عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية:223 الأحد أغسطس 12, 2012 7:53 am | |
| نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) قوله: {نساؤكم حرثٌ لكم} أي مواضعُ حَرْثٍ لكم، شبّهنَّ بها لما بين ما يُلقى في أرحامهنَّ من النُطَفِ وبين البُذُورِ من المُشابهةِ من حيثُ أنّ كلًا منهما مادّةٌ لما يحصل منه. والفرقُ بين الحَرْثِ والزرع أنّ الحرثَ إلقاءُ البذور وتهيئةُ الأرضِ والزَرْعُ مُراعاتِه وإنباتِه، ولهذا قال تعالى: {أفرأيتم ما تحرثون* ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} فأثبت لهم الحرثَ ونفى عنهم الزَرْعَ. روى الأئمةُ واللفظ لـ "مسلم" عن جابر بن عبد الله قال: كانت اليهودُ تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دُبُرِها في قُبُلِها كان الولد أحولَ فنزلت الآية. وروى الترمذي عن ابن عباس قال: جاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت! قال: ((وما أهلكك؟)) قال: حوّلتُ الليلةَ قال: فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئًا. قال: فأوحي الله إلى رسوله صلى الله عليه و سلم هذه الآية: {نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم} أقبل وأدبر واتّقِ الدُّبُرَ والحيضةَ. حديث حسن صحيح. وهذا نصٌّ في إباحة الحال والهيئات كلِّها إذا كان الوطءُ في موضع الحَرْثِ أي كيف شئتم من خلف ومن قدّام وباركة ومستلقية ومضطجعة فأمّا الإتيانُ في غير المَأتى فما كان مُباحًا ولا يُباح! وذِكرُ الحَرْثِ يدل على أنّ الإتيانَ في غيرِ المَأتى محرَّمٌ و"حرث" تشبيهٌ لأنهنّ مزدرع الذريّة فلفظ "الحرث" يعطي أنَّ الإباحةَ لم تقع إلّا في الفرج خاصّةً إذْ هو المُزْدَرَعُ. وأنشد ثعلب: إنما الأرحام أر ................................. ضون لنا محترثات فعلينا الزرع فيها ................................. وعلى الله النبات ففرج المرأةِ كالأرض والنُطفةُ كالبِذْرِ والولدُ كالنبات.قوله تعالى: {أنّى شئتم} معناه عند الجمهور من الصحابة والتابعين وأئمَّةِ الفتوى: من أي وجه شئتم مقبلةً ومدبرةً كما ذكرنا آنفًا و"أنى" تجيء سؤالًا وإخبارًا عن أمرٍ له جهات فهو أعمُّ في اللّغةِ من "كيف" ومن "أين" ومن "متى" هذا هو الاستعمال العربي في "أنى" وقد فسر الناس "أنّى" في هذه الآية بهذا الألفاظ وفسرها سيبويه بـ "كيف" ومن "أين" باجتماعهما.وقد حرّم الله تعالى الفرجَ حالَ الحيضِ لأجلِ النجاسةِ العارضةِ فأولى أن يحرّم الدبرَ لأجلِ النجاسةِ اللازمةِ. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ((من أتى امرأة في دبرها لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة)). قوله تعالى: {وقدِّموا لأنفسكم} أي قدِّموا ما ينفعكم غدًا فحَذَفَ المفعولَ وقد صرّحَ به في قوله تعالى: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله} البقرة: 110 فالمعنى قدِّموا لأنفسكم الطاعةَ والعملَ الصالحَ. وقيل ابتغاءَ الولدِ والنسلِ لأنّ الولدَ خيرُ الدنيا والآخرة فقد يكون شفيعًا وجُنَّةً. وقيل: هو التزوج بالعفائف ليكون الولدُ صالحًا طاهرًا. وقيل: هو تقدّم الأفراط كما قال النبي صلى الله عليه و سلم: ((من قدَّم ثلاثةً من الوَلَدِ لم يَبلغوا الحَنثَ لم تَمَسّه النار إلّا تَحِلَّةَ القَسَمِ)). وسيأتي في سورة "مريم" إن شاء الله تعالى. وقال ابنُ عبّاسٍ و عطاءُ أيْ قدِّموا ذِكرَ اللهِ عندَ الجِماعِ كما قال عليه الصلاة والسلام: ((لو أنّ أحدَكم إذا أتى امرأتَه قال: بسم الله اللهمّ جنِّبْنا الشيطانَ وجنِّب الشيطانَ ما رزقتَنا، فإنّه إنْ يُقَدَّرْ بينهما ولدٌ لمْ يَضُرَّهُ شيطانٌ أَبَدًا)). أخرجه مسلم. قوله تعالى: {واتقوا الله} تحذير {واعلموا أنّكم مُلاقوهُ} خبر يقتضي المبالغة في التحذير أي فهو مجازيكم على البِرِّ والإثْمِ. وروى ابن عُييْنة عن عمرو بن دينار قال: سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يقول: ((إنَّكم مُلاقُو اللهِ حُفاةً عُراةً مُشاةً غُرلًا)). ثمّ تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم ((واتّقوا اللهَ واعلموا أنّكم مُلاقوه)). أخرجه مسلم بمعناه. قوله تعالى: {وبشر المؤمنين} تأنيسٌ لفاعلِ البِرِّ ومُبْتَغي سننِ الهدى. قولُه تعالى: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} مبتدأٌ وخبرٌ. ولا بدَّ من تأويلٍ ليصحَّ الإِخبارُ بالمصدرِ. فقيل: على المبالغة، جُعِلوا نفس الفعل. وقيل: أراد بالمصدر اسم المفعول. وقيل: عَلى حَذْفِ مضافٍ من الأولِ، أي: وَطْءُ نسائِكم حَرْثٌ أي: كحَرْث، وقيل: من الثاني أي: نساؤكم ذواتُ حَرْثٍ. و"لكم" في موضِع رفعٍ لأنّه صفةٌ لحَرْث، فيتعلَّق بمحذوفٍ. وإنما أَفْرَدَ الخبرَ والمبتدأُ جمعٌ لأنّه مصدرٌ والأفصحُ فيه الإِفرادُ والتذكيرُ حينئذٍ.قوله: {أنّى شِئْتُمْ} أنَّى: ظرفُ مكانٍ، ويُسْتَعْمَلُ شرطاً واستفهاماً بمعنى "متى"، فيكونُ ظرفَ زمانٍ ويكونُ بمعنى كيف، وبمعنى مِنْ أين، وقد فُسِّرت الآية الكريمةُ بكلٍّ من هذه الوجوهِ. وقال النحويون: "أنَّى" لتعميم الأحوال. وهي مبنيّةٌ لتضمُّنها: إمَّا معنى حرفِ الشرطِ أو الاستفهام، وهي لازمةُ النصب على الظرفيةِ. والعاملُ فيها هنا قالوا: الفعلُ قبلها وهو: "فأتوا" وهذا لا يَصِحُّ، لأنَّها: إمَّا شرطيةٌ أو استفهاميةٌ، ولا يجوز أنْ تكونَ شرطيّةً لوجهين، أحدُهما: من جهة المعنى وهو أنَّها إذا كانَتْ شرطاً كانت ظرف مكانٍ كما تقدَّم، وحينئذ يقتضى الكلامُ الإِباحةَ في غير القُبُل وقد ثبت تحريمُ ذلك. والثاني: من جهةِ الصناعةِ. وهو أنَّ اسمَ الشرط لا يعملُ فيه ما قبله، لأنَّ له صدرَ الكلام، بل يعمل فيه فعلُ الشرط، كما أنّه عاملٌ في فعلِ الشرطِ الجزمَ. ولا يجوز أن تكون استفهاماً؛ لأنَّ الاستفهامَ لا يعملُ فيه ما قبلَه لأنَّ له صدرَ الكلام، ولأنَّ "أنَّى" إذا كانَتْ استفهاميةً اكتفَتْ بما بعدَها من فعلٍ واسم نحو: {أنّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} الأنعام: 101، و{أنى لَكِ هذا} آل عمران: 37 وهذه في هذه الآية مفتقرةٌ لِما قبلَها كما ترى، وهذا موضعٌ مُشْكِلٌ يَحْتَاجُ إلى تأمُّلٍ ونظرِ.ثم الذي يظهرُ أنها هنا شرطيةٌ ويكونُ قد حُذِف جوابُها: لدلالة ما قبله عليه، تقديرُه: أنَّى شِئْتُم فَأْتُوه، ويكون قد جُعِلَت الأحوالُ فيها جَعْلَ الظروفِ، وأُجْرِيَتْ مُجراها تشبيهاً للحالِ بظرفِ المكانِ ولذلك تُقَدَّرُ بـ "في"، كما أُجْرِيت "كيف" الاستفهاميةُ مُجْرى الشرطِ في قولِهِ: {يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ} المائدة: 64 وقالوا: كيف تصنع أصنع، فالمعنى هنا ليس استفهاماً بل شرطاً، فيكونُ ثَمَّ حَذْفٌ في قوله: {يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ} أي: كيف يشاء ينفق، وهكذا كلُّ موضعٍ يُشْبِهُه. وسيأتي له مزيدٌ بيانٍ . فإنْ قلتَ: قد أَخْرَجْتَ "أنَّى" عن الظرفيةِ الحقيقيةِ وجعلتَها لتعميمِ الأحوالِ مثل كيف، وقلت: إنها مقتضيةٌ لجملةٍ أخرى كالشرطِ، فهل الفعلُ بعدها في محلِّ جزمٍ اعتباراً بكونِها شرطيةً، أو في محلِّ رفعٍ كما تكونُ كذلك بعد "كيف" التي تُسْتَعْمَل شرطية؟ قلت: تَحْتَمِل الأمرين، والأرجحُ الأولُ لثبوتِ عمل الجزم، لأنَّ غايةَ ما في البابِ تشبيهُ الأحوالِ بالظروفِ للعلاقةِ المذكورةِ، وهو تقديرُ "في" في كلٍّ منهما. ولم يَجْزِمْ بـ "كيف" إلّا بعضُهم قياساً لا سماعاً. ومفعولُ "شئتم" محذوفٌ أي: شِئْتُمْ إتيانَه بعد أن يكونَ في المحلِّ المُباح .قوله: {وَقَدِّمُواْ} مفعولُه محذوفٌ أي: نيَّةَ الولدِ أو نيةَ الإِعفاف وذِكْرَ اللَّهِ أو الخيرِ.و{لأنفسكم} متعلقٌ بقَدِّموا. واللامُ تحتملُ التعليلَ والتعدي. والهاءُ في "ملاقوه" يجوزُ أَنْ تعودَ على اللهِ تعالى. ولا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مضافٍ أي: ملاقو جزائِه، وأَن تعودَ على مفعولِ "قَدِّموا" المحذوفِ، على حَذْفِ مضافٍ أيضاً أي: ملاقُو جزاءِ ما قَدَّمتم، وأن تعودَ على الجزاءِ الدالِّ عليه مفعولُ "قَدِّموا" المحذوف.والضميرُ في "وبَشِّر" للرسول عليه الصلاة والسلام لِجَرْي ذِكْرِه في قوله: {يَسْأَلُونَكَ} وفيه نظرٌ لأنَّ ضميرَ الخطابِ والتكلم لا يَحْتَاج أَنْ يُقالَ فيهما تَقدَّم ذِكْرُ ما يَدُلُّ عليهما. ويجوزُ أن يكونَ لكلِّ مَنْ يَصِحُّ منه البِشارة. | |
|