8
أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ} كانَ مُشْرِكُو مَكَّةَ قَدْ طَلَبُوا مِنْ قَبْلُ أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مَلَائِكَةً تُؤيِّدُ رَسُولَهُ وتُصَدِّقُهُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ الَّتي قَبْلَهَا: {لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا}، ثُمَّ تنزَّلوا في مَطالِبِهِمْ فقالوا: أَوْ هَلَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنَ السَّماءِ كنزٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جواهِرَ وأحجارٍ كَريمَةٍ، أَو عِلْمٌ عَنْ مَكَانِ كَنْزٍ مَدفونٍ في الأرضِ لِيُنْفِقُ مِنْهُ على نَفْسِهِ وَمَنْ حَولَهُ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى طَلَبِ أَسْبابِ العَيْشِ مِنَ التِّجَارَةِ والتَّكَسُّبِ في الأَسْواقِ كَسَائِرِ النَّاسِ فَيَكونُ تميُّزُهُ هَذا دَليلًا عَلَى صِدْقِهِ.
قولُهُ: {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} ثُمَّ نَزَلُوا أَكْثَرَ في مطالبِهِمْ فَاقْتَرَحُوا أَنْ يَكُونَ لَهُ بُسْتَانٌ مِنَ الأشجارِ المُثْمِرَةِ ليَأْكُلَ مِنْ ثِمَارِهَا وَيُطْعِمَهُمْ منها، فَيَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي دُنْيَاهُمْ وَمَعَاشِهِمْ.
وَالْجَنَّةُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ هِيَ الْبُسْتَانُ وَمِنْ ذلكَ قَوْلُ زُهَيْرِ بْنِ أَبي سُلْمى:
كَأَنَّ عَيْنِيَ فِي غَرْبِي مُقَتَّلَةٌ .................... مِنَ النَّوَاضِحِ تَسْقِي جَنَّةً سُحْقًا
فَقَوْلُهُ: تَسْقِي جَنَّةً، أَيْ: تَسْقي بُسْتَانًا لغزارَةِ دَمعِها، وَقَوْلُهُ: سُحْقًا أَيْ أَنَّ نَخْلَ الجَنَّةِ طِوَالٌ، فالسُّحْقُ في اللغَةِ النَّخْلُ الطَّويلةُ.
فقد جَعَلَ الكَفَرَةُ مَنْحَ البُسْتانِ لهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، عَلَامَةً عَلَى نُّبُوءَتِهِ، لِأَنَّ وُجُودَ الْجَنَّةِ فِي مَكَّةَ مُعْجِزَةٌ خَارِقةٌ لِلْعَادَةِ، فَمَكَّةُ واقعةٌ في مَنْطِقَةٍ جَبَلِيَّةٍ شَحِيحَةِ الأَمْطارِ، فَلَا مَاءَ فيها وَلَا سُهُولَ خِصْبَةً صالحَةً لِلزِّراعَةِ.
وَهَذا الافتِراحُ الجَديدُ تَنَزُّلٌ آخَرُ منْهُمْ فِي الْمَطَالِبِ التَّعْجيزيَّةِ، فِيهِ الْمَزيدُ مِنَ التَّعَنُّتِ الْعِنَادِ وَالْمُكابَرَةٍ.
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، الْمَعْنَى: أَوْ يُنَزَّلَ إِلَيْهِ مَالٌ مِنَ السَّمَاءِ "أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ" أَيْ: بُسْتَانٌ، "يَأْكُلُ مِنْهَا" أَيْ: يَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا. "تَنْويرُ الْمِقْبَاسِ مِنْ تفسيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (ص: 301). وَقالَهُ أَيْضًا مُقَاتِلٌ في تَفْسيرِهِ: (ص: 43 أ).
وَذَكَرَهُ ابْنُ جَريرٍ الطَّبَريُّ في تَفْسِيرِهِ: (18/184)، وَالثَّعْلَبِيُّ في تفسيرِهِ أَيْضًا: (8/92 ب).
وَقالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعالى، في كِتَابِهِ: "الْحُجَّةُ لِلْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ": (5/335): (وَكَذَلِكَ اقْتَرَحُوا عَلَيْهِ إِلْقاءَ كَنْزٍ عَلَيْهِ، أَوْ كَوْنَ جَنَّةٍ تَخْتَصُّ بِمَا يَأْكُلُ مِنْهَا، حَتَّى يَتَبَيَّنَ فِي مَأْكَلِهِ مِنْهُمْ، كَمَا تَبَيَّنَ بِاقْتِرانِ الْمَلَكِ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَمَنْ قَرَأَ: "نَأْكُلَ مِنْهَا" فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ يَكونُ لَهُ بِذَلِكَ مَزِيَّةٌ عَلَيْنَا فِي الْفِعْلِ بِأَكْلِنَا مِنْ جَنَّتِهِ).
وَقد اقْتَرَح الْكَفَرَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَيْهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثَلَاثَةَ أُمُورٍ هِيَ:
أَوَّلُها: أَنْ يَنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ، فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا، ويَشْهَدُ لَهُ بِالصِّدْقِ، وَيُعِينُهُ عَلَى تَبْلِيغِ الرِّسالةِ.
ثَّانِيها: أَنْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ مِنَ الْمَالِ فِضًّةً أَوْ ذَهَبًا يُنْفِقُ مِنْهُ على نَفْسِهِ وَمَنْ حَوْلَهُ وَيَسْتَغْنِي بِهِ عَنِ الْمَشْيِ فِي الْأَسْوَاقِ للاتِّجارِ والتَّكَسُّبِ.
الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ، أَيْ بُسْتانٌ، يَأْكُلُ مِنْهَا هُوَ ومَنْ حَولَهُ ويُطْعِمُهم منها أَيْضًا.
وَقد جاءتْ هَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي اقْتَرَحَهَا الْكُفَّارُ وَطَلَبُوهَا بِشِدَّةٍ وَحَثٍّ، تَعَنُّتًا مِنْهُمْ وَعِنَادًا، جَاءَتْ مُبَيَّنَةً فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كِتابِ اللهِ الكَريمِ، فَقَدْ قالَ ـ جَلَّ وَعَلَا، فِي الآيةِ: (12) مِنْ سُورَةِ هُودٍ: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ}، وَبَيَّنَ ـ جَلَّ جَلَالُهُ العظيمُ، فِي سُورَةِ الإِسْرَاءِ اقْتِرَاحَهُمُ الْجَنَّةَ، وَأَوْضَحَ أَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِهَا بُسْتَانًا مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَقَالَ في الآيتينِ: (90 و 91) مِنْها: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا}. وَاقْتِرَاحُهُمْ هَذَا كاقْتِراحِ فِرْعَوْنَ على سيدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، المُبيَّنُ بقولِهِ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورةِ الزُّخْرُفِ: {فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} الآيَةَ: (53) فقد تَشَابَهَتْ قُلُوبُ الْمُشْركينَ في كلِّ العُصورِ وَعُقُولُهُمْ، فَتَشَابَهَتْ أَقْوَالُهُمْ وَمُقتَرَحاتُهم. كما تشابعوا في تَعَنُّتِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ ـ تعالى، فَعَلَ لَهُمْ كُلَّ مَا اقْتَرَحُوا لَمَا آمَنُوا، وقد بيَّنَ ذلكَ رَبُّنا ـ تباركَ وَتَعَالى، في كِتابِهِ الغزيزِ فقالَ مِنْ سُورَةِ الأنعامِ: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} الآيةَ: (7)، ثمَّ قالَ في الْآيَةِ: (111) مِنْهَا: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}، وَقَالَ مِنْ سورةِ الحِجْرِ: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} الآيتانِ: (14 ـ 15)، وَقَالَ مِنْ سُورةِ يونُسَ ـ علَيْهِ السَّلامُ: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} الْآيَتَانِ: (96 و 97). إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الكَريماتِ.
قولُهُ: {وَقَالَ الظَّالِمُونَ} وَقَالَ الكَافِرُونَ الظالِمُونَ أنْفُسَهُمْ بِكُفْرِهِمُ، وَهُمُ الْقائِلُونَ الْأَوَّلُونَ. وَإِنَّما وُضِعَ الْمُظْهَرُ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِمْ بِالظُّلْمِ وَتَجَاوُزِ الْحَدِّ فِيمَا قَالُوهُ، كَوْنَهُ ضْلَالًا مُتَجَاوزًا حَدَّ الضَّلَالِ، مَعَ مَا فِي ذلِكَ مِنْ نِسْبَتِهِ ـ عَلَيْهِ صَلاةُ اللهِ وَسَلامُهُ، إِلَى الْمَسْحُوريَّةِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُما، الْمَعْنَى: وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ: "إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا" أَيْ: مَا تَتَّبِعًونَ إِلَّا مَخْدُوعًا مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ. "تَنْويرُ الْمِقْبَاسِ مِنْ تفسيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ": (ص: 301)، وَقالَهُ "مُقَاتِلٌ" في تَفْسيرِهِ: (صَ: 43 أ).
قَوْلُهُ: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} أَيْ: قالَ مُشْرِكُو مَكَّةَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِنبوَّةِ سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ علَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ: مَا تَتَّبِعًونَ "إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُورًا"، قَدْ أَثَّرَ السِّحْرُ فِيهِ، وَغُلِبَهُ عَلَى عَقْلِهِ، فَهُوَ يَهْذِي وَيَخْلِطُ.
وَقِيلَ: المَعْنى أَنَّهً ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ذَو سَحْرٍ، وَالسَّحْرُ هِيَ الرِّئةُ، أَيْ: هُوَ بَشَرٌ وَلَيْسَ مَلَكًا، عَلَى أَنَّ هَذا الْوَصْفَ إِنَّما هُوَ لِزِيادَةِ التَّقريرِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ ْأَنْسَبُ بِحَالِهِمْ.
وَقِيلَ إِنَّهُ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ "السِّحْرِ"؛ أَيْ: أَنَّكَ قَدْ سُحِرْتَ، فَأَنْتَ تَحْمِلُ نَفْسَكَ عَلَى هَذَا الَّذي تَقُولُهُ بِسَبَبِ مَا بِكَ مِنْ سِحْرٍ.
وَقالَ الإمامانِ الفَرَّاءُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ: الْمَسْحُورُ ـ هَاهُنَا، بِمَعْنَى السَّاحِرِ؛ كَ "الْمَشْؤُومِ" و "الْمَيْمُونِ".
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَريرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: أَيْ مُعْطَى عِلْمَ السِّحْرِ، فَهَذِهِ الْعَجَائِبُ الَّتي تَأْتي بِهَا مِنَ سِحْرِكَ.
قولُهُ تَعَالَى: {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ} أَوْ: حرفُ عَطْفٍ وَتَقْسِيمٍ وتخييرٍ. و "يُلْقَى" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مُغَيَّرُ الصِّيغَةِ مَبنِيٌّ للمَجْهولِ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رفعِهِ ضمَّةٌ مُقَدَّرةٌ على آخِرِهِ لتَعَذُّرِ ظُهُورِهَا عَلَى الْأَلِفِ. و "إِلَيْهِ" إلى: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُلْقى"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِخَرْفِ الجَرِّ. و "كَنْزٌ" مَرْفوعٌ بالنَّيابَةِ عنْ فاعِلِهِ. وَالْجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفةٌ عَلَى جُمْلَةِ "أُنْزِلَ"، على كَوْنِها فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بِـ "قَالُوا". وَجَازَ عَطْفُ الفعلِ الْمُضَارِعِ عَلَى الْماضِي؛ لِأَنَّ الماضِي هُنا بِمَعْنَى الْمُضارِعِ، إِذِ التَّقْديرُ: لَوْلَا يُنَزَّلُ إِلَيْهِ مَلَكٌ، أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مَرْفوعٌ بِالرَّدِّ عَلَى {لَوْلَا} كَقَوْلِكَ فِي الْكَلَامِ: أَوْ هَلَّا يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ. انْظُرْ "مَعَاني الْقُرْآنِ" لهُ: (2/263).
وَقَالَ أَبو إسْحاقٍ الزَّجَّاجُ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ. انْظُرْ: "مَعَانِي الْقُرْآنِ" لَهُ: (4/59).
قولُهُ: {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ} أَوْ: حرفُ عَطْفٍ كَسَابِقَتِها، و "تَكُونُ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ نَاقِصٌ، مَرْغوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النّاصِبِ والجازِمِ. و "لَهُ" اللام: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرِ "كانَ" مُقَدَّمًا على اسْمِها. وَ "جَنَّةٌ" اسْمُهَا الْمُؤَخَّرُ مَؤْفوعٌ بِها. وَالْجُمْلَةُ مِنْ "كانَ" واسْمِها وخبرِها مَعْطُوفَةٌ أَيْضًا عَلَى جُمْلَةِ {أُنْزِلَ}.
قوْلُهُ: {يَأْكُلُ مِنْهَا} يَأْكُلُ: فِعْلٌ مُضارِعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ وَالْجَازِمِ، وَفَاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جوازًا تفديرُهُ (هُوَ) يَعُودُ عَلَى "الرَّسُولِ" صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمِ. وَ "مِنْهَا" مِنْ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَأْكُلُ"، و "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ صِفَةً لِـ "جَنَّةٌ".
قَوْلُهُ: {وَقَالَ الظَّالِمُونَ} الواوُ: للعَطْفِ، و "قال" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفتْحِ. و "الظَّالِمُونَ" فَاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ، وعلامةُ رَفعِهِ الواوُ لأَنَّهُ جمعُ المُذَكَّرِ السَّالمُ. والجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهَ مَعْطوفَةٌ عَلَى جملةِ {وَقَالُوا} على كونِها مَعْطوفةً على جُمْلَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} إِنْ: نَافِيَةٌ. و "تَتَّبِعُونَ" فِعْلٌ مُضارِعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والْجَازِمِ، وعلامةُ الرَّفْعِ ثباتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخَمْسَةِ. وواوُ الجَماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالفاعِلِيَّةِ. وَ "إِلَّا" أَدَاةٌ للحَصْرِ. و "رَجُلًا" مَفْعُولُهُ مَنْصوبٌ بِهِ. و "مَسْحُورًا" صِفَةُ "رَجُلًا" مَنْصوبةٌ مُثْلُهُ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقولِ لِـ "قالَ".
قَرَأَ الْعَامَّةُ: {يَأْكُلُ مِنْهَا} بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: "نَأْكُلُ مِنْهَا) بِالنُّونِ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ هِيَ مُرَادُ الزَّمَخْشَرِيِّ بِقَوْلِهِ: أَوْ يَأْكُلُونَ هُمْ مِنْ ذَلِكَ الْبُسْتَانِ. وانْظُرْ: "السَّبْعَةُ فِي الْقِرَاءَاتِ" لِابْنِ مُجاهِدٍ: (صَ: 462)، وَ "الْحُجَّةُ للقُرَّاءِ السَّبْعَةِ" لِأَبِي عَلِيٍّ الفَارِسِيِّ: (5/335)، وَ "النَّشْرُ في القِراءَاتِ الْعَشْرِ" لِابْنِ الْجُزَرِيِّ: (2/333).
٠