عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 27 الخميس سبتمبر 13, 2012 7:05 am | |
| الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27) قوله تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ} النَّقْضُ: إِفْسَادُ مَا أَبْرَمْتُهُ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ حَبْلٍ أَوْ عَهْدٍ. وَالنُّقَاضَةُ. مَا نُقِضَ مِنْ حَبْلِ الشَّعْرِ. وَالْمُنَاقَضَةُ فِي الْقَوْلِ: أَنْ تَتَكَلَّمَ بِمَا تَنَاقَضَ مَعْنَاهُ. وَالنَّقِيضَةُ فِي الشِّعْرِ: مَا يُنْقَضُ بِهِ. وَالنِّقْضُ: الْمَنْقُوضُ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَعْيِينِ هَذَا الْعَهْدِ، فَقِيلَ: هُوَ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَى بَنِي آدَمَ حِينَ اسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْرِهِ. وَقِيلَ: هُوَ وَصِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى خَلْقِهِ، وَأَمْرُهُ إِيَّاهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ، وَنَهْيُهُ إِيَّاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ فِي كُتُبِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ، وَنَقْضُهُمْ ذَلِكَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ. وَقِيلَ: بَلْ نَصْبُ الْأَدِلَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ بِالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَسَائِرِ الصَّنْعَةِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَهْدِ، وَنَقْضُهُمْ تَرْكُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ. وَقِيلَ: هُوَ مَا عَهِدَهُ إِلَى مَنْ أُوتِيَ الْكِتَابَ أَنْ يُبَيِّنُوا نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَكْتُمُوا أَمْرَهُ. فَالْآيَةُ عَلَى هَذَا فِي أَهْلِ الكتاب. قال أبو إسحاق الزَجّاجُ: عهدُه عَزَّ وجَلَّ مَا أَخَذَهُ عَلَى النَّبِيِّينَ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ أَلَّا يَكْفُرُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَدَلِيلُ ذلك: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي}. آل عمران: 81. أَيْ عَهْدِي. وَظَاهِرُ مَا قَبْلُ وَمَا بَعْدُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي الْكُفَّارِ. فَهَذِهِ خمسة أقوالٍ، والقولُ الثاني يجمعها.قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ} الْمِيثَاقُ: الْعَهْدُ الْمُؤَكَّدُ بِالْيَمِينِ، مِفْعَالٌ مِنَ الْوِثَاقَةِ وَالْمُعَاهَدَةِ، وَهِيَ الشِّدَّةُ فِي الْعَقْدِ وَالرَّبْطِ وَنَحْوِهِ. وَالْجَمْعُ الْمَوَاثِيقُ عَلَى الْأَصْلِ، لِأَنَّ أَصْلَ مِيثَاقٍ مِوْثَاقٌ، صَارَتِ الْوَاوُ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا وَالْمَيَاثِقُ وَالْمَيَاثِيقُ أَيْضًا، وَأَنْشَدَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ لِعِياضٍ بنِ دُرّة الطائي:حِمًى لَا يُحَلُّ الدَّهْرَ إِلَّا بِإِذْنِنَا ................ وَلَا نَسْأَلُ الْأَقْوَامَ عَهْدَ الْمَيَاثِقِ وَالْمَوْثِقُ: الْمِيثَاقُ. وَالْمُوَاثَقَةُ: الْمُعَاهَدَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ}. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَقْطَعُونَ} الْقَطْعُ مَعْرُوفٌ، وَالْمَصْدَرُ الْقَطِيعَةُ، يُقَالُ: قَطَعَ رَحِمَهُ قَطِيعَةً فَهُوَ رَجُلٌ قُطَعٌ وَقُطَعَةٌ، مِثَالُ هُمَزَةٍ. وَقَطَعْتُ الْحَبْلَ قَطْعًا. وَقَطَعْتُ النَّهْرَ قُطُوعًا. وَقَطَعَتِ الطَّيْرُ قُطُوعًا وَقُطَاعًا وَقِطَاعًا إِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ. وَأَصَابَ النَّاسَ قُطْعَةٌ: إِذَا قَلَّتْ مِيَاهُهُمْ. وَرَجُلٌ بِهِ قُطْعٌ: أَيِ انْبِهَارٌ. البهر (بالضم): تتابع النفس من الإعياء. وقيل انقطاعه. قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} اخْتُلِفَ مَا الشَّيْءُ الَّذِي أَمَرَ بِوَصْلِهِ؟ فَقِيلَ: صِلَةُ الْأَرْحَامِ. وَقِيلَ: أَمَرَ أَنْ يُوصَلَ الْقَوْلُ بِالْعَمَلِ، فَقَطَعُوا بَيْنَهُمَا بِأَنْ قَالُوا وَلَمْ يَعْمَلُوا. وَقِيلَ: أَمَرَ أَنْ يُوصَلَ التَّصْدِيقُ بِجَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ، فَقَطَعُوهُ بِتَصْدِيقِ بَعْضِهِمْ وَتَكْذِيبِ بَعْضِهِمْ. وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ إِلَى دِينِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ فِي الْأَرْضِ، وَإِقَامَةِ شَرَائِعِهِ وَحِفْظِ حُدُودِهِ. فَهِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَنْ يُوصَلَ. هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَالرَّحِمُ جُزْءٌ مِنْ هَذَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} أَيْ يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَجُورُونَ فِي الْأَفْعَالِ، إِذْ هِيَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِهِمْ، وهذا غاية الفساد. {أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ} الخاسرُ الَّذِي نَقَصَ نَفْسَهُ حَظَّهَا مِنَ الْفَلَاحِ وَالْفَوْزِ. وَالْخُسْرَانُ: النُّقْصَانُ، كَانَ فِي مِيزَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ جَرِيرٌ:إِنَّ سَلِيطًا فِي الْخَسَارِ إِنَّهُ ...................... أَوْلَادُ قَوْمٍ خُلِقُوا أَقِنَّهْ يَعْنِي بِالْخَسَارِ مَا يَنْقُصُ مِنْ حُظُوظِهِمْ وَشَرَفِهِمْ. وَخَسَرْتُ الشَّيْءَ (بِالْفَتْحِ) وَأَخْسَرْتُهُ نَقَصْتُهُ. وَالْخَسَارُ وَالْخَسَارَةُ وَالْخَيْسَرَى: الضَّلَالُ وَالْهَلَاكُ. فَقِيلَ لِلْهَالِكِ: خَاسِرٌ، لِأَنَّهُ خَسِرَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمُنِعَ مَنْزِلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ. وفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ وَالْتِزَامَهُ وَكُلَّ عَهْدٍ جَائِزٍ أَلْزَمَهُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ نَقْضُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ بَيْنَ مُسْلِمٍ أَمْ غَيْرِهِ، لِذَمِّ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ نَقَضَ عَهْدَهُ. وقد قال: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} المائدة: 1. وقَالَ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: {وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ} الأنفال: 85. فَنَهَاهُ عَنِ الْغَدْرِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِنَقْضِ الْعَهْدِ. وفي الآيةِ استعارةٌ بالكِنايةِ، والنقضُ استعارةٌ تحقيقيّةٌ تصريحيَّةٌ حيث شبَّه إبْطالَ العهدِ بإبطالِ تأليفِ الجِسمِ، وأطلق اسمَ المُشَبَّهِ بِهِ على المُشَبَّهِ.قولُهُ تعالى: {الذين يَنقُضُونَ} فيه أربعةُ أوجهٍ، أحدُها: أنْ يكونَ نعتًا للفاسِقين. والثاني: أنَّه منصوبٌ على الذَمِّ. والثالثُ أنَّه مرفوعٌ بالابتداءِ، وخبرُه الجملةُ من قوله: {أولئك هُمُ الخاسرون}. والرابعُ: أنَّه خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ أي: هم الفاسقون.و{مِنْ بعد} متعلقٌ بـ "يَنْقْضُون"، و"مِنْ" لابتداءِ الغايةِ، وقيل: زائدةٌ. و{ميثاقَه} الضميرُ فيه يجوزُ أن يعودَ على العهدِ، وأنْ يعودَ على اسمِ الله تعالى، فهو على الأوّل مصدرٌ مُضافٌ إلى المفعولِ، وعلى الثاني مضافٌ إلى الفاعل، والميثاقُ مصدرٌ كالميلادِ والميعادِ بمعنى الولادةِ والوَعْد، وهو اسمٌ في موضعِ المصدرِ كقولِهِ: أكُفْراً بعدَ رَدِّ الموتِ عني ................. وبعد عطائِك المئةَ الرِّتاعاأي: إعطائك، ولا حاجة تدعُو إلى ذلك. والمادةُ تَدُلُّ على الشَدِّ والربطِ وجمعُه مواثيق ومياثِق وأنشد ابن الأعرابي: حِمىً لا يَحُلُّ الدهرُ إلا بإذنِنا ......... ولا نَسْأَل الأقوامَ عهدَ المَيَاثِقِو{يقطعونَ} عطف على "ينقصون" فهي صلةٌ أيضاً، و"ما" موصولةٌ و{أَمَرَ الله بِهِ} صلتُها وعائدُها. {أَن يُوصَلَ} فيه ثلاثةُ أوجهٍ: أحدُها: الجَرُّ على البدلِ من الضمير في "به" أي: ما أمرَ اللهُ بوَصْلِهِ، كقول امرئ القيس: أمِنْ ذِكْرِ ليلى أَنْ نَأَتْكَ تَنُوصُ ........... فَتَقْصُرُ عنها خَطْوَةً وتَبُوصُأي: أمِنْ نَأْيِها. والنصبُ وفيه وجهان، أحدُهما: أنَّه بدلٌ من "ما أمر اللهُ" بدلُ اشتمالٍ. والثاني: أنَّه مفعولٌ من أجلِه، والتقديرُ كراهةَ أنْ يُوصَلَ، أو أنْ لا يُوصلَ. والرفعُ على أنَّه خبرُ مبتدأٍ مُضْمَرٍ أي هو أنْ يُوصلَ، وهذا بعيدٌ جداً. وقوله: {ويُفْسِدُونَ} عطفٌ على الصِلَةِ أيضاً و{فِي الأرض} متعلِّقٌ به. و{أولئك هُمُ الخاسرون} كقولِهِ: {وأولئك هُمُ المفلحون}. وقد تقدَّم أنَّه يَجوزُ أنْ تَكونَ هذه الجملةُ خَبَراً عن {الذين يَنقُضُونَ} إذا جُعِلَ مبتدأً، وإنْ لم يُجْعَلْ مبتدأً فهي مستأنفةٌ فلا مَحَلَّ لها من الإعراب حينئذٍ. وتقدَّمَ معنى الخَسارِ. | |
|