روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 135

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  135 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  135 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 135   فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  135 I_icon_minitimeالثلاثاء يوليو 30, 2013 9:26 am

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً
(135)
قوله تعالى شأنُه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} قَوَّامِينَ: بِنَاءُ مُبَالَغَةٍ، أَيْ لِيَكنْ مِنْكُمُ الْقِيَامُ بِالْقِسْطِ دائماً وفي كل مرةً يُتَطلَّبُ منكم القيامُ به، وَالقسطُ: الْعَدْلُ فِي الشَهَادةِ ولو كانتْ شهادةَ المرءِ على نَفْسِهِ، وَشَهَادَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ إِقْرَارُهُ بِالْحُقُوقِ عَلَيْهَا. ثُمَّ ذَكَرَ الْوَالِدَيْنِ لِوُجُوبِ بِرِّهِمَا وَعِظَمِ قَدْرِهِمَا، ثُمَّ ثَنَّى بِالْأَقْرَبِينَ إِذْ هُمْ مَظِنَّةُ الْمَوَدَّةِ وَالتَّعَصُّبِ، فَكَانَ الْأَجْنَبِيُّ مِنَ النَّاسِ أَحْرَى أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ بِالْقِسْطِ وَيُشْهَدَ عَلَيْهِ، فَجَاءَ الْكَلَامُ فِي السُّورَةِ فِي حِفْظِ حُقُوقِ الْخَلْقِ فِي الْأَمْوَالِ. ولَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي صِحَّةِ أَحْكَامِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَأَنَّ شَهَادَةَ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدَيْنِ الْأَبِ وَالْأُمِّ مَاضِيَةٌ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ بِرِّهِمَا، بَلْ مِنْ البِرِّ بهِمَا أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمَا وَيُخَلِّصَهُمَا مِنَ الْبَاطِلِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} التحريم: 6. فَإِنْ شَهِدَ لَهُمَا أَوْ شَهِدَا له فَقَدِ كَانَ مَنْ مَضَى مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَخِ، وَيَتَأَوَّلُونَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: "كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ" فلم يكنْ أحدٌ يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ ظَهَرَتْ مِنَ النَّاسِ أُمُورٌ حَمَلَتِ الْوُلَاةَ عَلَى اتِّهَامِهِمْ، فَتُرِكَتْ شَهَادَةُ مَنْ يُتَّهَمُ، وَصَارَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَالْأَخِ وَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَشُرَيْحٍ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ. وَقَدْ أَجَازَ قَوْمٌ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ إِذَا كَانُوا عُدُولًا. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَجَازَهُ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْمُزَنِيُّ. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ جَوَازُ شَهَادَةِ الْأَخِ لِأَخِيهِ إِذَا كَانَ عَدْلًا إِلَّا فِي النَّسَبِ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إِذَا كَانَ فِي عِيَالِهِ أَوْ فِي نَصِيبٍ مِنْ مَالٍ يَرِثُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: شَهَادَةُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ لَا تُقْبَلُ، لِتَوَاصُلِ مَنَافِعِ الْأَمْلَاكِ بَيْنَهُمَا وَهِيَ مَحِلُّ الشَّهَادَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الزَّوْجَيْنِ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ، لِأَنَّهُمَا أَجْنَبِيَّانِ، وَإِنَّمَا بَيْنَهُمَا عَقْدُ الزَّوْجِيَّةِ وَهُوَ مُعَرَّضٌ لِلزَّوَالِ. وَالْأَصْلُ قَبُولُ الشَّهَادَةِ إِلَّا حَيْثُ خُصَّ فِيمَا عَدَا الْمَخْصُوصِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الزَّوْجِيَّةَ تُوجِبُ الْحَنَانَ وَالْمُوَاصَلَةَ وَالْأُلْفَةَ وَالْمَحَبَّةَ، فَالتُّهَمَةُ قَوِيَّةٌ ظَاهِرَةٌ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سليمان بن موسى عن عَمْرو بنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ رَدَّ شَهَادَةَ الْخَائِنِ وَالْخَائِنَةِ وَذِي الْغِمْرِ عَلَى أَخِيهِ، وَرَدَّ شَهَادَةَ الْقَانِعِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ وَأَجَازَهَا لِغَيْرِهِمْ. قَالَ الخطابي: ذو الغِمْرِ (الحِقد) هو الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ، فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ لِلتُّهَمَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: شَهَادَتُهُ عَلَى الْعَدُوِّ مَقْبُولَةٌ إِذَا