عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 53 الأربعاء سبتمبر 26, 2012 8:46 am | |
| وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) فُرقانُ هذه الأُمَّةِ الذي اخْتَصُّوا بِهِ نُورٌ في قُلوبِهم، به يُفَرِّقون بين الحقِّ والباطل، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لِوابِصَةَ: ((اسْتَفْتِ قلبَك)). وقال: ((اتَّقوا فِراسَةَ المُؤمِنِ فإنَّه يَنظُرُ بِنورِ اللهِ)). وقال الله تعالى: {إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا}. الأنفال: 29. وذلك الفُرقانُ مِيراثُ ما قَدَّموه مِنَ الإِحْسان.قوله تعالى: {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان} إذ: اسمٌ للوقتِ الماضي وإذا اسمٌ للوقتِ المُستقبلِ و"آتينا" أعطينا، وقد تقدم جميع هذا، و"الكتاب" التوراةُ بإجماعٍ من المتأوِّلين. و"الكتاب والفرقان" أي التوراةُ الجامعةُ بين كونِها كتابًا وحُجَّةً تَفْرُقُ بين الحَقِّ والباطلِ كقولِك لَقيتُ الغَيْثَ واللّيثَّ، تُريدُ الجامعَ بين الجُودِ والشجُاعَةِ، فالمُرادُ بالفُرْقانِ والكِتابِ واحدٌ. واختُلِفَ في الفُرقانِ فقال الفَرَّاءُ وقُطْرُبٌ: المعنى آتينا موسى التوراةَ ومحمدًا الفرقانَ، عليهما الصلاةُ والسلام. قال النحّاسُ: هذا خطأ في الإعراب والمعنى أمّا الإعرابُ فإنَّ المَعطوفَ على الشيءِ مثلُه، وعلى هذا القول يكون المعطوفُ على الشيءِ خِلافَه، وأمّا المَعنى فقد قال تعالى: {ولقد آتينا موسى وهارون الفُرقان}. وقال الراغبُ الأصفهاني الكتابُ والفُرقانُ: اسْمانِ لشيءٍ واحدٍ لكنْ يُقالانِ باعتبارين مُختلفيْن، أمّا الكتابُ، فلِجمْعِ الأَحكامِ المُتفرِّقةِ فيه، وأمّا الفُرقان: فلِكونِه مُفَرِّقاً بيْنَ الحَقِّ والشُبْهَةِ وبيْن الأَحكامِ المُختلِفَةِ، وأتى باللَّفظين تنبيهاً على تَضمين التوراةِ للمَعْنَيَيْن. وقال أبو إسحاق الزجاج: يكون الفُرقانُ هو الكتاب، أُعيدَ ذِكرُه باسميْنِ تأكيدًا وحُكِيَ عن الفَرَّاءِ، ومنه قول الشاعر عَدِيُّ بنُ زيدٍ: وقَدَّمَتِ الأَدِيمَ لِراهِشَيْهِ ...................... وأَلْفَى قَوْلَها كذِباً ومَيْنَا وقال الحُطَيْئةُ: أَلاَ حَبَّذَا هِندُ وَأَرْضٌ بِهَا هِنْدٌ ....... وَهِنْدٌ أَتَى مِنْ دُونِهَا النَّأْيُ وَالْبُعْدُفَنُسِقَ الْبُعْدُ عَلَى النَّأْيِ وَالْمَيْنُ عَلَى الْكَذِبِ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ تَأْكِيدًا وَمِنْهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:حُيِّيَتِ مِنْ طَلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ .............. أَقْوَى وَأَقْفَرَ بَعْدَ أُمِّ الْهَيْثَمِقال النحاس وهذا إنّما يَجئ فِي الشِّعْرِ وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ فَرْقًا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ أَيِ الَّذِي عَلَّمَهُ إِيَّاهُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْفُرْقَانُ انْفِرَاقُ الْبَحْرِ لَهُ حَتَّى صَارَ فِرَقًا فَعَبَرُوا. وَقِيلَ: الْفُرْقَانُ الْفَرَجُ مِنَ الْكَرْبِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَعْبَدِينَ مَعَ الْقِبْطِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً} الأنفال: 29. أَيْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا. وَقِيلَ: إِنَّهُ الْحُجَّةُ وَالْبَيَانُ. وَقِيلَ الْوَاوُ صِلَةٌ وَالْمَعْنَى آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ الْفُرْقَانَ وَالْوَاوُ قَدْ تُزَادُ فِي النُّعُوتِ كَقَوْلِهِمْ فُلَانٌ حَسَنٌ وَطَوِيلٌ وَأَنْشَدَ لآعشى قيس:إِلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ وَابْنِ الْهُمَامِ .............. وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ في المزدحمأَرَادَ إِلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ ابْنِ الْهُمَامِ لَيْثِ الْكَتِيبَةِ وَدَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} الأنعام: 154. أَيْ بَيَّنَ الْحَرَامَ وَالْحَلَالَ وَالْكُفْرَ وَالْإِيمَانَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَقِيلَ: الْفُرْقَانُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَنْجَى هَؤُلَاءِ وَأَغْرَقَ أُولَئِكَ. وَنَظِيرُهُ: {يَوْمَ الْفُرْقانِ}. فَقِيلَ: يَعْنِي بِهِ يَوْمَ بَدْرٍ نَصَرَ اللَّهُ فِيهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَأَهْلَكَ أَبَا جَهْلٍ وَأَصْحَابَهُ. قولُه تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} لِكَيْ تَهْتَدُوا مِنَ الضَّلَالَةِ وَقَدْ تقدم. يُقرِّرُ اللهُ ـ سبحانَه وتعالى ـ في قوله: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الكتابَ والفرقانَ} بأنَّ إيتاءَ موسى الكتابَ والفُرقان، هو نِعمةٌ يَجبُ أنْ يَذكُرَها قومُه، وأنْ يَستقبِلوا مِنهَجَ اللهِ على أنَّه نِعمَةٌ ويَلتزموه شاكرين للهِ فضلَه عليهم. و"الكتابَ والفرقانَ} مفعولٌ ثانٍ لآتيْنا والمفعولُ الأولُ هو"موسى"، والفُرْقُانُ في الأصلِ مصدرٌ مثلُ الغُفْران ، وقد تقدَّمَ معناهُ في {فَرَقْنَا بِكُمُ البحر} البقرة:50. والعطفُ من قبيلِ عطفِ الصفاتِ للإشارةِ إلى استقلالِ كلٍّ منها. | |
|