عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: الدر النظيم ... سورة البقرة ، الآية : 42 الأحد يناير 29, 2012 6:12 am | |
| وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)</P><p>
مادة تلبس . مأخوذة من اللباس الذي نرتديه . واللَّبْسُ هو التغطيةُ أو التَعميةُ بأنْ نُخفي الحقَّ ولا نُظهرَه . فاللِّباسُ تغليفٌ للجسمِ يستُرُه فلا يُبين تفصيلاتِه . . وفي هاتين الآيتين الكريمتين يقول الحق تبارك وتعالى ناهيًا لليهود عما كانوا يتعمّدونه ، من تلبيس الحق بالباطل ، وتمويهه به وكتمانِهِمُ الحقَّ وإظهارِهِمُ الباطلَ ، وأمرهم بإظهار الحقِّ والتصريحِ به ؛ وألا يَخلطوا الحقَّ بالباطل والصدقَ بالكذب. وأن يؤدوا النصيحة لعباد الله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وروي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : { وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أي: لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به، وأنتم تجدونه مكتوباً عندكم فيما تعلمون من الكُتُب التي بأيديكم } . ، ويجوز أن يكون المعنى: وأنتم تعلمون ما في ذلك من الضرر العظيم على الناس من إضلالهم عن الهدى المفضي بهم إلى النار إن سلكوا ما تبدونه لهم من الباطل المشوب بنوع من الحق لتروّجوه عليهم ، والبيان الإيضاح وعكسه الكتمان وخلط الحق بالباطل . قوله تعالى : { وَلاَ تَلْبِسُواْ الحق بالباطل } : الباءُ : هنا معناها الإِلصاقُ، كقولِك : خَلَطْتُ الماءَ باللبن ، أَي : لاَ تَخْلِطوا الحقَّ بالباطلِ فلا يتميَّزَ . وقال الزمخشري : إنْ كانت صلةً مثلَها في قولك لَبَسْتَ الشيء بالشيء وخَلَطْتُه به كان المعنى : ولا تكتُبوا في التوراة ما ليس فيها فيختلِطُ الحقَّ المُنَزَّلُ بالباطلِ الذي كتبتم . وإن كانت باءَ الاستعانةِ كالتي في قولِك : كتبْتُ بالقلَمِ كان المعنى : ولا تجعلوا الحقَّ مشتبهاً بباطِلكم الذي تكتبونَه فأجازَ فيها وجهين كما ترى ، ولا يريدُ بقوله : " صلة " أنها زائدةٌ بل يريدُ أنها مُوصِلَةٌ للفعلِ ، كما تقدَّم . قوله : { وَتَكْتُمُواْ الحق } فيه وجهان ، الأول ـ وهو الأظهرُ ـ : أنَّه مجزومٌ بالعطفِ على الفعلِ قبلَه ، أي : لا تفعلوا لا هذا ولا هذا . والثاني : أنه منصوبٌ بإضمارِ " أَنْ " في جوابِ النهي بعد الواو التي تقتضي المعيةَ ، أي : لا تَجْمَعوا بين لَبْسِ الحق بالباطل وكتمانِه ، ومنه قول المتوكل الليثي : لاَ تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مِثْلَه .................... عارٌ عليكَ إذا فَعَلْتَ عظيمُ وابْدَأْ بنفسك فانهَها عنَ غَيِّها ................. فإِذا انتهت عنه فأنتَ حَكيمِ و"أَنْ "مع ما في حيِّزها في تأويلِ مصدرٍ ، فلا بُدَّ من تأويلِ الفعلِ الذي قَبلَها بمصدرٍ أيضاً ليصِحَّ عَطْفُ الاسمِ على مثلِه ، والتقديرُ : لا يكُنْ منكم لَبْسُ الحقِ بالباطلِ وكتمانُه . واللَّبْسُ : الخَلْطُ والمَزْجُ ، يُقال : لَبَسْتُ عليه الأمرَ أَلْبِسُه خَلَطْتُ بيِّنَه بمُشْكِله ، ومنه قولُ الخَنْساء : ترى الجلِيسَ يقولُ الحقَّ تَحْسَبُه ......... رُشْداً وهيهاتَ فانظُرْ ما به التبسا صَدِّقْ مقالتَه واحذَرْ عَداوَتَهُ ............... والبِسْ عليه أموراً مثلَ ما لَبَسا وفي فلان مَلْبَسٌ أي : مُسْتَمْتَعٌ ، قال : ألا إنَّ بعدَ العُدْمِ للمَرْءِ قُِنْوَةً ............. وبعدَ المشيبِ طولَ عُمْرٍ ومَلْبَسَا وقولُ الفَرَّار : وكتيبةٍ لَبَّسْتُها بكتيبةٍ .................. حتى إذا التَبَسَتْ نَفَضْتُ لها يَدِي يحتمل أن يكونَ منه وأن يكونَ من اللِّباس ، والآيةُ الكريمةُ تحتمِلُ المعنيين أي : لا تُغَطُّوا الحقَّ بالباطِلِ .والباطلُ ضدُّ الحقِّ ، وهو الزائلُ ، كقولِ لبيد : ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطِلُ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وقد بَطَل يَبْطُلُ بُطولاً وبُطْلاً وبُطْلاناً . والبَطَلُ : الشجاعُ ، سُمِّي بذلك لأنه يُبْطِل شَجاعةَ غيرِه. وقيل: لأنه يُبْطِلَ دمَه ، فهو فَعَل بمعنى مَفْعُولِ، وقيل : لأنه يُبْطِلُ دمَ غيرِه فهو بمعنى فاعلِ . وقد بَطُل بالضم يَبْطُل بُطولاً وبَطالة أي : صارَ شجاعاً . قال النابغة : لَهُمْ لِواءٌ بأيدي ماجدٍ بَطَلٍ ... لا يقطَعُ الخَرْقَ إلا طَرْفُه سامي وبَطَل الأجيرُ بالفتح بِطالة بالكسر : إذا تَعَطَّل فهو بَطَّالٌ ، وذهب دَمُه بُطْلاً بالضم أَي : هَدْراً . قولُه : { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } جملةٌ من مبتدأ وخبرٍ في محلِّ نَصْبٍ على الحال، وعامُلها : إمَّا تَلْبِسوا أو تَكْتُموا ، إلاَّ أنَّ عَمَل "تكتموا "أَوْلَى لوجهين، أحدُهما : أنه أقربُ . والثاني : أنَّ كُتْمانَ الحقِّ مع العلمِ به أَبْلَغُ ذمَّاً ، وفيه نوعُ مقابلةٍ . ولا يجوزُ أن تكونَ المسألةُ من بابِ الإِعمال ، لأنه يَسْتدعي الإِضمارَ ، ولا يجوزُ إضمارُ الحال ، لأنه لا يكونُ إلا نكرةً ، ولذلك مَنَعوا الإِخبارَ عنه بالذي . فإنْ قيل : تكونُ المسألةُ من باب الإِعمال على معنى أنَّا حَذَفْنَا من الأولِ ما أثبتناه في الثاني من غيرِ إضمارٍ ، حتى لا يَلْزَمَ المحذورُ المذكورُ والتقديرُ : ولا تَلْبِسوا الحقَّ بالباطلِ وأنتم تعلمون ، ولا تَكْتُموا الحقَّ وأنتم تَعْلَمون . فالجوابُ أنَّ هذا لا يُقال فيه إعمالٌ ، لأنَّ الإِعمالَ يَسْتَدْعي أن يُضْمَرَ في المهمل ثم يُحْذَفَ . وقُرئ شاذاً : "وَتَكْتُمونَ "بالرفع ، وخَرَّجوها على أنها حالٌ . وهذا غيرُ صحيحٍ لأنه مضارعٌ مُثْبَتٌ ، فمِن حَقِّه الاَّ يقترنَ بالواوِ ، وما وَرَد من ذلك فهو مؤولٌ بإضمار مبتدأ قبلَه قَولِهم : "قُمْتُ وأَصُكُّ عينَه "، وقولِ الآخر : فَلَمَّا خَشِيْتُ أظافيرَهُمْ ............................ نَجَوْتُ وأَرْهُنُهُمْ مالِكَا أي : وأنا أصُكُّ ، وأنا أَرْهُنهم ، وكذا : وأنتم تَكْتُمون ، إلاَّ أنه يَلْزَمُ منه إشكالٌ آخرُ ، وهم أنهم مَنْهِيُّون عن اللَّبْسِ مطلقاً ، والحالُ قََيْدٌ في الجملةِ السابقةِ فيكونُ قد نُهُوا بقيدٍ ، وليسَ ذلك مُراداً ، إلا أَنْ يُقال : إنَّها حالٌ لازمةٌ ، وقد قدَّرَه الزمخشري بكاتِمين ، فَجَعَله حالاً ، وفيه الإِشكالُ المتقدِّم ، إلاَّ أنْ يكونَ أرادَ تفسيرَ المعنى لا تفسيرَ الإِعرابِ . ويجوزُ أن تكونَ جملةً خبريةً عُطِفَتْ على جملةٍِ طلبيةٍ ، كأنَّه تعالى نَعَى عليهم كَتْمَهُمْ الحقَّ مع عِلْمِهِم أنَّه حق . ومفعولُ العلمِ غيرُ مرادٍ لأنَّ المعنى : وأنتم مِنْ ذوي العلمِ . وقيلَ : حُذِفَ للعلمِ به ، والتقديرُ : تَعْلَمُون الحقَّ من الباطِلِ . وقَدَّره الزمخشري "وأنتم تَعْلَمُون في حالِ عِلْمِكُم أنَّكم لابسونَ كاتمون "، فَجَعَل المفعولَ اللَّبْسَ والكتمَ المفهومَيْنِ من الفعلَيْن السابقَيْن ، وهذا حَسَنٌ جداً .
| |
|