عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 28 الأحد مايو 05, 2013 6:50 pm | |
| يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا.
(28) قولُه ـ عزَّ من قائل: {يُرِيدُ الله أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ} قال طاووس ومُجاهد، أي: في التَكليفِ في أمرِ النِّساءِ والنِّكاح بإباحةِ نِكاحِ الإماءِ وقيل: يُخفِّفُ في التَكليفِ على العمومِ فإنَّه خَفَّفَ عن هذه الأُمَّةِ ما لم يُخفِّفْ عن غيرِها مِن الأُمَمِ الماضيةِ، وقيلَ: يُخفِّفُ بِقبولِ التوبةِ والتوفيقِ لها. وقولُه: {وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً} قال طاووس: أيْ في أَمرِ النِّساءِ لا يَصبِرُ عنهُنَّ، وفي الخبرِ: (لا خيرَ في النِّساءِ ولا صَبْرَ عنهُنَّ يَغْلِبْنَ كريمًا ويَغْلِبُهُنَّ لئيمٌ، فأُحِبُّ أنْ أَكونَ كريمًا مغلوبًا ولا أُحِبُّ أنْ أَكونَ لَئيمًا غالباً). قال سعيدٌ بنُ المُسَيَّبِ ما آيَسَ الشيطانُ مِن ابْنِ آدَمَ إلَّا أتاه مِنْ قِبَلِ النِّساءِ وقد أتى عليَّ ثمانونَ سَنَةً وذَهَبتْ إحدى عَيْنَيَّ وأنا أَعْشُو بالأخرى وإنَّ أخوَفَ ما أخافُ على نَفسي فِتنةَ النِّساءِ. وقال أبو هريرةَ ـ رضيَ اللهُ عنْهُ: اللَّهمَّ إنّي أعوذُ بكَ مِن أنْ أزنيَ وأسْرِقَ، فقيلِ لَه كَبُرَ سِنُّكَ وأنتَ صاحِبُ رسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ ـ أَتخافُ على نفسِكَ مِن الزِنا والسَرِقَةِ؟ قال: كيفَ آمَنُ على نَفسي وإبليسُ حَيٌّ. وقيل "ضعيفًا": يَستَميلُه هواه وشَهوتُه ويَستَشيطُه خوفُه وحُزْنُه، وقيل: عاجزٌ عن مُخالَفَةِ الهوى وتَحَمُّلِ مَشاقِّ الطاعةِ، وقيل: ضعيف الرأيِ لا يُدرِكُ الأَسرارَ والحِكَمَ إلَّا بِنورٍ إلهِيٍّ. وعن الحسنِ ـ رضي اللهُ تعالى عنه ـ أنَّ المُرادَ ضعيفُ الخِلقَةِ يُؤلِمُهُ أَدنى حادثٌ نَزَلَ بِه. ولا يَخفى ضعفُ مُساعدةِ المَقامِ لَهما فإنَّ الجُملَة اعتراضٌ تَذييليٌّ مَسوقٌ لِتَقريرِ ما قبلَه مِنَ التَخفيفِ بالرُّخْصةِ في نِكاحِ الإماءِ، وليس لِضَعْفِ الرَّأيِ ولا لِضَعفِ البُنْيَةِ مَدْخِلٌ في ذلك. وأخرجَ البَيْهَقيُّ في "شُعَبِ الإيمان" عن عبدِ اللهِ بْنِ عبّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ أنَّه قال: ثماني آياتٍ نَزَلَتْ في سورةِ النِّساءِ هيَ خيرٌ لِهذهِ الأُمَّةِ مما طَلَعَتْ عليْه الشمسُ وغَربتْ، الأُولى: {يُرِيدُ الله لِيُبَيّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الذين مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} النساءُ: 26. والثانية: {والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} النساء: 27. إلى آخرها، والثالثة: "يُرِيدُ الله أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ" إلى آخرِها، والرابعةُ: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سيئاتكم وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً} النساء: 31. والخامسةُ: {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} النساء: 40. والسادسة: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُوراً رَّحِيماً} النساء: 110. والسابعة: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} النساء: 48. إلى آخرها، والثامنة: {والذين آمَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ} النساء: 152. الآية. وقد أنعم اللهُ تعالى على هذه الأمَّةِ بإرادةِ أربعةِ أشياء. أوَّلُها: التَبيينُ، وهو أنْ يُبَيِّنَ لهم الصِراطَ المستقيمَ إليه ـ سبحانَه وتعالى. وثانيها: الهدايةُ، وهو أَنْ يَهديَهم إلى الصِّراطِ المُستقيمِ بالعِيانِ بعدَ البَيان. وثالثُها: التوبةُ عليهم، وهي أنْ يَرجِعَ بهم إلى حَضرتِه على صِراطِهِ ـ تباركت أسماؤه. ورابعُها: التَخفيفُ عنهم، وهو أنْ يُوصِلَهم إلى حضرتِه بالمَعونَة ويُخَفِّفَ عنهم المَؤونَة. وهذا ممَّا اختصَّ بِه نَبِيُّنا ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ وأمَّتُه لِوجهيْن. أحدُهما أنَّ اللهَ أخبرَ عن ذهابِ إبراهيمَ ـ عليه السلامُ ـ إلى حَضرتِه باجْتِهادِه، وهو المَؤونَةُ بقولِه: {إنّي ذاهبٌ إلى ربّي سَيَهدينِ} وأخبرَ عن مُوسى ـ عليه السلامُ ـ بِمَجيئِه وهو أيْضًا المَؤونَةُ وقال: {ولمَّا جاءَ موسى لِمِيقاتِنا} وأخبرَ عن حالِ نَبيِّنا ـ عليهِ الصلاةُ والسلام ـ بقولِه: {سبحان الذي أسرى بعبدِه لَيْلًا} وهو المَعونَةُ فخَفَّفَ عنْه المَؤونةَ. وأخبرَ عن حال ِهذه الأمَّةِ بقولِه: {سنريهم آياتِنا في الآفاق وفي أنفُسِهم حتَّى يَتبيَّنَ لهم أنَّه الحقُّ} وهو أيضًا بالمَعونةِ وهي جَذَباتُ العِنايةِ. والوَجهُ الثاني أنَّ النبيَّ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ وأمَّتُه مخصوصون بالوُصولِ والوِصالِ، مُخَفَّفٌ عنهم كُلفةُ الفِراقِ والانقطاعِ فأمّا النبيُّ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ فقد خُصَّ بالوُصولِ إلى مَقامِ {قابِ قوسيْن أو أدنى} وبالوِصالِ بقولِه: {ما كَذَبَ الفؤادُ ما رأى} وانْقَطَعَ سائرُ الأنبياءِ عليهمُ السلامُ في السمواتِ السِبْعِ، كما رأى ليلةَ المِعراجِ، آدم في سماءِ الدُنيا إلى أن رأى إبراهيم ـ عليه السلامُ ـ في السماءِ السابعةِ، فعبَرَ عنهم جميعاً إلى كمالِ القُرْبِ والوُصولِ. وأمّا الأمة فقال في حقِّهم (مَنْ تَقرَّبَ إليَّ شِبْرًا تَقرَّبتُ إليْه ذِراعًا) فهذا هو حقيقةُ الوُصولِ والوِصالِ ولكنَّ الفَرْقَ بيْن النبيِّ والوليِّ في ذلك أنَّ النبيَّ مُستقِلٌّ بِنَفسِه في السيرِ إلى اللهِ والوُصولِ، ويكونُ حظُّهُ مِن كلِّ مَقامٍ بِحَسَبِ اسْتِعدادِهِ الكاملِ، والوَليُّ لا يُمكنُه السيرُ إلّا في مُتابعةِ النَّبيِّ وتَسليكِهِ في سبيلِ اللهِ. {قلْ هذهِ سبيلي أدعوا إلى اللهِ على بَصيرةٍ أنَا ومَنِ اتَّبَعني} ويكونُ حَظُّهُ مِن المَقاماتِ بِحَسَبِ اسْتِعدادِهِ فيَنْبغي أنْ يُسارِعَ العبدُ إلى تكميلِ المَراتِبِ والدَرَجاتِ برِعايةِ السُنَّةِ وحُسْنِ المُتابعةِ لِسَيِّدِ الكائنات.