عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 16 الأربعاء سبتمبر 05, 2012 5:23 am | |
| أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا
مُهْتَدِينَ (16) . "أُولئكَ" رَفْعٌ بالابتداءِ و"الذين" وصلتُه خبرُه، وقولُه تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ} هذه الجملةُ عَطْفٌ على الجُمْلَةِ الواقعةِ صِلَةً، وهي "اشْتَرَوْا" والمشهورُ ضَمُّ واو "اشتروا" لالْتِقاءِ الساكنيْن، وإنّما ضُمَّتْ تشبيهاً بِتاءِ الفاعِلِ. وقيل: للفرقِ بين واوِ الجَمْعِ والواوِ الأَصليّةِ نحو: لو استطعنا. وقيل: لأنَّ الضَمَّةَ هنا أَخَفُّ مِنَ الكَسْرَةِ لأنَّها مِنْ جِنْسِ الواوِ. وقيلَ حُرِّكَتْ بِحَرَكَةِ الياءِ المَحْذوفَةِ، فإنَّ الأَصْلَ اشْتَرَيُوا. وقيلَ هي للجمْعِ فهي مثلُ: نحن. وقُرِئَ بكَسْرِها على أَصْلِ التِقاءِ الساكنيْنِ، وبِفَتْحِها: لأَنّهُ أَخَفُّ.وأَصْلُ اشْتَرَوا: اشْتَرَيُوا، فتحرَّكت الياءُ وانفتَحَ ما قبلَها، فقُلِبَتْ ألفاً، ثمَّ حُذِفَتْ لالْتِقاءِ الساكنين، وبَقِيَتِ الفتْحَةُ دالَّةً عليها، وقيل: بل حُذِفَت الضَمَّةُ مِنَ الياءِ فَسَكَنَتْ، فالتقى ساكنان، فَحُذِفَتْ الياءُ لالْتِقائِهما. فإنْ قيلَ: فواوُ الجَمْعِ قدْ حُرِّكَتْ فيَنْبغي أنْ يَعودَ الساكِنُ المحذوفُ، فالجَوابُ أنَّ هذه الحَرَكَةَ عارضةٌ، فهو في حكمِ الساكنِ، ولم يَجيءْ ذلك إلّا في ضرورةِ شعرٍ.لقد بيّن ـ سبحانه ـ لونًا من ألوانِ غَبائهم وبَلادَتِهم فقال: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} الاشْتِراءُ: أخذُ السُلْعَةِ بالثَمَن، والمُرادُ أنَّهم استبْدَلوا ما كَرِهَ اللهُ مِن الضلالةِ بما أَحَبَّه مِن الهُدى. قال ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما: أخَذوا الضَلالَةَ وتَركوا الهُدى.والمُشارُ إليه بـ "أولئك" هُمُ المُنافقون: المَوْصوفون في الآياتِ السابِقَةِ بالكَذِبِ والمُخادَعةِ، والإِفسادِ في الأرضِ، ورَمْيِ المؤمنين بالسَفَاهَةِ واسْتهزائِهم بهم.ومِن المَعروفِ عندَ عُلَماءِ البلاغةِ أَنَّ اسْمَ الإِشارة إذا أُشيرَ بِهِ إلى أَشخاصٍ وُصِفوا بِصِفاتٍ، فهو بِمَنْزِلَةِ إعادَةِ ذِكْرِها وإحْضارِها في أَذْهانِ المُخاطَبين. فتكونُ تلكَ الصِفاتُ، كأنّها ذُكِرَتْ في هذه الآيَةِ مرّةً أُخْرى ليُعْرَفَ بها عِلَّةُ الحُكمِ الوارِدِ بعد اسْمِ الإِشارة، وهو هنا اشْتِراءُ الضَلالَةِ بالهُدى. أيْ: اختيارُها واسْتِبْدالها به.