عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 162 الخميس مارس 28, 2013 5:43 pm | |
| أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. (162) قولُهُ ـ تباركت أسماؤه: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ} استفهامٌ إنكاريٌّ إذْ لاَ يَسْتَوي مَنِ اتَّبَعَ أمْرَ اللهِ فِيمَا شَرَعَهُ، وَتَرَكَ الغُلُولَ وَغَيْرَهُ مِنَ الفَوَاحِشِ وَالمُنْكَرَاتِ، حَتَّى زَكَتُ نَفْسُهُ، فَاسْتَحَقَّ رِضْوَانَ اللهِ، وَجَزيلَ ثَوَابِهِ، مَعَ مَنِ اسْتَحَقَّ غَضَبَ اللهِ بِفِعْلِ الخَطَايا، وَارْتِكَابِ الذُّنُوبِ: مِنْ سَرِقَةٍ، وَخِيَانَةِ أَمَانَةٍ، وَغُلُولٍ، وَقَتْلٍ، وَسَلْبٍ .. فَكَانَ جَزَاؤُهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً. فقولُه بَاءَ بِسَخَطٍ أيْ رَجَعَ مُتَلَبِّساً بِغَضَبٍ شَدِيدٍ. وفي النص الكريم عدة إشارات بيانية:الأولى: أنَّه ساق الكلامَ مَساقَ الاسْتِفهامِ الإنكاريِّ الذي يُفيدُ النفيَ أيْ إنكارَ الوُقوعِ، وهذا يُفيدُ أنَّ ذلك القانونَ بَدَهيٌّ لَا تختلفُ فيه العقولُ، بحيثُ لو سُئلَ كلُّ واحدٍ مِنَ النَّاسِ عن ذلك لأجابَ بأنَّه لَا يَستوي مَن اتَّبَعَ رِضوانَ اللهِ، معَ مَن يَبوءُ بِغضبِهِ ـ سبحانَه.والثانية: أنَّ اللهَ ـ سبحانَه وتعالى ـ سمَّى الأُمناءَ الذين لَا يَغُلّون ولا يَخونون في أيِّ شيءٍ، وخُصوصًا في الغَنائمِ: يَتَّبِعون رِضوانَ اللهِ ـ تعالى، وذلك لأنَّهم يَخرجون مُجاهدين في سَبيلِ الحَقِّ ورَفعِ كَلِمةِ اللهِ وقد قدَّموا أنفسَهم لِمَرْضاتِه، وكانوا ممَّن شَرَوْا أنفسَهم لله، ومِن المؤمنين الذين اشتَرى اللهُ ـ سبحانه وتعالى ـ أنفسَهم، وفي ذلك رِضوانُ اللهِ ـ تعالى، وهو أعظمُ جَزاءٍ في الدُنيا والآخرةِ.والثالثة: أنَّه عبَّر عن الذين يَغُلّون ويخونون بأنهم يبوؤون أيْ يَعودون على أنفسِهم بِسَخَطِ اللهِ ـ تعالى، والسَخَطُ ليس هو الغَضَبُ المُجرَّدُ، بلْ هو الغَضَبُ الذي يَصحبُه أو يَترتَّبُ عليْة العِقابُ، وفرّقَ بيْنَ عَمليْن: أحدُهُما يَجلبُ أبلغَ الرِضا، وثانيهما يَجلبُ أبلغَ الغضبِ وأشدَّ العقابِ، وإنْ ذَكرَ هذه المُقابلةَ لِيَعرِفَ الذين يَغُلّون بالغَنائِمِ أنَّهم لَا يَكسبونَ لأنَّ ما يَخسَرونَه أضعافُ ما يَكسبون مِن عَرضٍ لَا بقاءَ له، والعِبرةُ بفاضِلِ ما بيْن الكَسْبيْن، أمَّا الذين قد اخْتاروا الأمانةَ سَبيلًا، فإنَّهم لَا يَخسَرون شيئًا؛ لأنَّ مالَ الخِيانةِ لَا يُعَدُّ كَسْبًا، بلْ هو سُحْتٌ لا كَسْبَ فيه، ومعَ أنَّهم لَا يَخسَرون شيئًا، وكَسْبُهم عظيمٌ لَا حَدَّ لَه، وهو رِضوانُ اللهِ ـ تعالى.والرابعة: أنَّه سُبْحانَه عبَّر عن اتِّباعِ أوامرِ اللهِ ونواهيهِ باتِّباعِ رضوانِه، لأنَّ الطاعةَ المُخلِصةَ تُؤدّي إلى رضوانِه ـ سبحانه وتعالى، فطلبُ رضا اللهِ في طاعتِه.ولقد عقَّبَ ـ سبحانه ـ ذكرَ سَخَطِهِ بذكرِ عِقابِه؛ لأنَّ السَخَطَ والعِقابَ مُتلازِمان، كما أَشرْنا، ولذا قال ـ سبحانَه: {وَمَأوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي أنَّ عودَتهم بِغضَبِ اللهِ الشديدِ يَتبعُه حتمًا ذلك المَصيرُ يومَ القيامةِ، وهو أنْ يكونَ المُستقرُّ الذي يَستقِرّون فيه ويَنتهون إليْه، هو جهنَّمُ، وهي الهاويةُ التي يَهْوُونَ إليْها في النارِ، جزاءَ هاويةِ الخِيانةِ التي أصابتْهم في الدنيا، وبئسَ ذلك المصيرُ الذي صاروا إليْه، وكان لهم نهايةً، وإنْ لم يُريدوه لهم غايةً.وإنَّ نتيجةَ عدمِ التساوي بيْن مَن يَتبَعُ رِضوانَ اللهِ ـ تعالى ـ ويَطلُبُه بإقامةِ الطاعاتِ على وجهِها الأَكملِ، ومَنْ يَختارون الشَرَّ سَبيلًا ـ هي أنْ يَكون الناسُ درجاتٍ بحَسَبِ مِقدارِ طلبِ الرِضوان، ومقدارِ اتِّباعِ السَخَطِ.قوله تعالى: {أَفَمَنِ اتبع رِضْوَانَ الله} النيةُ تقديمُ الفاءَ على الهمزةِ، ومذهبُ الزمخشريِّ تقديرُ فعلٍ بينهما تقديرُه في مثلِ هذا التركيبِ متكلَّفٌ جداً والذي يَظْهَرُ من التقديرات: أحَصَلَ لكم تمييزٌ بين الضالِّ والمُهْتدي، فَمَنِ اتَّبعَ رِضوانَ اللهِ واهْتَدى ليس كَمَنْ باءَ بسخطِهِ وغلَّ. لأنَّ الاستفهامَ هنا للنفيِ. و"مَنْ" هنا موصولةٌ بمعنى الذي في محلِّ رَفعٍ بالابتِداءِ، والجارُّ والمَجرورُ الخبرُ. ولا يجوزُ أَنْ تكونَ شرطاً، لأنَّ "كَمَنْ" لا يصلُحُ أنْ يِكونَ جواباً لأنَّه كان يَجِبُ اقترانُه بالفاءِ، ولأنَّ المعنى يأْباه.وقوله: {بسَخَطٍ} يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بنفسِ الفعلِ أي: رَجَع بسَخَطِه، ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً فيتعلَّقَ بمحذوفٍ أي: رجَعَ مُصاحِباً لِسَخَطِه أو مُلْتَبِساً به. وقولُه: {مِنَ الله} صفتُه. والسَّخَط: الغضبُ الشديدُ، ويُقالُ: "سَخَط" بفتحتين وهو مصدرٌ قياسي، ويقال: "سُخْط" بضمِّ السين وسكونِ الخاءِ، وهو غيرُ مَقيسٍ، ويُقالُ: "هو في سُخْطَةِ المَلِك" بالتاءِ أي: في كراهةٍ منه له.قوله: {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ} هي مستأنَفَةٌ، أَخبَرَ أنَّ مَنْ باءَ بسَخَطِه أَوَى إلى جهنَّمَ. ويُفْهَمُ منه مُقابِلُه وهو: أنَّ مَنِ اتَّبعَ الرُضْوانَ كان مأواهُ الجَنَّةُ، وإنِّما سَكَتَ عن هذا ونَصَّ على ذلك لِيكونَ أَبْلَغَ في الزَّجْرِ، ولا بُدَّ مِنْ حَذْفٍ في هذه الجُمَلِ تقديرُه: أفَمَنْ اتَّبَعَ ما يَؤولُ بِه إلى رِضا اللهِ فباءَ بِرِضاه كَمَنِ اتَّبَعَ ما يَؤُولُ بِه إلى سَخَطُه، أو هي داخلةٌ في حَيِّزِ المَوصولِ، فتَكونُ مَعطوفةً على "باء بسخط"، فيكونُ قد وَصَل الموصولَ بجملتيْن اسْمِيَّةٍ وفِعلِيَّةٍ، وعلى كِلا الاحْتِمالَيْن لا مَحَلَّ لها مِنَ الإِعراب. والمَخصوصُ بالذَمِّ محذوفٌ أي: وبئسَ المصيرُ جهنَّمُ. واشْتَمَلتْ هذه الآياتُ على الطِباق في قوله: "يَنْصُرْكم" و"يَخْذُلْكم"، وفي قولِه: "رضوان اللهِ" و"سخطه"، والتَجنيسُ المُماثِلُ في قولِه: "يَغْلُلْ" و"بما غلَّ". | |
|