قالَ الإمامُ الجُنيدُ البَغدادي ـ قُدِّسَ سِرُّهُ ـ مَذْهَبُنا هذا مُقَيَّدٌ بأصولِ الكِتابِ والسُنَّةِ. وقالَ أميرُ المؤمنينَ عليٌّ ـ رضيَ اللهُ عنْه وكرَّمَ وَجَهَه ـ الطُرُقُ كُلُّها مَسْدودةٌ على الخَلْقِ إلَّا مَنِ اقْتَفى أَثَرَ رسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ.واعلمْ أنَّ هذا الضعفَ سببٌ لِكَمالِ الإنسانِ وسعادتِه، كما هي سببٌ لِنُقْصانِه وشَقاوَتِهِ، لأنَّه يَتغيّر لِضعفِه مِن حالٍ إلى حالٍ ومِن صِفةٍ إلى أخرى، فيكون ساعةً بصفةِ بهيمةِ يأكُلُ ويَشرَبُ ويُجامِعُ، ويَكونُ ساعةً أخرى بِصفةِ مَلَكٍ يُسبِّحُ بِحمدِ ربِّهِ ويُقدِّسُ لَه، ويَفعلُ ما يُؤمَرُ بهِ ولا يَعصى فيما نَهاهُ عنْه، وهذه التَغيُّراتُ من نتائجِ ضَعفِه وليس هذا الاسْتِعدادُ لِغيرِهِ حتَّى المَلَكُ لا يَقدِرُ أنْ يَتَّصِفَ بِصفاتِ البَهيمَةِ، والبَهيمةُ لا تَقْدِرُ أنْ تَتَّصِفَ بِصِفَةِ المَلَكِ. وإنَّما خُصَّ الإنسانُ بهذا الضَعْفِ لاسْتِكْمالِه بالتَخَلُّقِ بأخْلاقِ اللهِ، واتِّصافُه بِصفاتِ اللهِ كما جاءَ في الحديثِ الربانيِّ في بعض الكتُب المنزَّلةِ: (أنا مَلِكٌ حيٌّ لا أموتُ أبَدًا، عبدي أطِعْني أجعلْكَ مَلكًا حيًّا لا يَموتُ أبَدًا) فعندَ هذا الكمالِ يكونُ خيرَ البَريَّةِ وعندَ اتِّصافِه بالصِفاتِ البَهيميَّةِ يَصيرُ شرَّ البَريَّةِ.قولُه ـ تعالى: {يُرِيدُ الله أَن يُخَفِّفَ} جُملةٌ مُستأنفةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإِعراب، وهو الأصحّ. وقيلَ هي حالٌ مِن قولِه: {والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ} العامل فيها "يريد" أي: واللهُ يريدُ أنْ يتوبَ عَليكم يريدُ أنْ يُخَفِّفَ عنكم. ويكون في هذا الإِعرابِ نظرٌ مِنْ وَجهيْن، أحدُهما: أنَّه يُؤدِّي إلى الفصلِ بيْن الحالِ وبيْنَ عاملِها بجملةٍ معطوفةٍ على جملةِ العاملِ في الحال ضِمْنَ تلك الجملةِ المعطوفِ عليها، والجملةُ المعطوفةُ وهي "ويريدُ الذين يتَّبعون" جُملةٌ أَجنبيَّةٌ مِنَ الحالِ وعامِلِها. والثاني: أنَّ الفعلَ الذي وَقعَ حالاً رفعَ الاسْمَ الظاهرَ فوقعَ الرَّبْطُ بالظاهِرِ، لأنَّ "يريد" رفَعَ اسْمَ اللهِ وكان مِن حَقِّهِ أَنْ يَرفعَ ضَميرَه، والرَّبطُ بالظاهِرِ إنَّما وَقَعَ في الجُملةِ الواقعةِ خبَراً أو صِلةً، أمَّا الواقعةُ حالاً وصفةً فلا، إلَّا أَنْ يَرِدَ بِهِ سَماعٌ، ويَصيرُ هذا الإِعرابُ نظيرَ: بَكْرٍ يَخرُجُ يَضرِبُ بَكْرٌ خالداً. ولم يُذكرْ مفعولُ التَّخفيفِ فهو محذوفٌ قيلَ: تقديرُه: يُخفِّف عنكم تكليفَ النَّظرِ وإزالةَ الحِيرَةِ. وقيل: إثمَ ما تَرتَكِبون. | |
|