عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 63 الثلاثاء أكتوبر 09, 2012 5:06 am | |
| وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) أخذَ سبحانَه ميثاقَ جميع المُكَلَّفِين، ولكنَّ قوماً أجابوا طوعاً فوَحَّدوه وقوماً أجابوه كرْهاً فجحدوه، ولا حُجَّة أَقوى مِن عيانِ ما رَفَعَ فوقهم من الطورِ ولكن عَدِموا نورَ البصيرة، فلا ينفعهم عيانُ البصر. وفي الآيةِ تذكيرٌ بنعمةٍ أخرى، لأنّه ـ سبحانه ـ إنّما فعل ذلك لمصلحتهم، والظاهرُ مِن الميثاق هُنا العهدُ، ولم يقل: مواثيقكم، لأنَّ ما أُخِذَ على كلِّ واحدٍ منهم أُخِذَ على غيرِه فكان ميثاقاً واحداً، ولعلَّه كان بالانقيادِ لموسى عليه السلام.و"الميثاق" من "الوثيقة"، إمّا بيمينٍ، وإمّا بعهدٍ أو غير ذلك من الوثائق. واختُلِف في أنَّه متى كان؟ فقيل: قبل رَفعِ الطُّورِ؛ ثمَّ لمّا نقضوه رُفِعَ فوقَهم لظاهر قولِه تعالى: {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطور بميثاقهم} النساء: 154، وقيل: كان معه {وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطور} الواو للعطف؛ وقيل: للحال. والطورُ قيل: جبلٌ مِنَ الجِبالِ. وعن أبي حاتم عن ابن عباس أنَّ موسى عليه السلامُ لمّا جاءهم بالتوراةِ وما فيها مِنَ التكاليفِ الشاقَّةِ كَبُرتْ عليهم، وأبَوا قَبولَها فأمرَ جِبريلَ بِقلعِ الطُورِ فَظلَّله فوقَهم حتّى قَبِلوا؛ وكان على قَدْرِ عَسْكَرِهم فَرسَخاً في فرسخٍ، ورُفِعَ فوقَهم قَدْرَ قامةِ الرَّجُلِ.وكان سببُ أخذِ الميثاقِ عليهم فيما ذكرَه ابنُ زَيْدٍ قال: لمّا رَجَعَ موسى مِن عندِ ربِّه بالألواح قال لقومِه بني إسرائيل: إنَّ هذه الأَلْواحَ فيها كتابُ اللهِ، وأَمْرُه الذي أَمركم به، ونَهيُه الذي نهاكم عنه. فقالوا: ومَنْ يَأخُذُ بقولِك أنتَ، لا واللهِ حتّى نَرى اللهَ جَهْرَةً، حتّى يَطْلُعَ اللهُ علينا فيقول: "هذا كتابي فخذوه" فما لَه لا يُكلِّمُنا كما كلَّمَك أنتَ يا موسى؟ قال: فجاءت غَضْبَةٌ من الله، فجاءتهم صاعقةٌ فصَعَقَتْهم فماتوا جميعاً. قال: ثمَّ أَحياهُمُ الله بعد موتِهم فقال لهم موسى: خُذوا كتابَ الله. فقالوا: لا. قال: أيُّ شيءٍ أَصابَكم؟ قالوا: مِتْنا جميعاً، ثمَّ حَيينا، قال: خُذوا كتابَ اللهِ. قالوا: لا. فبعثَ اللهُ ملائكةً فنَتَقَتِ الجبلَ فوقَهم، فقيل لهم: أتعرفون هذا؟ قالوا نعم، هذا الطور، قال: خُذوا الكتابَ وإلَّا طَرَحْناهُ عليكم، قال: فأخَذوا بالميثاق. قال: ولو كانوا أخذوه أوَّلَ مَرَّةٍ لأَخذوهُ بغيرِ مِيثاق".قولُه سبحانه: {فَوْقَكُمُ} ظرفُ مكانٍ ناصبُه "رَفعْنا" وقولُه "خُذُوا" في محلِّ نصبٍ بقولٍ مضمرٍ، أي: وقُلْنا لهم خُذُوا، وهذا القولُ المُضمَرُ يَجوزُ أنْ يَكونَ في محلِّ نصبٍ على الحالِ من فاعل "رَفَعْنا" والتقدير: ورَفَعْنا الطورَ قائلين لكم خُذوا. و"خُذْ" محذوفُ الفاءِ والأصلَ: أُؤْخُذْ.قوله: {مَا آتَيْنَاكُم} مفعولُ "خُذوا" و"ما" موصولةٌ بمعنى الذي لا نَكِرَةٌ مَوْصوفةٌ، والعائدُ محذوفٌ أي: ما آتيناكموه.وقوله: {بقوةٍ" في محلِّ نَصْبٍ على الحال. وفي صاحِبها قولان، أحدُهُما: أنَّه فاعلُ "خُذوا" وتكونُ حالاً مقدرةً، والمعنى: خُذوا الذي آتيناكموه حالَ كونِكم عازمين على الجِدِّ بالعمل به. والثاني: أنَّه ذلك العائدُ المحذوف والتقدير: خُذوا الذي آتيناكُموه في حالِ كونِه مشدَّداً فيه أي: في العملِ بِه والاجتهادِ في معرفته، وقوله: "ما فيه" الضميرُ يعود على "ما آتيناكم". والتولِّي تَفَعُّل من الوَلْيِ، وأصلُه الإِعراضُ عن الشيءِ بالجسم، ثمَّ استُعْمِل في الإِعراض عن الأمورِ والاعتقاداتِ اتِّساعاً ومَجازاً، و"ذلك" إشارةٌ إلى ما تقدَّم من رفعِ الطور وإيتاء التوراة. قوله: "بقوَّةٍ": تُستعملُ هذه العبارةُ تارةَ بمعنى القدرة، وتارة للتهيؤ المَوجودِ في الشيءِ، كأنْ يُقال: النّوى بالقوّةِ "نخلة"، أي متهيِّئٌ لأن يكون نخلةً، وتُستعملُ للقوَّةِ في البدن، وهو الأظْهَرُ، وتارةً للقوَّة في النفس، ولمّا كانت القوَّةُ للشِدَّةِ المَوجودةِ في الشيءِ سُمِّيتْ المفازةُ قُوى، تَصَوَّروا منها ذلك، ثمّ قيل: أَقْوى فلانٌ، إذا صار في قِوى، أي فقر، فاستُعيرَ للافتقار وهو كقولِهم أَتْرَبَ وأَرْمَلَ. | |
|