وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)
{وَقَالَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ} عطف على قوله تعالى: {وَقَالُواْ اتخذ الله} البقرة: 6 11 ووجه الارتباط أن الأول: كان قدحاً في التوحيد وهذا قدح في النبوة ، والمراد من الموصول جهلة المشركين ، وقد روي ذلك عن قتادة والسدي والحسن وجماعة ، وعليه أكثر المفسرين ويدل عليه قوله تعالى: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الارض يَنْبُوعًا} الإسرار: 0 9 وقالوا:{بَلْ قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ بَلِ} الأنبياء: 5 وقالوا: { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الملئكة أَوْ نرى رَبَّنَا} الفرقان: 1 2 وقيل: المراد به اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رافع بن خزيمة من اليهود قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت رسولاً من عند الله تعالى فقل لله يكلمنا حتى نسمع كلامه فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكتاب أَن تُنَزّلَ عَلَيْهِمْ كتابا مّنَ السماء فَقَدْ سَأَلُواْ موسى أَكْبَرَ مِن ذلك} النساء: 153 وقال مجاهد: المراد به النصارى ورجحه الطبري بأنهم المذكورون في الآية ، وهو كما ترى ، ونفي العلم على الأول عنهم على حقيقته لأنهم لم يكن لهم كتاب ولا هم أتباع نبوة ، وعلى الأخيرين لتجاهلهم أو لعدم علمهم بمقتضاه .
قوله تعالى: {لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا الله} لولا: و"لَوْما" يكونانِ حَرْفي ابتداءٍ وقد تقدم ذلك عند قوله: {فَلَوْلاَ فَضْلُ الله} البقرة: 64 ، ويكونان حَرْفَيْ تحضيضٍ بمنزلة: "هَلاَّ" فيختصَّان بالأفعالِ ظاهرةً أو مضمرةً كقوله:
تَعُدُّون عَقْرَ النِّيْبِ أفضلَ مَجْدِكُم .... بنى ضَوْطَرِى لولا الكَمِيَّ المقنَّعا
أي: لولا تَعُدُّون الكميَّ ، فإنْ وَرَدَ ما يُوهم وقوعَ الاسمِ بعدَ حرفِ التحضيض يُؤَوَّل كقوله:
ونُبِّئْتُ ليلى أَرْسَلَتْ بشفاعةٍ .............. إليَّ فهلاَّ نفسُ لَيْلى شَفِيعُها
فـ "نفسُ ليلى" مرفوعٌ بفعلٍ محذوفٍ يفسِّره "شفيعُها" أي: فَهَلاَّ شَفَعَتْ نفسُ ليلى . وإذا وَقَعَ بعدَها المستقبلُ كانَتْ للتحضيضِ وإنْ وَقَعَ بعدها الماضي كانَتْ للتوبيخ ، وهذا شيءٌ يقولُه علماءُ البيانِ ، وهذه الجملةُ التحضيضيةُ في محلِّ نصبٍ بالقول .
قوله: {كَذَلِكَ قَالَ الذين} قد تقدَّم الكلامُ على نظيرِه فَلْيُطْلَب هناك . وقرأ أبو حَيْوة وابن أبي إسحاق: " تَشَّابَهَتْ " بتشديد الشين ، وذلك غيرُ جائز لأنه فعلٌ ماض ، يعني أن التاءَيْن المزيدتين إنما تجيئان في المضارع فَنُدْغِم ، أمَّا الماضي فلا .