عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية:31 السبت سبتمبر 15, 2012 2:47 pm | |
| وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) "عَلَّمَ" معناهُ عَرَّفَ. وَتَعْلِيمُهُ هُنَا إِلْهَامُ عِلْمِهِ ضَرُورَةً. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِوَسِاطَةِ مَلَكٍ وَهُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السلام على ما يأتي. قَالَ عُلَمَاءُ الصُّوفِيَّةِ: عَلِمَهَا بِتَعْلِيمِ الْحَقِّ إِيَّاهُ وَحَفِظَهَا بِحِفْظِهِ عَلَيْهِ وَنَسِيَ مَا عُهِدَ إِلَيْهِ، لِأَنْ وَكَلَهُ فِيهِ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: {وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} طه: 115. وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: لَوْ لَمْ يَكْشِفْ لِآدَمَ عِلْمَ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ لَكَانَ أَعْجَزَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهَا. وَهَذَا وَاضِحٌ. وَآدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُكَنَّى أَبَا الْبَشَرِ. وَقِيلَ: أَبَا مُحَمَّدٍ، كُنِّيَ بِمُحَمَّدٍ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ. وَقِيلَ: كُنْيَتُهُ فِي الْجَنَّةِ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَفِي الْأَرْضِ أَبُو الْبَشَرِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ إِنْسَانًا لِأَنَّهُ نَسِيَ، ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ. وَرَوَىالسُّدِّيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قِصَّةِ خَلْقِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الْأَرْضِ لِيَأْتِيَهُ بِطِينٍ مِنْهَا، فَقَالَتِ الْأَرْضُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ أَنْ تُنْقِصَ مِنِّي أَوْ تُشِينَنِي، فَرَجَعَ وَلَمْ يَأْخُذْ وَقَالَ: يَا رَبِّ إنَّها عاذت بك فأعذتُها. فبعث مِكاييل فَعَاذَتْ مِنْهُ فَأَعَاذَهَا، فَرَجَعَ فَقَالَ كَمَا قَالَ جِبْرِيلُ، فَبَعَثَ مَلَكَ الْمَوْتِ فَعَاذَتْ مِنْهُ فَقَالَ: وَأَنَا أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَرْجِعَ وَلَمْ أُنَفِّذْ أَمْرَهُ. فَأَخَذَ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ وَخَلَطَ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَأَخَذَ مِنْ تُرْبَةٍ حَمْرَاءَ وَبَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ، فَلِذَلِكَ خَرَجَ بَنُو آدَمَ مُخْتَلِفِينَ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ آدَمَ لِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ فَصَعَدَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: (أَمَا رَحِمْتَ الْأَرْضَ حِينَ تَضَرَّعَتْ إِلَيْكَ) فَقَالَ: رَأَيْتُ أَمْرَكَ أَوْجَبَ مِنْ قَوْلِهَا. فَقَالَ: (أنت تصلح لقبض أرواح ولده) فجبل التُّرَابَ حَتَّى عَادَ طِينًا لَازِبًا، اللَّازِبُ: هُوَ الَّذِي يَلْتَصِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، ثُمَّ تُرِكَ حَتَّى أَنْتَنَ، فَذَلِكَ حَيْثُ يَقُولُ: "مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ" الحجر: 26. قَالَ: مُنْتِنٌ. ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: {إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ}. ص: 72 - 71. فَخَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ لِكَيْلَا يَتَكَبَّرَ إِبْلِيسُ عَنْهُ. يَقُولُ: أَتَتَكَبَّرُ عَمَّا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وَلَمْ أَتَكَبَّرْ أَنَا عَنْهُ! فَخَلَقَهُ بَشَرًا فَكَانَ جَسَدًا مِنْ طِينٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَمَرَّتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ فَفَزِعُوا مِنْهُ لَمَّا رَأَوْهُ وَكَانَ أَشَدَّهُمْ مِنْهُ فَزَعًا إِبْلِيسُ فَكَانَ يَمُرُّ بِهِ فَيَضْرِبُهُ فَيُصَوِّتُ الْجَسَدُ كَمَا يُصَوِّتُ الْفَخَّارُ تَكُونُ لَهُ صَلْصَلَةٌ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: {مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ} الرحمن: 14. وَيَقُولُ لِأَمْرٍ مَّا خُلِقْتَ!. وَدَخَلَ مِنْ فَمِهِ وَخَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ، فَقَالَ إِبْلِيسُ لِلْمَلَائِكَةِ: لَا تَرهَبوا من هذا فإنّه أَجوفٌ ولئن سُلِّطْتُ عَلَيْهِ لَأُهْلِكَنَّهُ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ يَقُولُ: أَرَأَيْتُمْ هَذَا الَّذِي لَمْ تَرَوْا مِنَ الْخَلَائِقِ يُشْبِهُهُ إِنْ فُضِّلَ عَلَيْكُمْ وَأُمِرْتُمْ بِطَاعَتِهِ مَا أَنْتُمْ فَاعِلُونَ! قَالُوا: نُطِيعُ أَمْرَ رَبِّنَا فَأَسَرَّ إِبْلِيسُ فِي نفسه لئن فُضِّلَ عليَّ فلا أُطيعُه، ولئن فُضِّلْتُ عَلَيْهِ لَأُهْلِكَنَّهُ، فَلَمَّا بَلَغَ الْحِينَ الَّذِي أريد أن ينفخ فيه، قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: إِذَا نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَاسْجُدُوا لَهُ، فَلَمَّا نَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ فَدَخَلَ الرُّوحُ فِي رَأْسِهِ عَطَسَ، فَقَالَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ: رَحِمَكَ رَبُّكَ، فَلَمَّا دَخَلَ الرُّوحُ فِي عَيْنَيْهِ نَظَرَ إِلَى ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا دَخَلَ فِي جَوْفِهِ اشْتَهَى الطَّعَامَ فَوَثَبَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الرُّوحُ رِجْلَيْهِ عَجْلَانَ إِلَى ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: {خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ} الأنبياء: 37. {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ}. الحُجُر: 31 – 30. وَذَكَرَ الْقِصَّةَ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ فَجَاءَ مِنْهُمُ الْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ)). قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. أديم: جَمْعُ أَدَمٍ، قَالَ الشَّاعِرُ:النَّاسُ أَخْيَافٌ وَشَتَّى فِي الشِّيَمْ ............ وَكُلُّهُمْ يَجْمَعُهُمْ وَجْهُ الْأَدَمْالأخيافُ: المختلفون في الأخلاق والأشكال.وقولُه "الأسماء" يقتضي الاستغراقَ، واقتِرانُ قولِه ـ سبحانَه ـ بـ "كُلّها" يُوجِبُ الشُمولَ والتحقيقَ، وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((وَيَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ أَنْتَ أَبُو النَّاسِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وأسْجَدَ لك ملائكتَه وعلّمَكَ أسماءَ كلِّ شيءٍ)). الْحَدِيثَ. وفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللُّغَةَ مَأْخُوذَةٌ تَوْقِيفًا، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّمَهَا آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا. رُوِيَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ مِنْ وَجْهٍ حَسَنٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ الَّذِي أَلْقَاهَا عَلَى لِسَانِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَلْقَاهَا نُوحٌ عَلَى لِسَانِ ابْنِهِ سَامٍ، وَرَوَاهُ ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ كَعْبٍ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((أَوَّلُ مَنْ فُتِقَ لِسَانُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ الْمُبِينَةِ إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ)). وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ، والصحيح أنَّ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِاللُّغَاتِ كُلِّهَا مِنَ الْبَشَرِ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْقُرْآنُ يَشْهَدُ لَهُ قَالَ الله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها} وَاللُّغَاتُ كُلُّهَا أَسْمَاءٌ فَهِيَ دَاخِلَةٌ تَحْتَهُ وَبِهَذَا جَاءَتِ السُّنَّةُ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها حَتَّى الْقَصْعَةَ وَالْقُصَيْعَةَ}) وَمَا ذَكَرُوهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَكَذَلِكَ إِنْ صَحَّ مَا سِوَاهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ مِنْ قَبِيلَتِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَلِكَ جِبْرِيلُ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَأَلْقَاهَا عَلَى لِسَانِ نُوحٍ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَهَا اللَّهُ آدَمَ أَوْ جِبْرِيلَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رُوِيَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ لَفْظُ "كُلَّها" إِذْ هُوَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِلْإِحَاطَةِ وَالْعُمُومِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((وَيَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ أَنْتَ أَبُو النَّاسِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وأَسْجَدَ لك ملائكتَه وعلَّمَكَ أَسْماءَ كلِّ شيءٍ)) الْحَدِيثَ. وَرَوَى شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: عُلِّمَ آدَمُ مِنَ الْأَسْمَاءِ أَسْمَاءِ خَلْقِهِ ما لم يعلم الملائكة، وسُمّيَ كلُّ شيءٍ باسْمِه وأنحى (صَرَفَ) منفعةَ كلِّ شيءٍ إِلَى جِنْسِهِ. وَهَذَا أَحْسَنُ مَا رُوِيَ فِي هَذَا. وَالْمَعْنَى عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ الْأَجْنَاسِ وَعَرَّفَهُ مَنَافِعَهَا، هَذَا كَذَا، وَهُوَ يَصْلُحُ لِكَذَا. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ الْمَلَائِكَةِ وَذُرِّيَّتِهِ، وَاخْتَارَ هَذَا وَرَجَّحَهُ بِقَوْلِهِ: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ}. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ ذُرِّيَّتِهِ، كُلِّهِمْ. وقال الربيعُ ابنُ خثيم: أسماءَ الملائكة خاصة. وقال القتبي: أَسْمَاءَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ. وَقِيلَ: أَسْمَاءَ الْأَجْنَاسِ وَالْأَنْوَاعِ. والْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا وَلِمَا نُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى. وكما عَلَّمَه أَسماءَ المخلوقاتِ كلّها ـ على ما ذَكَرَ ابنُ عبّاس، وقال غيرُه ـ علَّمه أسماءَ الحقِّ ـ سبحانَه ـ، ولكن إنّما أَظهَرَ لهم محلَّ تَخَصُّصِهِ في عِلْمِهِ أَسماءَ المخلوقات، وبذلك المِقدارِ بان رَجَحانُه عليهم، فأمّا انْفِرادُه بمعرفةِ أسمائه ـ سبحانَه ـ فذلك سِرٌّ لم يَطَّلِعْ عليه مَلَكٌ مُقَرَّب. ومَن ليس لَهُ رُتبةُ مُساواةِ آدمَ في معرفةِ أسماءِ المَخلوقات فأيُّ طَمَعٍ في مُداناتِه في أَسماءِ الحَقِّ، ووقوفِهِ على أسرارِ الغيب؟ ويَصِحُّ حملُ الأسماء على خَوَاصِّ الأشياءِ ومَنافِعِها، فإن الخَوَاصَّ والمَنافِعَ علاماتٌ على ما تتعلَّقُ به من الحقائق.وإذا كان التخصيصُ بمعرفةِ أسماءِ المخلوقات يقتضى أنْ يَصِحَّ "به سجود الملائكة"، فما الظنُّ بالتخصيصِ بمعرفةِ أَسماءِ الحقِّ ـ سبحانَه؟ ما الذي يُوجَبُ لِمَنْ أُكْرِمَ بِهِ؟ويُقالُ خُصوصيَّةُ الملائكةِ بالتَسبيحِ والتقديسِ، وهذه طاعاتٌ تَليقُ بالمَخلوقين؛ فإنَّ الطاعةَ سِمَةُ العبيدِ ولا تَتعدّاهم، والعِلْمُ في الجُمْلةِ صِفةُ مَدْحٍ يَجبُ في نَعْتِ الحَقِّ ـ سبحانه ـ واجبًا لا يَصِحُّ لِغيرِه، فالذي يُكْرِمهُ بما يَتَّصِفُ به هو ـ سبحانه ـ بَيانُه وإنْ كان للمُساواةِ أَتَمُّ مِن الكِرامِ بِما يَكون مَخلوقاً على جِنْسِ المخلوقات. فآدمُ عليه السلامُ ـ ومَنْ شاءَ اللهُ تكريمَه مِن ذُرِّيَّةَ آدم ـ هو المُؤهّلُ لمعرفة الله تباركت أسماؤه. {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسمآء كُلَّهَا} فَرَّقَ أهلُ العلمِ بين "عَلِم" العُرْفانيةِ واليقينيةِ في التَعدِيَةِ ، فإذا أرادوا أن يُعَدُّوا العرفانيةَ عَدَّوْها بالتضعيف، وإذا أرادوا أن يُعَدُّوا اليَقينيَّةَ عَدَّوْها بالهمزةِ، وفاعلُ "عَلَّم" يعودُ على الباري تعالى. و"آدمَ" مفعولُه .وفيه ستةُ أقوال، أرجحُها أنه اسمٌ أعجميٌّ غيرُ مشتقٍّ، ووزنُه فاعَل كنظائِره نحو: آزَرَ وشالَحَ ، وإنّما مُنِعَ مِن الصَرْفِ للعَلَمِيَّة والعُجْمَةِ الشخصِيّةِ، الثاني: أنّه مشتقٌّ من الأُدْمَة، وهي حُمْرَةٌ تميلُ إلى السوادِ، الثالث: أنّه مُشتقٌّ من أَديمِ الأرض، وهو أوجَهُها. ومُنِعَ من الصَّرْف على هذين القولين للوزنِ والعَلَمِيَّةِ. الرابعُ: أنّه مشتقٌّ من أديمِ الأرضِ أيضاً على هذا الوزنِ، أَعني وزنَ فاعَلٍ وهذا خطأ، لأنّه كان ينبغي أن يَنْصَرِفَ. الخامس: أنّهُ عِبْرِيٌّ من الإِدام وهو الترابُ. كما أنَّ "حوّاءَ" كلمةٌ عِبرانيّة معناها "حَيّ" وسُمِّيتْ بذلك لأنّها تكون أُمَّ الأحياءِ. السادس: إنَّه في الأصلِ فِعْلٌ رباعي مثل: أَكْرَم، وسُمِّي بِه لِغَرَضِ إظْهارِ الشيءِ حتّى تُعْرَفَ جِهتُه، والحاصلُ أنَّ ادِّعاءَ الاشتقاقِ فيه بعيدٌ ، لأنَّ الأسماءَ الأعجميَّةَ لا يَدْخُلُها اشتقاقٌ ولا تصريفٌ، وآدمُ وإن كانَ مفعولاً لفظاً فهو فاعِلٌ معنى، و"الأسماءَ" مفعولٌ ثانٍ، والمسألةُ من باب أعطى وكسا.وقُرئ: "عُلِّم" مبنياً للمفعول، و"آدمُ" رفعًا لقيامهِ مَقامَ الفاعلِ. و"كلَّها" تأكيدٌ للأسماء تابعٌ أبداً، وقد يلي العواملَ كما تقدَّم . و"الأسماءَ كلَّها" الظاهرُ أنّه لا يَحْتَاج إلى ادِّعاءِ حَذْفٍ، لأنَّ المعنى: وَعلَّم آدَمَ الأسماءَ ولم يُبَيِّنْ لنا أسماءً مخصوصةً، بل دَلَّ كلُّها على الشمولِ، والحكمةُ حاصلةٌ بتعلُّمِ الأسماءِ، وإنْ لم يَعْلَمْ مُسَمَّياتِها، أو يكونُ أَطْلَقَ الأسماءَ وأراد المسميَّات، فعلى هذين الوجهين لا حَذْفَ. وقيل: لا بدَّ من حذفٍ واختلفوا فيه، فقيل: تقديرُه: أسماءَ المسمَّيات، فَحُذِفَ المضافُ إليه للعلم. وعُوِّضَ منه اللامُ، ورُجِّح هذا القول بقولِه تعالى: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤلاء ... فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ} ولم يَقُل: أنبئوني بهؤلاءِ فلمَّا أنبأهم بهم. وقيل: تقديرُه مُسَمَّياتِ الأسماء، فَحُذِف المضافُ، وأُقيمَ المضافُ إليه مُقامَه، ورُجِّح هذا القولُ بقولِه تعالى: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ} لأنّ الأسماءَ لا تُجْمَع كذلك إذ كان المقتضى أن يقال "عَرَضَها"، فدلَّ عَوْدَه على المسميَّاتِ.ونحوُ هذه الآيةِ قولُه تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ} تقديرُه: أو كذي ظُلُمات، فالهاءُ في "يَغْشَاه" تعودُ على "ذي" المحذوفِ.قوله: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة} "ثم" حرفٌ للتَراخي كما تقدَّم، والضميرُ في "عَرَضَهُمْ" للمُسمِّياتِ المُقَدَّرَةِ أو لإِطلاقِ الأسماءِ وإرادةِ المُسَمَّيات، كما تقدَّم أيضاً. وقيل: يعودُ على الأسماءِ، ونُقِل عن ابنِ عبّاس، ويؤيِّدهُ قراءةُ مَنْ قرأ: "عَرَضَها وعَرَضَهُنَّ" إلّا أنَّ في هذا القول جَعْلَ ضميرِ غيرِ العُقلاءِ كضميرِ العُقلاءِ، أو نقولُ: إنّما قال ابنُ عبّاسٍ ذلك بناءً مِنه أنَّه أَطلقَ الأسماءَ وأَرادَ المُسمَّياتِ، كما تقدَّم وهو واضحٌ. و"على الملائكة" متعلِّقٌ بـ "عرضهم".قوله: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤلاء} الإِنباءُ: الإِخبارُ، وأَصلُ "أنبأ" أن يتعدَّى لاثنين ثانيهما بحرفِ الجَرِّ كهذه الآية، وقد يُحْذَفُ الحرفُ، قال تعالى: {مَنْ أَنبَأَكَ هذا} أي: بهذا وقد يتضمَّن معنى "أَعْلَمَ" اليقينية، فيتعدَّى تعديتَهَا إلى ثلاثةِ مفاعيل، ومثلُ أنبأ: نَبَّأ وأخبر، وخبَّرَ وحدَّثَ. و"هؤلاء" في محلِّ خفضٍ بالإِضافة وهو اسمُ إشارة ورتبتُه دنيا، ويُمَدُّ ويُقْصَرُ، كقولِ الأعشى: هَؤُلا ثُمَّ هَؤُلا كُلاًّ أعطَيْـ ....................... ـتَ نِعالاً مَحْذُوَّة بمِثالِوالمشهورُ بناؤُه على الكسرِ، وقد يُضَمُّ وقد يُنَوَّنُ مكسوراً، وقد تُبْدَلُ همزتُه هاءً، فتقولُ: هَؤُلاهِ ، وقد يقال: هَوْلا، كقوله: تجلَّدْ لا يَقُلْ هَوْلا هَذَا ................... بكَى لَمَّا بكى أَسَفا عليكماولامُه عند الفارسي همزةٌ فتكونُ فاؤُه ولامُه من مادةٍ واحدةٍ، وعند المبرِّد أصلُها ياءٌ وإنما قُلِبَتْ همزةً لتطرُّفها بعد الألفِ الزائدة.قولُه: {إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} قد تقدَّم نظيرُه، وجوابُه محذوف أي: إنْ كنتمْ صادقين فأنبئوني.قولُه:{وعلَّمَ آدمَ الأسماءَ كلَّها} من التعليمِ وهو التعريفُ بالشيءِ. وقد تقدم الكلام أعلاه على نظيرتها.{ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة} عَرْضُ الشيءِ: إظهارُه وإبانَتُه والضميرُ في {عَرَضَهُمْ} يعود على المُسَمَّيات، وهي مفهومة من قوله: {الأسماء كُلَّهَا} إذِ الأسماءُ لابُدَّ لها مِن مُسَمَّياتٍ، فإذا أجرى الحديث عن الأسماء حَضَرَ في ذِهنِ السامعِ ما هُو لازمٌ لها، أعني المسمَّيات. ودَلَّ على المُسَمَّياتِ بضميرِ جمعِ الذُّكورِ العُقَلاءِ فقال: "عَرَضَهُمْ" ولم يَقلْ عَرَضَها، لأنَّ في جُملةِ هذه المُسَمَّيات أنواعاً من العقلاء ومن الأساليب المعروفة بين فصحاءِ العَرَبِ تَغليبُ الكامِلِ على الناقص، فإذا اشتركا في نحو الجمع أو التثنية أتى بالجمعِ أو التَثنية على ما يُطْلِقُ حالَ الكاملِ منهما.والأمر في قوله: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤلاء}، ليس من قَبيلِ الأَوامِرِ التي يُقصَدُ بها التَكليفُ، أي: طلبُ الإِتيان بالمَأمورِ بِهِ، وإنَّما هو واردٌ على جِهةِ إفْحامِ المُخَاطَبِ بالحُجَّةِ. والمعنى: أنّ اللهَ ـ تعالى ـ ألهَمَ آدمَ معرفةَ ذواتِ الأشياءِ التي خَلَقها، ومَعرفةَ أسمائها ومنافعِها، ثمَّ عَرَضَ هذه المُسَمَّياتَ على الملائكةِ. وقال لهم: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤلاء إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. على سبيل التعجيز. وكأنه يقول لهم: لا يَختلجْ في خواطركم أنّى لا أَخلُق خَلْقاً إلّا وأنتُم أَعْلَمُ منه وأفضلُ.وفي هذه الآيات العبرة لمن اعتبر والذكرى لمن اذّكر، والبيان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، عمّا أَودَعَ اللهُ في هذا القرآن من لطائفِ الحِكَمِ التي تَعْجَزُ عن أوصافِها الأَلْسُنُ، وذلك أنّ اللهَ تعالى احْتَجَّ فيها لنبيه صلى الله عليه وسلم على مَنْ كان بيْن ظَهرانِيهِ مِنْ يَهودِ بَني إسرائيلَ، بإطلاعِهِ على ما لم يُطْلِعْ عليه مِنْ علومِ الغيبِ، إلّا مَنْ كان من خاصَّةِ خَلْقِهِ ـ جلَّ شأنُه ـ وما كان عِلْمُهُ ـ سبحانَه ـ لِيُدْرَكَ إلّا بالإِنْباءِ والإِخْبارِ لِيُقَرِّرَ عندهم صِدْقَ نُبُوَّتِه، ولِيَعْلَموا أَنَّ ما أَتاهم بِهِ إنَّما هو مِنْ عِنْدِ الله. | |
|