عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 5 الأحد سبتمبر 02, 2012 7:48 am | |
| أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
(5) قَوْمٌ: {عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} وَصَلوا إلى حَقائقِ العُلومِ بدلائلِ العُقولِ؛ وقومٌ على بَصيرةِ مُلاطَفاتِ التَقريبِ فبِمُشاهدَةِ الرَّحمةِ والكَرَمِ وَصَلوا إلى بيانِ اليقينِ، وآخرون ظهَرت الحقيقةُ لأَسرارِهم فشَهِدوا بالغيبِ حَقيقةَ الصَمَديَّةِ، فوَصَلوا بحُكْمِ العِرْفانِ إلى عَيْنِ الاسْتِبْصارِ. فـ {وأولئك هم المفلحون} والفلاح الظفر بالبُغية، والفوزُ بالطِلبةِ، فلقد نال القومُ البقاءَ في مَشْهَدِ اللقاءِ فظفِروا بِقَهْرِ الأعداء. فأمّا "الفَلْحُ" فأصلُه: الشَقُّ ومنه قيل: "الحديدُ بالحديدِ يُفْلَحُ" وسُمِّي الفلّاحُ كذلكَ اعتباراً بمَبدأِ فِعْلِه، وهو شَقُّ الأرضِ. وسُمِّيَ "الظَفَرُ" فَلَاحًا اعتباراً بكَشْفِ الكُرْبَةِ.ثمّ "الفَلاحُ" تارةً يُعْتَبَرُ بأعراضِ الدنيا، فيُقالُ: أَفلَحَ فلانٌ: إذا ظَفِرَ بما يريده. وأخرى يُعْتَبَرُ أخرى بالتزامِ الشرعِ والثبات على الحقِّ لأنّ عاقبةَ ذلك الظَفَرُ برضاءِ الله وما وَعَدَ بِه الطائعَ في الدارِ الآخرة من نعيمٍ مُقيم. وقولُ مَنْ قال: الفَلاحُ: البقاءُ، لقول الشاعر: ......................................وترجو والفلاحَ بعدَ عادٍ وحِمْيَرا فإنّما عنى الفَرَجَ والبقاءُ: بعضُ الفَرَجِ. فإذاً ذلك عامٌّ موضوعٌ مَوضِعَ خاصًّ.وقد استُعمِلَ "الفَلاحُ" في الآيةِ لِما هو في الحقيقةِ ظَفَرٌ وفَرَجٌ، كما قال عليه الصلاةُ والسلامُ: ((لا عيشَ إلّا عيشُ الآخرة)) وهو قولُه تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ}. وَالْفَلْحُ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ، قَالَ الشَّاعِرُ: .......................................... إِنَّ الْحَدِيدَ بِالْحَدِيدِ يُفْلَحُأَيْ يُشَقُّ، وَمِنْهُ فِلَاحَةُ الْأَرضِ إِنَّمَا هُوَ شَقُّهَا لِلْحَرْثِ، قال أَبُو عُبَيْدٍ. وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْأَكَّارُ(الذي يَحْرُثُ الأرضَ) فَلَّاحًا. وَيُقَالُ لِلَّذِي شُقَّتْ شَفَتُهُ السُّفْلَى أَفْلَحُ، وَهُوَ بَيِّنُ الْفَلْحَةِ، فَكَأَنَّ الْمُفْلِحَ قَدْ قَطَعَ الْمَصَاعِبَ حَتَّى نَالَ مَطْلُوبَهُ. وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَوْزِ وَالْبَقَاءِ، وَهُوَ أَصْلُهُ أَيْضًا فِي اللُّغَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّجُلِ لِاِمْرَأَتِهِ: اسْتَفْلِحِي بِأَمْرِكِ، مَعْنَاهُ فُوزِي بِأَمْرِكِ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:لَوْ كَانَ حَيٌّ مُدْرِكُ الْفَلَاحِ ...................... أَدْرَكَهُ مُلَاعِبُ الرِّمَاحِوَقَالَ الْأَضْبَطُ بْنُ قُرَيْعٍ السَّعْدِيُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْجَهْلَاءِ:لِكُلِّ هَمٍّ مِنَ الْهُمُومِ سَعَهْ .............. وَالْمُسْيُّ وَالصُّبْحُ لَا فَلَاحَ مَعَهْيَقُولُ: لَيْسَ مَعَ كَرِّ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بَقَاءٌ. وَقَالَ آخَرُ:نَحِلُّ بِلَادًا كُلَّهَا حُلَّ قَبْلَنَا ............ وَنَرْجُو الْفَلَاحَ بَعْدَ عَادٍ وَحِمْيَرَأَيِ الْبَقَاءَ: وَقَالَ عُبَيْدٌ:أَفْلِحْ بِمَا شِئْتَ فَقَدْ يُدْرَكُ بِالضَّ ............. عْفِ وَقَدْ يُخَدَّعُ الْأَرِيبُأَيِ ابْقَ بِمَا شِئْتَ مِنْ كَيْسٍ وَحُمْقٍ فَقَدْ يُرْزَقُ الْأَحْمَقُ وَيُحْرَمُ الْعَاقِلُ. فَمَعْنَى {وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}: أَيِ الْفَائِزُونَ بِالْجَنَّةِ وَالْبَاقُونَ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ: الْمُفْلِحُونَ هُمُ الَّذِينَ أَدْرَكُوا مَا طلبوا ونجوا من شرِّ ما منِه هَرَبُوا، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَقَدِ اسْتُعْمِلَ الْفَلَاحُ فِي السَّحُورِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: حَتَّى كَادَ يَفُوتُنَا الْفَلَاحُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: السَّحُورُ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. فَكَأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ السَّحُورَ بِهِ بَقَاءُ الصَّوْمِ فَلِهَذَا سَمَّاهُ فَلَاحًا. وَالْفَلَّاحُ (بِتَشْدِيدِ اللَّامِ): الْمُكَارِي فِي قَوْلِ عمرو بن أحمد الباهلي:لَهَا رِطْلٌ تَكِيلُ الزَّيْتَ فِيهِ .................... وَفَلَّاحٌ يَسُوقُ لَهَا حِمَارًاقوله تعالى: {أولئك} مبتدأٌ، خبرُهُ الجارُّ والمَجرورُ بعدَه أي كائنون على هُدى، وهذه الجملة: إمَّا مستأنَفَةٌ وإمّا خبرٌ عن قولِه: {الذين يُؤْمِنُونَ} إمَّا الأولى وإمَّا الثانية، ويجوز أن يكون "أولئك" وحدَه خبراً عن "الذين يُؤْمِنُونَ" أيضاً إمَّا الأولى أو الثانية، ويكون "على هدى" في هذا الوجهِ في محلِّ نَصْبٍ على الحالِ، هذا كلُّه إذا أعربنا "الذين يُؤْمِنُونَ" مبتدأً، أمَّا إذا جعلناه غيرَ مبتدأٍ فلا يَخْفَى حُكْمُه مِمّا تقدم. ويجوز أن يكونَ "الذين يُؤْمِنُونَ" مبتدأً، و"أولئك" بدلٌ أو بيانٌ، و"على هدى" الخبرُ، و"مِنْ ربهم" في محلِّ جرٍّ صفةً لهُدى، و"مِنْ" لابتداءِ الغاية. ونَكَّر "هُدَى" ليُفيدَ إبهامُه التعظيمَ كقولِه: فلا وأبي الطيرِ المُرِبَّة بِالضُّحى ....... على خالدٍ لقد وقَعْتِ على لَحْمِورُوِيَ "مِنْ ربهم" بغير غُنَّة وهو المشهورُ، وبغنَّة ويُروى عن أبي عَمْرو.و"أولئك": اسمُ إشارةٍ يَشتركُ فيه جماعةُ الذكورِ والإِناثِ، وهو مبنيٌّ على الكَسْرِ لشِبْهِهِ بالحرفِ في الافتقارِ، وفيه لغتان: المَدُّ والقَصْر، ولكنَّ الممدودَ للبعيد، وقد يقال: أولا لِك، قال الشاعر: أُولا لِك قومي لم يكونوا أُشَابَةً ......... وهل يَعِظُ الضِّلِّيلَ إلا أُولالِكَاالأُشابةُ: همُ الأخلاطُ من الناسِ. وعند بعضِهم: المقصورُ للقريبِ والمَمدودُ للمتوسِّطِ وأُولا لِك للبعيدِ، وفيه لغاتٌ كثيرة. وكتبوا "أولئك" بزيادةِ واوٍ قبلَ اللّامِ، قِيلَ للفرقِ بينها وبين "إليك".