روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 253

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 253 Jb12915568671



فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 253 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 253   فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 253 I_icon_minitimeالأحد سبتمبر 30, 2012 6:25 pm

فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ


موسوعة قرآنية


تفسير ـ أسبابنزول ـ قراءات ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة




اختيار وتأليف :


الشاعر: عبد القادر الأسود


المجلد الثالث





تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ


(253)


جمعتهم الرسالةُ ولكنْ تَباينوا في خَصائصِ التَفضيلِ، لِكُلِّ
واحدٍ منهم أنوارٌ، ولأنوارهم مطارحٌ، فمنهم مَن هو أعلى نورًا، وأتمُّ مِن الرِفعَةِ
وُفوراً. فلم تَكنْ فضائلُهم استحقاقَهم على أَفعالِهم وأحوالِهم، بل حُكْمٌ بالحُسْنى
أَدْرَكَهم، وعاقبةٌ بالجَميلِ تَدارَكَتْهم.



قَوْلُهُ تَعَالَى: {تِلْكَ
الرُّسُلُ
} قَالَ: "تِلْكَ"
وَلَمْ يَقُلْ: ذَلِكَ مُرَاعَاةً لِتَأْنِيثِ لَفْظِ الْجَمَاعَةِ. وَهَذِهِ
آيَةٌ مُشْكِلَةٌ وَالْأَحَادِيثُ ثَابِتَةٌ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ)). وَ((لَا
تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ)). رَوَاهَا الْأَئِمَّةُ الثِّقَاتُ،
أَيْ لَا تَقُولُوا: فُلَانٌ خَيْرٌ مِنْ فُلَانٍ، وَلَا فُلَانٌ أَفْضَلُ مِنْ
فُلَانٍ. يُقَالُ: خَيَّرَ فُلَانٌ بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَفَضَّلَ،
(مُشَدَّدًا) إِذَا قَالَ
ذَلِكَ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْمَعْنَى، فَقَالَ
قَوْمٌ: إِنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ بِالتَّفْضِيلِ، وَقَبْلَ
أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ نَاسِخٌ
لِلْمَنْعِ مِنَ التَّفْضِيلِ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: إِنَّمَا أَرَادَ
بِقَوْلِهِ: ((أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، لِأَنَّهُ
الشَّافِعُ يَوْمَئِذٍ وَلَهُ لِوَاءُ الْحَمْدِ وَالْحَوْضُ، وَأَرَادَ
بِقَوْلِهِ: ((لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى))، عَلَى طَرِيقِ التَّوَاضُعِ،
كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه في خطبته يوم بويع بالخلافة: وُلِّيتُكُمْ
وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ. وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ((لَا يَقُلْ أَحَدٌ أَنَا
خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى))، عَلَى مَعْنَى التَّوَاضُعِ. وَفِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ} مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْهُ، لِأَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى يَقُولُ: وَلَا تَكُنْ مِثْلَهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ((لَا
تُفَضِّلُونِي عَلَيْهِ)) مِنْ طَرِيقِ التَّوَاضُعِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ لَا
تُفَضِّلُونِي عَلَيْهِ فِي الْعَمَلِ فَلَعَلَّهُ أَفْضَلُ عَمَلًا مِنِّي، وَلَا
فِي الْبَلْوَى وَالِامْتِحَانِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ مِحْنَةً مِنِّي. وَلَيْسَ مَا
أَعْطَاهُ اللَّهُ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ من
السؤدَدِ وَالْفَضْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ
وَالرُّسُلِ بِعَمَلِهِ بَلْ بِتَفْضِيلِ اللَّهِ إِيَّاهُ وَاخْتِصَاصِهِ لَهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا نَهَى عَنِ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ
الْخَوْضَ فِي ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إِلَى الْجِدَالِ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ
يَذْكُرَ مِنْهُمْ مَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ وَيَقِلَّ احْتِرَامُهُمْ
عِنْدَ الْمُمَارَاةِ. فَلَا يُقَالُ: النَّبِيُّ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ
كُلِّهِمْ وَلَا مِنْ فُلَانٍ وَلَا خَيْرٌ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ النَّهْيِ لِمَا
يُتَوَهَّمُ مِنَ النقصِ في المفضول، لأنّ النهيَ اقتضى منه إِطْلَاقِ اللَّفْظِ
لَا مَنْعَ اعْتِقَادِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ
بِأَنَّ الرُّسُلَ مُتَفَاضِلُونَ، فَلَا تَقُولُ: نَبِيُّنَا خَيْرٌ مِنَ
الْأَنْبِيَاءِ وَلَا مِنْ فُلَانٍ النَّبِيِّ اجْتِنَابًا لِمَا نُهِيَ عَنْهُ
وَتَأَدُّبًا بِهِ وَعَمَلًا بِاعْتِقَادِ مَا تَضَمَّنَهُ الْقُرْآنُ مِنَ
التَّفْضِيلِ، وَاللَّهُ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ عَلِيمٌ. وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا
قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَنْعَ مِنَ التَّفْضِيلِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ
النُّبُوَّةِ الَّتِي هِيَ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَفَاضُلَ فِيهَا، وَإِنَّمَا
التَّفْضِيلُ فِي زِيَادَةِ الْأَحْوَالِ وَالْخُصُوصِ وَالْكَرَامَاتِ
وَالْأَلْطَافِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْمُتَبَايِنَاتِ، وَأَمَّا النُّبُوَّةُ فِي
نَفْسِهَا فَلَا تَتَفَاضَلُ وَإِنَّمَا تَتَفَاضَلُ بِأُمُورٍ أُخَرَ زَائِدَةٍ
عَلَيْهَا، وَلِذَلِكَ مِنْهُمْ رُسُلٌ وَأُولُو عَزْمٍ، وَمِنْهُمْ مَنِ اتُّخِذَ
خَلِيلًا، وَمِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ الله
وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ، قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى:" وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا
داوُدَ زَبُوراً. وَقَالَ: "تِلْكَ
الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ
". وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ،
فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْآيِ وَالْأَحَادِيثِ مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ، وَالْقَوْلُ
بِتَفْضِيلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ إِنَّمَا هُوَ بِمَا مُنِحَ مِنَ
الْفَضَائِلِ وَأُعْطِيَ مِنَ الْوَسَائِلِ، وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى
هَذَا فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ فَضَّلَ مُحَمَّدًا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَعَلَى
أَهْلِ السَّمَاءِ، فَقَالُوا: بِمَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَضَّلَهُ عَلَى أَهْلِ
السَّمَاءِ؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ
إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي
الظَّالِمِينَ}. وَقَالَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّا
فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ}. قَالُوا: فَمَا فَضْلُهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ
لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ}. فَأَرْسَلَهُ
إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ. ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ فِي
مُسْنَدِهِ. وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: خَيْرُ بَنِي آدَمَ نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ
وَمُوسَى وَمُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَهُمْ أُولُو
الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، وَهَذَا نَصٌّ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ
فِي التَّعْيِينِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ أُرْسِلَ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَمْ
يُرْسَلْ، فَإِنَّ مَنْ أُرْسِلَ فُضِّلَ عَلَى غَيْرِهِ بِالرِّسَالَةِ
وَاسْتَوَوْا فِي النُّبُوَّةِ إِلَى مَا يَلْقَاهُ الرُّسُلُ مِنْ تَكْذِيبِ
أُمَمِهِمْ وَقَتْلِهِمْ إِيَّاهُمْ، وَهَذَا مِمَّا لَا خَفَاءَ فِيهِ، إِلَّا
أَنَّ ابْنَ عَطِيَّةَ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الْحَقِّ قَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ
يَقْتَضِي التَّفْضِيلَ، وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ دُونَ تَعْيِينِ أَحَدٍ
مَفْضُولٍ، وَكَذَلِكَ هِيَ الْأَحَادِيثُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا
أَخْبَرَ أَنَّهُ فَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ جَعَلَ يُبَيِّنُ بَعْضَ
الْمُتَفَاضِلِينَ وَيَذْكُرُ الْأَحْوَالَ الَّتِي فُضِّلُوا بِهَا فَقَالَ: {مِنْهُمْ
مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ
مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ} وَقَالَ: {وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً} وَقَالَ تَعَالَى: {وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ}، و{وَلَقَدْ آتَيْنا
مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ} وَقَالَ
تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً} وَقَالَ: {وَإِذْ
أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} فَعَمَّ ثُمَّ
خَصَّ وَبَدَأَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ. وصرّحَ
ـ سبحانه ـ بالبَعضِ بقوله ـ تعالى: "ورفع بعضهم درجات". وأرادَ محمّدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ففي
هذا الإِبهامِ مِنْ تَفخيمِ فضلِه، وإعلاءِ قَدْرِهِ ما لا يَخفى. وَهَكَذَا
الْقَوْلُ فِي الصَّحَابَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، اشْتَرَكُوا فِي
الصُّحْبَةِ ثُمَّ تَبَايَنُوا فِي الْفَضَائِلِ بِمَا مَنَحَهُمُ اللَّهُ مِنَ
الْمَوَاهِبِ وَالْوَسَائِلِ، فَهُمْ مُتَفَاضِلُونَ بِتِلْكَ مَعَ أَنَّ الْكُلَّ
شَمَلَتْهُمُ الصُّحْبَةُ وَالْعَدَالَةُ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ، وَحَسْبُكَ
بِقَوْلِهِ الْحَقِّ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ
عَلَى الْكُفَّارِ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَقَالَ: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ
التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها} ثُمَّ قَالَ: {لَا يَسْتَوِي
مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ} وَقَالَ: {لَقَدْ رَضِيَ
اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} فَعَمَّ
وَخَصَّ، وَنَفَى عَنْهُمُ



