وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ
(29)
قولُه تعالى جَدُّه: {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} إخبار عن إنكارِهِمُ البعثَ، ولو ردُّوا لقالوا: "إِنْ هِيَ" أي ما هي "إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا" والحياةُ في نَظرِهم هي الحياةُ الدنيا ولا شيءَ سِواها، وهذه الجملةُ تُفيدُ ثلاثَ فوائدَ هي:
1 ـ نَفيُ وُجودِ أيِّ حياةٍ غيرِ الحياةِ التي يَعيشونها.
2 ـ أنَّهم يَنسِبون الحياةَ إليهم "حياتُنا" لاسْتِمتاعِهم فيها ولهوهم
وعبثهم.
3 ـ إنْكارُهم صَراحةً لِبعثِهم وتأكيدِ النِفي بالباءِ "بمبعوثين"، وبالجملةِ الاسْمِيَّةِ.
قولُه: {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} تكذيبٌ لادِّعائهم بأنَّهم لا يُكَذِّبونَ بآياتِ ربِّهم، وبأنَّهم سيكونون مِنَ المؤمنين.
قولُه تعالى: {وقالوا} جملةٌ مستأنَفَةٌ، وجُوِّزَ أنْ تكونَ عطفًا على "إِنَّهُمْ لَكاذبون" على معنى: وإنَّهم لَقومٌ كاذبون في كلِّ شيءٍ. أو على خبرِ إن أو على "نُهُواْ" في الآية السابقةِ، والعائدُ محذوفٌ أيْ قالوه، والجمهورُ على أنَّها معطوفةٌ على جَوابِ "لو" والتقديرُ: ولو رُدُّوا لَعادوا ولَقالوا.
وقولُه: {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} جملةٌ اعْتِراضيَّةٌ مُؤكِّدَةٌ لِمَعنى عودتَهم إلى ما كانوا عَليه إِنْ عادوا إلى الدنيا.
قولُه: {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا} إنْ: نافيةٌ و"هي" مبتدأٌ، و"حياتُنا" الخبرُ، ولم يكتفُوا بمجرَّدِ الإِخبارِ بذلك حتَّى أَبرَزوها مَحصورةً في نَفْيٍ وإثباتٍ، فقيل: "هي" ضميرٌ مُبْهَمٌ يُفسِّرُه خَبَرُهُ، أي: ولا نَعلَمُ ما يُرادُ بِهِ إلَّا بِذِكْرِ خَبَرِهِ، وهو مِنَ الضَمائرِ التي يُفسِّرُها ما بعدَها لَفْظًا ورُتبةً، وفيه نَظَرٌ. وقال أبو البقاء: "هي" كنايةٌ عنِ الحياةِ. ويَجوزُ أنْ يَكونَ هذا الضميرُ عائدًا على القِصَّةِ.