وعَبَّرَتْ الآيَةُ بالاشْتِراءِ على سبيلِ الاسْتِعارَةِ ليَتَحدَّدَ مِقْدارُ رَغْبَتِهم في الضَلالَةِ، وزُهدِهم في الهُدى، فإنَّ المُشْتَرِيَ في العادةِ يكونُ شديدَ الرغبةِ فيما يَشتَري، رَغْبةً تَجْعَلُه شديدَ الزُهْدِ فيما يَبْذُلُه من ثَمَنٍ. فهم راغبون في الضلالَةِ زاهدون في الهدى.وقوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} لا يَقتضي أنَّهم كانوا على هُدًى مِن ربِّهم فتَركوهُ، بل يَكفي فيه أنْ يَجعَلَ تَمَكُّنَهم من الهدى لقِيامِ أَدِلَّتِهِ بِمَنْزِلَةِ الهُدى الحاصِلِ بالفِعل. فالمُشْتَري عادةً يُميِّزُ مادَّةً مِن مادَّةٍ ويُفَضِّلُ مادَّةً على أخرى. و"الضلالة" مفعولُه، و"بالهُدى" مُتَعَلِّقٌ بـ "اشتروا"، والباءُ هنا للعِوَضِ.والشِراءُ هُنا مَجَازٌ عَن الاسْتِبْدالِ بمَعنى أَنَّهم لَمَّا تَرَكوا الهُدى، وآثَروا الضَلالةَ، جُعِلوا بِمَنْزِلَةِ المُشْتَرين لها بالهُدى، ثُمَّ رَشَحَ هذا المَجازُ بقولِه تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ} فَأَسْنَدَ الرِّبْحَ إلى التِجارةِ، والمعنى: فما رَبِحوا في تِجارَتِهم. قولُه تعالى: {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} هذه الجملةُ معطوفةٌ على قوله: {فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ}، والرِّبْحُ: الزيادةُ على رأس المال، والمهتدي: اسمُ فاعِلٍ منِ اهْتَدى، وافْتَعل هُنا للمُطاوَعَةِ، ولا يكونُ افْتَعَلَ للمُطاوعَةِ إلّا مِن فِعْلٍ مُتَعدٍ. ثم بيّن ـ سبحانه ـ نتيجةَ أخذِهم الضلالةَ وتَركِهِمُ الهُدَى فقال: {فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ} أي: أنّهم لم يَحصلوا من اشْتِرائِهِمُ الضَلالَةَ بالهُدى على الرِّبْحِ، وإذا كانت التِجارةُ الحقيقيَّةُ قد يَفوتُ صاحبَها الربحُ، ولكنّه لا يَقعُ في خَسارةٍ بأنْ يَبقى له رأسُ مالِه محفوظاً، فإن التجارةَ المقصودةَ من الآيةِ هي استبدالُ الضلالةِ بالهُدى، لا يُقابلُ الرِّبحَ فيها إلّا الخُسْرانُ، فإذا نفى عنها الربحَ فذلك يَعني أنّها تِجارةٌ خاسرةٌ.ثم قال تعالى: {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} أي: وما كانوا مهتدين إلى سبيلِ الرَّشادِ وما تَتَّجِهُ إليه العُقولُ الرّاجحةُ من الدِّينِ الحَقِّ، وما كانوا مهتدين إلى طُرُقِ التِجارةِ الرابحةِ، فهم أَوّلًا لم يَربَحوا في تِجارتِهم بَلْ خَسِروها، وثانياً قد ذهبَ نُورُ الهُدى مِن حولِهم فبَقوا في ظلمةِ الضلالِ.وما أَوجَعَ أنْ يَجتَمِعَ على التاجِرِ خَسارَتُه وتَوَرُّطُه، وما أوجعَ أنْ يَجتمِعَ عليه أنْ يَنقطِعَ عن غايتِهِ، وأنْ يَكونَ في ظُلمَةٍ تَعُوقُه عن التَبَصُّرِ. | |
|