وتتساءلون لماذا ثارت الشام ؟؟؟؟؟؟!!!!!
حدّثني
من أثق به أن محقِّقاً في فرع الأمن السياسي بإدلب كلِّف ذات يوم من العام
الفائت بالمناوبة في سجن الفرع، ولم تكن هذه مهمته إنما هو أمر طارئ دعت
إليه الحاجة، والمعروف أن السجّان ليس مسموحاً له الاختلاط بالموقوفين ولا
محادثتهم، لنكها ليلة واحدة أراد أن يشبع فيها فضوله، لعله يرى بعض الذين
كان قد حقق معهم وما آل إليه حالهم.
نظر من كوّةِ إحدى الزنزانات فرأى
رجلاً حسِبَه من أهل الكهف، فقد طالت أظافرُه وشعرُ رأسه ووجهه، وانبعثت من
جسمه روائح كريهة، فدفعه فضوله إلى التعرّف عليه وعلى مشكلته فعرف أنه أحد
كبار تجار مدينة حلب وصناعييها المعروفين بالثراء أباً عن جدّ، وأنّه هنا
منذ عام 1980، وعرف أنَّ تهمته هي وشاية من زميل له منافس في المهنة بأنه
سبَّ الرئيس حافظ الأسد ـ وكان يظن أنه ما زال حيَاً فقد دعا له بطول
العمر، وما زال يذكر (الفَلْقةَ في الدولاب) التي أكلها في حينه ثم إنه
أنزل إلى هذه الزنزانة ولم يعد يعرف شيئاً ولا كّلمه أحدٌ منذ ذلك اليوم.
فما كان من هذا المحقق إلّا أن استدعى الحلاق فحلق له وسمح لهذا الموقوف
بالاستحمام، وأتاه بملابسَ جديدةٍ لأنَ ملابِسه ما كانت لتستر عورته فقد
اهترأت.
وفي اليوم الثاني قرّر أن يضع رئيس الفرع في صورة ما حدث لظنّه
بأنّ إنسانية رئيس الفرع تأبى مثل هذا الظلم. فكانت النتيجة أن عُنِّفَ
وعُوقب لمخالفته التعليمات وأُسْكِنَ الزنزانة المجاورة لذلك الرجل.
قصة تبدو في منتهى الغرابة ولا يكاد المرء يصدقها، لكنني صدقتها فقد رأيت
قصصاً كثيرة مشابهة يوم كنت مدققاً في وحدة الحسابات المركزية أثناء خدمتي
الإلزامية عام 1970 ـ 1976 واكتشفت سرقات في أحد ألوية الجيش فقدَّمْتُ
تقريراً بذلك فاستدعيت إلى فرع التحقيق العسكري يوم كان رئيسه المقدم هشام
جميل أخو اللواء ناجي جميل قائد الآمريّة الجويّة في ذلك الوقت، للإدلاء
بالشهادة، لأن تقريري كان قد طال العقيد علي زيود قائد اللواء، ومن
المحرّمات تناول مثله بالنقد ـ لا رحم الله فيهم عظماً ـ فبقيت موقوفاً
أكثر من مئة يوم في ظروف قد أتحدث عنها يوماً ما وقد شاهدت الكثير مما لا
يليق بالحيوانات فضلاً عن البشر، ولولا رحمة الله بي وأن الشكوى وصلت نسخة
منها إلى القضاء الذي استدعاني للمثول أمامه كشاهد فاضطروا لإخراجي من
النظارة ولولا ذلك لبقيت إلى الآن موقوفاُ من يدري.