عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة البقرة، الآية: 86 الإثنين ديسمبر 03, 2012 9:33 pm | |
| أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) قولُه سبحانه: {أُولَئِكَ الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة}. الإشارة إلى الذين سفكوا دماءهم وأخرجوا أنفسهم من ديارهم، ونقضوا مواثيق الله التي جاءتهم بالأحكام التكليفية، والإشارة إلى الموصوفين بصفات تشير إلى أن هذه الصفات هي سبب الحكم الذي يقترن باسم الإشارة، أي أن هؤلاء بسبب أوصافهم قد اشتروا الحياة الدنيا بثمن هو أغلى الأثمان، وهو الآخرة، ولكننا نجد أنهم خسروا في الدنيا؛ لأنهم لحقهم الخزي والعار، وفسدت نفوسهم، حتى صارت كالقردة والخنازير، وإن ذلك حق، ولكنهم فهِموا الدنيا متاعًا يستمتعون به كالحيوان فاشتروا هذه الدنيا التي زعموها، وتركوا الآخرة فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.ومع أنهم طلبوا الحياة، وتركوا الآخرة لم ينالوا ما طلبوه طيبا، بل أخذوه ذليلا مهينا، مصحوبا بالخزي، ولكنهم يريدون الحياة الدنيا على أية صورة كانت، ولتجدنهم أحرص الناس على حياة، وإن جزاءهم في الآخرة التي تركوها وباعوها، لذلك قال اللهُ تعالى فيهم: {فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ} الفاء فاء الإفصاح التي تفيدُ ترتُّبَ ما بعدها على ما يُفهمُ ممَّا قبلَها، أي أنَّه بسبب تلك المبادلة الخاسرة التي خسروا فيها الآخرة لَا يُخفِّفُ الله تعالى عنهم العذابَ الشديدَ الذي يستقبلهم؛ لأنَّ أسبابَ التشديد مِن التقاطعِ والتَنابُذِ والحسدِ والجُحودِ قائمةٌ، ولا مُسَوِّغَ للتخفيف قط. والخِفَّةُ والثِقَلُ يقالان على أَضْرُبٍ، الأوَّلُ: خفيفٌ في المَخْسَرِ لطلبِ العلوِّ كالنارِ، وثقيلٌ في المَخسَرِ لطلبِ السُفْلِ كالحَجَرِ. الثاني: على اعتبار الزمان نحو أنْ يُقالَ: هذا الفرس خفيفٌ، وذاك ثقيلٌ بمعنى أنَّه إذا اعتُبر عدْوُهما بزمان واحد كان أحدَهما أكثرُ عدواً من الآخر، والثالثُ: يُقالَ فيما تستحليه النفسُ خفيفٌ، وفيما تَعافُه ثقيلٌ، فالخفيفُ على هذا مدحٌ، والثقيلُ ذَمٌّ الرابع: على العكس من ذلك، وهو أنْ يُقصَدَ بالثقيلِ الرزينُ، وبالخفيفِ الطائشُ.{وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}، فلا تَرى مِن نبيٍّ يَنصرهم، ولا شفيعٍ يشفع لهم لأنَّهم عُدِموا الشُعفعاءَ، بقتلهم الأنبياءَ.قولُهُ تباركت أسماؤه: {أولئك الذين اشتروا} أولئك: مبتدأً والموصولُ بصلتِه خبرَه، و{فَلاَ يُخَفَّفُ} معطوفٌ على الصلةِ، ولا يَضُرُّ تخالُفُ الفِعْلَيْنِ في الزمانِ، فإنَّ الصلاتِ من قَبيل الجملِ، وعَطْفٌ الجملِ لا يُشْتَرَطُ فيه اتحادُ الزمانِ، يجوزُ أن تقولَ: جاء الذي قَتَلَ زيداً أمسٍ وسيقتُل عمراً غداً. وإنَّما الذي يُشْتَرَطُ فيه ذلك حيث كانت الأفعالُ مُنَزَّلَةً منزلةَ المفرداتِ.قولُه: {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} يجوز في "هم" وجهانِ، أحدُهما: أن يكونَ في محلِّ رفعٍ بالابتداءِ وما بعده خبرُه، ويكون قد عَطَفَ جملةً اسميةً على جملةٍ فعليةٍ وهي: "فلا يُخَفَّفَ" والثاني: أن يكونَ مرفوعاً بفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرهُ هذا الظاهرُ، وتكونُ المسألةُ من بابِ الاشتغالِ، فلمَّا حُذِفَ الفعلُ انفصلَ الضميرُ، ويكونُ كقولِ السموألِ بنِ عادياء الأزدي، وهو جاهلي:وإنْ هُو لم يَحْمِلْ على النفسِ ضَيْمَها.... فليسَ إلى حُسْنِ الثَّنَاءِ سَبيلُوالبيت من قصيدة تعتبر من عيون الشعر العربي، نسبت أيضاً لعبدِ الملكِ بنِ عبدِ الرحيم الحارثي، وهو شاعر عباسي، وهي: إذا المرءُ لم يَدْنَسْ مِنَ اللُّؤمِ عِرضُه .......... فكلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُوإنْ هو لم يحملْ على النفسِ ضيمَها ... فليس إلى حُسْنِ الثَّناءِ سَبيلُوقائِلَةٍ: ما بالُ أُسْرَةِ عادِيا ................. تَبارَى، وفِيهمْ قِلَّةٌ وخُمُولُتُعَيِّرُنا أنَّا قليلٌ عَديدُنا ..................... فقلتُ لها إنَّ الكرامَ قليلُوما قلَّ مَنْ كانتْ بقاياه مِثلَنا ............. شبابٌ تَسامى للعُلى وكُهولُوما ضَرَّنا أَنَّا قليلٌ وجارُنا ................. عزيزٌ، وجارُ الأَكثرينَ ذَليلُلنا جبلٌ يحتلُّه مَن نُجيرُه ................. منيعٌ يَرُدُّ الطَّرْفَ وهو كَليلُرَسَا أصلُه تحت الثَّرى وسَحابُه ........ إلى النَّجْمِ فَرْعٌ لا يُنالُ، طَويلُهو الأَبْلَقُ الفَرْدُ الذي سارَ ذِكْرُهُ ............ يَعِزُّ على مَنْ رَامهُ فيَطُولُوإنَّا لَقوْمٌ ما نَرَى القتلَ سُبَّةً .................. إذا ما رأتْه عامرٌ وسَلُولُيقربُ حبُّ الموتِ آجالَنا لَنا ................. وتَكرهُهُ آجالُهم فتَطولُوما مات منَّا سيِّدٌ حَتْفَ أَنْفِه ............. ولا طُلَّ منَّا حيثُ كان قتيلُتَسيلُ على حَدِّ الظُباتِ نفوسُنا ....... ولَيْسَتْ على غيْرِ الظُباتِ تَسيلُصَفَوْنا فلم نَكْدَرْ، وأَخلَصَ سِرَّنا .......... إناثٌ أَطابت حَمْلَنا وفُحولُعَلَونا إلى خيْرِ الظهور، وحَطَّنا ........... لوقتٍ إلى خيرِ البُطونِ نُزولفنحن كما المُزْنُ ما في نِصابِنا .............. كهامٌ، ولا فينا يُعدُّ بخيلوننكر إنْ شئنا على الناس قولَهم ........ ولا ينكرون القول حين نقولُإذا سيدٌ منّا خَلا قام سيدٌ ................ قؤولٌ بما قال الكرامُ فعولُوما أخمدتْ نارٌ لنا دونَ طارقٍ ............. ولا ذَمَّنا في النازلين نَزيلُوأيَّامُنا مشهورةٌ في عدوِّنا ................... لها غررٌ معلومةٌ وحجولُوأسيافُنا في كلِّ شرقٍ ومَغرِبٍ ............ بها من قِراعِ الدارعين فُلولُمعودةٌ ألَّا تُسَلَّ نِصالُها ..................... فتُغْمَدَ حتّى يُستباح قبيلُسلي إنْ جهلتِ الناسَ عنّا وعنهُمُ .......... وليس سواءً عالمٌ وجهولُفإنَّ بني الديَّانِ قُطبٌ لِقومِهم ............ تَدورُ رَحاهمْ حولَهم وتَجولُ وله مُرَجِّحٌ على الأولِ وذلك أنَّه يكونُ قد عَطَفْتَ جملةً فعليةً على مثلِها، وهو من المواضعِ المرجَّحِ فيها الحَمْلُ على الفعلِ في بابِ الاشتغالِ. وليس المرجِّحُ كونَه تقدَّمه "لا" النافية، فإنَّها ليسَتْ من الأدواتِ المختصَّةِ بالفِعْلِ ولا الأَوْلى به، خلافاً لمن زَعَمَ أنَّ "لا" النافيةَ من المرجِّحاتِ لإِضمارِ الفعل، وهو قولٌ مرغوبٌ عنه. | |
|