عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 164 الجمعة مارس 29, 2013 2:55 am | |
| لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. (164) قولُهُ ـ سبحانه وتعالى: {َقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أيْ أحسنَ إليهم وتَفضَّلَ عليهم، والمِنَّةُ النِعمَةُ العظيمةُ، وخَصَّ المؤمنين لكونِهم المُنتفعين ببعثةِ الرسولِ. يبَيِّنُ اللَّهُ لنا عَظِيمَ مِنَّتِهِ عَلَيْنا بِبَعْثِهِ سيدنا مُحَمَّدًا ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولاً إلينا بشراً ونذيراً مبينًا طريق الخير والصلاح والفوز برضى مولانا عز وجل وجنَّتِه ومَثوبتِه. وأصلُ المَنِّ القطعُ وسُمِّيتُ النِّعمةُ مِنَّةً لأنَّه يُقطَعُ بها عن البَليَّةِ. وَفِي هذه الْمِنَّةِ أَقْوَالٌ: مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى "مِنْ أَنْفُسِهِمْ" أَيْ بَشَرٌ مِثْلُهُمْ. فَلَمَّا أَظْهَرَ الْبَرَاهِينَ وَهُوَ بَشَرٌ مِثْلُهُمْ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقِيلَ: "مِنْ أَنْفُسِهِمْ" مِنْهُمْ. فَشَرُفُوا بِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ تِلْكَ الْمِنَّةُ. وَقِيلَ: "مِنْ أَنْفُسِهِمْ" لِيَعْرِفُوا حَالَهُ وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِمْ طَرِيقَتُهُ. وَإِذَا كَانَ مَحَلُّهُ فِيهِمْ هَذَا كَانُوا أَحَقَّ بِأَنْ يُقَاتِلُوا عَنْهُ وَلَا ينهزموا دونه. وقرئ "مِنْ أَنْفَسِهِمْ" (بِفَتْحِ الْفَاءِ) يَعْنِي مِنْ أَشْرَفِهِمْ، لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنُو هَاشِمٍ أَفْضَلُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ أَفْضَلُ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْعَرَبُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ. ثُمَّ قِيلَ: لفظُ المؤمنين عامٌّ ومعناهُ خاصٌّ فِي الْعَرَبِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ حَيٌّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ إِلَّا وَقَدْ وَلَدَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَهُمْ فِيهِ نَسَبٌ، إِلَّا بَنِي تَغْلِبَ. وَبَيَانُ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} الجمعة: 2. وعَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ" قَالَتْ: (هَذِهِ لِلْعَرَبِ خَاصَّةً). وَقَالَ آخَرُونَ: أَرَادَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ كُلَّهُمْ. وَمَعْنَى "مِنْ أَنْفُسِهِمْ" أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَبَشَرٌ وَمِثْلُهُمْ، وَإِنَّمَا امْتَازَ عَنْهُمْ بِالْوَحْيِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} التوبة: 128. وَخَصَّ الْمُؤْمِنِينَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِهِ، فَالْمِنَّةُ عليهم أعظم. وقوله تعالى: {يَتْلُوا عَلَيْهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ} يَتْلُوا: مَعْنَاهُ يَقْرَأُ، وَالتِّلَاوَةُ الْقِرَاءَةُ. و"وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ" تَقَدَّمَ فِي سورة البقرة.وَقوله: {وإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لفي ضلالٍ مبينٍ} أَيْ وَلَقَدْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ، أَيْ مِنْ قَبْلِ مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ: "إِنْ" بِمَعْنَى مَا، وَاللَّامُ فِي الْخَبَرِ بِمَعْنَى إِلَّا، أَيْ وَمَا كَانُوا مِنْ قَبْلُ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. وَمِثْلُهُ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} البقرة: 198. أَيْ وَمَا كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ إِلَّا مِنَ الضَّالِّينَ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "سورة البقرة" معنى هذه الآية.قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ الله} جوابٌ لقسم محذوف. وقرئ "لِمنْ مَنِّ الله" بـ "مِنْ" الجارّة، و"مَنِّ" بالتشديدِ مجرورٌ بها. وهذا الجارُّ خبرٌ مقدَّمٌ والمُبتَدأُ محذوفٌ تقديرُه: لِمنْ مَنِّ الله على المؤمنين مَنُّه أو بَعْثُه إذ بعث، فحُذِف لِقيامِ الدَلالةِ. والجمهورُ على ضَمِّ الفاء وكسر السين من "أنفُسِهم" أي: مِنْ جُملَتِهم وجِنسِهم. وقرأتْ عائشةُ وفاطمةُ والضحّاكُ ورواها أنسٌ عنه ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ بفتحِ الفاءِ مِن النَّفاسَة، وهي الشَرفُ أي: أشرفِهم نسَباً وخَلْقاً وخُلُقاً. وعن عليٍّ عنه عليه الصلاةُ والسلام: ((أنا أَنْفَسُكم نَسَباً وحَسَباً وصِهْراً)).وهذا الجارُّ يَحْتملُ وجهيْن أحدُهما: أَنْ يتعلَّق بنفس "بعث". والثاني: أن يتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّه وصفٌ لـ "رسولاً" فيكونُ منصوبَ المَحَلِّ، ويَقْوى هذا الوجهُ على قراءةِ فتحِ الفاء. وقولُه: {يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ} في محلِّ حالٍ أو مستأنَفٌ، وقد تقدَّم نظيرُها في البقرة.وقوله: {وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي} هي "إنْ" المُخفَّفةُ، واللامُ فارقةٌ، وقد تقدَّم الكلامُ على تحقيقِ هذا والخلافِ فيه. إلاَّ أنَّ الزمخشري ومكيّاً هنا حين جعلاها مخفَّفةً قدَّرا لها اسْماً محذوفاً، فقال الزمخشري: تقديرُه: وإنَّ الشأنَ والحديثَ كانوا من قبل. وقال مكيٌّ: وأمَّا سيبويهِ فإنَّه يقولُ إنَّها مخفَّفةٌ واسمُها مُضمرٌ، والتقديرُ: على قولِه: "وإنهم كانوا". وهذا ليس بِجيدٍ، لأنَّ "إنْ" المُخفَّفةَ إنَّما تَعملُ في الظاهرِ على غيرِ الأفصحِ، ولا عملَ لها في المُضمَرِ، ولا يُقَدَّرُ لها اسمٌ محذوفٌ البتَّةَ، بل تُهْمَلُ أو تَعملُ على ما تقدَّم، مع أنَّ الزمخشري لم يُصَرِّحْ بأنَّ اسمَها محذوفٌ، بل قال: إنْ هي المخفَّفةُ واللامُ فارقةٌ، وتقديرُه: وإنَّ الشأنَ والحديثَ كانوا، فقد يكونُ هذا تفسيرَ معنىً لا إعراباً.وفي هذه الجملةِ وجهان، أحدُهما: أنَّها اسْتِئنافيَّةٌ لا محلَّ لها من الإِعرابِ والثاني: في محلِّ نصبٍ على الحالِ من المفعولِ في "يُعَلِّمُهم" وهو الأظهرُ. | |
|