عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 9 الأحد سبتمبر 02, 2012 10:52 am | |
| يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
(9) الإشارةُ في هذه الآيةِ أنَّ مَن تَناسى لطفَ اللهِ السابقَ وقال: "لي" و"بي" و"منّي" و"أنا" وهذا التوهُّمُ أَصعَبُ العُقوبات لأنّه يَرى سَراباً فيَظُنُّه شراباً حتى إذا جاءه لمْ يَجِدْهُ شيئاً ووجدَ اللهَ عندَه فوفَّاهُ حسابه.وأصلُ الخَدْعِ (بفتحِ الخاءِ وكسرِها) الإخفاءُ والإيهامُ، وقيل: بالكَسْرِ اسمُ مصدَرٍ، ومنه المَخْدَعُ للخِزانَةِ والأَخدَعان لِعِرْقيْنِ خفيّيْنِ في مَوضِعِ المَحْجَمَةِ، وخَدَعَ الضَبُّ إذا تَوارى واختفى ويُستعمَلُ في إظهارِ ما يُوهِمُ السلامةَ وإبطالَ ما يَقتَضي الإضرارَ بالغيرِ أو التَخلُّصَ منه.ومعنى: يُخادعون اللهَ أيْ يُخادِعونَه عندَ أنفُسِهم وعلى ظنِّهم. وقيل: قال ذلك لِعَمَلِهم عَمَلَ المُخادِعِ، وقيل: في الكلامِ حَذْفٌ تقديرُه: يُخادعون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وَرَدَ هذا عن الحَسَنِ وغيرِه، وجعلَ خِداعَهم لرسولِه خِداعًا لهُ ـ سبحانه ـ لأنه إنّما دعاهم صليى الله عليه وسلَّمَ برسالة الله، وكذلك إذا خادعوا المؤمنين فقد خادعوا الله، ومُخادعتُهم: ما أظهروه من الإيمان خِلافَ ما أبطنوه من الكُفْرِ لِيَحقِنوا دماءهم وأموالهم، ويظنّون أنّهم قد نَجَوا وخَدَعوا، قاله جماعةٌ من المُتأوِّلين. وقال أهلُ اللُّغةِ: أصلُ الخَدْعِ في كلامِ العَرَبِ الفسادُ حَكاهُ ثعلبٌ عن أبي الأعرابي وأنشد: أبيضُ اللّونِ لذيذٌ طعمُهُ ................... طيِّبُ الرّيقِ إذا الرِّيقُ خَدَعْ فـ "يخادعون الله" على هذا، أي يُفسِدون إيمانَهم وأعمالَهم فيما بينَهم وبينَ اللهِ تعالى بالرياءِ، وكذا جاء مفسّرًا عن النبي صلى الله عليه و سلم على ما يأتي وفي التنزيل: {يراؤون الناس} وقيل: أصلُه الإخفاءُ ومنه مَخْدعُ البيتِ الذي يُحرَزُ فيه الشيءُ. تقول العرب: انْخَدَعَ الضَبُّ في جُحْرِهِ. قوله تعالى: {وما يخدعون إلّا أنفُسَهم} نَفْيٌ وإيجابٌ، أي ما تَحِلُّ عاقبةُ الخِدعِ إلّا بهم. ومِن كلامهم: مَن خَدَعَ مَن لا يُخْدَعُ فإنّما يَخْدَعُ نفسَه، وهذا صحيحٌ لأنَّ الخِداعَ إنّما يكونُ معَ مَنْ لا يَعرِفُ البَواطِنَ، وأمّا مَنْ عَرَفَ البواطِنَ فمَن دَخَلَ معَه في الخِداعِ فإنّما يَخْدَعُ نفسَه. ودَلَّ هذا على أنَّ المُنافقين لم يَعرِفوا اللهَ، إذْ لو عَرَفوه لَعَرَفوا أنَّه لا يُخْدَعُ، وقد تقدَّمَ مِن قولِه عليه الصلاةُ والسلام أنّه قال: ((لا تُخادِعِ اللهَ فإنّه مَن يُخادِعِ اللهَ يَخدَعُه اللهُ ونَفسَهُ يَخْدَعُ لو يَشعرُ))، قالوا: يا رسول الله وكيف يُخادِعُ اللهَ؟ قال: ((تعلَمُ بما أمرَك اللهُ بِه وتَطلُبُ بِه غيرَه)). وسيأتي بيانُ الخَدْع ِمِنَ اللهِ تعالى كيف هو عندَ قولِه تعالى: {اللهُ يستهزئ بهم}. وقُرئ: وما يُخَادِعون، وقُرئ: "وما يُخْدَعون" مبنيًّا للمفعول، وتخريجُها على أنَّ الأصلَ وما يُخْدَعون إلّا عن أنفسِهم، فلمّا حُذِف الحرفُ انتصبَ، و"يُخَدِّعون" مِنْ خَدَّعَ مُشَدَّداً، و"يَخَدِّعون" بفتح الياء والتشديد والأصل: يَخْتَدِعون فأدغم.وجاءت الآيةُ الكريمةُ هكذا بدون عطف، لأنَّها جوابُ سؤالٍ نَشَأَ من الآيةِ السابقةِ، إذ أنّ قولَ المنافقين "آمنا" وما هم بمؤمنين، يُثيرُ في نفسِ السامعين استفهامًا عمّا يدعو هؤلاءِ لِمِثلِ تلك الحالةِ المضطرِبَةِ والحياةِ القَلِقَةِ المُقامَةِ على الكَذِبِ، فكان الجوابُ: إنّهم يفعلون ذلك محاولين مُخادَعَةَ المؤمنين، جهلًا منهم بصفاتِ خالقِهم.وقال القرآن: {يُخَادِعُونَ الله والذين آمَنُوا}. ولم يذكر مخادعتَهم للرسول صلى الله عليه وسلم، ولَعَلَّ الحِكمةَ في ذلك أنَّ القرآنَ لا يَعتَبِرُ ذلك مخادعةً للرسولِ، لأنَّه ـ سبحانه ـ هو الذي بعثَه إليهم، وهو المُبلِّغُ عن اللهِ أحكامَه وشرائعَه. قال ـ تعالى: {إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} وقال ـ تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} ثمّ بيّن ـ سبحانَه ـ غَفلَتَهم وغباءَهم فقال: {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ}.والأَنْفُسُ: جَمْعُ نَفْسٍ بمعنى: ذاتُ الشيءِ وحقيقتُه. وتُطلَقُ على الجوهَرِ اللّطيفِ الذي يَكونُ بِه الحِسُّ والحَرَكةُ والإدراكُ.و"يشعرون": مضارعُ شَعَرَ بالشيءِ ـ كَنَصَرَ وكَرُمَ ـ يُقال: شَعَرَ بالشيءِ أيْ: فَطِنَ له، ومنه الشاعِرُ لِفِطْنَتِهِ، لأنّه يَفْطَنُ لِما لا يَفطن له غيرُه من غَريبِ المَعاني ودَقائقِها.والشعورُ: إدراكُ الشيءِ مِنْ وجْهٍ يَدِقُّ ويَخْفى، مشتقٌّ من الشَّعْرِ لدِقَّتِهِ، وقيل: هو الإِدراك بالحاسَّة مُشتَقٌّ من الشِّعارِ، وهو ثوبٌ يَلي الجسدَ، ومنه مَشاعرُ الإِنسانِ أيْ حَواسُّه الخمْسُ التي يَشْعُرُ بها. والشُعورُ: العِلْمُ الحاصِلُ بالحَواسِّ، ومنه مَشاعِرُ الإنسانِ أيْ: حَواسُّهُ. والمعنى: أنَّ هؤلاءِ المنافقين لم يُخادِعوا اللهَ لِعِلْمِهِ بما يُسِرُّون، ولم يُخادعوا المُؤمنين لأنَّ اللهَ يَدفعُ عنهم ضرَرَ خِداعِ المنافقين، وإنّما يَخدعون أنفسَهم لأنَّ ضرَرَ المُخادَعةِ عائدٌ عليهم ولكنّهم لا يَشعُرون بذلك. لأنَّ ظَلامَ الغَيِّ خالَطَ قلوبَهم، فجعلهم عَديميّ الشُعورِ، فاقِديِّ الحِسِّ.