الشَّيْنَ
وَالنَّقْصَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَنَفَعَنَا بِحُبِّهِمْ
آمِينَ.



قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنْهُمْ
مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ
} الْمُكَلَّمُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَدْ
سُئِلَ رسوله اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ آدَمَ أَنَبِيٌّ
مُرْسَلٌ هُوَ؟ فَقَالَ: {نَعَمْ نَبِيٌّ مُكَلَّمٌ}. وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُ
النَّاسِ أَنَّ تَكْلِيمَ آدَمَ كَانَ فِي الْجَنَّةِ، فَعَلَى هَذَا تَبْقَى
خَاصِّيَّةُ مُوسَى. وَحُذِفَتِ الْهَاءُ لِطُولِ الِاسْمِ، وَالْمَعْنَى مَنْ
كَلَّمَهُ اللَّهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ} بَعْضَهُمْ هُنَا عَلَى قَوْلِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَمُجَاهِدٍ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بُعِثْتُ إِلَى
الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا
وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شهر وأُحِلَّتْ ليَ الغنائمُ وأُعطيتُ
الشَّفَاعَةَ)). وَمِنْ
ذَلِكَ الْقُرْآنُ وَانْشِقَاقُ الْقَمَرِ وَتَكْلِيمُهُ الشَّجَرَ وَإِطْعَامُهُ
الطَّعَامَ خَلْقًا عَظِيمًا مِنْ تُمَيْرَاتٍ وَدُرُورِ شَاةِ أُمِّ مَعْبَدٍ
بَعْدَ جَفَافٍ. وَهُوَ أَعْظَمُ النَّاسِ أُمَّةً وَخُتِمَ بِهِ النَّبِيُّونَ
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْخُلُقِ الْعَظِيمِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ.
وَيَحْتَمِلُ اللَّفْظُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ عَظُمَتْ آيَاتُهُ، وَيَكُونُ الْكَلَامُ
تَأْكِيدًا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ رَفْعَ إِدْرِيسَ الْمَكَانَ
الْعَلِيَّ، وَمَرَاتِبُ الْأَنْبِيَاءِ فِي السَّمَاءِ كَمَا فِي حَدِيثِ
الْإِسْرَاءِ، وَسَيَأْتِي. وَبَيِّنَاتُ عِيسَى هِيَ إِحْيَاءُ الْمَوْتَى
وَإِبْرَاءُ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَخَلْقُ الطَّيْرِ مِنَ الطِّينِ كَمَا
نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّنْزِيلِ.



قولُه تبارك وتعالى: {وَأَيَّدْناهُ
بِرُوحِ الْقُدُسِ
} قَوَّيْنَاهُ بجِبْرِيلَ عَلَيْهِ



السَّلَامُ،
وَقَدْ تَقَدَّمَ.



قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ
شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ
} أَيْ مِنْ بَعْدِ الرُّسُلِ.
وَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِمُوسَى وَعِيسَى، وَالِاثْنَانِ جَمْعٌ. وَقِيلَ: مِنْ
بَعْدِ جَمِيعِ الرُّسُلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْقِتَالَ
إِنَّمَا وَقَعَ مِنَ الَّذِينَ جَاءُوا بَعْدَهُمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَعْنَى،
بَلِ الْمُرَادُ مَا اقْتَتَلَ النَّاسُ بَعْدَ كُلِّ نَبِيٍّ، وَهَذَا كَمَا
تَقُولُ: اشْتَرَيْتُ خَيْلًا ثُمَّ بِعْتُهَا، فَجَائِزٌ لَكَ هَذِهِ
الْعِبَارَةُ وَأَنْتَ إِنَّمَا اشْتَرَيْتَ فَرَسًا وَبِعْتَهُ ثُمَّ آخَرَ
وَبِعْتَهُ ثُمَّ آخَرَ وَبِعْتَهُ، وَكَذَلِكَ هَذِهِ النَّوَازِلُ إِنَّمَا
اخْتَلَفَ النَّاسُ بَعْدَ كُلِّ نَبِيٍّ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ
كَفَرَ بَغْيًا وَحَسَدًا وَعَلَى حُطَامِ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِقَضَاءٍ
وَقَدَرٍ وَإِرَادَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ شَاءَ خِلَافَ ذَلِكَ لَكَانَ
وَلَكِنَّهُ الْمُسْتَأْثِرُ بِسِرِّ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ لِمَا
يُرِيدُ. وَكُسِرَتِ النُّونُ مِنْ {وَلكِنِ اخْتَلَفُوا} لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَيَجُوزُ
حَذْفُهَا فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:



فَلَسْتُ بِآتِيهِ وَلَا أَسْتَطِيعُهُ .........
وَلَاكِ اسْقِنِي إِنْ كَانَ مَاؤُكَ ذَا فَضْلِ



قوله تعالى: {فَضَّلْنَا
بَعْضَهُمْ
} يجوزُ أن يكونَ حالاً من المشارِ إليه، والعاملُ معنى
الإِشارةِ كما تقدَّم، ويجوزُ أن يكونَ مستأنفاً، ويجوزُ أن يكونَ خبَرَ "تلك" على أن يكونَ "الرسلُ" نعتاً لـ "تلك" أو عطفَ بيانٍ أو
بدلاً.



قوله: {مِّنْهُمْ مَّن
كَلَّمَ الله
} هذه الجملةُ تحتملُ وجهين، أحدهما: أنْ تكونَ لا محلَّ لها
من الإِعراب لاستئنافِها. والثاني: أنها بدلٌ من جملةِ قوله "فَضَّلْنا" والجمهورُ
على رفعِ الجلالة على أنه فاعلٌ، والمفعولُ محذوفٌ وهو عائدُ الموصولِ أي: مَنْ
كَلَّمه الله. وقُرِىء بالنصبِ على أنَّ الفاعلَ ضميرٌ مستترٌ وهو عائدٌ الموصولِ
أيضاً، والجلالةُ نَصْبٌ على التعظيمِ.



وقرأ أبو المتوكل وابن السَّمَيْفَع: "كالَمَ اللهَ" على وزن
فاعَلَ ونصبِ الجلالة، و"كليم" على هذا معنى مكالِم نحو: جَلِيس بمعنى
مُجالِس، وخليط بمعنى مخالط. وفي هذا الكلامِ التفاتٌ لأنه خروجٌ من ضميرِ المتكلمِ
المعظِّم نفسَه في قوله: "فَضَّلْنا"
إلى الاسمِ الظاهرِ الذي هو في حكمِ الغائبِ.



قوله: {دَرَجَاتٍ}
في نصبِه ستةُ أوجهٍ، أحدها أنّه مصدرٌ واقعٌ موقع الحالِ. الثاني: أنّه حالٌ على
حذفِ مضافٍ، أي: ذوي درجاتٍ. الثالث: أنّه مفعولٌ ثانٍ لـ "رفع" على أنّه ضُمِّنَ
معنى بلَّغ بعضَهم درجات. الرابع أنّه بدلُ اشْتمالٍ أي: رَفَع درجاتٍ بعضَهم،
والمعنى: على درجاتِ بعض. الخامس: أنّه مصدرٌ على معنى الفعل لا لفظِه، لأنَّ الدرجةَ
بمعنى الرَّفْعة، فكأنّه قيل: ورَفَع بعضَهم رَفعاتٍ. السادس: أنّه على إسقاطِ
الخافضِ، وذلك الخافضُ يَحْتمل أن يكونَ "على" أو "في" أو "إلى"
تقديرُه: على درجاتٍ أو في درجاتٍ أو إلى درجاتٍ، فلمَّا حُذِفَ حرفُ الجر انتصَبَ
ما بعده.



قوله: {وَلَوْ شَآءَ
الله
} مفعولُه محذوفٌ، فقيل: تقديرُه: أَنْ لا تختلفوا وقيل: أَنْ لا
تفشلوا، وقيل: أَنْ لا تُؤمروا بالقتال، وقيل: أَنْ يضطرَّهم إلى الإِيمانِ،
وكلُّها متقاربة.



وقولُه: {مِنْ بعدِهم}
متعلِّقٌ بمحذوفٍ لأنّه صِلةٌ، والضميرُ يعودُ



على الرسل. و{مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ}
فيه قولان، أحدُهما: أنّه بدلٌ من قولِه: "مِنْ بعدِهم" بإعادةِ العاملِ. والثاني: أنه
متعلقٌ بـ "اقتتل
إذْ في البينات ـ وهي الدلالاتُ الواضحةُ ـ ما يُغْنِي عن التقاتلِ والاختلافِ.
والضميرُ في "جاءتهم"
يعودُ على الذين مِنْ بعدِهم، وهم أممُ الأنبياء.



قوله: {ولكن اختلفوا}
وجهُ هذا الاستدراكِ واضحٌ، فإنَّ "لكن" واقعةٌ بين ضدَّيْن، إذ المعنى: ولو شاءَ اللهُ
الاتفاقَ لاتفقوا ولكنْ شاءَ الاختلافَ فاختلفوا. و"لكنْ" استدراكٌ لما دَلَّ الكلامُ عليه،
لأنَّ اقتتالهم كان لاختلافهم، ثم بيَّن الاختلاف بقوله: {فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ}
فلا محلَّ حينئذٍ لقولِه: {فَمِنْهُمْ
مَّنْ آمَنَ
}.



وقوله: {وَلَوْ شَآءَ
الله مَا اقتتلوا
} فيه قولان، أحدُهما: أنّها الجملةُ الأولى كُرِّرتْ
تأكيداً. والثاني: أنها ليست لتأكيدِ الأولى، بل أفادَتْ فائدةٌ جديدةً، والمغايَرةُ
حَصَلَتْ بتغايرِ متعلَّقهما، فإنَّ متعلَّقَ الأولى مغايرٌ لمتعلَّقِ المَشيئةِ
الثانيةِ، والتقديرُ في الأولى: "ولو شاءَ الله أن يَحُولَ بينهم وبين القتال
بأن يَسْلُبَهم القِوى والعقول، وفي الثاني: ولو شاءَ لم يأمرِ المؤمنين بالقتال،
ولكن شاءَ أَمَرهم بذلك.



وقوله: {ولكن الله
يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
} هذا استدراكٌ أيضاً على المعنى



لأنَّ المعنى: ولو شاءَ الله لمنعَهم من ذلك، ولكنَّ اللهَ يفعل ما يريدُ
مِنْ عدمِ منعِهم من ذلك أو يفعلُ ما يريدُ من اختلافِهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 253
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، الآية: 207
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية:223
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 37
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 9
» فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 27

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: