روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 125

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  125 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  125 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 125   فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  125 I_icon_minitimeالإثنين يوليو 29, 2013 11:25 am

وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا
(125)
قولُه تعالى شأنُه: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله} أي وَمَنْ أَحْسَنَ دِيناً مِمَّنْ جَعَلَ قَلْبَهُ خَالِصاً للهِ وَحْدَهُ، وَأَخْلَصَ العَمَلَ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَعَمِلَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، وَكَانَ فِي عَمَلِهِ مُحْسِناً، وَمُتَّبِعاً مَا شَرَعَهُ اللهُ لَهُ، وَمَا أَرْسَلَ بِهِ رَسُولَهُ مِنَ الهُدَى وَدِينِ الحَقِّ. وَهَذَانِ شَرْطَانِ لاَ يَصِحُّ بِدُونِهِمَا عَمَلٌ صَالِحٌ :
ـ أنْ يَكُونَ العَمَلُ خَالِصاً للهِ.
ـ أنْ يَكُونَ صَوَاباً مُوافِقاً لِلْشَرْعِ الذِي شَرَعَهُ اللهُ .
وقيل: أخلص توجُّهَهُ لَه ـ سبحانَه، وقيل: بَذَلَ وجهَهُ لَه عَزَّ وجَلَّ في السُجودِ، والاستفهامُ إنكارِيٌّ وهو في معنى النفيِ، والمَقصودُ مَدحُ مَنْ فَعلَ ذلك على أَتَمِّ وجهٍ. فيؤوَّلُ الكلامُ إلى تفضيلِ دِينٍ على دِينٍ، وفيه تنبيهٌ على أنَّ صَرْفَ العبدِ نفسَه بِكُلِّيَّتِها لله تعالى أعلى المَراتِبِ التي تَبْلُغُها القوَّةُ البَشريَّةُ.
وقولُهُ: {وَهُوَ مُحْسِنٌ} أي آتٍ بالحَسَناتَ تاركٌ للسيئاتِ، أو آتٍ بالأَعمالِ الصالحةِ على الوَجْهِ اللائقِ الذي هو حُسْنُها الوَصْفِيُّ المُسْتَلْزِمُ لِحُسْنِها الذاتيِّ، وقد صَحَّ أنَّه ـ صلى اللهُ عليه وسَلَّمَ ـ سُئِلَ عن الإحسانِ فقال: ((أن تعبُدَ اللهَ تعالى كأنَّكَ تَراهُ فإنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فإنَّه يَراكَ))، وقيل: الأظهرُ أنْ يُقالَ: المُرادُ وهو مُحْسِنٌ في عقيدَتِه، وهو مُرادُ مَنْ قال: أيْ وهو موحِّدٌ، وعلى هذا فالأَوْلى أنْ يُفَسَّرَ إسلامُ الوجْهِ لله تعالى بالانْقيادِ إليْه ـ سبحانَه ـ بالأعمالِ.
قولُهُ: {واتَّبَعَ مِلَّةَ إبراهيمَ حَنِيفاً } وملَّةُ إبراهيمَ مُوافِقَةٌ لِدينِ الإسْلامِ المُتَّفَقِ على صِحَّتِها، و"حَنِيفاً" أيْ، مائلًا عن الأدْيانِ الزائغةِ.
قولُه: {واتخذ الله إبراهيم خَلِيلاً} تَذييلٌ جِيءَ بِه للتَرغيبِ في اتِّباعِ مِلَّتِه ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ والإيذانُ بأنَّه نِهايةٌ في الحُسْنِ، وإظهارُ اسْمِهِ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ تفخيمًا له وتَنصيصًا على أنَّه الممدوحُ، والخليلُ مُشتقٌّ مِنَ الخُلَّة بضم الخاء، وهي إما من الخِلالِ بكسرِ الخاءِ فهي مَوَدَّةٌ تَتَخَلَّلُ النَفسُ وتُخالِطُها مُخالَطَةً مَعْنويَّةً، وَالْخُلَّةُ بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ الصَّدَاقَةُ، مُشْتَقَّةٌ مِنْ تَخَلُّلِ الْأُسَرَارِ بَيْنَ الْمُتَخَالِّينَ. فالخليلُ مَنْ بَلَغتْ مَودَّتُه هذه المرتبةَ كما قال بشّار:
قد تخلَّلتَ مَسْلَكَ الرُّوحِ منِّي ................. ولذا سمي الخليل خليلاً
فإذا ما نطقت كنت حديثي ...... .......... وإذا ما سكت كنت الغليلا
وإمَّا مِنَ الخَلَلِ كَما قيلَ على معنى أنَّ كلاً مِنَ الخَليليْنِ يُصْلِحُ خَلَلَ الآخّرِ، قَالَ زُهَيْرٌ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنَانٍ:
وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْغَبَةٍ ................ يَقُولُ لا غالب ما لي وَلَا حَرِمُ
أَيْ لَا مَمْنُوعٌ. وإما مِنَ الخَلِّ بالفتحِ، وهو الطريقُ في الرَّملِ لأنَّهما
يَتَوافقان على طريقةٍ، وإمَّا مِنَ الخَلَّةِ بفتحِ الخاءِ، إمَّا بمعنى الخَصْلَةِ والخُلُقِ لأنَّهُما يَتَوافقانِ في الخِصالِ والأخلاقِ. وقد جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرةَ ـ رضي اللهُ عنه ـ قولُه ـ صلى الله عليه وسلّم: ((المرءُ على دينِ خليلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكم مَنْ يُخالِلُ)). خرجه أبو داوود والترمذيُّ وصحَّحَه الحاكمُ والإمامُ أحمد. وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ:
مَنْ لَمْ تَكُنْ فِي اللَّهِ خُلَّتُهُ ........................ فَخَلِيلُهُ مِنْهُ عَلَى خَطَرِ
وقال أبو عطاء وهو أحدُ شعراء بني أمية يهجو مولاه عنبر بن سماك الأسدي:
إِذَا مَا كُنْتَ مُتَّخِذًا خَلِيلًا ...................... فَلَا تَثِقَنْ بِكُلِّ أَخِي إِخَاءِ
فَإِنْ خُيِّرْتَ بَيْنَهُمُ فَأَلْصِقْ .................... بِأَهْلِ الْعَقْلِ مِنْهُمْ وَالْحَيَاءِ
فَإِنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ لَهُ إِذَا مَا .................... تَفَاضَلَتِ الْفَضَائِلُ مِنْ كِفَاءِ
وإنَّ النَّوْكَ للأحسابِ غُولٌ ....................... به تأوِي إلى دَاءٍ عَيَاءِ 
فلا تَثِقَنْ مِن النَّوكى بشَيْءٍ .................... ولو كانوا بَنِي ماءِ السماءِ
كعَنْبَرٍ الوثيقِ بناءَ بَيْتٍ .......................... ولكن عقلُه مِثْلُ الهَبَاءِ 
وليس بقابلٍ أدباً فَدَعْه ......................... وكن منه بمنقطعِ الرَّجَاءِ 
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَخِلَّاءُ الرِّجَالِ هُمُ كَثِيرٌ ........................ وَلَكِنْ فِي الْبَلَاءِ هُمُ قَلِيلُ
فَلَا تَغْرُرْكَ خُلَّةُ مَنْ تُؤَاخِي ..................... فَمَا لَكَ عِنْدَ نَائِبَةٍ خَلِيلُ
وَكُلُّ أَخٍ يَقُولُ أَنَا وَفِيٌّ ....................... وَلَكِنْ لَيْسَ يَفْعَلُ مَا يَقُولُ
سِوَى خِلٍّ لَهُ حَسَبٌ وَدِينٌ ................... فَذَاكَ لِمَا يَقُولُ هُوَ الفعولُ
وقد تأتي الخُلَّةُ بِمَعنى الفَقْرِ والحاجَةِ لأنَّ كُلًّا منهما محتاجٌ إلى وِصالِ الآخَرِ غيرُ مُسْتَغْنٍ عنه، وإطلاقُه على إبْراهيمَ ـ عليه السلامُ ـ قيلَ: لأنَّ مَحَبَّةَ اللهِ ـ تعالى ـ قد تَخَلَّلتْ نَفسَهُ وخالَطَتْها مُخالَطَةً تامَّةً، أوْ أنَّه ـ عليه السلامُ ـ قد تَخلَّقَ بأخلاقِ اللهِ تعالى، فقد كانَ يُكرِمُ الضَيفَ ويُحسِنُ إليه ولو كان كافراً، فإنَّ مِنْ صِفاتِ اللهِ ـ تعالى ـ  الإحسانُ إلى البَرِّ والفاجِرِ، وفي بعضِ الآثار أنَّه عليْه السلامُ كان إذا صَنَعَ طعامَه التمسَ من يشاركه به فنَزَلَ بِهِ ضيفٌ مِنْ غيرِ أهلِ مِلَّتِه فلمّا مدَّ الضيف يده ليتناول الطعام أمره أن يذكر اسمَ اللهِ تعالى فأبى الضيف فاشترط عليه أنْ يُسَمِّ اللهَ تعالى، فقال الضيفُ: يا إبراهيمُ أَمِنْ أَجلِ لُقْمَةٍ أَتْرُكُ دِيني ودينَ آبائي؟ وانْصَرَفَ عنه، فأوْحى اللهُ إليْه: يا إبراهيمُ صَدَقَكَ لي سَبْعونَ سَنَةً أَرْزُقُه وهو يُشْرِكُ بي، وتُريدُ أنتَ مِنْه أنْ يَتْرُكَ دينَه ودينَ آبائه لأجلِ لُقمةٍ؟ فلَحِقَهُ إبراهيمُ ـ عليْه السلامُ ـ وسألَه الرُّجوعَ إليْه لِيُقْرِيَهُ واعْتَذَرَ إليْه، فقالَ الرجلُ المشركُ: ما بَدا لَكَ يا إبراهيم؟ فقالَ: إنَّ رَبِّي عاتَبَني فيكَ، وقال: أنَا أَرزُقُه مُنذُ سبعين سَنَةً على كُفْرِهِ بِي وأنتَ تُريدُ أنْ يَتْرُكَ دينَه ودينَ آبائه لأجلِ لُقمَةٍ؟ فقالَ المُشرِكُ: أوَ قَدْ وَقَعَ هذا؟ مثلُ هذا يَنْبَغي أنْ يُعْبَدَ فأسْلَمَ ورَجَعَ معَ إبراهيمَ ـ عليْه السلامُ إلى مَنزِلِه ثمَّ عمَّتْ بَعدُ كرامتَه خلقَ اللهِ تعالى مِنْ كلِّ وارِدٍ وَرَدَ عليْه، فقِيلَ لَهُ في ذلك فقال: تعلَّمتُ الكرمَ مِن رَبّي، رأيتُه لا يُضيِّعُ أعداءَه فلا أُضَيِّعُهم أنَا فأوحى اللهُ تعالى إليْه أنتَ
خليلي حقًّا.
وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّهُ مَضَى إِلَى خَلِيلٍ لَهُ بِمِصْرَ، وَقِيلَ: بِالْمَوْصِلِ لِيَمْتَارَ مِنْ عِنْدِهِ طَعَامًا فَلَمْ يَجِدْ صَاحِبَهُ، فَمَلَأَ غَرَائِرَهُ رَمْلًا وَرَاحَ بِهِ إِلَى أَهْلِهِ فَحَطَّهُ وَنَامَ، فَفَتَحَهُ أَهْلُهُ فَوَجَدُوهُ دَقِيقًا فَصَنَعُوا لَهُ مِنْهُ، فَلَمَّا قَدَّمُوهُ إِلَيْهِ قَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا؟ قَالُوا: مِنَ الَّذِي جِئْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِ خَلِيلِكَ الْمِصْرِيِّ، فَقَالَ: هُوَ مِنْ عِنْدِ خَلِيلِي، يَعْنِي اللَّهَ تَعَالَى، فَسُمِّيَ خَلِيلَ اللَّهِ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ أَضَافَ رُؤَسَاءَ الْكُفَّارِ وَأَهْدَى لَهُمْ هَدَايَا وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ: مَا حَاجَتُكَ؟ قال: حاجتي أن تسجدوا سَجْدَةً، فَسَجَدُوا فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ فَعَلْتُ مَا أَمْكَنَنِي فَافْعَلِ اللَّهُمَّ مَا أَنْتَ أَهْلٌ لِذَلِكَ، فَوَفَّقَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْإِسْلَامِ فَاتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا لِذَلِكَ.
وَيُقَالُ: لَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ بِشَبَهِ الْآدَمِيِّينَ وَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَلَمْ يَأْكُلُوا مِنْهُ وَقَالُوا: إِنَّا لَا نَأْكُلُ شَيْئًا بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَقَالَ لَهُمْ: أَعْطُوا ثَمَنَهُ وَكُلُوا، قَالُوا: وَمَا ثَمَنُهُ؟ قَالَ: أَنْ تَقُولُوا فِي أَوَّلِهِ بِاسْمِ اللَّهِ وَفِي آخِرِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَتَّخِذَهُ خَلِيلًا، فَاتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا. وروى جابرٌ ابنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  قَالَ: ((اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا لِإِطْعَامِهِ الطَّعَامَ وَإِفْشَائِهِ السَّلَامَ وَصَلَاتِهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ)).
وأخرجَ البيهَقيُّ في "شُعَبِ الإيمانِ" عن ابنِ عُمَرَ قال، قالَ رسولُ
اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ: ((يا جِبريلُ لِمَ اتَّخَذَ اللهُ تعالى إبراهيمَ خليلاً؟ قال: لإطعامِه الطَعامَ يا محمَّدُ)). وقيلَ لإظهارِه الفَقْرَ والحاجَةَ إلى اللهِ تعالى وانقطاعِه إليْه وعدمِ الالْتِفاتِ إلى مَنْ سِواهُ كما يَدُلُّ على ذلك قولُه لِجبريلَ ـ عليْه السَلامُ ـ حين قالَ له يومَ أُلْقِيَ في النَّارِ: أَلَكَ حاجةٌ؟ فقال: أَمّا إليْكَ فلا، ثمَّ قال: حَسْبيَ اللهُ ونعمَ الوَكيلُ، وقيل غيرُ ذلك، والمَشهورُ أنَّ الخليلَ دونَ الحَبِيبِ في مَراتِبِ القُرْبِ، وأُيِّدَ بما أخَرَجَه التِرْمِذِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عنِ ابْنِ عبَّاسٍ ـ رضيَ اللهُ تعالى عنهما ـ قال: جلَسَ ناسٌ مِنْ أصحابِ النَبِيِّ ـ صلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ ـ يَنتظرونَه فخَرَجَ حتَّى إذا دَنا منهم سَمِعَهم يَتَذاكرون فسَمِعَ حديثَهم وإذا بعضُهم يَقولُ: إنَّ اللهَ تعالى اتَّخَذَ مِنْ خَلقِه خليلاً فإبراهيمُ خليلُه، وقال آخَرُ: ماذا بأعجبِ منْ أنْ كلَّمَ اللهُ تعالى مُوسى تَكْليمًا، وقالَ آخَرُ: فعيسى روحُ اللهِ تعالى وكَلِمَتُه، وقال آخَرُ: آدمُ اصْطَفاهُ اللهُ تعالى، فخَرَجَ عليهم فَسَلَّمَ فقال: ((قد سَمِعْتُ كلامَكم وعَجَبَكم، إنَّ إبراهيمَ خليلُ اللهِ تعالى وهو كذلك، وموسى كليمُه، وعيسى روحُه وكَلِمَتُه، وآدمُ اصْطفاهُ اللهُ تعالى وهو كذلك، أَلَا وإنِّي حبيبُ اللهِ تَعالى ولا فَخْرُ، وأنَا أَوَّلُ شافعٍ ومُشَفَّعٍ ولا فَخْرُ، وأنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حِلَقَ الجَنَّةِ فيَفْتَحُه اللهُ تعالى فيُدْخِلْنِيها ومَعِيَ فُقراءُ المُؤمنين ولا فَخْرُ، وأنَا أَكْرَمُ الأَوَّلين والآخِرينَ يَوْمَ القِيامَةِ ولا فَخْرُ)).
والظاهرُ مِنْ كلامِ المُحَقِّقينَ أَنَّ الخُلَّةَ مَرْتَبَةٌ مِنْ مَراتِبِ المَحَبَّةِ، وأنَّ المَحَبَّةَ أَوْسعُ دائرةً، وأنَّ مِنْ مَراتِبِها، وهي المرتَبَةُ الثابتةُ له ـ صلى الله عليه وسلم، وأنَّه قد حَصَلَ له مِنْ مَقامِ الخُلَّةِ ما لم يَحصُلُ لأبيه إبراهيمَ ـ عليْه السلامُ، ومن ذلك أنَّ التَخَلُّقَ بأخلاقِ اللهِ الذي هو مِنْ آثارِ الخُلَّةِ أَظْهَرُ وأَتَمُّ في نَبيِّنا ـ صلى الله عليه وسلم، فقد صحَّ أنَّ خُلُقَه القُرآنُ، وجاء عنه ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ أنَّه قال: ((بُعثتُ لِأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأَخلاقِ)). وشَهِدَ اللهُ تعالى له بسموِّ أخلاقِهِ فقال: {وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم: 4. ومَنْشأُ إكرامُ الضيفِ الرحمةُ وهي فيه ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ على أتمِّ ما تَكونُ في الخلقِ، كما يثبت ذلك قولُه تعالى: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} الأنبياء: 107. ولهذا كان الخاتَمَ ـ عليه الصلاةُ والسَّلامُ. وقد رَوى الحاكِمُ وصَحَّحَه عن جُنْدُب: "أنَّه سَمع النبي ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ يَقولُ قبلَ أَنْ يُتوفّى: ((إنَّ اللهَ تعالى اتَّخَذَني خليلاً كما اتَّخَذَ إبراهيمَ خليلاً)). والتشبيهُ على حدِّ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين مِن قَبْلِكُمْ} البقرة: 183. وفي لفظِ الحُبِّ والخُلَّةِ ما يَكفي العارفَ في ظهورِ الفَرْقِ بينَهما، وذَهبَ غيرُ واحدٍ مِنَ الفُضلاءِ إلى أنَّ الآيةَ مِنْ بابِ الاسْتِعارَةِ التَمثيلِيَّةِ لِتَنَزُّهِهِ تعالى عن صاحبٍ وخَليلٍ، والمُرادُ أنَّه ـ سبحانَه ـ اصْطفى عبدَهُ ورسولَه ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ وخَصَّه بكرامةٍ تُشبِهُ كرامةَ الخَليلِ عندَ خَليلِه.
قولُه تعالى: {دِينًا} نَصْبٌ على التَمييزِ مِنْ "أَحْسَنُ" مَنقولٌ مِنَ المُبْتَدَأِ، والتَقديرُ: ومَنْ دينُه أَحْسَنُ مِن دِينِ مَنْ أَسْلَمَ ...
