وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ.
(22)
قولُه ـ تعالى شأنُه: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} هو خطاب للنبيِّ محمد
ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ أي: وَاذْكُرْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ مَا يَحْصَلُ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَوْمَ يَحْشُرُ اللهُ هَؤُلاَءِ الظَّالِمِينَ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلّذِينَ أَشْرَكُوا مِنْهُم، وَهُمْ الذين كانوا أَشَدَّهُمْ ظُلْمًا: أَيْنَ الشُّرَكَاءَ الذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ فِي الدُّنْيا أَنَّهُمْ أَوْلِيَاؤُكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ، أَوْ تَزْعُمُونَ أَنَّ لَهُمْ شَرِكَةً فِي الألُوهِيَّةِ، مِنَ الأصْنامِ والأَندادِ وغيرها مما كنتم تعبدون من دون الله قائلًا لهم: "أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ"؟ كما قالَ تعالى في سورةِ القَصَصِ: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} الآية: 62. و"أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ" سُؤَالُ إِفْضَاحٍ لَا إِفْصَاحٍ. و"الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ" تَوْبِيخٌ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ زَعْمٍ فِي القرآن فهو كَذِبٌ.
قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ} يومَ: منصوبٌ بفعلٍ مُضمَرٍ بعدَه، وهو على ظرفيَّتِه الزمانية، أي: ويومَ نحشُرهم كان كيت وكيت، وحُذِفَ ليكونَ أَبلغَ في التَخويف. أو هو معطوفٌ على ظرفٍ مَحذوفٍ، وذلك الظَرْفَ معمولٌ لِقولِه: {لاَ يُفْلِحُ الظالمون} والتقديرُ: إنَّه لا يُفلِحُ الظالمون اليومَ في الدنيا ويومَ نَحشُرُهم، قالَهُ محمَّدٌ بْنُ جَريرٍ. وقيلَ هو منصوبٌ بقولِه: {انظر كَيْفَ كَذَبُواْ} وفيه بُعْدٌ لبعدِهِ مِنْ عامِلِهِ بِكَثرةِ الفَواصِلِ. أو هو مفعول بِه لفعلٍ محذوف مقدَّرٍ بـ اذكر, أو احذروا أو اتَّقوا يومَ نَحشُرُهم، كما في قولِه: {واخشوا يَوْمًا} لقمان: 33.
وقرَأَ الجُمهورُ "نَحْشرهم" بنونِ العَظَمَةِ وكذا "ثم نقول" وقرأَ حميدٌ ويَعقوبٌ بياءِ الغَيبةِ فيهِما ويعود الضميرُ على اللهُ تَعالى.
والجمهورُ على ضَمِّ الشينِ مِنْ "نَحْشُرهم" وأبو هُريرةَ بكسرِها، وهُما لُغتان في المضارع. والضميرُ المَنصوبُ في "نَحشُرُهم" يَعودُ على المُفترينَ الكَذِبَ، وقيل: على الناسِ كلِّهم فيَنْدَرِجُ هؤلاءِ فيهم، والتَوبيخُ مُختَصٌّ بهم. وقيلَ: يَعودُ على المُشْركين وأَصنامِهِم، ويَدُلُّ عليْه قولُه: {احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ} الصافّات: 22.
وقولُه: {جميعًا} حالٌ مِن مفعول "نحشُرهم". ويَجوزُ أنْ يَكونَ تَوكيدًا عندَ مَنْ أَثْبتَه مِنَ النَحْوييّن فهو ك "أجمعين". وعَطَفَ هُنا بـ "ثُمَّ" للتَراخي الحاصِلِ بيْن الحَشْرِ والقولِ. ومفعولا "تَزْعُمون" محذوفان للعِلْمِ بهما، أي: تَزعمونَهم شركاءَ أو تَزعمونَ أنَّهما شُفعاؤكم.
وقولُه: {ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ} هو مِنْ بابِ إقامَةِ الظاهرِ مُقامَ المُضمَرِ، إنْ جَعَلْنا الضميرَ في "نحشرهم" عائدًا على المُفتَرين الكذِبَ، إذِ الأصلُ: ثمَّ نَقولُ لهم وإنَّما أُظِهِرَ تَنبيهًا على قُبْحِ الشِرْكِ.