عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 167 الثلاثاء أبريل 02, 2013 3:10 am | |
| وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ.
(167) قوله ـ تعالى: {ولِيعلمَ الذين نافقوا} أيْ لِيعلمَ اللهُ .. قيلَ أعادَ الفِعلَ لِقَصْدِ تَشريفِ المؤمنين عن أنْ يَكون الفِعلُ المُسْنَدُ إليْهم وإلى المنافقين واحداً، والمُرادُ بالعِلمِ هُنا التمييزُ والإظْهارُ، لأنَّ علمَه ـ تعالى ـ ثابتٌ قبلَ ذلك، والمُرادُ بالمنافقين هنا عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ وأصحابُه، والنِفاقُ اسْمٌ إسلاميٌّ لمْ تَكُنِ العَرَبُ تَعرِفُهُ قبلَ الإسلامِ.وقولُه: {وقيل لهم} معطوفٌ على قولِه {نافقوا} وقيلَ هو كلامٌ مبتَدأ أيْ قيلَ لعبدِ اللهِ المذكورِ وأصحابِه {تعالوا قاتلوا في سبيل اللهِ} أعداءَهُ إنْ كنتم ممّن يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ {أو ادفعوا} عن أنفسِكم إنْ كنتمْ لا تُؤمنون باللهِ واليومِ الآخِرِ فأبَوا جميعَ ذلك.وقيلَ معنى الدَفْعِ هنا تَكثيرُ سوادِ المُسلمين، وقيلَ معناه رابِطوا والمُرابَطَةُ الإقامةُ في الثُّغورِ، والقائلُ للمنافقين هذه المَقالةَ التي حكاها اللهُ سبحانَه هو عبدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو بنِ حَرامٍ الأنْصارِيُّ والدُ جابرٍ بنِ عَبْدِ اللهِ.وقولُه: {قالوا لو نعلم قتالاً} أي لو كنّا نعلمُ أنَّه سيَكونُ قتالٌ {لاتّبعناكم} وقاتَلْنا معكم ولكنَّه لا قتالَ هنالك، وقيلَ المَعنى لو كُنّا نَقْدِرُ على القتالِ ونُحْسِنُه.قولُه: {واللهُ أَعلَمُ بما يَكتمون}، يَعني واللهُ أعلمُ مِن هؤلاءِ المُنافقين الذين يَقولون للمؤمنين: "لو نَعلَمُ قتالًا لاتَّبعناكم"، بِما يُضمِرون في أنفسِهم للمُؤمنين ويَكتمونَه فيَسْتُرونَه مِن عداوةٍ وشنآنٍ، وأنَّهم لو عَلِموا قتالًّا ما تَبِعوهم ولا دافعوا عنهم، وهو ـ تَعالى ذكره ـ محيطٌ بما همْ مُخفُوهُ من ذلك، ومطَّلعٌ عليه، ومُحصيه عليْهم، حتّى يَهتِكَ أستارَهم في عاجِلِ الدُنيا بفضحِهم، ويُصليهم به الدَرَك الأسفلَ مِنَ النارِ في الآخرةِ. ويُؤخَذُ مِن هذه الآيةِ الكريمةِ: أنَّ مَنْ دُعيَ للجِهادِ فلمْ يُلَبِّ؛ كان للكُفرِ أَقرَبَ منه للإيمان.قولُه ـ تعالى شأنُه: {وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ} جملةٌ استئنافيَّةٌ، أخبرَ اللهُ أنَّهم مأمورون: إمَّا بالقتالِ وإمَّا بالدَّفعِ أي: تكثيرِ سَوادِ المُسْلِمين، أو معطوفة على "نافقوا"، فتَكون داخلةً في حَيِّزِ المَوصولِ أيْ: ولِيعلمَ الذين حصلَ منْهمُ النِّفاقُ والقولُ بِكذا، وجُملتا "تعالوا" و"قاتِلوا" كلاهُما قائمٌ مَقامَ الفاعلِ لـ "قِيلَ" لأنَّه هو المَقولُ. وإنَّما لم يَأْتِ بحرفِ العطفِ بين "تعالوا" و"قاتِلوا" لأنَّه قَصَدَ أنْ تَكونَ كلٌّ مِن الجُملتيْن مَقصودةً بِنَفْسِها، ويَجوزُ أَنْ يُقالَ إنَّ المَقصودَ هو الأمرُ بالقِتالِ، و"تعالَوا" ذَكَر ما لو سَكَتَ عنه لَكانَ في الكلامِ ما يَدُلُّ عليْه، وقيلَ: الأمرُ الثاني "قاتلوا" هو حال من "تعالوا"، وهو فاسدٌ؛ لأنَّ الجملة الحاليَّةَ يُشْترَطُ أنْ تكونَ خَبَريَّةً وهذه طلبيةٌ. والمَقصودُ هو أمرُهم بالقتالِ لا مجيئُهم وحدَه. قوله: {أَوِ ادفعوا} أو: هنا على بابِها من التخييرِ والإِباحة. وقيل: بمعنى الواو لأنَّه طَلَبَ منهمُ القتالَ والدفعَ، والأوَّلُ هو الصحيح. وقولُه: {قالوا: لو نعلمُ} إنَّما لمْ يَأْتِ في هذه الجُملةِ بِحَرْفِ عَطْفٍ لأنَّها جَوابٌ لِسؤالِ سائلٍ كأنَّه قيلَ: فما قالوا لَمَّا قيل لهم ذلك؟ فأُجيبَ بأنَّهم قالوا ذلك. و"نعلمُ" وإنْ كان مُضارِعاً فمَعناه المُضِيُّ لأنَّ "لو" تُخَلِّصُ المُضارِعَ إذا كانت لِما سيَقعُ لِوقوعِ غيرِه "للمُضِيِّ". ونَكَّرَ "قتالاً" أي: لو عَلِمْنا بعضَ قتالٍ ما.. .قولُه: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ} هم: مبتدأٌ و"أقربُ" خبرُه، وهو أفعلُ تفضيلٍ، و"للكفر" متعلِّقٌ به، وكذلك "للإِيمان". وهذا خاصٌّ بأفعلِ التفضيلِ لأنَّه في قوَّةِ عامليْن، فإنَّ قولَك: "زيدٌ أفضلُ من عمرو" معناه: يزيدُ فضلُه على فضل عمر. لأنه لا يتعلَّقُ حرفا جَرٍّ متَّحدان لَفظاً ومعنىً بعاملٍ واحدٍ، إلاَّ أنْ يَكونَ أحدُهما معطوفاً على الآخَرِ أو بدلاً منه. وقال أبو البقاء: وجازَ أنْ يعملَ "أقربُ" فيهما لأنَّهما يُشْبِهان الظرفَ، وكما عمل "أطيبُ" في قولهم: "هذا بُسْراً أطيبُ منه رُطباً" في الظرفينِ المقدَّرين، لأنَّ "أفعلَ" يَدُلُّ على معنيين: على أصلِ الفعلِ وزيادتِه، فيعملُ في كلِّ واحدٍ منهما بمعنًى غيرِ الآخَرِ، وتقديرُه: يَزيدُ قربُهم إلى الكفرِ على قُرْبِهم إلى الإِيمان. ولا حاجةَ إلى تشبيهِ الجارَّيْنِ بالظرفين، لأنَّ ظاهرَه أنَّ المُسوِّغَ لِتَعلُّقِهِما بِعاملٍ واحدٍ شِبْهُهُما بالظرفيْن، وليس كذلك، وقولُه: "الظرفين المقدرين" يَعني أنَّ المعنى: هذا في أوانِ بُسْرِيَّتِه أَطيبُ منْه أَوانَ رُطَبِيَّتِه. و"أقربُ" هنا من القُرْبِ الذي هو ضِدُّ البُعْد، ويتعدَّى بثلاثةِ حُروفٍ: اللامُ و"إلى" و"مِنْ"، تقولُ: قَرُبْتُ لك وإليك ومنك، فإذا قلت: "زيدٌ أقربُ من العلمِ من عمروٍ" فـ "مِنْ" الأولى المُعَدِّيةُ لأصلِ معنى القربِ، والثانيةُ هي الجارَّةُ للمَفضولِ. وإذا تقرَّرَ هذا فلا حاجةَ إلى ادِّعاءِ أنَّ اللامَ بمعنى إلى.وقولُهُ: {يومئذ منهم} يومَ: ظرفُ زمانٍ متعلِّقٌ بـ "أقربُ"، وكذا "منهم"، و"مِنْ" هذه هي الجارَّةُ للمفضولِ بعدَ أَفْعلَ، وليسَتْ هي المُعَدِّيةَ لأصلِ الفعل. ومعنى "هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ" أنَّهم كانوا قبلَ هذا الوقتِ كاتمين للنِفاقِ، فكانوا في الظاهرِ أبعدَ مِنَ الكفرِ، فلمَّا ظَهَرَ منهم ما كانوا يَكتُمُونَه صاروا أقربَ للكفرِ. و"إذ" مضافَةٌ لِجملةٍ محذوفةٍ عُوِّضَ منها التنوينُ كما تَقَدَّم تقريرُه، وتقديرُ هذه الجملةِ، "هم للكفرِ يومَ إذ قالوا: لو نعلمُ قتالاً لاتَّبعناكم" وقيل: المعنى على حَذْفِ مضافٍ أي: هم لأهلِ الكفرِ أقربُ لأهلِ الإِيمان. وفُضِّلوا هنا على أنفسِهم باعتبارِ حاليْن ووقتيْن. ولولا ذلك لم يَجُز. تقولُ: "زيدٌ قاعداً أفضلُ منه قائماً" أو: "زيدٌ قاعداً اليومَ أفضلُ منه قاعداً غداً" ولو قلت: "زيدٌ اليومَ قاعداً أفضلُ منه اليومَ قاعداً" لم يَجُزْ.قوله: {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم} جملةٌ مستأنَفةٌ لا محلَّ لها. ويجوزُ أن تكونَ في محلِّ نصبٍ على الحالِ مِنَ الضميرِ في: "أقرب" أي: قَرُبوا للكُفرِ قائلين هذه المقالة. و"بأفواهِهم" تأكيدٌ كقولِه: {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} الأنعام: 38. والظاهرُ أنَّ القولَ يُطلَقُ على اللسانيِّ والنَفسانِيِّ فتَقييدُه بأفواهِهِم تَقييدٌ لأحدِ مُحْتَمَلَيْن، اللهمَّ إلَّا أَنْ يُقالَ: إنَّ إطلاقَه على النَفسانيِّ مَجازٌ. وقيل إنَّ ذِكْرَ القلوبِ مع الأفواهِ تصويرٌ لِنفاقِهم، وأنَّ إيمانَهم مَوجودٌ في أفواهِهم فقط. وبهذا يَنتَفي كونُه للتأكيدِ لِتحصيلِه هذه الفائدة. | |
|