عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 175 السبت أبريل 06, 2013 4:29 am | |
| إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) قولُه ـ تباركت أسماؤه: {إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: الْمَعْنَى يُخَوِّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ، أَيْ بِأَوْلِيَائِهِ، أَوْ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، فَحَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ وَوَصَلَ الْفِعْلَ إِلَى الِاسْمِ فَنَصَبَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً} الكهف: 2. أَيْ لِيُنْذِرَكُمْ بِبَأْسٍ شَدِيدٍ، أَيْ يُخَوِّفُ الْمُؤْمِنَ بِالْكَافِرِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: الْمَعْنَى يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ الْمُنَافِقِينَ، لِيَقْعُدُوا عَنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ. فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ لَا يَخَافُونَهُ إِذَا خَوَّفَهُمْ. وقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ هَذَا الَّذِي يُخَوِّفُكُمْ بِجَمْعِ الْكُفَّارِ شَيْطَانٌ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ، إِمَّا نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ أَوْ غَيْرُهُ، عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ. قولُه: {فَلا تَخافُوهُمْ} أَيْ لَا تَخَافُوا الْكَافِرِينَ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ}. أَوْ يَرْجِعُ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ إِنْ قُلْتُ: إِنَّ الْمَعْنَى يُخَوِّفُ بِأَوْلِيَائِهِ أَيْ يُخَوِّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَخافُونِ} أَيْ خَافُونِي فِي تَرْكِ أَمْرِي إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِينَ بِوَعْدِي. وَالْخَوْفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الذُّعْرُ. وَخَاوَفَنِي فُلَانٌ فَخُفْتُهُ، أَيْ كُنْتُ أَشَدَّ خَوْفًا مِنْهُ. وَالْخَوْفَاءُ أو "الخوقاء" الْمَفَازَةُ لَا مَاءَ بِهَا، أو هي متَّسِعةُ الجوف. وَيُقَالُ: نَاقَةٌ خَوْفَاءُ وَهِيَ الْجَرْبَاءُ. وَالْخَافَةُ كَالْخَرِيطَةِ مِنَ الْأَدَمِ يُشْتَارُ فِيهَا الْعَسَلُ. قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: اجْتَمَعَ بَعْضُ الصِّدِّيقِينَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ فَقَالُوا: مَا الْخَوْفُ؟ فَقَالَ: لَا تَأْمَنُ حَتَّى تَبْلُغَ الْمَأْمَنَ. قَالَ سَهْلٌ: وَكَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ إِذَا مَرَّ بِكِيرٍ (الذي يَستعمِلُهُ الحدَّادُ) يُغْشَى عَلَيْهِ، فَقِيلَ لِعَلِيِّ ابنِ أَبِي طَالِبٍ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِذَا أَصَابَهُ ذَلِكَ فَأَعْلِمُونِي. فَأَصَابَهُ فَأَعْلَمُوهُ، فَجَاءَهُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي قَمِيصِهِ فَوَجَدَ حَرَكَتَهُ عَالِيَةً فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا أَخْوَفُ أَهْلِ زَمَانِكُمْ. فَالْخَائِفُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ أَنْ يَخَافَ أَنْ يُعَاقِبَهُ إِمَّا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا فِي الْآخِرَةِ، وَلِهَذَا قِيلَ: لَيْسَ الْخَائِفُ الَّذِي يَبْكِي وَيَمْسَحُ عَيْنَيْهِ، بَلِ الْخَائِفُ الَّذِي يَتْرُكُ مَا يَخَافُ أَنْ يُعَذَّبَ عَلَيْهِ. فَفَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَخَافُوهُ فَقَالَ: {وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وَقَالَ: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}. وَمَدَحَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْخَوْفِ فَقَالَ: {يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} النحل: 50. وَلِأَرْبَابِ الْإِشَارَاتِ فِي الْخَوْفِ عِبَارَاتٌ مَرْجِعُهَا إِلَى مَا ذَكَرْنَا. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ: دَخَلَتُ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ فُورَكَ رَحِمَهُ الله عائدًا، فلمَّا رآني دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ يُعَافِيكَ وَيَشْفِيكَ. فَقَالَ لِي: أَتَرَى أَنِّي أَخَافُ مِنَ الْمَوْتِ؟ إِنَّمَا أَخَافُ مِمَّا وَرَاءَ الْمَوْتِ. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ أَطَّتِ (صَوّتت) السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشَاتِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ)). خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَيُرْوَى مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ: (لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شجرة تعضد). والله أعلم.قولُه ـ تعالى: {إِنَّمَا ذلكم الشيطان} إنَّ: حرفٌ مكفوف بـ "ما" عن العملِ. وفي إعرابِ هذه الجملةِ خمسةُ أوجُهٍ، أحدُها: أنْ يَكونَ "ذلكم" مبتدأً و"الشيطانُ" خبرَه، وقولُه: {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} حالٌ بدليلِ وقوعِ الحالِ الصريحةِ في مثلِ هذا التركيب نحو: {وهذا بَعْلِي شَيْخاً} هود: 72. {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} النمل: 52. الثاني: أنْ يَكونَ "الشيطانُ" بدلاً أو عطفَ بيانٍ، و"يُخَوِّفُ" الخبرَ. الثالث: أنْ يكونَ "الشيطانُ" نعتاً لاسمِ الإِشارةِ، و"يُخَوِّفُ" الخبرَ، على أنْ يُرادَ بالشيطانِ نعيمُ أو أبو سفيانَ. الرابع: أنْ يكون "ذلكم" ابتداءً وخبراً، و"يُخَوِّف" جملةً مستأنفةً، والمُرادُ بالشيطانِ هو المُثَبِّطُ للمؤمنين. الخامسُ: أنْ يكونَ: "ذلكم" مبتدأً، و"الشيطانُ" مبتدأً ثانٍ، و"يُخَوِّفُ" خبرُ الثاني، والثاني وخبرُه خبرُ الأوَّلِ. وهذا الإِعرابُ خيرٌ في تَنَاسُقِ المَعنى مِن أنْ يَكونَ "الشيطانُ" خبرَ "ذلكم" لأنَّهُ يَجِيءُ في المَعنى استعارةً بعيدةً. والمشار إليه بـ "ذلكم" هل هو عينٌ أو معنًى؟ فيه احتمالان، أحدُهما: أنَّه إشارةٌ إلى ناسٍ مخصوصين كَنُعيمٍ وأبي سُفيان وأشياعِهِما على ما تقدم. والثاني: أنَّه إشارةٌ إلى جميعِ ما جَرى مِنْ أخبارِ الرَّكبِ وإرسالِ أبي سفيانَ وجَزَعِ مَنْ جَزَعَ، وعلى هذا التقدير فلا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مُضافٍ أيْ: فِعْلَ الشيطانِ، وتقديرُه "قولَ الشيطان" أيْ: قولَه السابقَ وهو {إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فاخشوهم} وعلى كِلا التَقديريْن أعني كونَ الإِشارةِ لأعيانٍ أو مَعانٍ فالإِخْبارُ بالشيطانِ عن "ذلكم" مَجاز، لأنَّ الأعيانَ المذكورين والمعاني مِنْ الأقوالِ والأفعالِ الصادرةِ مِنْ الكُفَّارِ ليستْ نفسَ الشيطانِ، وإنَّما لمَّا كانتْ بسببِه ووسوستِه جازَ ذلك.