{وَمَا يَشْعرونَ} جُملةٌ فِعلِيَّةٌ، يُحتَمَلُ ألاَّ يَكونَ لها مَحَلٌّ من الإِعراب، لأنَّها استئنافٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكونَ لَها مَحَلٌّ وهو النَصْبُ على الحالِ مِن فاعلِ "يَخْدعون"، والمعنى: وما يَرْجِعِ وبالُ خِداعِهم إلّا على أنفسِهم غيرَ شاعِرين بذلك . ومفعولُ "يَشْعُرون" محذوفٌ للعلم به، تقديرُه: وما يشعرون أنَّ وبالَ خِداعِهم راجعٌ على أنفسِهم، أو اطِّلاعِ اللهِ عليهَم، والأحسنُ ألاَّ يُقَدَّرَ له مفعولٌ لأنَّ الغرضَ نفيُ الشعورِ عنهم البتةَ من غيرِ نَظَرٍ إلى مُتَعَلِّقِهِ، والأولُ يُسَمَّى حذفَ الاختصارِ، ومعناه حَذْفُ الشيءِ لدليلٍ، والثاني يُسَمَّى حذفَ الاقتصار، وهو حَذْفُ الشيءِ لا لدليلٍ.وأتى بجملة "وما يخدعون إلا أنفسَهم" بأسلوب القصر (إلاّ) مع أن خداعَهم للمؤمنين قد يَنالُهم بسببِه ضَرَرٌ، لأنَّ أولئك المنافقين سيُصيبُهم عذابٌ شديدٌ بسبب ذلك، أمّا المؤمنون فحتّى لو نالَهم ضرَرٌ فلَهم عندَ اللهِ ثوابُه.ونفى عنهم الشعورَ معَ سلامةِ مشاعِرِهم، لأنَّهم لم ينتفعوا من نعمتِها، ولم يستعملوها فيما خُلقت له، فكانوا كالفاقدين لها.جملةُ: {يُخَادِعُونَ الله} جملة فعليَّةٌ يُحْتمَلُ أنْ تَكونَ مُستأنَفَةً جواباً لسؤالٍ مُقَدَّرٍ، وهو: ما بالُهم قالوا آمنَّا وما هم بمؤمنين؟ فقيل: يُخادعون اللهَ، ويُحتمَلُ أنْ تَكونَ بَدَلاً مِن الجملةِ الواقعةِ صِلةً لـ "مَنْ" وهي "يقولُ"، ويكون هذا مِن بَدلِ الاشْتِمالِ، لأنَّ قولَهم كذا مشتمِلٌ على الخِداع. والجملُ التي لا محلَّ لها مِن الإِعراب أربعٌ وهي: المبتدأُ والصِلةُ والمُعترِضةُ والمُفَسِّرَةُ. ويُحْتمَل أن تكونَ هذه الجملةُ حالاً مِن الضميرِ المُسْتَكِنِّ في "يقول" تقديرُه: ومِن الناسِ مَنْ يقولُ حالَ كونِهم مخادِعين .. وقولُه: "إلا أنفسَهم" "إلا" في الأصل حَرف استثناء، ِ وأنفسَهم مفعول به، وهذا الاستثناءُ مفرّغٌ، وهو عبارةٌ عما افْتَقَر فيه ما قبلَ "إلا" لِما بعدها، ألا تَرى أنَّ "يُخادعون" يَفْتَقِرُ إلى مفعولٍ، ومثلُه: ما قام إلّا زيدٌ فقام يفتقر إلى فاعل،ٍ والتامُّ بخلافِه، أي: ما لم يَفْتَقِرْ فيه ما قبلَ "إلاَّ" لِما بعدها، نحو: قام القومُ إلّا زيداً، وضرْبتُ القومَ إلّا بَكْراً، فقام قد أخذ فاعلَه، وضرْبتُ أخذ مفعولَه، وشرطُ الاستثناء المُفرَّغِ أنْ يكونَ بعد نفيٍ أو شِبْههِ كالاستفهام والنفي. وأمَّا قولُهم: "قرأتُ إلّا يومَ كذا" فالمَعنى على نفيٍ مؤوَّلٍ تقديرُه: ما تركتُ القراءةَ إلّا يومَ كذا، ومثلُه: {ويأبى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ}. | |
|