عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 138 الثلاثاء مارس 12, 2013 3:09 am | |
| هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ. (138) قولُهُ ـ تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} تأخذُ البياناتُ قوَّتَها وسَطْوَتَها وعَظَمَتَها مِنْ قوَّةِ مَنْ أَصدَرَها، وهو إيضاحٌ مِنَ اللهِ ـ تعالى: أنّي لن آخُذَكم على غِرَّةٍ، فقد جَعَلَ اللهُ القرآنَ بياناً للعامَّة والخاصَّة، لأنَّه ما مِن ذي فِكرةٍ اسْتُمِعَ إليْه إلَّا حَصَلَ منْه بيانٌ مَّا، وجَعَلَه هُدًى وموعظةً للمُتَّقين خاصَّةً لهم في قولِه: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}، والفرق بيْن الهُدى والموعظةِ: أنَّ الهُدى يُقالُ باعتبارِ معرفةِ الشريعةِ وسلوكِ طُرُقِها إلى ثوابِ اللهِ ـ سبحانه وتعالى، والوعظُ يُقالُ باعتبارِ مَعْرِفَة الثوابِ والعِقابِ، ويَحتَمِلُ أن يكون المعنى أنهم يَهتَدون ويَتَّعِظون، أو أنْ يَكون يَهْدون ويَعِظون، ويحتملُ الوجهيْن أيضاً، فهم في الحقيقة يَهتَدون بِه ويَتَّعِظون، ثمَّ يَهدون بِه غيرَهم ويَعظونهم.والإشارةُ في هذه الآية الكريمة بقولِه: "هَذَا بَيَانٌ" إلى ما تَضَمَّنَتْهُ الآيةُ السابقةُ مِنْ الحَثِّ على السيرِ في الأرضِ وتَعَرُّفِ سُنَنِ اللهِ ـ تعالى ـ من آثارِ المُكذِّبين الذينَ طَغَوْا فأُخِذوا مِن حيثُ لَا يَحتَسِبون. ويُدركُ هذا البيانَ كلُّ مَن لَه بَصَرٌ يُبصِرُ بِه، وفَهْمٌ يَفهم بِه، وتَحَقُّقُ البيانِ لَا يَقتَضي تَحقُّقَ أَثَرِه وهو المَعرِفةُ التي تَهْدي إلى الإيمانِ وُتوجِبُ الاتِّعاظَ، إنَّما تكون الهِدايةُ مِن البيانِ والاتِّعاظِ به للمتَّقين دون غيرهم، ولذلك جعل اللهُ ـ سبحانَه ـ البيانَ للناسِ جميعًا، والهدايةَ والموعظةَ للمُتَّقين منهم فقط؛ إذ إنَّ الهدايةَ بالبيانِ تَقتَضي إشراقًا رُوحِيًّا، واستعدادًا قَلبيًّا، وإخلاصًا في طلبِ الحقيقةِ، والمَوعِظَةُ وهي الاستفادةُ مِنَ العِبَرِ، تقتضي قلبًا مُتَفَتِّحًا لإدراكِ الحقائقِ والاتِّجاهِ إليْها بقصدٍ سليمٍ، وذلك كلُّه لَا يَتوافرُ إلَّا للمُتَّقين الذين أَخلصوا أَنْفُسَهم للهِ، وطَلَبوا الحقَّ، وسَلَكوا سَبيلَه لَا يَبغونَه عِوجًا، ومَثَلُ البيانِ مَثَلُ البِذْرِ يُلقى في الأرضِ، فإذا أصابَ صحراءَ قاحلةً جَفَّ ولمْ يُنْتِجْ، وإذا أصابَ أرْضًا خِصبةً أنبتتْ نباتًا حَسَنًا، وقد مَثَّلَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ العِلمَ بالغيثِ وبيَّنَ اختلافَ الناسِ في تَلَقِّيه، فيما رواه الإمامُ البُخاريُّ عن أبي موسى الأشعريِّ ـ رضي اللهُ عنهما، فقال، قال رسولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ: ((مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الكَلَأَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ، أَمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ)).وإذا كانَ اللهُ ـ سبحانه وتعالى ـ قد بيَّن هذا البيانَ فيجبُ على المؤمنين أنْ يَعتَبِروا بِسُنَنِ اللهِ ـ تعالى ـ وأنْ يَعرِفوا أنَّ ما أصابَهم في معركةِ أُحُدٍ فبِسُنَنِ اللهِ، وعليهم أنْ يَأخُذوا الأُهْبَةَ للمَعركةِ القابِلَةِ، دون أنْ تَأسُرَ تفكيرَهم المَعركةُ السابقة ونتائجُها إلَّا بِمقدارِ ما فيها مِنْ عِظَةٍ وعِبْرَةْ.قولُه تعالى: {لِلنَّاسِ} يَجوزُ أنْ يَتعلَّقَ بالمصدرِ قبلَه، ويَجوزُ أَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّه وَصْفٌ له. قولُه: {لِلمُتَّقِينَ} يَجوزُ أنْ يَكونَ وصْفاً أيْضاً ويَجوزُ أنْ يتعلَّقَ بما قبلَه، وهو محتمِلٌ لأنْ يَكونَ مِن التَنازُعِ ، وهو على إعمالِ الثاني للحذفِ مِن الأول. | |
|