وأَهْلُ نَجْدٍ يَقُولُونَ: أُلاك، وبعضُهم يقول: أُلالِكَ، والكاف لِلْخِطَابِ. مَنْ قَالَ أُولَئِكَ فَوَاحِدُهُ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ أُلَاكَ فَوَاحِدُهُ ذَاكَ، وَأُلَالِكَ مثل أُولئك، وأَنشدَ ابنُ السكّيت:أُلالِكَ قَوْمِي لَمْ يَكُونُوا أُشَابَةً ............ وَهَلْ يَعِظُ الضَّلِيلَ إِلَّا أُلَالِكَاوَرُبَّمَا قَالُوا: أُولَئِكَ فِي غَيْرِ الْعُقَلَاءِ، قَالَ الشَّاعِرُ:ذُمَّ الْمَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوَى ................ وَالْعَيْشَ بَعْدَ أُولَئِكَ الْأَيَّامِوَقَالَ تَعَالَى: "إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا". الاسراء: 36. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: إِنَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "مِنْ رَبِّهِمْ" رَدًّا عَلَى الْقَدَرِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ: يَخْلُقُونَ إِيمَانَهُمْ وَهُدَاهُمْ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَقَالَ: "مِنْ أَنْفُسِهِمْ"، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَفِي الْهُدَى فَلَا مَعْنَى لاعادة ذلك. قوله تعالى {وأولئك هُمُ المفلحون} أولئك: مبتدأ و"هم" مبتدأ ثانٍ، و"المفلحون" خبره، والجملةُ خبر الأول، ويجوز أن يكونَ "هم" فصلاً أو بدلاً، والمفلحون: الخبر. وفائدةُ الفصل: الفرقُ بين الخبرِ والتابعِ، ولهذا سُمِّيَ فَصْلاً، ويفيدُ أيضاً التوكيدَ، وقد تقدَّم أنّه يَجوزُ أنْ يكونَ "أولئك" الأولى أو الثانية خبراً عن "الذين يؤمنون"، والقولان ضعيفان. وكَرَّرَ "أولئك" تنبيهاً أنّهم كما ثَبَتَتْ لهمُ الأُثْرَةُ بالهُدَى ثَبَتتْ لهم بالفَلَاحِ، فجُعِلتْ كلُّ واحدةٍ من الأُثْرَتَيْنِ في تميُّزِهم بها عن غيرِهم بمثابةِ لو انفردتْ لَكَفَتْ مُمَيِّزةً على حِدَتها.وجاء هنا بالواو بين جملةِ قولِه: {أولئك على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وأولئك هُمُ المفلحون} بخلافِ قولِه تعالى في الآية الأخرى: {أولئك كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ أولئك هُمُ الغافلون}. الأعراف: 179. لأنَّ الخبرَيْن هنا متغايِرانِ فاقْتَضى ذلك العطفَ، وأمّا تلك الآيةُ الكريمةُ فإنَّ الخبريْن فيها شيءٌ واحدٌ، لأنَّ التسجيلَ عليهم بالغفلةِ وتشبيهَهم بالأنعامِ معنًى واحدٌ، وكانَتْ عن العطف بِمَعْزِل، وفي اسم الإِشارة الذي هو "أولئك" إيذانٌ بأنَّ ما يَرِد عقبَه والمذكورين قبلَه أهلٌ لاكتسابِه من أَجَلِّ الخِصالِ التي عُدِّدَتْ لهم، كقولِ حاتَمٍ : وللهِ صعلوكٌ، ثمَ عَدَّدَ له خِصالاً فاضلةً ، ثمّ عَقَّبَ تعديدَها بقوله :فذلك إنْ يَهْلِكْ فَحُسْنى ثَناؤُهُ ...... وإنْ عاشَ لم يَقْعُدْ ضَعيفًا مُذَمَّما | |
|