمَّةِ الكُفْرِ مِنْ قُرَيْشٍ والمَوالي. {وكذلك فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} الأنعام: 53. الآيةَ. فلمَّا نَزَلَتْ أَقْبَلَ عُمرُ، رَضيَ اللهُ تعالى عنه، فاعتَذَرَ مِنْ مَقالَتِه، فأنزلَ اللهُ تعالى: {وَإِذَا جَاءكَ الذين يُؤْمِنُونَ بآياتِنا} الأنعام: 54. الآية.
والْمُرَادُ بِالدُّعَاءِ عندَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَقِيلَ: بل المرادُ به الذِّكْرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يكونَ المقصودَ الدُّعَاءُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَآخِرِهِ، لِيَسْتَفْتِحُوا يَوْمَهُمْ بِالدُّعَاءِ رَغْبَةً فِي التَّوْفِيقِ. وَيَخْتِمُوهُ بِالدُّعَاءِ طَلَبًا لِلْمَغْفِرَةِ. "يُرِيدُونَ وَجْهَهُ" أَيْ طَاعَتَهُ، وَالإِخْلاصَ فِيهَا، أَيْ يُخْلِصُونَ فِي عِبَادَتِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ للهِ، وَيَتَوَجَّهُونَ بِذَلِكَ إِلَيْهِ لا لِغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُرِيدُونَ اللهَ الْمَوْصُوفَ بِأَنَّ لَهُ الْوَجْهَ كَمَا قَالَ: {وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرامِ} الرحمن: 27. وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} الرعد: 22. وَخَصَّ الْغَدَاةَ وَالْعَشِيَّ بِالذِّكْرِ، لأَنَّ الشُّغْلَ غَالِبٌ فِيهِمَا عَلَى النَّاسِ، وَمَنْ كَانَ فِي وَقْتِ الشُّغْلِ مُقْبِلاً عَلَى الْعِبَادَةِ كَانَ فِي وَقْتِ الْفَرَاغِ مِنَ الشُّغْلِ أَعْمَلَ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ يَصْبِرُ نَفْسَهُ مَعَهُمْ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ فِي قَوْلِهِ: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ} الكهف: 28، كما سَلَفَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} أَيْ ليس عليكَ مِنْ جَزَائِهِمْ، وَلا كِفَايَةِ أَرْزَاقِهِمْ، فجَزَاؤُهُمْ وَرِزْقُهُمْ عَلَى اللهِ، وكذلك جَزَاؤُكَ وَرِزْقُكَ عَلَى اللهِ لا عَلَى غَيْرِهِ. وَكَذَا "وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ" الْمَعْنَى وَإِذَا كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ فَأَقْبِلْ عَلَيْهِمْ وَجَالِسْهُمْ وَلا تَطْرُدْهُمْ مُرَاعَاةً لِحَقِّ مَنْ لَيْسَ عَلَى مِثْلِ حالهم في الدِّين وَالْفَضْلِ، فَإِنْ فَعَلْتَ كُنْتَ ظَالِمًا. وَحَاشَاهُ صلى الله عليه وسلَّمَ أنْ يقعَ منه ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هَذَا بَيَانٌ للأَحْكَامِ، وَلِئَلاَّ يَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الإسلامِ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} الزُمر: 65. وَقَدْ عَلِمَ اللهُ مِنْهُ أَنَّهُ لا يُشْرِكُ وَلا
يَحْبَطُ عَمَلُهُ.
قولُهُ: {فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} الْمَعْنَى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ، وَمَا مِنْ حِسَابِكَ، عَلَيْهِمْ مِنْ شيءٍ فَتَطْرُدَهُمْ، عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ. وأصلُ الظُّلْمِ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الْبَقَرَةِ" مُسْتَوْفًى. وَقَدْ فُهِمَ مِنْ قُوَّةِ الآيَةِ وَالْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُعَظَّمَ أَحَدٌ لِجَاهِهِ ولِثَوْبِهِ، أوْ أَنْ يُحْتَقَرَ أَحَدٌ لِخُمُولِهِ وَلِرَثَاثَةِ ثوبِه.
