قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
(33)
نادى ـ سبحانه ـ آدمَ باسمه العلم كما هو عادته ـ جلّ شأنه ـ مع أنبيائه ما عدا نبينا صلى الله عليه وسلم حيث ناداه بـ { ياأيها النبى } و{يا أيها الرسول } لعلو مقامه ورفعة شأنه إذ هو الخليفة الأعظم ، والسر في إيجاد آدم .
ولم يقل سبحانه لآدم أنبئني كما وقع في أمر الملائكة (أنبؤوني..) مع حصول المراد معه أيضاً ، وهو ظهور فضل آدم إبانة لما بين الرتبتين من التفاوت ، وإنباء للملائكة بأن علمه ـ عليه السلام ـ واضح لا يحتاج إلى ما يجري مجرى الامتحان ـ كما كان الحال مع الملائكة ـ وأنّه حقيق أن يُعلّمَ غيرَه أو لتكون له ـ عليه السلام ـ منّة التعليم كاملة حيث أُقيم مقامَ المفيد وأقيموا مقام المستفيدين منه ، أو لئلاّ تستولي عليه الهيبة فإن إنباء العالِم ليس كإنباء غيره . والمراد بالإنباء هنا الإعلام لا مجرد الإخبار كما تقدم .
وفيه دليل لمن قال : إن علوم الملائكة وكمالاتهم تقبل الزيادة . وقرأ ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : { أَنبِئْهُم } بالهمز وكسر الهاء " أنبئهِم " ، و" أنبيهم " بقلب الهمزة ياء ، وقرأ الحسن " أنبِهِم " كأعطهم ، والمراد بالأسماء ما عجزوا عن علمها واعترفوا بالقصور عن بلوغ مرتبتها ، والضمير عائد على المعروضين على ما تقدم .
قوله تعالى: { قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ } " آدَمُ " مبنيٌّ على الضم لأنه مفردٌ معرفةٌ ، وكلُّ ما كان كذلكُ بني على ما كان يُرْفع به ، وهو في مَحلِّ نصبٍ لوقوعه موقعَ المفعولِ به
و" أَنْبِئْهُمْ " فعلُ أمر وفاعلٌ ومفعولٌ .
و" بأسمائِهم " متعلِّق بأَنْبِئْهُمْ ، وهو المفعولُ الثاني كما تقدَّم ، وقد يتعدَّى بـ " عن " نحو : أنبأْتُه عن حالِه ، وأمَّا تعديتُه بـ " مِنْ " في قوله تعالى : { قَدْ نَبَّأَنَا الله مِنْ أَخْبَارِكُمْ } فسيأتي بيانه في سورة التوبة ، إنْ شاءَ اللهُ تعالى .
{ قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إني أَعْلَمُ } " قال " جوابُ " فلمَّا " و" ألم " الهمزةُ للتقرير إذا دَخَلَتْ على نفي قَرَّرَتْهُ فيَصيرُ إثباتاً نحو : { أَلَمْ نَشْرَحْ لك صدرك } أي : قد شرحنا و" لم " حرفُ جزمٍ ، و" أَقُلْ " مجزومٌ بها حُذِفَتْ عينُه وهي الواوُ لالتقاءِ الساكنين .
و" لكم " جار ومجرور متعلقان بـ " أقل " واللامُ للتبليغِ . وجملةُ " إني أَعْلَمُ " في محلِّ نَصْبٍ بالقولِ .
{ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } كقولِه : { أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } من كونِ "أَعْلَمُ" فعلاً مضارعاً أو أفْعَل بمعنى فاعِل أو أَفْعَل تفضيل ، وكونِ " ما " في محل نصبٍ أو جرٍ وقد تقدَّم . والظاهرُ : أن جملةَ قولِه : " وأعلمُ " معطوفةٌ على قولِه : { إني أَعْلَمُ غَيْبَ } .
و" تُبْدُون " وزنه : تُفْعون لأن أصله تُبْدِوُونَ مثل تُخْرِجون ، فَأُعِلَّ بحذْفِ الواو بعد سكونها . والإِبداءُ : الإِظهارُ . والكَتْمُ : الإِخفاءُ ، يقال : بَدا يَبْدُو بَداءً ، قال الشاعر : ... بَدا لَكَ في تلك القَلوصِ بَداءُ .
{ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } : " ما " عطفٌ على " ما " الأولى بحسَبِ ما
تكونُ عليه من الإِعرابِ .