الشواهد نسبتها ومناسبتها
ـ 5 ـ
لا تنهَ عن خُلُقٍ وتأتي مثله..... عار عليك إذا فعلتَ عظيمُ
قيل إنَّ هذا البيتُ من قصيدةٍ للمُتَوَكِّل اللّيْثِي بن عبد الله بن نَهْشَل ساكن الكوفة وكان يكنى أباجهمة ومطلعها:
للغانيات بذي المجازِ رسومُ ..... فببطن مكّةَ عهدُهُنَّ قديمُ
وقد قالها يمدح الخليفةَ الأُمويَّ الأوّلَ، الصحابيَّ الجليلَ معاويةُ بنُ أبي سفيانَ رضي اللهُ عنهما وابنَه يَزيدَ بْنَ معاويةَ.
ومنهم من نسب هذا البيت للأخطل، ومنهم من نسبه لأبي الأسود الدُؤلي كما قيل إنه لحسان بن ثابت، لكن الذي ينعم البصر ويعمل الفكرَ يجده أقرب إلى نسيج أبي الأسود.
وأتي بهذا البيت كشاهد على (واو الصرف) فقال الفيروز أبادي في القاموس المحيط .
واوُ الصَّرْفِ: وهو أن تأتِيَ الواوُ معطوفَةً على كلامٍ في أوَّلِه حادِثةٌ لا تَسْتَقيمُ إعادتُها على ما عُطِفَ عليها كقولِهِ: لا تَنْهَ عن خُلُق ٍوتأتيَ مِثْلَهُ عارٌ عليك إذا فَعَلْتَ عَظِيمُ، فانّه لا يجوزُ إعادَةُ (وتأتِيَ مِثْلَهُ) على (تَنْهَ) سُمِّيَ صَرْفاً إذ كان مَعْطوفاً ولم يَسْتَقِمْ أن يُعادَ فيه الحادِثُ الذي فيما قَبْلَه.
كما أتي به كشاهد انتصاب الفعل بإضمار (أَنْ) أي: لا تجمع بين النّهي عن القبيح وفعله؛ ولم يرد نهيُه عن الفعلين.
وأتى به صاحب شذور الذهب وغيره كثير كشاهد على (واو المعية) وكلهم نسبوه إلى أبي الأسود الدؤلي.
وقد اخترنا من قصيدة المتوكل الليثي التي وردت في منتهى الطلب من أشعار العرب ــ (ج 1 / ص 97) الأبيات الآتية:
للغانياتِ بذي المجازِ رسومُ ....... فببطنِ مكةَ عهدهنَّ قديمُ
فبمنحرِ الهدْيِ المُقَلَّدِ من مِنًى .... جُدَدٌ يلُحْنَ كأنّهنّ َوُشومُ
أبلغْ رميـمَ على التنائي أنّني .... وصّال ُإخوانِ الصفاءِ صَرومُ
أرعى الأمانة للأمينِ بحقّها ........... فيُبينُ عمّا سرُّهُ مكتومُ
وأشُدُّ للمولى المدافعِ رُكنَهُ ..... شَفَقاً من التعجيزِ وهومُليمُ
وإذا أهنتَ أخاك أو أفردتَه ........ عمداً فأنتَ الواهنُ المذمومُ
لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مثلَهُ ....... عارٌ عليكَ إن فعلتَ عظيمُ
قد يكثرُ النكسَ المقصِّرُ همّهُ ...... ويَقِلُّ مالُ المرءِ وهو كريمُ
وأنا امرؤٌ أصِلُ الخليلَ ودونهُ ......... شُمُّ الذُرا ومَفازةٌ، دَيْمومُ
ومن نسبَه إلى أبي الأسود الدؤلي أتي به ضمن قصيدته الآتية:
تلقى اللبيبَ محسَّداً لم يجترمْ ..... عِرضَ الرجال ِوعِرضُه مثلومُ
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ........ فالقوم أعداءٌ له وخصوم
كضرائرِ الحسناءِ قُلْنَ لوجهِها ............. حسداً وبَغياً ـ إنّه لَذميم
وإذا عَتبتَ على الصديق ولمتَه ..... في مثلِ ما تأتي فأنتَ مُليم
فابدأ بنفسِِك وانْهَها عن غيّها ........ فإذا انتهتْ عنْهُ فأنتَ حَكيم
فهناك يَسمع ما تقولُ ويَقتَدي ........ بالقول منك، وينفعُ التعليمُ
لا تَنْهَ عن خُلقٍ وتأتيَ مثلَه .......... عارٌ عليكَ ـ إذا فعلت عظيمُ
وإذا طلبتَ إلى كريمٍ حاجةً ............. فلقاؤه، يكفيك، والتسليمُ
وإذا طلبت إلى لئيمٍ حاجةً .............. فأَلِّحَّ في رِزْقٍ وأنتَ مُديم
والزَمْ قُبالَةَ بابِه وخِبائه ................... بأشَدَّ ما لَزِمَ الغريمَ غَريمُ
وعجبتُ للدنيا وحُرقةِ أهلِها ........ والرِزقُ فيها، بينهم، مَقسومُ
ثم انقضى عجبي لعِلمي أنّه ............ رزقٌ موافٍ، وقتُه مَعلومُ
وكما ترى أخي الكريم فإنَّ أبا الأسود أولى بنسبة هذا البيت إليه لأنه إلى نسيجَه أقرب.