قولُه: {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} قد تقدَّم ما محلُّه مِنَ الإِعرابِ، والتَضعيفُ فيه للتعدُّيَّةِ، فإنَّه قبلَ التضعيفِ متَعَدٍّ إلى واحدٍ وبالتَضعيفِ يُكْتَسَبُ ثانياً، وهو من بابِ أعطى، فجُوِّزُ حَذْفُ مفعوليْه أوْ أحدُهُما اقتِصاراً واخْتِصاراً، وهو في الآيةِ الكريمةِ يَحْتملُ أوْجُهاً، أحدُها: أنْ يَكونَ المفعولُ الأوَّلُ محذوفاً تقديرُه: يُخَوِّفكم أولياءَه، ويُقَوِّي هذا التقديرَ قراءةُ ابنِ عبَّاس وابنِ مسعودٍ هذه الآيةَ كذلك، والمُرادُ بأوليائه هُنا الكُفَّارُ، ولا بُدَّ مِن حذفِ مضافٍ أيْ: شَرَّ أوْليائه، لأنَّ الذواتِ لا يُخاف منها. والثاني: أنْ يكونَ المفعولُ الثاني هو المحذوف، و"أولياءه" هو الأوَّل، والتقدير: يُخَوِّف أولياءه شَرَّ الكُفَّارِ، ويَكونُ المُرادَ بأوليائه على هذا الوجه المنافقون ومَنْ في قلبِه مَرضٌ مِمَّن تخلَّفَ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الخروج، والمعنى: أنَّ تخويفَه بالكُفَّارِ إنَّما يَحْصُل للمُنافقين الذي هم أولياؤه، وأمَّا أنتم فلا يَصِلُ إليكم تخويفُه. والثالثُ ذكرَه بعضُهم أنَّ المفعوليْن مَحذوفان، و"أولياءه" نَصْبٌ على إسْقاطِ حرْفِ الجَرِّ، والتقديرُ: يُخوِّفُكم الشَرَّ بأوليائه، والباءُ للسببِ أي: بِسببِ أوليائه، فيكونون هم آلةَ التخويفِ، وكأنَّ هذا القائلَ رأى قراءةَ أُبيٍّ والنُخَعيِّ: "يُخَوِّف بأوليائه" فظنَّ أنَّ قراءةَ الجمهورَ مثلُها في الأصلِ، ثمَّ حُذِفت الباءُ، وليس كذلك، بلْ تَخريجُ قراءةِ الجُمهورِ على ما تقدَّمَ، إذْ لا حاجَةَ إلى ادِّعاءِ ما لا ضَرورَةَ لَه. وأَمَّا قراءةُ أُبَيٍّ فتَحتَمِلُ الباءُ أنْ تَكون زائدةً كقولِ عُبيْدٍ الراعي، وهو شاعرٌ إسلامي:هُنَّ الحرائِر لا ربّاتُ أخمرَة .............. سُودُ المَحاجِرِ لا يَقْرَأْنَ بالسُّوَرِفتكونُ كقراءةِ الجمهورِ في المَعنى، ويُحتَمَلُ أنْ تَكونَ للسببِ والمفعولان محذوفان كما تقدَّمَ تقريرُهُ.قولُه: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ} في الضميرِ المَنصوبِ ثلاثةُ أوْجُهٍ، أظهرُها: أنَّه يعودُ على أوليائِه أيْ: فلا تَخافوا أَولياءَ الشيطان، هذا إنْ أُريدَ بالأولياءِ كفَّارُ قريشٍ. والثاني: أنْ يَعودَ على "الناس" من قولِه: {إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} إنْ كان المُرادَ بأوليائه المُنافقون. والثالث: أنْ يَعودَ على الشيطانِ على المعنى. وإنَّما جُمِع الضميرُ لأنَّ الشيطانَ جِنْسٌ. والياءُ في قولِه: "وخافونِ" من الزوائدِ، فأثبتَها أبو عَمْرٍو وصلاً، وحذفَها وقفاً على قاعدتِه، والباقون يَحذفونَها مُطلَقاً.وقولُه: {إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} جوابُه محذوفٌ أو متقدِّمٌ عند مَنْ يَرى ذلك، وهذا مِنْ بابِ الإِلْهابِ والتَهييجِ، وإلاَّ فهم مُتَلبِّسون بالإِيمانِ. | |
|