أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)
{ أُولَئِكَ الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة } أي آثروا الحياة الدنيا واستبدلوها بالآخرة وأعرضوا عنها { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب} الموعودون به دنياً وأخرى .
{ أولئك الذين اشتروا } "أولئك" مبتدأً والموصولُ بصلتِه خبرَه، و { فَلاَ يُخَفَّفُ } معطوفٌ على الصلةِ ، ولا يَضُرُّ تخالُفُ الفِعْلَيْنِ في الزمانِ ، فإنَّ الصلاتِ من قَبيل الجملِ ، وعَطْفٌ الجملِ لا يُشْتَرَطُ فيه اتحادُ الزمانِ ، يجوزُ أن تقولَ: "جاء الذي قَتَلَ زيداً أمسٍ وسيقتُل عمراً غداً" ، وإنما الذي يُشْتَرَطُ فيه ذلك حيث كانت الأفعالُ مُنَزَّلَةً منزلةَ المفرداتِ .
{ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } يجوز في "هم" وجهانِ ، أحدُهما : أن يكونَ في محلِّ رفعٍ بالابتداءِ وما بعده خبرُه ، ويكون قد عَطَفَ جملةً اسميةً على جملةٍ فعليةٍ وهي: {فلا يُخَفَّفَ} والثاني: أن يكونَ مرفوعاً بفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرهُ هذا الظاهرُ ، وتكونُ المسألةُ من بابِ الاشتغالِ ، فلمَّا حُذِفَ الفعلُ انفصلَ الضميرُ ، ويكونُ كقولِه :
وإنْ هُو لم يَحْمِلْ على النفسِ ضَيْمَها ..... فليسَ إلى حُسْنِ الثَّنَاءِ سَبيلُ
وله مُرَجِّحٌ على الأولِ وذلك أنَّه يكونُ قد عَطَفْتَ جملةً فعليةً على مثلِها ، وهو من المواضعِ المرجَّحِ فيها الحَمْلُ على الفعلِ في بابِ الاشتغالِ . وليس المرجِّحُ كونَه تقدَّمه لا النافية ، فإنَّها ليسَتْ من الأدواتِ المختصَّةِ بالفِعْلِ ولا الأولى به ، خلافاً لابن السِّيدِ حيث زَعَمَ أنَّ "لا" النافيةَ من المرجِّحاتِ لإِضمارِ الفعل ، وهو قولٌ مرغوبٌ عنه ، ولكنه قَويٌ من حيث البحث . فقوله: " يُنْصَرون " لا محلَّ له على هذا لأنه مفسِّرٌ ، ومحلُّه الرفعُ على الأولِ لوقوعه موقعَ الخبرِ .