قولُهُ تعالى: {بالغداة} قرأَ الجُمهورُ: "بالغَداةِ" هنا وفي الكهفِ وقرأَ ابْنُ عامرٍ: {بالغُدْوَةِ} بضمِّ الغَينِ وسُكونِ الدالِ وفَتْحِ الواوِ في المَوْضِعين، وهي قراءةُ أَبي عَبْدِ الرحمنِ السُلُمِيِّ، والحَسَنِ البَصْرِيِّ، ومالكِ بْنِ دينارٍ، وأبي رَجاءٍ العُطارِدِيِّ، ونَصْرٍ بْنِ عاصِمٍ اللَّيْثيِّ. والأَشْهَرُ في "الغُدْوَةِ" أَنها مَعْرِفةٌ بالعَلَمِيَّةِ، وهي عَلَمِيَّةُ الجِنْسِ كأُسامَةَ في الأشخاصِ ولِذلكَ مُنِعتْ مِنَ الصَرْفِ، قالَ الفَرَّاءُ: سمعتُ أَبا الجَرَّاحِ يَقولُ: ما رَأيْتُ كَغُدْوَةَ قَطُّ، يُريدُ: غَداةَ يَومِهِ. قال: أَلاَ ترى أنَّ العَرَبَ لا تُضيفُها، فكذا لا يَدْخُلُها الأَلِفُ واللامُ، إنما يقولون: جئتُك غداةَ الخميسِ. وقالَ الفَرَّاءُ في كتاب "المعاني" في سورةِ الكَهْفِ: قَرَأَ عبدُ الرَّحمنِ السُلَمِيُّ: "بالغُدْوَةِ والعَشِي" ولا أَعْلَمُ أَحَدًا قَرَأَ بها غيرُهُ، والعَرَبُ لا تُدْخِلُ الألفَ واللامَ في "الغدوة" لأنها مَعْرِفَةٌ بغيرِ أَلفٍ ولامٍ. فذَكَرَهُ إلى آخِرِه.
وقد طَعَنَ أَبو عُبيْدٍ القاسِمُ بْنُ سَلامٍ على هذه القراءةِ فقالَ: إنما
نَرى ابْنَ عامرٍ والسُلَمِيَّ قَرَآ تِلكَ القِراءةَ إتِّباعًا للخَطِّ، وليس في إثباتِ الواو في الكتابِ دَليلٌ على القراءةِ بها، لأنهم كَتَبوا الصلاةَ والزَّكاةَ بالواوِ ولَفْظُهُما على تَرْكِها، وكذلك "الغداةُ"، على هذا وجَدْنا العَرَبَ. وقالَ أبو عليٍّ الفارِسِيُّ: الوَجْهُ قراءةُ العامَّةِ "بالغَداةِ"، لأنها تُستَعْمَلُ نَكِرَةً ومَعَرَّفَةً باللامِ، فأمَّا "غُدْوَة" فمَعْرِفَةٌ وهو عَلَمٌ وُضِعَ للتَعريفِ، وإذا كان كذلك فلا يَنبَغي أنْ تَدْخُلَ عليْه الأَلِفُ واللامُ للتَعريفِ، كما لا تَدْخُلُ على سَائرِ الأَعْلامِ، وإنْ كانتْ قدْ كُتِبَتْ بالواوِ لأنها لا تَدُلُّ على ذلك. أَلا تَرى الصلاةَ والزَّكاةَ بالواوِ ولا تُقرآنِ بها، فكذلك "الغداة". قالَ سِيبَوَيْهِ: (غُدْوَةً وبُكْرَةً جُعِلَ كُلُّ واحدٍ منهُما اسْمًا للحِينِ، كما جَعَلُوا "أُمَّ حُبَيْنٍ" اسْمًا لِدابَّةٍ مَعروفةٍ). إلاَّ أَنَّ هذا الطَعنَ لا يُلْتَفَتُ إليْه، وكيف يُظَنُّ بمَنْ تَقَدَّمَ أَنهم يَلْحَنونَ، والحَسَنُ البَصْرِيُّ ممّنْ يُسْتَشْهَدُ بِكلامِهِ فَضْلاً عن قِراءَتِه. ونَصْرٌ بْنُ عاصِمٍ شيخُ النُّحاةِ أَخَذَ هذا العِلْمَ عَنْ أَبي الأَسْودَ الدُؤليِّ يُنْبوعِ الصِنَاعَةِ، وابْنُ عامِرٍ لا يَعْرِفُ اللَّحْنَ لأنَّه عَرَبيٌّ، وقرَأَ على عُثْمانَ بْنِ عَفَّانَ وغيرِهِ مِنَ الصَحابَةِ رضوانُ اللهِ عنْهم جميعًا، ولكنَّ أَبا عُبَيْدٍ رحمهُ الله لم يَعْرِفْ أَنَّ تَنْكيرَ "غُدْوَةٍ" لُغةٌ ثانيةٌ عَنِ العَرَبِ حَكاها سِيبَوَيْهِ والخَليلُ بنُ أحمدٍ الفراهيديّ. قالَ سِيبَوَيْهِ: زَعَمَ الخَليلُ أَنَّهُ يجوزُ أنْ تَقولَ: "أَتيتُكَ اليومَ غُدْوةً وبُكْرة" فجَعَلَها مِثْلَ ضَحْوةً، وقالَ المَهْدَوِيُّ: حكى سِيبَوَيْهِ والخَليلُ أَنَّ بَعضَهم يُنَكِّرُ فيَقولُ "غُدْوةً" بالتَنْوين، وبذلك قرأهُ ابْنُ عامِرٍ، كأنَّه جَعَلَهُ نَكِرَةً، فأدْخَلَ عليها الأَلِفَ واللامَ. وقال أَبو عليٍّ الفارسيُّ: وجْهُ دُخولِ الأَلِفِ واللامِ عليْها أنَّه يجوزُ وإنْ كانتْ معرفةً أَنْ تُنَكِّرَ، كما حَكى أَبو زَيْدٍ "لَقيتُهُ فَيْنَةَ" غيرَ مَصْروفةٍ. و"الفَيْنَةَ بعدَ الفَيْنَةِ" أيْ: الحينَ بعدَ الحينِ، فأَلحَقَ لامَ التَعريفِ ما اسْتُعْمِلَ مَعْرِفَةً، ووجْهُ ذلكَ أَنَّه يُقَدَّرُ فيه التَنْكيرُ والشُيوعُ كما يُقَدَّرُ فيهِ ذلكَ إذا بُنيَ. وقال أبو جَعفَرٍ النَّحَّاسُ: قرَأَ أَبو عبدِ الرحمنِ ومالكُ بْنُ دينارٍ وابنُ عامرٍ: "بالغُدْوة" قال: وبابُ غُدْوةَ أنْ يَكونَ مَعْرِفةً إلاَّ أَنَّهُ يجوزُ تنكيرُها كما تُنَكَّرَ الأسْماءُ الأَعْلامُ، فإذا نُكِّرَتْ دَخَلَتْها الألفُ واللامُ للتَعريفِ. وقال مَكيٌّ بْنُ أَبي طالِبٍ: إنَّما دَخَلَتِ الألِفُ واللاّمُ على "غداةَ" لأنَّها نَكِرَةٌ، وأَكْثَرُ العَرَبِ يَجْعلُ "غُدوةَ" مَعرِفَةً فلا يُنَوِّنها، وكُلُّهم يجعلُ "غَداةَ" نَكِرَةً فيُنَوِّنها، ومِنْهُم مَنْ يجعلُ "غُدْوةً" نَكِرَةً وهُمُ الأَقَلُّ، فثَبَتَ بهذِهِ النُّقولِ عن هؤلاءِ الأَئمَّةِ أَنَّ قراءةَ ابْنِ عامرٍ سَالمةٌ مِنْ طَعْنِ أَبي عُبيْدٍ، وكأنَّه رحمَهُ اللهُ، لم يحْفَظْها لُغَةً.
وأمَّا "العَشِيُّ" فَنَكِرَةٌ، وكَذلك "عَشِيَّة" وهل العَشِيُّ مُرادِفٌ لِعِشِيَّة؟ أي: إنَّ هذا اللفظَ فيه لُغَتانِ: التَذكيرُ والتأنيثُ أوْ أنَّ عَشِيًّا جمْعُ عَشِيَّةٍ في المعنى على حَدِّ قَمْحٍ وقَمْحَةٍ، وشَعيرٍ وشَعيرةٍ، فيَكونُ اسْمَ جِنْسٍ، خِلافٌ مَشهورٌ، والظاهرُ الأوَّلُ لِقولِهِ تعالى: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بالعَشِيِّ الصافِناتُ الجِيادُ} ص: 31، إذِ المُرادُ هُنا عَشِيَّةٌ واحدةٌ، واتَّفَقَتْ مَصاحِفُ الأَمْصارِ على رَسْمِ هذه اللَّفظةِ "الغدوة" بالواوِ، وقد تقدَّم أَنَّ قراءةَ ابْنِ عامِرٍ ليستْ مُسْتَنِدَةً إلى مجرَّدِ الرَّسْمِ بلْ إلى النَّقلِ، وثَمَّ أَلْفاظٌ اتُّفِقَ أيضًا على رسمِها بالواوِ، واتُّفِقَ على قراءتها بالألِفِ وهي: الصلاةُ، والزَّكاةُ، ومَنَاةُ، ومِشْكاة، والرِّبا، والنَّجاةُ، والحياةُ، وحرفٌ اتٌّفِقَ على رسمِهِ بالواوِ واخْتُلِفَ في قِراءتِه بالألفِ والواوِ وهو "الغداة". وأصلُ غداةٍ: غَدَوَةٌ، تحرَّكَت الواوُ وانفتَح ما قبلَها فقُلِبَتْ أَلِفًا. وقَرَأَ ابْنُ أَبي عَبْلَةَ "بالغَدَوات والعَشِيَّات" جمعُ غداةٍ وعَشِيَّةٍ، ورُوِيَ عنْ أَبي عَبدِ الرَّحمنِ أَيْضًا "بالغدوِّ" بِتَشديدِ الواوِ مِنْ غيرِ هاءٍ.
قوله : {يُرِيدُونَ} هذه الجُملةُ في محلِّ نَصْبٍ على الحالِ مِنْ فاعلِ "يَدْعون" أو مِنْ مَفعولِه، والأوَّلُ هو الصَحيحُ، وفي الكلامِ حَذْفٌ أي: يُريدون بِدُعائهم في هذيْن الوَقتين وجْهَهُ.
قولُه: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ} ما" يجوزُ أنْ تَكونَ الحجازيَّةَ الناصِبَةَ للخَبرِ فيَكونُ "عليك" في محلِّ النَّصْبِ على أنَّه خبرُها، عند مَنْ يُجَوِّزُ إعْمالَها في الخَبرِ المُقَدَّمِ إذا كانَ ظَرْفًا أوْ حَرْفَ جَرٍّ، وأَمَّا إذا كانتْ تميميَّةً أوْ مُتَعَيَّنًا إهمالُهُ في الخَبرِ المُقدَّمِ مُطْلَقًا كان "عليك" في محلِّ رفعٍ خَبرًا مُقَدَّمًا، والمُبتَدَأُ هو "مِنْ شيء" زِيْدت فيه "مِنْ".
وقولُه: {مِنْ حِسَابِهِم} قالوا: "مِنْ" تبعيضيَّةٌ وهي في محلِّ نَصْبٍ على الحالِ، وصاحبُ الحالِ هو "مِنْ شيء" لأنها لو تَأَخَّرتْ عنْه لَكانتْ صفةً له، وصِفةُ النَّكِرَةِ مَتى قُدِّمَتْ انْتَصَبَتْ على الحالِ، فعلى هذا تتعلَّقُ بمحذوفٍ، والعاملُ في الحالِ الاسْتِقْرارُ في "عليك"، ويجوزُ أنْ يَكونَ "من شيء" في محلِّ رَفْعٍ بالفاعِلِيَّةِ ورافعُه "عليك" لاعْتِمادِهِ على النَفْيِ، و"مِنْ حسابهم" حالٌ أَيْضًا من "شيء" العامل فيها الاستقرار، والتقديرُ: ما استقرَّ عليك شيءٌ مِنْ حِسابهم. وأُجيزَ أنْ يَكونَ "من حسابهم" هو الخبر: إمَّا ل "ما" وإمَّا للمُبْتَدأِ، و"عليك" حالٌ مِنْ "شيء"، والعاملُ فيها الاسْتِقْرارُ، وعلى هذا فيَجوزُ أنْ يَكونَ "مِنْ حسابهم" هو الرَّافِعُ للفاعِلِ على ذاك الوَجْهِ، و"عليك" حالٌ أيْضًا كما تقدَّمَ تقريرُه، وكونُ "من حسابهم" هو الخبر، و"عليك" هو الحالُ غيرُ واضِحٍ لأَنَّ مَحَطَّ الفائدةِ إنما هو "عليك" .
وقولُه: {وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ} كالَّذي قبلَه، إلاَّ أَنَّ هُنا يمتنِعُ بَعضُ ما كان جائزًا هناك، وذلك أنَّ قولَه "من حسابك" لا يجوزُ أنْ يُنْصَبَ على الحالِ لأنَّه يَلْزَمُ تَقَدُّمُهُ على عاملِه المَعْنَويِّ، وهوَ ضَعيفٌ أوْ ممتَنِعٌ، لا سِيَّما وقدْ تَقَدَّمَتْ هُنا على العامِلِ فيها وعلى صاحِبِها، وقد تقدَّمَ أنَّ الحالَ إذا كانتْ ظَرْفًا أوْ حرْفَ جَرٍّ كان تقديمُها على العاملِ المَعْنَوِيِّ أَحْسَنَ مِنْهُ إذا لم يَكُنْ كذلِكَ، فحينَئِذٍ لَكَ أَنْ تجعَلَ قولَه: "مِنْ حسابك" بيانًا لا حالاً ولا خَبرًا حتى تخُرَجَ مِنْ هذا المحذورِ، وكَوْنُ "مِنْ" هذه تَبعيضِيَّةً غيرُ ظاهرٍ، وقدَّمَ خطابَه عليْه السَّلامُ في الجُملتين تَشريفًا له، ولو جاءتِ الجُملَةُ الثانيةُ على نَمَطِ الأُولى لَكانَ التَركيبُ: "وما عليهم مِنْ حسابك من شيء" فتَقدَّمَ المجرورُ ب "على" كما قَدَّمَه في الأُولى، لكنَّه عَدَلَ عنْ ذلك لما تَقَدَّمَ.
وفي هاتين الجملتين ما يُسَمِّيه أهلُ البديعِ: رَدُّ الأَعْجازِ على الصُدورِ، كَقولهم: "عاداتُ الساداتِ ساداتُ العادات"، ومِثْلُهُ في المَعْنى قولُ الشاعر:
وليس الذي حَلَّلْتَه بمُحَلَّلٍ .................... وليس الذي حَرَّمْتَه بمُحَرَّم
وقال الزمخشريُّ، بعدَ كلامٍ قَدَّمَه في معنى التفسير: فإنْ قلتَ أَمَا كَفى قولُه: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ} حتى ضمَّ إليْه {وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيءٍ} قلت: قدْ جُعِلَتِ الجُمْلَتان بمنزِلَةِ جملةٍ واحدةٍ وقُصِدَ بهما مُؤدًّى واحدٌ وهو المَعْنِيُّ بقولِهِ: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} الأنعام: 164، ولا يَسْتَقِلُّ بهذا المعنى إلاَّ الجُملتانِ جميعًا كأنَّه قيلَ: لا تُؤاخَذُ أنتَ ولا هُمْ بحسابِ صاحبِهِ.
قال الشيخ أبو حيّان: قولُه: لا تُؤاخَذُ أنتَ إلى آخره .. تركيبٌ غيرُ عربيٍّ، لا يجوزُ عَوْدُ الضميرِ هُنا غائبًا ولا مخَاطَبًا، لأنَّه إنْ عاد غائبًا فلم يَتَقَدَّمْ لَهُ اسْمٌ مُفْرَدٌ غائبٌ يَعودُ عليْه، إنما تَقدَّمَ قولُه: "هم" ولا يمكنُ العَوْدُ عليْه على اعْتِقادِ الاسْتِغناءِ بالمُفْرَدِ عنِ الجَمْعِ، لأنَّه يَصيرُ التَركيبُ بحسابِ صاحبِهم، وإنْ أُعيدَ مُخاطَبًا فلم يَتَقَدَّمْ مخاطَبٌ يَعودُ عليه، إنما تقدَّمَ قولُه "لا تُؤاخذ أنت" ولا يمكن العَوْدُ إليه، فإنه ضَميرٌ مخاطَبٌ فلا يَعودُ عليْه غائبًا، ولو أَبْرَزْتَه مُخاطَبًا لم يَصِحَّ التَركيبُ أيْضًا، فإصْلاحُ التَركيبِ أَنْ يُقالَ: لا يُؤاخَذُ كلُّ واحدٍ منكَ ولا مِنْهم بحِسابِ صاحِبِهِ، أوْ لا تُؤاخَذُ أَنْتَ بحِسابهم ولا هُمْ بحِسابِكَ، أوْ لا تُؤاخَذُ أَنْتَ ولا هُمْ بحِسابِكم. فتُغَلِّبَ الخطابَ على الغَيْبَةِ كما تقولُ: "أنتَ وزَيْدٌ تَضْرِبان" والذي يَظهَرُ أَنَّ كلامَ الزَمَخْشَرِيَّ صَحيحٌ، ولكنْ فيهِ حَذْفٌ وتَقديرُه: لا يُؤاخَذُ كلُّ واحدٍ: أَنْتَ ولا هُمْ بحِسابِ صاحِبِهِ، وتَكونُ "أنتَ ولا هُمْ" بَدَلاً مِنْ كُلِّ واحِدٍ، والضَميرُ، في "صاحبه" عائدٌ على قولِهِ: "كلُّ واحِدٍ"، ثمَّ إنَّهُ وقَعَ في مَحذورٍ آخرَ مما أَصْلَحَ بِه كلامُ أبي القاسم، وذلك أنَّه قال: "أوْ لا تُؤاخَذُ أَنْتَ ولا هُمْ بحِسابِكم" وهذا التركيبُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكونَ المُرادُ، بَلْ هو الظاهرُ، نَفْيَ المؤاخذةِ بحسابِ كلِّ واحِدٍ بالنِّسْبَةِ إلى نِفْسِهِ هو، لا أَنَّ كُلَّ واحدٍ غيرُ مُؤاخَذٍ بحِسابِ غيرِهِ، والمَعْنى الثاني هُو المَقصودُ.
والضَمائرُ الثَلاثَةُ، أَعْني التي في قولِه: "مِنْ حِسَابِهِم" و"عليهم" و"فَتَطْرُدَهُمْ" الظاهرُ عَوْدُها على نَوعٍ واحِدٍ وهُمُ الذين يَدْعُون ربهم، وبِهِ قالَ الطَبريُّ، إلاَّ أَنَّه فَسَّرَ الحِسابَ بالرِّزْقِ الدُنْيَوِيِّ. وقالَ الزمخشريُّ وابْنُ عطيَّةَ: إنَّ الضميرَيْن الأوَّلَيْن يَعودان على المشركين، والثالثُ يَعودُ على الداعين. قال الشيخ أبو حيَّان: وقيلَ: الضميرُ في "حسابهم" و"عليهم" عائدٌ على المشركين وتَكونُ الجُمْلَتان اعْتِراضًا بين النَهْيِ وجَوابِه، وظاهرُ عبارَتِه أنَّ الجُملتين لا تكونانِ اعْتِراضًا إلاَّ على اعْتِقادِ كونِ الضِميريْن في "حسابهم" و"عليهم" عائدَيْن على المشركين، وليس الأمرُ كذلك، بلْ هما اعتِراضٌ بين النَّهي وهو "لا تَطْرُدِ" وبين جوابِه وهو "فَتَكونَ" وإنْ كانتِ الضَمائرُ كلَّها للمؤمنين، ويَدُلُّ على ذلك أَنَّه قالَ بَعدَ ذلك في "فتكون".  وجَوَّزوا أنْ يَكونَ جَوابًا للنَهْيِ في قولِهِ: "وَلاَ تَطْرُدِ" وتكونُ الجُملتان وجوابُ الأوَّلِ اعْتِراضًا بين النَهْيِ وجوابِهِ. فجَعَلَهُما اعْتِراضًا مُطْلَقًا مِنْ غيرِ نَظَرٍ إلى الضَميريْن. ويَعني بالجملتين قولَه: "وما عليكَ مِنْ حِسابهم مِنْ شيءٍ" وقولَه: "ما من حسابك عليهم من شيء" وبجوابِ الأوَّلِ قولُهُ:
"فَتَطْرُدَهُمْ".
قولُهُ تَعالى: {فَتَطْرُدَهُمْ} منصوبٌ على جَوابِ النَهْيِ بأحَدِ مَعْنَيْين فقط، وهو انتفاءُ الطَّرْدِ لانتفاءِ كونِ حسابهم عليه وحسابُه عليهم، لأنَّه يَنتفي المُسَبّبُ بانتفاءِ سببِه، ويَتَوضَّحُ ذلكَ في مِثالٍ وهو "ما تَأتينا فتُحَدِّثَنا" بِنَصْبِ "فتحدِّثَنا" وهو يحتمِلُ معنيين، أَحَدُهما: انْتِفاءُ الإِتْيانِ وانْتِفاءُ الحديثِ، كأنَّه قيلَ: ما يكون منكَ إتيانٌ فكيفَ يَقَعُ منك حَديث؟ وهذا المعنى هو مقصودُ الآيةِ الكريمةِ أي: ما يكون مؤاخذةٌ كلِ واحدٍ بحسابِ صاحبِه فيكف يَقَعُ طَرْدٌ؟ والمعنى الثاني: انْتِفاءُ الحديثِ وثُبوتُ الإِتْيانِ كأنَّه قيل: ما تأتينا مُحَدِّثًا بَلْ تَأتِينا غيرَ محدِّث. وهذا المعنى لا يَليقُ بالآيةِ الكريمةِ، والعلماءُ، رحمَهُمُ اللهُ، وإنْ أَطْلَقوا قولهم إنَّه مَنْصوبٌ على جَوابِ النَفْيِ، فإنَّما يُريدونَ المَعنى الأَوَّلَ دونَ الثاني: والثاني: أنْ يَكونَ مَنْصوبًا على جوابِ النَهْيِ.
وأمَّا قولُهُ: "فتكونَ" ففي نَصْبِهِ وجْهانِ، أَظْهَرُهما: أنَّهُ مَنصوبٌ عَطْفًا على "فَتَطْرُدَهم" والمعنى: الإِخبارُ بانتِفاءِ حِسابهم، والطَرْدُ والظُلْمُ المُسَبَّبُ عنِ الطَرْدِ. ويجوزُ أنْ تَكونَ عَطْفًا على "فتطردَهم" على وَجْهِ السَبَبِ، لأَنَّ كونَهُ ظالماً مُسَبَّبٌ عَنْ طَرْدِهم.
وثمّةَ وجهٌ ثانٍ لنَصْبِ "فتطرُدَهم": أنَّه مَنْصوبٌ على جَوابِ النَهيِ في قولِه: "ولا تَطْرد". قال الشيخ أبو حيّان التوحيدي: وجَوَّزوا أَنْ يكونَ "فتكونَ" جَوابًا للنَهْيِ في قولِه: "لا تَطْرُدِ" كقولِه: {لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى الله كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ" طه: 61، وتكونُ الجُملتان وَجَوابُ الأوَّلِ اعْتِراضًا بين النَهْيِ وجَوابِه. وقد تقدَّم أنَّ كونَهُما اعْتِراضًا لا يَتَوَقَّفُ على عَوْدِ الضَميريْنِ في قولِه: "مِنْ حسابهم" و"عليهم" على المُشْركين كما هُو المَفهومُ مِنْ قولِه ههُنا، وإنْ كانَ كلامُه قبلَ ذلك كما حَكَيْتُه عنه يُشْعِرُ بِذلك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 52
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 122
» فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 138
» فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 155
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 5
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 21

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: