وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا.
(122)
قولُه تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} مَعطوفٌ على قولِه ـ تعالى ـ قبل ذلك: {أولئك مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} جَرْيًا على عادةِ القرآنِ في تعقيبِ الإِنذارِ بالبِشارةِ، والوعيدِ بالوَعْدِ، فبَعْدَ أَنْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى حَالِ أَتْبَاعِ الشَّيْطَانِ، ثَنَّى بَبَيَانِ حَالِ المُؤْمِنِينَ السُّعَدَاءِ، الذِينَ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لِدَعْوَةِ الشَّيْطَانِ، وَلاَ يَمْتَثِلُونَ لأَمْرِهِ، وَمَا لَهُمْ مِنَ الكَرَامَةِ التَّامَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فالذِينَ آمَنُوا وَصَدَّقَتْ قُلُوبُهُمْ، وَعَمِلَتْ جَوَارِحُهُمْ بِمَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الخَيْرَاتِ، وَتَرَكُوا مَا نُهُوا عَنْهُ مِنَ المُنْكَرَاتِ، سَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي فِيها الأَنْهَارُ.
قولُه: {سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خالدين فيها أبَداً} من تحتها: أيْ مِن تحتِ غُرفِها وقُصورِها، وعدَّدَ الأنْهارَ، لأنَّها ليْستْ مِن نوعٍ واحدٍ بلْ إنَّ بعضَها مِن ماءٍ وبعضَها مِن لبنٍ وبعضَها مِن خَمْرٍ وبعضَها الآخرَ مِن عسلٍ، وقيل إنَّه ماءُ الحكمةِ ولبنُ الفطرةِ وخمرُ الشَهودِ وعسلُ الكَشْفِ. "خالدين فيها أبداً" وَيَكُونُونَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لِبقاءِ أرواحِهم.
وقولُهُ:{وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} أيْ وعدَهم وعْداً وأحَقَّه حقًّا لا يُحتَمَلُ غيرُه
إذْ ليس الوعدُ إلّا الإخبارَ عنِ إيصالِ المَنافِعِ قبلَ وقوعِه، والثاني: مؤكِّدٌ لِغيرِهِ كَزَيْدٍ قائمٌ حَقًّا فإنَّ الجُملَةَ الخَبَرِيَّةَ بالنَّظرِ إلى نفسِها وقَطعِ النَّظرِ عن قائلِها تحتملُ الصدقَ والكَذِبَ والحَقَّ والباطلَ، وَهُوَ وَعْدٌ حَقٌّ مِنَ اللهِ، وَاللهُ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ مَا وَعَدَ بِفَضْلِهِ وَجُودِهِ.
قولُه: {ومَن أصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلا} تَذييلٌ للكلامِ السابقِ مؤكِّدٌ له، ولا يَخفى ما في الاسْتِفهامِ وتَخصيصِ اسْمِ الذات الجليلِ الجامعِ، وبناءِ أَفعَل، وإيقاعِ القولِ تَمييزاً مِن المُبالغةِ، والمَقصودُ معارضةُ مواعيدِ الشيطانِ الكاذبةِ لقُرنائه التي غرَّتهم حتَّى استحقوا الوعيدَ بوعدِ اللهِ تعالى الصادقِ لأوليائه الذي أوصلَهم إلى السعادةِ العُظمى، ولِذا بالَغَ ـ سبحانَه ـ فيه وأَكَّدَه حَثًّا على تحصيلِه وترغيبًا فيه.
قولُه تعالى: {والذين آمَنُواْ} رفعٌ على الابتداءِ، والخبر "سَنُدْخِلُهم" أو نصبٌ على الاشتغالِ أي: سَنُدْخِلُ الذين آمنوا سندخلهم، وقرئ: "سيُدْخِلُهم" بياءِ الغيْبةِ. وانتصبَ "وعدَ اللهِ" على المَصدرِ المؤكِّدِ لِنَفسِهِ "وحقاً" على المصدرِ المؤكِّدِ لغيرِه، فـ "وعدَ" مؤكدٌ لقولِه "سندخلهم"، وهو مفهومٌ مما قبله، و"حقاً" مؤكِّدٌ لقولِه: {وَعْدَ الله} و"قيلا" نصبٌ على التمييز. والقيلُ والقولُ والقالُ مصادرُ بمعنى واحدٍ، ومنه قولُه تعالى: {وَقِيلِهِ يارب} الزخرف: 88.