قولُه: {مِمَّنْ أَسْلَمَ وجهَه للهِ وهو مُحْسِنٌ} مُتَعَلِّقٌ بـ "أَحْسَنُ" فهي
"مِنْ" الجارَّةُ للمَفضولِ، و"لله" متعلِّقٌ بـ "أَسْلَم" ويجوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ من "وجهه" وفيه نظرٌ لا يخفى. "وهو مُحْسِنٌ" حالٌ مِن فاعلِ "أَسْلم"
قولُهُ: {واتَّبع} عطفٌ على "أسلم" وهو الظاهر، ويجوزُ أنْ يكونَ حالاً ثانيةً مِنْ فاعِلِ "أسلم" بإضمارِ "قد" عند مَنْ يشترط ذلك، وقد تقدَّم الكلام على {حَنِيفاً} في الآية: 135. من سورةِ البَقَرَةِ، إلَّا أنَّه يَجوزُ هُنا
أنْ يَكونَ حالاً مِنْ فاعلِ "اتّبع".
قوله: {واتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} فيه وجهان، وذلك أن "اتَّخذَ" إنْ عَدَّيْناها لاثْنيْنِ كان مفعولاً ثانياً وإلّا كانَ حالاً، وهذه الجُملةُ عطفٌ على الجُملةِ الاسْتِفهاميَّةِ التي معناها الخبرُ، نَبَّهَتْ على شَرَفِ المَتبوعِ وأنَّه جَديرٌ بأنْ يُتَّبَعَ لاصْطِفاءِ اللهِ لَه بالخُلَّةِ، ولا يَجوزُ عطفُها على ما قبلَها لِعدَمِ صلاحِيتِها صلةً للموصول. منهم مَنْ جعلها معترضة لا محلَّ لها مِنَ الإِعرابِ لأنَّها مِنْ جمل الاعتراضاتِ نحو ما يجيء في الشِعرِ مِنْ قولِهم "والحوادثُ جَمَّةٌ" فائدتُها تأكيدُ وجوبِ اتِّباع مِلَّتِه، لأنَّ مَنْ بَلَغ مِنَ الزُّلْفى عندَ اللهِ أَنِ اتَّخذَهُ خليلاً كان جديراً بأن يُتَّبَعَ، فإنْ عُنِيَ بالاعْتِراضِ المُصْطَلَحَ عليْه فليس ثَمَّ اعتراضٌ، إذِ الاعْتِراضُ بيْنَ مُتَلازِمَيْنِ كَفِعْلٍ وفاعلٍ، مُبْتَدَأٍ وخَبَرٍ، وشَرْطٍ وجَزاءٍ وقَسَمٍ وجَوابٍ. وإنْ عَنَى غيرَ ذلك احتُمِل، إلَّا أنَّ تنظيرَه بقولِهم: "والحوادثُ جَمَّةٌ" يُشْعِر بالاعتراضِ المُصْطَلَحِ عليْه؛ فإنَّ قولَهم "والحوادثُ جَمَّةٌ" وَرَدَ في بيْتَيْنِ، أحدُهما بيْنَ
فِعلٍ وفاعلٍ كقول جُويْرِيَةَ أو حُويْرِثَةَ بْنِ بدرٍ الرامي:
وقد أَدْرَكَتْني والحوادثُ جَمَّةٌ .............. أَسِنَّةُ قومٍ لا ضعافٍ ولا عُزْلِ
والآخرُ يحتمل ذلك، على أن تكونَ الباءُ زائدةً في الفاعل كقول امرئ القيس:
ألا هل أتاها والحوادثُ جَمَّةٌ ............ بأنَّ امرأ القيس بنَ تَمْلِكَ بَيْقَرا
ويُحتَمَلُ أن يكونَ الفاعلُ ضميراً دلَّ عليه السِياقُ أي: هل أتاها الخبرُ بأنَّ امرَأَ القيسِ، فيكون اعتراضاً بين الفعلِ ومعمولِه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 125
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 41
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 14
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 29
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 62
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 78

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: