عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 160 الثلاثاء مارس 26, 2013 6:04 pm | |
| إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.
(160) قولُه ـ تباركت أسماؤه: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ} النصرُ نوعان، مَعونَةٌ ومَنْعٌ أي إن يُعِنْكُمُ اللهُ ويَمْنَعْكم مِنْ عدوِّكم كما فعلَ ذلك يومَ بَدْرٍ. وهي جملةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ سِيقتْ بِطريقِ تَلْوينِ الخِطابِ تشريفًا للمؤمنين لإيجابِ التوكُّلِ عليْه، والترغيبِ في طاعتِه التي يَستحِقُّ العبدُ بِها النُصْرَةَ، والتحذيرِ من معصيتِه التي يَستَحقُّ بها الخُذلانُ، أيْ إنْ يُرِدْ نصرَكم كما أَرادَه يومَ بَدْرٍ فلا أَحدَ يَغلِبُكم، على طريقِ نَفْيِ الجِنْسِ المُنْتَظِمِ بِجميعِ أفرادِ الغالِبِ، ذاتاً وصفةً، فهو أبلغُ منْ أنْ يقالَ لا يَغلِبُكُم أَحَدٌ لِدَلالَتِه على نفيِ الصِفةِ فقط. ثمَّ المَفهومُ مِنْ ظاهرِ النَظْمِ الكريمِ وإنْ كان نَفيَ مغلوبيَّتِهم مِنْ غيرِ تَعرُّضٍ لنفيِ المساواةِ أيضاً، وهو الذي يَقتَضيهِ المَقامُ لكنَّ المَفهومَ منْه فهْماً قَطْعِيّاً هو نفيُ المُساواةِ وإثباتُ الغالِبيَّةِ للمُخاطَبين، فإذا قلتَ: لا أَكرمَ مِن فلانٍ ولا أفضلَ منْه فالمَفهومُ منه حتماً أنَّه أكرمُ مِن كلِّ كريمٍ وأفضلُ مِن كلِّ فاضلٍ وهذا أمرٌ مُطَّرِدٌ في جميعِ اللُّغات ولا اختصاصَ له بالنفيِ الصريحِ بلْ هو مُطَّرِدٌ فيما وَرَدَ على طريقِ الاسْتِفهامِ الإنْكاريِّ كما في قولِه تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} الأنعام: 144. في مَواقِعَ كثيرةٍ مِن التَنزيلِ.قولُهُ: {وَإِن يَخْذُلْكُمْ} أيْ وإنْ يُرِدْ خذلانَكم ويَمنَعَكم مَعونَتَه كما فعلَ يومَ أُحُدٍ. قولُه: {فَمَن ذَا الذى يَنصُرُكُم} استفهامٌ إنكارِيٌّ مُفيدٌ لانْتِفاءِ الناصِرِ على نحوِ انْتِفاءِ الغالِبِ، وقيلَ: وجاءَ جَوابُ الشَرْطِ في الأوَّلِ صريحَ النفيِ ولم يَجِئْ في الثاني كذلك تَلَطُّفاً بالمؤمنين، حيثُ صرَّحَ لهم بِعدَمِ الغَلَبَةِ ولم يُصرِّحْ بأنَّه لا ناصرَ لهم، وإنْ كان الكلامُ مُفيداً له. قولُه: {مِنْ بَعْدِهِ} أيْ مِن بعدِ خُذلانِهِ، أو مِن بعدِ اللهِ ـ تعالى ـ على معنى إذا جَاوَزْتُموه.قولُه: {وَعَلَى الله} لا على غيرِه كما يُؤذِنُ بذلك تقديمُ المَعمول.قولُه: {فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} المُرادُ بهم إمَّا جِنْسُ المؤمنين والمُخاطَبونَ داخلون فيه دُخولاً أوَّليّاً، وإمّا المُخاطَبون خاصَّة بطريقِ الالْتِفاتِ، وعلى التقديرين لا يخفى ما في ذلك من تشريف المخاطبين مع الإيماءِ إلى تعليلِ تَحَتُّمِ التَوَكُّلِ عليْه ـ تعالى، والفاءُ: لترتيبِ ما بعدَها أوْ الأمرِ بِه على ما مرَّ مِنْ غَلَبَةِ المُؤمنين ومغلوبيَّتِهم، على تقديرِ نصرِ اللهِ ـ تعالى ـ لهم وخِذلانِه إيَّاهم، فإنَّ العِلمَ بذلك ممّا يَسْتَدْعي قَصْرَ التوكُّلِ عليْه ـ سبحانَه ـ لا مَحالَةَ.قولُه ـ جَلَّ في عُلاه: {إِن يَنصُرْكُمُ الله فَلاَ غَالِبَ} شرطٌ وجوابُه.وقولُه: {وَإِن يَخْذُلْكُمْ} مثلُه، وجاء قولُه: {فَلاَ غَالِبَ} جواباً للشرطِ وهو نفيٌ صريحٌ. وقولُه: {فَمَن ذَا الذي} وهو متضمِّنٌ للنَفْيِ جواباً للشرْطِ الثاني تلَطُّفاً بالمؤمنين، حيثُ صَرَّحَ لهم بِعدمِ الغَلَبةِ في الأولِ، ولم يُصَرِّحْ لهم بأنَّه لا ناصِرَ لهم في الثاني، بلْ أتى في صورةِ الاستفهامِ وإنْ كان معناه نَفياً. وقد تقدَّم مثلُه في البقرة، ـ أي قولُهُ: "فَمَن ذَا الذي" وأقوالُ الناسِ فيه. قولُه: {مِنْ بعدِه} في الهاء وجهان، أحدُهما ـ وهو الأظهرُ ـ أنَّها تعودُ على اللهِ ـ تعالى، وفيه احتِمالان، الأوّلُ: أَنْ يَكونَ ذلك على حَذْفِ مضافٍ، أي: مِنْ بعدِ خِذْلانِه. والثاني: أنَّه لا يُحتاج إلى ذلك، ويَكون معنى الكلام: إنَّكم إذا جَوَّزْتموه إلى غيرِه، وقدْ خَذَلَكم، فَمَنْ تُجاوِزون إليْه ويَنْصُرُكم؟ والوجْهُ الآخرُ: أنْ تعودَ على الخِذْلان المفهومِ مِن الفِعلِ وهو نظيرُ قولِه: {اعْدلوا هُوَ أَقْرَبُ} المائدة: 8.وقولُه: {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} إنَّما قَدَّم الجارَّ لِيُؤذِنَ بالاخْتِصاصِ، أيْ: لِيَخُصَّ المؤمنون ربَّهم بالتوكُّل عليه والتفويضِ لِعِلْمِهم أنَّه لا ناصرَ لهم سواه، وهو معنًى حَسَنٌ. وقرأ الجمهور: "ويَخْذُلْكم" بفتحِ الياءِ مِنْ "خَذَله" ثلاثيّاً، وقرأَ عُبيد بنُ عُميْر: "يُخْذِلْكم" بضمِّها مِنْ أَخْذَلَ رُباعيَّاً، والهمزةُ فيه لِجَعْلِ الشيءِ، أيْ: يَجْعَلْكم مَخذولين. | |
|