عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 183 الأربعاء أبريل 10, 2013 2:25 am | |
| الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. (183) قولُه ـ سبحانَه وتعالى: {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ} قال الكلبيُّ وغيرُه: نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَمَالِكِ بْنِ الصَّيْفِ، وَوَهْبِ بْنِ يَهُوذَا، وَفِنْحَاصِ بْنِ عَازُورَاءَ وَجَمَاعَةٍ أَتَوُا النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا لَهُ: أَتَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ إِلَيْنَا، وَإِنَّهُ أَنْزَلَ عَلَيْنَا كِتَابًا عَهِدَ إِلَيْنَا فِيهِ أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ، فإنْ جئتَنا بِهِ صَدَّقْنَاكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. فَقِيلَ: كَانَ هَذَا فِي التَّوْرَاةِ، وَلَكِنْ كَانَ تَمَامُ الْكَلَامِ: حَتَّى يَأْتِيَكُمُ الْمَسِيحُ وَمُحَمَّدٌ فَإِذَا أَتَيَاكُمْ فآمنوا بهما مِنْ غيرِ قُربانٍ. وَقِيلَ: كَانَ أَمْرُ الْقَرَابِينِ ثَابِتًا إِلَى أَنْ نُسِخَتْ على لِسانِ عيسى بنِ مَرْيَمَ. وَكَانَ النَّبِيُّ مِنْهُمْ يَذْبَحُ وَيَدْعُو فَتَنْزِلُ نَارٌ بَيْضَاءُ لَهَا دَوِيٌّ وَحَفِيفٌ لَا دُخَانَ لَهَا، فَتَأْكُلُ الْقُرْبَانَ. فَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ دَعْوَى مِنَ الْيَهُودِ، إِذْ كَانَ ثَمَّ اسْتِثْنَاءٌ فَأَخْفَوْهُ، أَوْ نُسِخَ، فَكَانُوا فِي تَمَسُّكِهِمْ بِذَلِكَ مُتَعَنِّتِينَ، وَمُعْجِزَاتُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ دَلِيلٌ قَاطِعٌ فِي إِبْطَالِ دَعْوَاهُمْ، وَكَذَلِكَ مُعْجِزَاتُ عِيسَى، وَمَنْ وَجَبَ صِدْقُهُ وَجَبَ تَصْدِيقُهُ. قوله: {قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْفَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ } قُلْ: يَا مُحَمَّدُ إِقَامَةً لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ: "قَدْ جاءَكُمْ" يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ "رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ" مِنَ الْقُرْبَانِ "فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ" يَعْنِي زَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَشَعْيَا، وَسَائِرَ مَنْ قَتَلُوا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَلَمْ تُؤْمِنُوا بِهِمْ. أَرَادَ بِذَلِكَ أَسْلَافَهُمْ. وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ الَّتِي تَلَاهَا عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَاحْتَجَّ بِهَا عَلَى الَّذِي حَسَّنَ قَتْلَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا بَيَّنَّاهُ. وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْيَهُودَ قَتَلَةً لِرِضَاهُمْ بِفِعْلِ أَسْلَافِهِمْ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ نَحْوٌ مِنْ سَبْعِمِائَةِ سَنَةٍ. وَالْقُرْبَانُ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ نُسُكٍ وَصَدَقَةٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ، وَهُوَ فَعْلَانُ مِنَ الْقُرْبَةِ. وَيَكُونُ اسْمًا وَمَصْدَرًا، فَمِثَالُ الِاسْمِ السُّلْطَانُ وَالْبُرْهَانُ. وَالْمَصْدَرُ الْعُدْوَانُ والخسران. قوله ـ تعالى: {الذين قالوا} يجوزُ في مَحَلِّه الألقابُ الثلاثة: فالجَرُّ من ثلاثةِ ِأوجه، الأوّلُ: أنَّه صفةٌ لـ "الذين" المخفوضِ بإضافةِ "قولَ" إليه. الثاني: أنَّه بدلٌ منْه. الثالث: أنَّه صفةٌ لـ "العبيد" أي: ليس بظلاَّمٍ للعبيدِ الذين قالوا كيتَ وكيتَ، وهذا مُفْسِدٌ للمعنى والرصفِ. والرفعُ: على القطعِ بإضمارِ مبتدأٍ أي: هم الذين. وكذلك النصبُ على القطعِ أيضاً بإضمارِ فِعلٍ لائقٍ أيْ "اَذُمُّ الذين".قولُه: {أَلاَّ نُؤْمِنَ} في "أَنْ" وجهان، أحدُهما: أنَّها على حذفِ حرفِ الجرِّ، والأصلُ: في أنْ لا نُؤمِنَ، وحينئذٍ يَجِيءُ فيها المَذهبان المَشهوران: أَهِيَ في مَحَلِّ جَرٍّ أو نَصْبٍ. والثاني: أنَّها مفعولٌ بها على تضمينِ: "عهد" معنى أَلْزَمَ، تقول: "عَهِدْتُ إليه كذا" أي: أَلْزَمْتُه إيّاه، فهي على هذا في محلِّ نصبٍ فقط.و"أَنْ" تُكتبُ متَّصلةً ومُنفَصِلَةً اعتِباراً بالأَصْلِ أو بالإِدغامِ. ونَقَلَ أبو البقاءِ أنَّ منهم مَنْ يَحْذِفُها في الخطِّ اكتفاءً بالتشديد. وحَكى مَكِيٌّ عن المُبرِّدِ أنَّها إنْ أُدْغِمَتْ بِغُنَّةٍ كُتِبت مُتَّصِلةً وإلاَّ فمُنفَصِلةً، ونُقِلَ عن بعضِهم أنَّها إنْ كانتْ مخفَّفةً كُتِبَتْ منفصلةً، وإنْ كانَتْ ناصبةً كُتِبَتْ متَّصِلةً، والفَرقُ أنَّ المُخفَّفةَ معها ضميرٌ مقدَّرٌ، فكأنَّه فاصلٌ بينَهما بخِلافِ الناصِبَةِ، وقولُ أَهلِ الخَطِّ في مثل هذا: "تُكْتَبُ متَّصِلَةً" عبارة عن حَذْفِها في الخطِّ بالكليَّةِ اعتباراً بلفظِ الإِدْغامِ لا أنَّهم يَكتبونَها مُتَّصِلةً، ويُثْبتون لها بعضَ صورتِها فيَكتبون: أَنْلا، والدليلُ على ذلك أنّهم لَمَّا قالوا في "أم من" و"أم ما" ونحوِه بالاتِّصالِ إنَّما يَعنون بِه كتابةَ حرفٍ واحدٍ فيكتبون: أمّنْ وأمَّا. وفهم أبو البقاء أنَّ الاتِّصالَ في ذلك عبارةٌ عن كتابتِهم لها بعضَ صورَتِها مُلْصَقَةً بـ "لا"، والدليلُ على أنَّه فَهِمَ ذلك أنَّه قال: "ومنهم مَنْ يَحْذِفُها في الخط اكتِفاءً بالتشديدِ" فَجَعَلَ الحَذْفَ قَسيماً للوَصْلِ والفَصْلِ، ولا يقولُ أحدٌ بهذا.وتَعَدَّى "نُؤْمِنُ" باللامِ لتضمُّنِه معنى الاعترافِ، وقد تقدَّمَ في أوَّلِ البقرة.وقرأَ عيسى بنُ عُمَرٍ: "بقُرُبان" بضمَّتين. قال ابنُ عطيَّة: "إتباعاً لِضَمَّةِ القافِ، وليْسَ بِلُغَةٍ لأنَّه ليسَ في الكَلامِ فُعُلان بِضَمِّ الفاءِ والعين، وحكى سِيبويْهِ: "السُّلُطان" بضمِّ اللّامِ، وقال: "إنَّ ذلكَ على الإِتْباعِ". قال الشيخ: ولم يَقُلْ سيبويهِ إنَّ ذلك على الإِتْباعِ بلْ قال: "ولا نعلمُ في الكلامِ فِعِلان ولا فُعُلان ولكنَّه قد جاءَ فُعُلان وهو قليلٌ، قالوا: "السُّلُطان" وهو اسمٌ "قالَ الشارحُ لكلامِ سِيبويْهِ" صاحِبُ هذهِ اللغةِ لا يُسَكِّنُ ولا يُتْبَعُ" وكذا ذَكَرَ التَصْريفيّون أنَّه بناءٌ مُسْتَقِلٌّ، قالوا ولمْ يَجِىءْ فُعُلان إلَّا اسْماً وهو قليلٌ نحو: "سُلُطان".قلت: أمَّا ابنُ عطيّة فَمُسَلَّمٌ أنَّه وَهِمَ في النقلِ عن سِيبويْهِ في "سُلُطان" خاصَّةً، ولكنَّ قولَه في "قُرُبان" صحيحٌ لأِنَّ أهلَ التصريفِ لم يَسْتَثْنُوا إلَّا السُّلُطان.والقُرْبان في الأصل مصدرٌ ثمَّ سُمِّيَ بِه المَفعولُ كالرَّهْنِ فإنَّه في الأصلِ مصدرٌ ولا حاجةَ إلى حذْفٍ مضافٍ. وزَعمَ أبو البقاءِ أنَّه على حَذْفِ مضافٍ أي: بتقريبِ قُرْبانٍ، قال: "أي يُشَرِّعُ لنا ذلك". و"تأكلُه النارُ" صفةٌ لقُرْبان، وإسنادُ الأكلِ إليها مجازٌ عَبَّر عن إفنائها الأشياءَ بالأكل.و"من قبلي" و"بالبينات" كلاهما متعلِّقٌ بـ "جاءكم"، والباءُ تحتمِلُ المَعيَّةَ والتَعديةَ أي: مُصاحبين للآيات. | |
|