الشاهد، نسبتها ومناسبتها
ــ 7 ــ
أخاك أخاك إنّ مَنْ لا أخاً له ..... كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاحِ
يضرب لمن قلّ أنصارُه ولمن يَدّعي عملاً ليس معه آلة، وقائلُه هو ربيعةُ بن عامرٍ بنُ أنيف، المعروف بمسكين الدارمي. وسببُه أنَّ الشاعر قدِم على الصحابيّ الجليلِ، الخليفة الأمويِّ الأوّل، معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنهما، فأنشده قصيدة منها:
إليك أمير المؤمنين رحلتها ........... تثير القطا ليلاً وهُنَّ هُجودُ
على الطائر الميمون والجد صاعد ....... لكلِّ أُناسٍ طائرٌ وجُدودُ
طالباً منه أن يَفرِضَ له عطاءً، فأبى، فخرج من عنده وهو يردّدُ هذه الأبيات:.
أخاك أخاك إنّ مَنْ لا أخاً له ....... كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاحِ
وإنَّ ابنَ عمِّ المرءِ،فاعلمْ،جناحُهُ .. وهل ينهض البازي بغير جَناحِ
وما طالب الحاجات إلاّ مغرّر .......... وما نال شيئاً طالبٌ كنجَاحِ
لحا الله من باع الصديق بغيره ............. وما كل بيع بِعتَه برباحِ
كمفسدِ أدناه ومصلحِ غيرِه ....... ولم يأتمرْ في ذاك غيرُ صلاحِ
ثمّ إنَّ اليمنَ غَزَتْ وكثُرت وضُعْضِعَتْ عدنانُ وضعفت، وبنو أميًة من عدنان، فبلغ معاويةَ أنّ رجلاً من أهل اليمن قال يوماً: لهمَمْتُ ألاّ أَدَعَ بالشأم أحداً من مُضرَ، بل هَمَمْتُ ألاّ أحُلَّ حَبْوتي حتى أُخرِجَ كلَّ نزاريٍّ بالشام، فبلغت معاويةَ ففرض من وقتِه لأربعةِ آلافِ رجلٍ من قيْس، وقدم عُطاردُ بنُ حاجب على معاويةَ فقال له: ما فعل الفتى الدارميّ الصبيحُ الوجهِ الفصيحُ اللسان؟ يعني مسكيناً، أعلِمْهُ أنّي قد فَرضْتُ له في شَرَفِ العطاء وهو في بلاده، فإن شاء أن يقيم بها أو عندنا فليفعلْ فإنْ عطاءَه سيأتيه، وبَشّرْهُ أنّي قد فرضْتُ لأربعةِ آلافٍ من قومِه.
فائدة :
أخاك: مفعول به لفعل محذوف وجوبًا، لأنه من باب الإغراء تقديره: الزم أخاك ـ مثلاً ـ وهو منصوب بالألف لأنه من الأسماء الخمسة، والكاف مضاف إليه. و(أخاك) الثاني توكيد لفظي
وجملة: إنّ مَن لا أخاً له الخ استئناف بياني.
و مَن: نكرة موصوفة بالجملة بعدها وقيل: موصولة.
و لا: نافية للجنس.
و أخاً: اسمها. والخبر محذوف أي: موجودٌ .
والإغراء: تَنْبِيهُ المخاطَبِ على أمر محمودٍ ليفعلَه وحُكْمُ الاسم فيه حُكْمُ التحذير الذي لم يُذْكَر فيه (إيَّا) فلا يلزم حَذْفُ عاملِه إلاّ في عطف أو تكْرَارٍ كقولك (الَمُروءةَ وَالنَّجْدَةَ) بتقدير اِلزم، وكقول الداعي إلى الصلاة: الصَّلاَةَ جَامعة، ومن ذلك قولك: زيداً وعمراً، كأنك تريد: أَعْطِ زيداً وعمراً.
وقد أورد علماءُ اللغة هذا البيت كشاهد على عدم وجوب استعمال الواو في التحذير، في مثل قولك: (إياك والكذب).