عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 245 الخميس سبتمبر 27, 2012 4:44 am | |
| مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ
يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) القَرض القطع، وسُمِّي القرضُ قرضاً لأنّه يَقْطَعُ مِن مالِه شيئًا ليُعطيَه للمُقْتَرِضِ، والمُتَصَدِّقُ لمّا يَقطَع الصدقةَ مِن مالَه سُمِّيتْ صدقتُه قرضًا. وقد دَلّت هذه الآيةُ على عِظَم رتبةِ الغَنِيِّ حيث سَأَلَ منه القرض، لكنَّ رُتبةَ الفقيرِ في هذا أعظمُ لأنّه سأَلَ القرضَ لأَجْله، فقد يُسأل القرضُ مِن كلِّ أحدٍ ولكنْ لا يُسألُ لأجلِ كلِّ أحدٍ. وفي الخبر: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعُه مرهونةٌ عند أبي شَحْمَةَ اليَهوديّ على شعيرٍ أَخَذَه لِقُوتِ عِيالِه، أَبْصِرْ مِمَّن اقترضَ ولِأجلِ مَنْ اقترضَ.قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً}. لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْجِهَادِ والقتال على الحقِّ، إذ ليس شيءٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ إِلَّا وَيَجُوزُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ وَعَنْهُ، وَأَعْظَمُهَا دِينُ الْإِسْلَامِ، حَرَّضَ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي ذَلِكَ. فَدَخَلَ فِي هَذَا الْخَبَرِ الْمُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يُقْرِضُ بِهِ رَجَاءَ الثَّوَابِ كَمَا فَعَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ في غزوةِ تبوكٍ، حين أنفق عثمان رضي اللهُ عنه في ذلك ألفَ دينارٍ غيرَ الإبِلِ والزادِ وما يتعلّق بذلك، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اللَّهُمَّ ارْضَ عن عثمان فإنّي عنه راض)).وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَادَرَ أَبُو الدَّحْدَاحِ إِلَى التَّصَدُّقِ بِمَالِهِ ابْتِغَاءَ ثَوَابِ رَبِّهِ. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ـ واللفظُ له: لَمَّا نَزَلَ: "مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً" قَالَ أَبُو الدَّحْدَاحِ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ اللَّهَ يَسْتَقْرِضُنَا وَهُوَ غَنِيٌّ عَنِ الْقَرْضِ؟ قَالَ: ((نَعَمْ يُرِيدُ أَنْ يُدْخِلَكُمُ الْجَنَّةَ بِهِ)). قَالَ: فَإِنِّي إِنْ أَقْرَضْتُ رَبِّي قَرْضًا يَضْمَنُ لِي بِهِ وَلِصِبْيَتِي الدَّحْدَاحَةِ مَعِي الْجَنَّةَ؟ قَالَ: ((نعم)) قال: فناولني يدك، فناوله رسوله اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ. فَقَالَ: إِنَّ لِي حَدِيقَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا بِالسَّافِلَةِ وَالْأُخْرَى بِالْعَالِيَةِ، وَاللَّهِ لَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا، قَدْ جَعَلْتُهُمَا قَرْضًا لِلَّهِ تَعَالَى. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اجْعَلْ إِحْدَاهُمَا لِلَّهِ وَالْأُخْرَى دَعْهَا مَعِيشَةً لَكَ وَلِعِيَالِكَ)). قَالَ: فَأُشْهِدُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ خَيْرَهُمَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ حَائِطٌ فِيهِ سِتُّمِئَةِ نَخْلَةٍ. قَالَ: ((إِذًا يُجْزِيكَ اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ)). فَانْطَلَقَ أَبُو الدَّحْدَاحِ حَتَّى جَاءَ أُمَّ الدَّحْدَاحِ وَهِيَ مَعَ صِبْيَانِهَا فِي الْحَدِيقَةِ تَدُورُ تَحْتَ النَّخْلِ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:هَدَاكِ رَبِّي سُبُلَ الرَّشَادِ ..................... إِلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ وَالسَّدَادِبِينِي مِنَ الْحَائِطِ بِالْوِدَادِ .................. فَقَدْ مَضَى قَرْضًا إِلَى التَّنَادِّأَقْرَضْتُهُ اللَّهَ عَلَى اعْتِمَادِي .................. بِالطَّوْعِ لَا مَنٍّ وَلَا ارْتِدَادٍإِلَّا رَجَاءَ الضِّعْفِ فِي الْمَعَادِ ................ فَارْتَحِلِي بِالنَّفْسِ وَالْأَوْلَادِوَالْبِرُّ لَا شَكَّ فَخَيْرُ زَادِ ....................... قَدَّمَهُ الْمَرْءُ إِلَى الْمَعَادِقَالَتْ أُمُّ الدَّحْدَاحِ: رَبِحَ بَيْعُكَ! بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيمَا اشْتَرَيْتَ، ثُمَّ أَجَابَتْهُ أُمُّ الدَّحْدَاحِ وَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:بَشَّرَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ وَفَرَحْ .................... مِثْلُكَ أَدَّى مَا لَدَيْهِ وَنَصَحْقَدْ مَتَّعَ اللَّهُ عِيَالِي وَمَنَحْ .............. بِالْعَجْوَةِ السَّوْدَاءِ وَالزَّهْوِ الْبَلَحْوَالْعَبْدُ يَسْعَى وَلَهُ مَا قَدْ كَدَحْ ............ طُولَ الليالي وعليه ما اجترحْثُمَّ أَقْبَلَتْ أُمُّ الدَّحْدَاحِ عَلَى صِبْيَانِهَا تُخْرِجُ مَا فِي أَفْوَاهِهِمْ وَتُنَفِّضُ مَا فِي أَكْمَامِهِمْ حَتَّى أَفْضَتْ إِلَى الْحَائِطِ الْآخَرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كَمْ مِنْ عِذْقٍ (عنقود) رَدَاحِ (ثقيل) وَدَارٍ فَيَّاحِ (واسع) لِأَبِي الدَّحْدَاحِ". ولقد انْقَسَمَ الْخَلْقُ بِحُكْمِ الْخَالِقِ وَحِكْمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ حِينَ سَمِعُوا هَذِهِ الْآيَةَ أَقْسَامًا، فَتَفَرَّقُوا فِرَقًا ثَلَاثَةً: الْفِرْقَةُ الْأُولَى الرَّذْلَى قَالُوا: إِنَّ رَبَّ مُحَمَّدٍ مُحْتَاجٌ فَقِيرٌ إِلَيْنَا وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ، فَهَذِهِ جَهَالَةٌ لَا تَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ}. الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ لَمَّا سَمِعَتْ هَذَا الْقَوْلَ آثَرَتِ الشُّحَّ وَالْبُخْلَ وَقَدَّمَتِ الرَّغْبَةَ فِي الْمَالِ، فَمَا أَنْفَقَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا فَكَّتْ أَسِيرًا وَلَا أَعَانَتْ أَحَدًا، تَكَاسُلًا عَنِ الطَّاعَةِ وَرُكُونًا إِلَى هَذِهِ الدَّارِ. الثَّالِثَةُ: لَمَّا سَمِعَتْ بَادَرَتْ إِلَى امْتِثَالِهِ وَآثَرَ الْمُجِيبُ مِنْهُمْ بِسُرْعَةٍ بِمَالِهِ كَأَبِي الدَّحْدَاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ. قوله تعالى: {قَرْضاً حَسَناً} الْقَرْضُ: اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُلْتَمَسُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ. وَأَقْرَضَ فُلَانٌ فُلَانًا أَيْ أَعْطَاهُ مَا يَتَجَازَاهُ، قَالَ لَبِيَدٌ:وَإِذَا جُوزِيتَ قَرْضًا فَاجْزِهِ .............. إِنَّمَا يَجْزِي الْفَتَى لَيْسَ الْجَمَلْأَثَرُهُمْ وَهَلَكُوا. وَالْقَرْضُ هاَهُنَا: اسْمٌ، وَلَوْلَاهُ لَقَالَ هاَهُنَا إِقْرَاضًا. وَاسْتِدْعَاءُ الْقَرْضِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّمَا هِيَ تَأْنِيسٌ وَتَقْرِيبٌ لِلنَّاسِ بِمَا يَفْهَمُونَهُ، وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، لَكِنَّهُ تَعَالَى شَبَّهَ عَطَاءَ الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا بِمَا يَرْجُو بِهِ ثَوَابَهُ فِي الْآخِرَةِ بِالْقَرْضِ كَمَا شَبَّهَ إِعْطَاءَ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ فِي أَخْذِ الْجَنَّةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ الْحَثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَالتَّوْسِعَةِ عَلَيْهِمْ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنُصْرَةِ الدِّينِ. وَكَنَّى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنِ الْفَقِيرِ بِنَفْسِهِ الْعَلِيَّةِ الْمُنَزَّهَةِ عَنِ الْحَاجَاتِ تَرْغِيبًا فِي الصَّدَقَةِ، كَمَا كَنَّى عَنِ الْمَرِيضِ وَالْجَائِعِ وَالْعَطْشَانِ بِنَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ عَنِ النَّقَائِصِ وَالْآلَامِ. فَفِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ إِخْبَارًا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى: ((يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي وَاسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي وَاسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تسقني)) قال يا رب كيف أسقيك وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ!؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي)). وَكَذَا فِيمَا قَبْلُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَهَذَا كُلُّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّشْرِيفِ لِمَنْ كَنَّى عَنْهُ تَرْغِيبًا لِمَنْ خُوطِبَ بِهِ. يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ رَدُّ الْقَرْضِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ مَنْ أَنْفَقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَضِيعُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ يَرُدُّ الثَّوَابَ قَطْعًا وَأَبْهَمَ الْجَزَاءَ. وَفِي الْخَبَرِ: "النَّفَقَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُضَاعَفُ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَأَكْثَرَ" وَقَالَ هاَهُنَا: "فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً" وَهَذَا لَا نِهَايَةَ لَهُ وَلَا حَدَّ. أما ثَوَابُ الْقَرْضِ فعَظِيمٌ، لِأَنَّ فِيهِ تَوْسِعَةً عَلَى الْمُسْلِمِ وَتَفْرِيجًا عَنْهُ. خَرَّجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ قَالَ ((لِأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ وَالْمُسْتَقْرِضَ لَا يَسْتَقْرِضُ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ)). وقَرْضُ الْآدَمِيِّ لِلْوَاحِدِ وَاحِدٌ، أَيْ يَرُدُّ عليه مثلَ مَا أَقْرَضَهُ. وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ اسْتِقْرَاضَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَكُلِّ مَا لَهُ مِثْلٌ مِنْ سَائِرِ الْأَطْعِمَةِ جَائِزٌ. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ نَقْلًا عَنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الزِّيَادَةِ فِي السَّلَفِ رِبًا وَلَوْ كَانَ قَبْضَةً مِنْ عَلَفٍ ـ كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ـ أَوْ حَبَّةً وَاحِدَةً. وَيَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ أَفْضَلَ مِمَّا يَسْتَلِفُ إِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ، اسْتِدْلَالًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْبِكْرِ: ((إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً)) رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ: الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا. فَأَثْنَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ أَحْسَنَ الْقَضَاءَ، وَأَطْلَقَ ذَلِكَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِصِفَةٍ. وَكَذَلِكَ قَضَى هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبِكْرِ وَهُوَ الْفَتِيُّ الْمُخْتَارُ مِنَ الْإِبِلِ جَمَلًا خِيَارًا رَبَاعِيًّا، وَالْخِيَارُ: الْمُخْتَارُ، وَالرَّبَاعِيُّ هُوَ الَّذِي دَخَلَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ، لِأَنَّهُ يُلْقِي فِيهَا رَبَاعِيَّتَهُ وَهِيَ الَّتِي تَلِي الثَّنَايَا وَهِيَ أَرْبَعُ رَبَاعِيَّاتٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَرْضِ الْحَيَوَانِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ مَنِ اسْتَقْرَضَ هَدِيَّةً لِلْمُقْرِضِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْمُقْرِضِ قَبُولُهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَادَتَهُمَا ذَلِكَ، بِهَذَا جَاءَتِ السُّنَّةُ: لحديث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ((إذا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ قَرْضًا فَأَهْدَى لَهُ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى دَابَّتِهِ فَلَا يَقْبَلُهَا وَلَا يَرْكَبُهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ)). أخرجه ابن ماجة. والْقَرْضُ يَكُونُ مِنَ الْمَالِ وَيَكُونُ مِنَ الْعِرْضِ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَيَعْجَزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ كَأَبِي ضَمْضَمٍ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِعِرْضِي عَلَى عِبَادِكَ)). وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَقْرِضْ مِنْ عِرْضِكَ لِيَوْمِ فَقْرِكَ، يَعْنِي مَنْ سَبَّكَ فَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ حَقًّا وَلَا تُقِمْ عَلَيْهِ حَدًّا حَتَّى تَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُوَفَّرَ الْأَجْرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِالْعِرْضِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ فِي الصَّحِيحِ: ((إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ)). الْحَدِيثَ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتُ الثَّلَاثُ تَجْرِي مَجْرًى وَاحِدًا في كونِها باحترامِها حقًا للآدمي. قولُه تبارك وتعالى: {حَسَناً} أي: مُحْتَسِبًا طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ، لَا يَمُنُّ بِهِ وَلَا يُؤْذِي ولَا يَعْتَقِدُ فِي قَرْضِهِ عِوَضًا. قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَيُضاعِفَهُ لَهُ} هَذَا التَّضْعِيفَ لِلَّهِ وَحْدَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً}. قال أَبُو هُرَيْرَةَ: هَذَا فِي نَفَقَةِ الْجِهَادِ، وَكُنَّا نَحْسُبُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا نَفَقَةَ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ وَرُفَقَائِهِ وَظَهْرِهِ بألفي ألف.قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ} هذا عام في كلِّ شيء فَهُوَ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ. وقولُه: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وعيد، فيجازي كلًا بعمَلِه.قوله تعالى: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً} مَنْ: للاستفهام ومَحَلُّها الرفعُ على الابتداءِ، و"ذا" اسم إشارةٍ خبرُهُ، و"الذي" وصلتُهُ نَعتٌ لاسْمِ الإِشارةِ أو بدلٌ منه، ويجوزُ أن يكونَ "مَنْ ذا" كلُّه بمنزلَةِ اسمٍ واحدٍ تركَّبا كقولِكَ: "ماذا صَنَعْتَ" ونصَّ النحويون على أنَّ حكمَ "مَنْ ذا" حكمُ "ماذا". وهو الأصح، وقد بيّنا ذلك في الآية: 26 البقرة.ويجوزُ أنْ يكونَ "ذا" بمعنى الذي، وفيه حينئذٍ تأويلان، أحدُهما: أنَّ "الذي" الثاني تأكيدٌ له، لأنّه بمعناه، كأنّه قيل: مَنْ الذي الذي يُقْرِضُ؟ والثاني: أنْ يكونَ "الذي" خبرَ مبتدأٍ محذوفٍ، والجملةُ صلةُ "ذا"، تقديرهُ: "مَنْ الذي هو الذي يُقْرِضُ" و"ذا" وصلتُه خبرُ "مَن" الاستفهامية. وهذان الوجهان ضعيفان.وانتصَبَ "قرْضاً" على المصدرِ بحذفِ الزوائدِ، إذ المعنى: إقراضاً كقوله: {أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً} البقرة: 26، وعلى هذا فالمفعولُ الثاني محذوفٌ تقديرُهُ: "يُقْرِض اللَّهَ مالاً وصدقةً"، ولا بدَّ من حذفِ مضافٍ تقديرهُ: يُقْرِضُ عبادَ اللَّهِ المَحاويجَ، لِتعاليه عن ذلك، أو يكونُ على سبيل التجوُّزِ، ويجوزُ أنْ يكونَ بمعنى المفعول نحو: الخَلْق بمعنى المخلوق، وانتصابُهُ حينئذٍ على أنّه مفعولٌ ثانٍ ل "يُقْرِض".وقولُه: {حَسَناً} يجوزُ أنْ يكونَ صِفةً لِ"قرضاً" بالمعنيينِ المذكورين، ويَجوزُ أنْ يَكونَ نعتَ مَصْدَرٍ مَحْذوفٍ، إذْ جَعلْنا "قَرْضاً" بمعنى مفعولٍ، أيْ: إقراضاً حسناً.قوله ـ سبحانَه: {فَيُضَاعِفَهُ} قَرأَ عاصمٌ وابنُ عامرٍ هنا، وفي سورة الحديد بنصبِ الفاءِ، إلاَّ أنَّ ابنَ عامرٍ يُشدِّدُ العينَ مِنْ غيرِ ألِفٍ. والباقون برفعِها، إلاَّ أنَّ ابنَ كثيرٍ يُشَدِّدُ العينَ مِن غيرِ ألفٍ، فالرفعُ من وجهين، أحدُهما: أنَّه عطفٌ على "يُقرِضُ" الصلة. والثاني: أنَّه رَفْعٌ على الاستئنافِ أي: فهو يُضاعِفُهُ، والأولُ أحْسَنُ لِعَدَمِ الإِضمارِ.والنصبُ مِنْ وجهيْنِ، أحدُهما: أنَّه مَنصوبٌ بإضمارٍ "أَنْ" عطفًا على المَصدرِ المَفهومِ مِن "يُقْرِضُ" في المعنى، فيكونُ مصدراً معطوفاً على مصدرٍ تقديرُهُ: مَنْ ذا الذي يكونُ منه إقراضٌ فمضاعفةٌ من اللَّهِ، كقوله: لَلُبْسُ عباءَةٍ وتَقرَّعيني ................... أَحَبُّ إليَّ مِنْ لُبْسِ الشفوفِوالثاني: أنّه نَصبٌ على جوابِ الاستفهامِ في المعنى، لأنَّ الاستفهامِ وإنْ وَقَعَ عن المُقْرِضِ لفظاً فهو عن الإِقراضِ معنىً كأنّه قال: أَيُقرِضُ اللَّهَ أَحَدٌ فيُضاعِفَهُ. ولا يَجوزُ أنْ يَكونَ جَوابَ الاسْتِفهامِ على اللفظِ لأنَّ المُسْتَفْهَمَ عنه في اللفظِ المُقْرِضُ أي الفاعلُ للقرضِ، لا عن القرضِ، أي: الذي هو الفعلُ وقد مَنَعَ بعضُ النحويين النصبَ بعد الفاء في جوابِ الاستفهامِ الواقعِ عن المُسْنَدِ إليه الحُكمُ لا عن الحكمِ، وهو مَحْجوجٌ بهذه الآيةِ وغيرِها، كقوله: "مَنْ يَسْتغفِرُنِي فأغفرَ له، مَنْ يدعوني فأستجيبَ له". بالنَصْبِ فيهما. فإنْ قيلَ: لِمَ لاَ يُعْطَفُ الفعلُ على المصدرِ الذي هو "قرضاً" كما يُعْطَفُ الفعلُ على المَصْدَرِ بإضمار "أَنْ" مثلَ قولِ الشاعر: لَلُبْسُ عباءةٍ وتَقَرَّعَيْني ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .قيل: هذا لا يَصِحُّ لوجهين، أحدُهما: أنَّ "قرضاً" هنا مصدرٌ مؤكِّدٌ، والمصدرُ المُؤَكِّدِ لا يُقَدَّرُ ب "أَنْ" والفعلِ. والثاني: أنَّ عَطْفَهُ عليه يُوجِبُ أن يكونَ معمولاً ل "يُقرِضُ"، ولا يَصِحُّ هذا في المعنى، لأن المضاعفَةَ ليستُ مُقْرِضَةً، وإنّما هي فعلُ اللِّهِ تعالى، وتعليلُه في الوجهِ الأوَّلِ يُؤْذِنُ بأنَّه يَشْتَرِطُ في النَّصْبِ أنْ يُعْطَفَ على مصدرٍ يتقدَّر بـ "أَنْ" والفعلِ، وهذا ليسَ بشرطٍ، بل يَجوزُ ذلك وإنْ كان الاسمُ المعطوفُ عليه غيرَ مصدرٍ كقوله: ولولا رجالٌ من رِزامٍ أَعِزَّةٍ ................ وآلُ سبيعٍ أو أَسُوءَك عَلْقَمافـ "أسوءَك" "منصوبٌ بأنْ عطفاً على "رجالٌ" فالوَجْهُ في مَنْعِ ذلك أنْ يُقال: لو عُطِفَ على "قرضاً" لشاركَهُ في عاملِهِ وهو "يُقْرض" فيصيرُ التقديرُ: مَنْ ذا الذي يُقرِضُ مُضاعفةً، وهذا ليسَ صحيحاً معنًى.وقد تقدَّم أنّه قُرِئَ "يُضاعِفُ" و"يُضَعِّفُ" فقيل: هما بمعنًى، وتكونُ المُفاعلَةُ بمعنى فَعَلَ المُجَرَّد، نحو: عاقَبْت، وقيل: بل هما مختلفان، فقيل: إنَّ المُضعَّفَ للتَكثيرِ. وقيل: إنَّ "يُضَعِّف" لِما جُعِلَ مثلين، و"ضاعَفَه" لِما زيد عليه أكثرُ من ذلك.والقَرْضُ: القَطْعُ، ومنه: "المِقْراضُ" لِما يُقْطَع به، وقيل للقَرْض "قرض" لأنّه قَطْعُ شيءٍ مِنَ المالِ، هذا أصلُ الاشتقاقِ، ثم اختلف أهلُ العلم في "القَرْض" فقيل: هو اسمٌ لكلِّ ما يُلْتَمَسُ الجزاءُ عليه. وقيل: أنْ تُعْطِيَ شيئًا ليرجِعَ إليك مثلُهُ. وقال الزجاج: هو البَلاءُ حَسَناً كان أو سيئاً.قوله: {أَضْعَافاً} فيه ثلاثة أوجهٍ، أظهرُها: أنّه حالٌ من الهاء في "يضاعِفُ" وهل هذه حالٌ مؤكِّدَةٌ أو مبيِّنة، الظاهرُ أنها مُبَيِّنَةٌ، لأنَّها وإنْ كانَتْ من لفظِ العامِلِ، إلاَّ أنَّها اختصَّتْ بوصفِها بشيءٍ آخرَ، فَفُهِمَ منها ما لا يُفْهَمُ من عاملِها، وهذا شأنُ المبيِّنة. والثاني: أنّه مفعولٌ به على تضمين "يضاعِفُ" معنى يُصَيِّر، أي: يُصَيِّره بالمضاعَفَةِ أضْعافاً. والثالث: أنّه منصوبٌ على المصدرِ. قيل: ويجوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ على المصدرِ باعتبار أَنْ يُطْلَقَ الضِّعْفُ ـ وهو المضاعَفُ أو المضعَّفُ ـ بمعنى المُضاعَفَة أو التضعيف، كما أُطلِقَ العَطاء وهو اسمُ المُعْطَى بمعنى الإِعطاء. وجُمِعَ لاختلافِ جهاتِ التضعيفِ باعتبارِ اختلاف الأشخاصِ واختلاف المُقْرِضِ واختلافِ أنواعِ الجزاء. والأَضْعافُ جمع "ضِعْف"، والضِّعْفُ مثل قَدْرَيْنِ متساويين. وقيل: مثلُ الشيء في المِقْدَارِ. ويقال: ضِعْفُ الشيء: مثلُهُ ثلاثَ مرات، إلاَّ أنه إذا قيل "ضعفان" فقد يُطْلَقُ على الاثنين المِثْلَيْنِ في القَدْرِ من حيث إنَّ كلَّ واحدٍ يُضَعِّفُ الآخرَ، كما يقال زَوْجان، من حيث إنَّ كلاً منهما زوجٌ للآخر.وقرأ أبو عَمْرٍو وابنُ عامرٍ وحمزة وحفص وقُنْبُل "وَيَبْسُطُ" بالسين على الأصلِ، والباقون بالصادِ لأجل الطاء. وقد تقدَّم تحقيقُه في "الصراط"، سورة الفاتحة. | |
|