الشواهد، نسبتها ومناسبتها
ـ 6 ـ
العبدُ يقرعُ بالعصا …………… والحرُّ تكفيهِ الإشارهْ
لقد اختلف الرواة في نسبة هذا البيت أيما اختلاف، فمنهم من نسبه لبشار بن برد ومنهم من نسبه إلى الصلتان الفهميِّ ونسب كذالك لمالك بن الريب وليزيد بن الربيع بن مفرّغ وللأبي الأسود الدؤليّ. كما اختلفوا في لفظه بين الإشارة والملامة.
على كلٍّ هو بيت من الشعر يضرَبُ به المثل لخسَّة العبد وللئيم، فقد كانوا يعدون اللئيم كالعبد والعبد كالبهيمة، والبهيمة لها العصا، لا تفهم بغيرها.
وثمّة قصة طريفة تروى عن يزيد بن ربيعة بن مفرغٍ وسبب قوله هذا البيت، فقد كان هجاءً مقداماً على الملوك، فصحب عبّادَ بنَ زيادٍ، وعبّادُ على سَجَسْتان من قِبَلِ عُبيدِ اللهِ بنِ زيادٍ، في خلافة معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنهما، فهجا عبّاداً فبلغه، وكان على ابن مفرغٍ دينٌ، فاستعدى عليه عبّادَ، فباع عليه رحلَه ومتاعَه، وقضى الغُرماءَ، وكان فيما بِيعَ له عبدٌ يقال له بردٌ، وجاريةٌ يقال لها أراكة فقال ابن مفرغٍ:
أَصَرَمْتَ حبلَك مِن أُمامَه ………………من بعد أيامٍ بِرامَهْ
لهفي على الرأي الذي ……….…… كانت عواقِبُه نَدامَهْ
تَركي سعيداً ذا الندى ……....… والبيتُ ترفعُه الدِّعامَهْ
وتبعتُ عبدَ بني عـــ …………. ـلاجٍ تلك أشراطُ القيامَهْ
جاءت به حبشيــــةٌ …………..… سكّاءُ تحسَبُها نَعامَهْ
مِن نِسوة سُودِ الوجـ ………… ـوهِ تَرى عليهِنَّ الدَمامَهْ
و شَريْـتُ بُرداً ليتني ………….. من بعدَ بردٍ كنتُ هامَهْ
العبدُ يُقرعُ بالعَصـــا …...... والحُرُّ تكفيه المَلامَهْ
الريحُ تَبكي شَجْوَها ………… والبَرقُ يلمعُ في غَمامَهْ
و رَمَقْتُهـــا فوجدتُها ……… كالضِلْعِ ليس له اسْتقامَهْ
وكان الشاعر قد رغب عن صحبة سعيد بن عثمان بن عفان وصحب عباد بن زياد .
ثم إنَّ ابنَ مفرّغٍ صار إلى البصرة ، فاستجار جماعةً من بني زيادٍ فلم يُجِرْهُ منهم أحدٌ ، إلاّ المنذرَ بنَ الجارود ، فدخل عُبيدُ اللهِ بنُ زيادٍ على معاويةَ فقال : إن ابنَ مفرغٍ قد آذانا ، فائذنْ لنا في قتله ، فقال لا : ولكن ما دون القتل . فبعث فتناولَه من دار المنذرِ بنِ الجارود ، ولم يُمكنُه الدفعُ عنه فعاقبَه أشدالعقاب ، ثم أَسلَمَه إلى الحَجّامين ليعلموه الحجامة فأنشأ يقول:
وما كنتُ حَجّاماً ولكنْ أَحَلَّني …. بمنزلةِ الحَجّامِ نأيي عن الأصلِ