كَانَ عَدْلًا. وَالْقَانِعُ السَّائِلُ وَالْمُسْتَطْعِمُ، وَأَصْلُ الْقُنُوعِ السُّؤَالُ. وَيُقَالُ فِي الْقَانِعِ: إِنَّهُ الْمُنْقَطِعُ إِلَى الْقَوْمِ يَخْدُمُهُمْ وَيَكُونُ فِي حَوَائِجِهِمْ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَجِيرِ أَوِ الْوَكِيلِ وَنَحْوِهِ. وَمَعْنَى رَدِّ هَذِهِ الشَّهَادَةِ التُّهَمَةُ فِي جَرِّ الْمَنْفَعَةِ إِلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّ الْقَانِعَ لِأَهْلِ الْبَيْتِ يَنْتَفِعُ بِمَا يَصِيرُ إِلَيْهِمْ مِنْ نَفْعٍ. وَكُلُّ مَنْ جَرَّ إِلَى نَفْسِهِ بِشَهَادَتِهِ نفعًا فَشَهَادَتُهُ مَرْدُودَةٌ، كَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ عَلَى شِرَاءِ دَارٍ هُوَ شَفِيعُهَا، أَوْ كَمَنْ حُكِمَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ وَهُوَ مُفْلِسٌ، فَشَهِدَ الْمُفْلِسُ عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ وَنَحْوِهِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَمَنْ رَدَّ شَهَادَةَ الْقَانِعِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ بِسَبَبِ جَرِّ الْمَنْفَعَةِ فَقِيَاسُ قَوْلِهِ أَنْ يَرُدَّ شَهَادَةَ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ، لِأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ التُّهَمَةِ فِي جَرِّ الْمَنْفَعَةِ أَكْثَرُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ، لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِهِ النَّفْعَ لِمَا جُبِلَ عليْه مِنْ حُبِّهِ والمَيْلِ إليْهِ، ولأنَّه يمتَلِكُ عليْه مَالَهُ، وَقَدْ قَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ)). وَمِمَّنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ عِنْدَ مالك البدوي على القَروي، قَالَ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَادِيَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ، فَأَمَّا الَّذِي يُشْهِدُ فِي الْحَضَرِ بَدَوِيًّا وَيَدَعُ جِيرَتَهُ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ عِنْدِي مُرِيبٌ. وقد رَوى أبو داوودَ والدارقُطْني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: ((لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ)). قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: تَأَوَّلَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشَّهَادَةُ فِي الْحُقُوقِ وَالْأَمْوَالِ، وَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ فِي الدِّمَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا يَطْلُبُ بِهِ الْخَلْقَ. وَقَالَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ: شَهَادَةُ الْبَدَوِيِّ إِذَا كَانَ عَدْلًا يُقِيمُ الشَّهَادَةَ عَلَى وَجْهِهَا جَائِزَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. و"لِلَّهِ" مَعْنَاهُ لِذَاتِ اللَّهِ وَلِوَجْهِهِ وَلِمَرْضَاتِهِ وَثَوَابِهِ. "وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ" مُتَعَلِّقٌ بِـ "شُهَداءَ"، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي فَسَّرَ عَلَيْهِ النَّاسُ، وَأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ الْمَذْكُورَةَ هِيَ فِي الْحُقُوقِ فَيُقِرُّ بِهَا لِأَهْلِهَا، فَذَلِكَ قِيَامُهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا الْحَقَّ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: "شُهَداءَ لِلَّهِ" مَعْنَاهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ لِلَّهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما} أَيْ إِنْ يَكُنِ الطَّالِبُ أَوِ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ غَنِيًّا فَلَا يُرَاعَى لِغِنَاهُ وَلَا يُخَافُ مِنْهُ، وَإِنْ يَكُنْ فَقِيرًا فَلَا يُرَاعَى إِشْفَاقًا عَلَيْهِ. "فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما" أَيْ فِيمَا اخْتَارَ لَهُمَا مِنْ فَقْرٍ وَغِنًى. قَالَ السُّدِّيُّ: اخْتَصَمَ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ غَنِيٌّ وَفَقِيرٌ، فَكَانَ ضَلْعُهُ (مَيْلُه) ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَعَ الْفَقِيرِ، وَرَأَى أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَظْلِمُ الْغَنِيَّ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما) الْمَعْنَى فَاللَّهُ أَوْلَى بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ "بِهِما" لِأَنَّهُ قد تقدَّمَ ذِكرُهما، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}.
قوله تَعَالَى: {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى} نَهْيٌ، فَإِنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى مُرْدٍ، أَيْ مُهْلِكٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ص: 26. كما قال تعالى: {ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَنْ لا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} المائدة: 8. فَاتِّبَاعُ الْهَوَى يَحْمِلُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَعَلَى الْجَوْرِ فِي الْحُكْمِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: أَخَذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْحُكَّامِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: أَلَّا يَتَّبِعُوا الْهَوَى، وَأَلَّا يَخْشَوُا النَّاسَ وَيَخْشَوْهُ، وَأَلَّا يَشْتَرُوا بِآيَاتِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا.
ومِنْ هذا القَبيلِ ما ذكرهُ ابْنُ كثيرٍ مِنْ قولِ عبدِ اللهِ بْنِ رَواحةَ، لمَّا بَعَثَهُ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ يَخْرُصُ على أهلِ خيبرَ ثمارَهم وزَرعَهم، (يَحْزِرُ مقدارَ ما عندهم منها) فأرادوا أنْ يُرْشُوهُ لِيَرْفِقَ بهم، فقال: واللهِ لقد جِئتُكُم مِن عندِ أَحَبِّ الخلقِ إليَّ، ولَأَنْتُمْ أَبْغَضُ إليَّ مِنْ أَعدادِكم مِنَ القِرَدَةِ والخَنازيرِ، وما يَحمِلُني حُبِّي إيَّاهُ وبُغْضي لَكم على أَلَّا أَعْدِلَ فيكم. فقالوا: "بهذا قامت السماوات والأرض".
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} تلووا: اللَّيُّ فِي الشَّهَادَةِ الْمَيْلُ إِلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ. "أَوْ تُعْرِضُواْ" أي تتركوا إقامتَها رأسًا وهو خِطابٌ للشُهود، وقيل: إنَّ الخطابَ للحُكّامِ، واللَّيُّ الحُكْمُ بالباطِلِ، والإعراضُ عَدَمُ الإلْتِفاتِ إلى أحَدِ الخَصْميْن، وفِي الكَلامِ تَّوْبِيخٌ لِلْإِعْرَاضِ عَنِ الْقِيَامِ بِالْأَمْرِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما: هُوَ فِي الْخَصْمَيْنِ يَجْلِسَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْقَاضِي فَيَكُونُ لَيُّ الْقَاضِي وَإِعْرَاضُهُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَاللَّيُّ عَلَى هَذَا مَطْلُ الْكَلَامِ وَجَرُّهُ حَتَّى يَفُوتَ فَصْلُ الْقَضَاءِ وَإِنْفَاذُهُ لِلَّذِي يَمِيلُ الْقَاضِي إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ وَالضَّحَّاكُ وَمُجَاهِدٌ: هِيَ فِي الشُّهُودِ يَلْوِي الشَّاهِدُ الشَّهَادَةَ بِلِسَانِهِ وَيُحَرِّفُهَا فَلَا يَقُولُ الْحَقَّ فِيهَا، أَوْ يُعْرِضُ عَنْ أَدَاءِ الْحَقِّ فِيهَا. وَلَفْظُ الْآيَةِ يَعُمُّ الْقَضَاءَ وَالشَّهَادَةَ، وَكُلُّ إِنْسَانٍ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَعْدِلَ. وَفِي الحديثِ الشريف عن عَمْرِو بْنِ اَلشَّرِيدِ, عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ((لَيُّ اَلْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ)). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَعَلَّقَهُ اَلْبُخَارِيُّ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّان. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: عُقُوبَتُهُ حَبْسُهُ، وَعِرْضُهُ شِكَايَتُهُ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْعَبْدِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَاكِمَ شَاهِدًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الِاسْتِقْلَالُ بِهَذَا الْمُهِمِّ إِذَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ مِنَ العَبْدِ أصْلًا فلِذلِك رُدَّتْ الشَهادةُ.
قولُه تعالى: {شُهَدَاءِ} خبرٌ ثانٍ لـ "كان". أو هو حالٌ مِن الضمير المُسْتَكِنِّ في "قَوَّامين" فالعاملُ فيها "قَوَّامين" يؤيِّدُ هذا المعنى قولُ ابنُ عبَّاسٍ ـ رضيَ اللهُ عنهما: "كونوا قَوَّامين بالعدلِ في الشهادة على مَنْ كانَتْ".
قولُه: {وَلَوْ على أَنْفُسِكُمْ} لو: على بابها مِنْ كونِها حرفًا لِما كان سيَقعُ لِوقوعِ غيرِه وجوابُها محذوفٌ أي: ولو كنتم شهداءَ على أَنفُسِكم لَوَجَبَ عليكم أنْ تَشْهدوا عليها. ويجوزُ أنْ تكونَ بمعنى "إن" الشَرطيَّةِ، ويَتعلَّقُ قولُه "على أنفسكم" بمحذوفٍ تقديرُه: وإنْ كنتم شُهداءَ على أنفُسِكم فكونوا شهداءَ للهِ.
قوله: {فالله أولى بِهِمَا} إذا عُطف بـ "أو" كان الحُكْمُ في عَوْدِ
الضميرِ والإِخبارِ وغيرِهِما لأحَدِ الشَيئيْن أو الأَشياء، ولا يَجوزُ المُطابَقةُ، تقولُ: "زيدٌ أو عَمْرٌو أَكرمتُه"، ولو قلت: أكرمتُها لم يَجُزْ، وعلى هذا يُقالُ: كيف ثَنَّى الضَميرَ في الآيةِ الكَريمةِ والعطفُ بـ "أو"؟ لا جَرَمَ أنَّ النَّحْويّينَ أخْتَلَفوا في الجَوابِ عن ذلك على خَمْسَةِ أَوْجُه. أوَّلُها: أنَّ الضميرَ في "بهما" ليس عائدًا على الغَنِيِّ والفَقيرِ المذكوريْن أوَّلاً، بل على جِنْسَيْ الغَنيِّ والفَقيرِ المَدلولِ عليهِما بالمَذكورَيْنِ، تقديرُه: وإنْ يَكنِ المشهودُ عليْه غنِيًّا أوْ فَقيرًا فلْيَشْهَدْ عليه، فاللَّهُ أَوْلى بِجِنْسَي الغَنِيِّ والفقيرِ، ويَدُلُّ على هذا قراءةُ أُبَيٍّ: "فالله أوْلَى بهم" أي بالأغنياءِ والفُقَراءِ مُراعاةً للجِنْسِ.
قولُهُ: {فالله أولى بِهِمَا} دالٌّ على جوابِ الشرطِ، المحذوفِ. ويجوزُ أنَّ تكون "أو" بمعنى الواو. ويجوز في "أو" أن تكونَ لِتَفصيلِ ما أُبْهم. وذلك أنَّ كلَّ واحدٍ مِن المَشهودِ عليه والمَشهودِ لَه قد يَكونُ غَنِيًّا وقد يكون فقيرًا. وقد يكونان غنِيَّيْن وقد يكونان فقيريْن، وقد يكونُ أَحدُهُما غَنيًا والآخرُ فقيراً. فلمّا كانتِ الأقسامُ عندَ التَفصيلِ على ذلكَ أُتِي بـ "أو" لِتَدُلَّ على التَفصيلِ، فعلى هذا يكون الضميرُ في "بهِما" عائدًا على المشهودِ لَهُ والمَشْهودِ عليْه، على أيِّ وصفٍ كانا عليه. وقد يَعودُ الضَميرُ على الخَصميْن تقديرُه: إنْ يَكُنِ الخَصْمانِ غنيًّا أوْ فَقيرًا فاللهُ أَوْلى بِذَيْنَكَ الخَصْمَيْن. وأخيراً فقد يعودُ الضميرُ على الغِنى والفَقرِ المَدلولِ عليهِما بلفظِ الغَنِيِّ والفقيرِ. والتقديرُ: فاللَّهُ أولى بغِنى الغَنِيِّ وفَقْرِ الفَقيرِ. وعلى أربعةِ الأوجهِ الأخيرة يكونُ جوابُ الشرطِ ملفوظاً به وهو قولُه: "فالله أولى بِهِمَا" بخلافِ الأوَّلِ فإنَّه محذوفٌ.
وقرأ عبدُ اللهِ: "إنْ يَكنْ غنيٌ أو فقيرٌ" برفعِهما، والظاهرُ أنَّ "كان" في قراءتِه تامَّةٌ، أي: وإنْ وُجِد غنيٌّ أو فقيرُ، نحو: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} البقرة: 280.
قوله: {أَن تَعْدِلُواْ} مفعولٌ مِنْ أجلِه على حَذْفِ مضافٍ تقديرُه: فلا تَتَّبِعوا الهَوى مَحَبَّةَ أَنْ تَعْدِلوا، أو إرادةَ أَنْ تَعْدِلوا أي: تَعْدِلوا عن الحقِّ وتَجُوروا. ويكون العدلُ هنا بمعنى العُدولِ عن الحقِّ، ويُحْتمل أنْ يَكونَ معناه: محبَّةَ أَنْ تَعْدِلوا، ويكونُ العدلُ بمعنى القِسْطِ، كأنَّه يَقول: انْتَهوا خوفَ أَنْ تَجوروا، أو محبَّةَ أَنْ تُقْسِطوا ، فإنْ جَعَلْتَ العاملَ "تتبَّعوا" فيُحتَمَلُ أَنْ يَكونَ المَعنى محبَّةَ أَنْ تَجُورا. فتحصَّل لنا في العاملِ وجهان: الظاهرُ منهما أنَّه نفسُ "تتبَّعوا" والثاني: أنَّه مُضْمَرٌ وهو فعلٌ مِنْ معنى النهيِ، كأنَّ الكلامَ تَمَّ عندَ قولِه: {فَلاَ تَتَّبِعُواْ الهوى} ثمَّ أَضْمَرَ عاملاً، وهذا ما لا حاجةَ إليه. الثاني: أنَّه على إسْقاطِ حرفِ الجَرِّ وحَذْفِ "لا" النافيةِ، والأصلُ: فلا تَتَّبعوا الهوى في ألاَّ تَعْدِلوا، أي: في تَرْكِ العَدْلِ، فَحَذَفَ "لا" لدَّلالةِ المعنى عليها. الثالث: أنَّه على حَذْفِ لامِ العِلَّةِ تقديرُه: فلا تَتَّبِعوا الهوى لأنْ تَعْدِلوا، والمعنى: لا تتَّبِعوا الهوى لِتكونوا في اتِّباعِكُموهُ عُدولًا تنبيهًا على أنَّ اتِّباعَ الهوى وتَحَرِّيَ العَدالةِ مُتنافيان لا يَجتمِعان، وهو ضعيفٌ في المعنى.
قوله: {وَإِن تَلْوُواْ} قرأ ابنُ عامرٍ وحمزة "تَلُوا" بلامٍ مضمومةٍ وواوٍ ساكنةٍ، والباقون بلامٍ ساكنةٍ وواويْن بعدَها، أُولاهُما مَضمومَةٌ.
فأمَّا قراءةُ الواوينِ فظاهرةٌ لأنَّه مِن لَوَى يَلْوي، والمعنى: وإنْ تَلْووا أَلسِنتِكم عن شهادةِ الحَقِّ أوْ حُكومَةِ العدلِ، والأصلُ: تَلْوِيُون كتَضْرِبون، فاستُثْقِلَتِ الضمَّةُ على الياءِ فَحُذِفتْ، فالتَقى ساكِنان: الياءُ وواوُ الضَميرِ فحُذِفَ أوَّلُهُما ـ وهو الياءُ ـ وضُمَّتِ الواوُ المَكسورَةُ التي هي عينٌ لأجلِ واوِ الضميرِ فصارَ تَلْوُون، وتَصريفُه كَتصريفِ "تَرْمُون".
وأمَّا قراءةُ حمزة وابنِ عامر ففيها ثلاثةُ أقوالٍ، أحدُها: أنَّه مِن لَوَى يَلْوي كقراءةِ الجماعة، إلاَّ أنَّ الواوَ المضومةَ قُلِبَتْ همزةً كقَلْبِها في "أُجوه" و"أُقِّتتْ" ثمَّ نُقِلت حركةُ هذه الهمزةِ إلى الساكنِ قبلَها وحُذِفتْ فصارَ "تَلُون" كما ترى. الثاني: أنَّه مِن لَوَى يَلْوي أيضًا. إلَّا أنَّ الضَمَّةَ اسْتُثْقِلَتْ على الواوِ الأُولى فنُقِلتْ إلى اللامِ الساكِنَةِ تخفيفًا، فالتَقى ساكنان وهما الواوان فحُذِفتِ الأُولى منهما. وفي هذيْن التَخريجيْن نَظرٌ، وهو أنَّ لامَ الكَلِمَةِ قدْ حُذِفَتْ أولًا فصارَ وَزْنُه: تَفْعُوا، بحذفِ اللامِ، ثمَّ حُذِفتِ العينُ ثانيًا فصارَ وزنُه: تَفُوا، وذلك إجْحافٌ بالكَلِمَةِ. الثالث: أنَّ هذه القراءةَ مأخوذةٌ مِنَ الوِلايةِ بمعنى: وإنْ وُلِّيتم إقامةَ الشهادةِ أوْ وُلِّيْتُم الأمرَ فتَعدِلوا عنْه، والأصل: "تَوْلِيُوا" فحُذِفَتِ الواوُ الأولى لِوُقوعِها بين حرفِ المُضارَعةِ وكَسْرَةٍ، فصار "تَلِيُوا" كتَعِدُوا وبابِه، فاسْتُثْقِلَتِ الضَمَّةُ على الياءِ ففُعِلَ بها ما تقدَّمَ في "تَلْوُوا" وقدْ طَعَنَ قوْمٌ على قراءةِ حمزةَ وابنِ عامرٍ ـ منهم أبو عبيد ـ قالوا: لأنَّ معنى الولاية غيرُ لائقٍ بهذا المَوضِعِ. قال أبو عبيد: القراءةُ عنْدَنا بِواويْنِ مأخوذةٌ من "لَوَيْتُ" وتحقيقُه في تفسيرِ ابنِ عبَّاسٍ ـ رضي اللهُ تعالى عنهما: هو القاضي يكونُ لَيُّه وإعْراضُهُ عن أَحَدِ الخَصميْنِ للآخر. وهذا الطعنُ ليس بشيءٍ لأنَّها قراءةٌ متواترةٌ ومعناها صحيحٌ، لأنَّه إنْ أَخَذْناها من الولاية كان المعنى على ما تقدَّمَ، وإنْ أخذناها مِنَ الليِّ فالأصلُ "تَلْوُوا" كالقِراءةِ الأُخْرى، وإنَّما فُعِل بها ما تقدَّمَ مِنْ قَلْبِ الواوِ همزةً ونَقْلِ حركتِها، أو مِنْ نَقْلِ حركتِها مِنْ غيرِ قَلْبٍ فتتَّفِقُ القراءتان في المعنى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 135
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 46
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 40
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 37
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 11
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 26

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: