عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: الدر النظيم من معاني الذكر الحكيم ( سورة البقرة الآية 31) الأحد يناير 08, 2012 8:51 am | |
| وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31)
قوله ” الأسماء ” يقتضي الاستغراق ، واقتران قوله سبحانه بـ “كُلها “يوجب الشمول والتحقيق ، وكما علّمه أسماء المخلوقات كلها ـ على ما ذكر ابن عباس وغيره ـ علَّمه أسماء الحق سبحانه ، ولكن إنما أظهر لهم محل تخصصه في علمه أسماء المخلوقات وبذلك المقدار بأن رجحانه عليهم ، فأما انفراده بمعرفة أسمائه ـ سبحانه ـ فذلك سِرٌّ لم يَطَّلِع عليه مَلَكٌ مُقَرَّب . ومن ليس له رتبة مساواة آدم في معرفة أسماء المخلوقات فأي طمعٍ في مداناته في أسماء الحق ، ووقوفه على أسرار الغيب؟ وإذا كان التخصيص بمعرفة أسماء المخلوقات يقتضى أن يصحَّ (به سجود ) الملائكة ، فما الظن بالتخصيص بمعرفة أسماء الحق سبحانه؟ ما الذي يُوجَبُ لِمَنْ أُكْرِمَ به؟ ويقال خصوصية الملائكة بالتسبيح والتقديس وهذه طاعات تليق بالمخلوقين ؛ فإنَّ الطاعةَ سِمَةُ العبيد ولا تتعداهم ، والعلم في الجملة صفة مدح يجب في نعت الحق سبحانه واجباً لا يصحُّ لغيره ، فالذي يُكْرِمهُ بما يتصف هو سبحانه ( بيانه وإن كان للمساواة أتم من الكرام بما يكون مخلوقاً على جنس المخلوقات ) . { وَعَلَّمَ آدَمَ الأسمآء كُلَّهَا } . . هذه الجملةُ يجوز إلاَّ يكونَ لها مَحَلٌّ من الإِعرابِ لاستئنافِها ، وأنْ يكونَ محلُّها الجرَّ لعطفِها على “قال ربك ” . و” عَلَّم » متعديةٌ إلى اثنين ، وكانت قبلَ التضعيفِ متعديةً لواحدٍ لأنها عرفانيّةٌ ، فتعدَّت بالتضعيفِ لآخرَ ، وفَرَّقوا بين ” عَلِم ” العُرْفانيةِ واليقينيةِ في التعديةِ ، فإذا أرادوا أن يُعَدُّوا العرفانيةَ عَدَّوْها بالتضعيف، وإذا أرادوا أن يُعَدُّوا اليقينيةَ عَدَّوْها بالهمزةِ ، وفاعلُ « عَلَّم » يعودُ على الباري تعالى . و” آدمَ ” مفعولُه .وفيه ستةُ أقوال ، أرجحُها أنه اسمٌ أعجميٌّ غيرُ مشتقٍّ ، ووزنُه فاعَل كنظائِره نحو: آزَر وشالَح ، وإنما مُنع من الصرفِ للعَلَمِيَّة والعجمةِ الشخصيةِ ، الثاني: أنه مشتقٌّ من الأُدْمَة ، وهي حُمْرَةٌ تميلُ إلى السوادِ ، الثالث : أنه مشتقٌّ من أَديمِ الأرض ، وهو أوجَهُها ومُنِعَ من الصَّرْف على هذين القولين للوزنِ والعلميةِ . الرابعُ : أنه مشتقٌّ من أديمِ الأرض أيضاً على هذا الوزنِ أعني وزنَ فاعَل وهذا خطأ ، لأنه كان ينبغي أن يَنْصَرِفَ . الخامس : أنه عِبْرِيٌّ من الإِدام وهو الترابُ . السادس: إنه في الأصل فِعْلٌ رباعي مثل: أَكْرَم ، وسُمِّي به لغرضِ إظهارِ الشيء حتى تُعْرَفَ جِهتُه ، والحاصلُ أنَّ ادِّعاءَ الاشتقاق فيه بعيدٌ ، لأنَّ الأسماءَ الأعجميةَ لا يَدْخُلُها اشتقاقٌ ولا تصريفٌ ، وآدمُ وإن كانَ مفعولاً لفظاً فهو فاعِلٌ معنى ، و”الأسماءَ” مفعولٌ ثانٍ ، والمسألةُ من باب أعطى وكسا . وقُرئ: ” عُلِّم ” مبنياً للمفعول ، و” آدمُ ” رفعا لقيامهِ مَقامَ الفاعلِ . و”كلَّها” تأكيدٌ للأسماء تابعٌ أبداً ، وقد يلي العواملَ كما تقدَّم . و” الأسماء كلَّها » الظاهرُ أنه لا يَحْتَاج إلى ادِّعاءِ حَذْفٍ ، لأنَّ المعنى: وَعلَّم آدَمَ الأسماءَ ولم يُبَيِّنْ لنا أسماءً مخصوصةً ، بل دَلَّ كلُّها على الشمولِ ، والحكمةُ حاصلةٌ بتعلُّمِ الأسماءِ ، وإنْ لم يَعْلَمْ مُسَمَّياتِها، أو يكونُ أَطْلَقَ الأسماءَ وأراد المسميَّات ، فعلى هذين الوجهين لا حَذْفَ . وقيل : لا بدَّ من حذفٍ واختلفوا فيه ، فقيل : تقديرُه : أسماءَ المسمَّيات ، فَحُذِفَ المضافُ إليه للعلم . وعُوَِّض منه اللامُ ، ورُجِّح هذا القول بقولِه تعالى : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هؤلاء . . . فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ} ولم يَقُل : أنبئوني بهؤلاءِ فلمَّا أنبأهم بهم . وقيل : تقديرُه مُسَمَّياتِ الأسماء ، فَحُذِف المضافُ ، وأُقيمَ المضافُ إليه مُقامه ، ورُجِّح هذا القولُ بقولِه تعالى : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } لأن الأسماءَ لا تُجْمَع كذلك إذ كان المقتضى أن يقال “عرضها ، فدلَّ عَوْدَه على المسميَّاتِ . ونحوُ هذه الآيةِ قولُه تعالى : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ } تقديرُه : أو كذي ظُلُمات ، فالهاءُ في ” يَغْشَاه ” تعودُ على ” ذي ” المحذوفِ . قوله : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة } ” ثم ” حرفٌ للتراخي كما تقدَّم ، والضميرُ في ” عَرَضَهُمْ ” للمسمِّياتِ المقدَّرةِ أو لإِطلاقِ الأسماءِ وإرادةِ المسمَّيات ، كما تقدَّم أيضاً . وقيل : يعودُ على الأسماءِ ونُقِل عن ابنِ عباس ، ويؤيِّدهُ قراءةُ مَنْ قرأ : ” عَرَضَها وعَرَضَهُنَّ ” إلا أنَّ في هذا القول جَعْلَ ضميرِ غير العقلاء كضمير العقلاءِ ، أو نقول : إنما قال ابن عباس ذلك بناءً منه أنّه أطلقَ الأسماء وأراد المسمَّيات كما تقدَّم وهو واضحٌ . و ” على الملائكة ” متعلق بـ ” عرضهم “. قوله: { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤلاء } الإِنباءُ : الإِخبارُ ، وأَصلُ ” أنبأ ” أن يتعدَّى لاثنين ثانيهما بحرفِ الجر كهذه الآية ، وقد يُحْذَفُ الحرفُ ، قال تعالى: { مَنْ أَنبَأَكَ هذا } أي : بهذا وقد يتضمَّن معنى ” أَعْلَم ” اليقينية ، فيتعدَّى تعديتَهَا إلى ثلاثةِ مفاعيل ، ومثلُ أنبأ : نَبَّأ وأخبر ، وخبَّر وحدَّث . و” هؤلاء ” في محلِّ خفضٍ بالإِضافة وهو اسمُ إشارة ورتبتُه دنيا ، ويُمَدُّ ويُقْصَرُ ، كقولِه : هَؤُلا ثُمَّ هَؤُلا كُلاًّ أعطَيْـ …………………….. ـتَ نِعالاً محْذُوَّة بمِثالِ والمشهورُ بناؤُه على الكسرِ ، وقد يُضَمُّ وقد يُنَوَّنُ مكسوراً ، وقد تُبْدَلُ همزتُه هاءً ، فتقولُ : هَؤُلاه ، وقد يقال : هَوْلا ، كقوله : تجلَّدْ لا يَقُلْ هَوْلا هَذَا ………………….. بكَى لَمَّا بكى أَسَفا عليكما ولامُه عند الفارسي همزةٌ فتكونُ فاؤُه ولامُه من مادةٍ واحدةٍ ، وعند المبرِّد أصلُها ياءٌ وإنما قُلِبَتْ همزةً لتطرُّفها بعد الألفِ الزائدة . { إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } قد تقدَّم نظيره ، وجوابُه محذوف أي : إنْ كنتمْ صادقين فأنبئوني . و” علم ” من التعليم وهو التعريف بالشيء . و” آدم ” : اسم لأبي البشر ، قيل إنه عبراني مشتق من أدمه ، وهي لغة عبرانية معناها التراب ، كما أن ” حواء ” كلمة عبرانية معناها ” حي ” وسميت بذلك لأنها تكون أم الأحياء . و{ الأسمآء } جمع اسم ، والاسم ما يكون علامة على الشيء ، وتأكيد الأسماء بلفظ ” كلها ” في أنه علمه أسماء كل ما خلق من المحدثات من إنسان وحيوان ودابة ، وطير ، وغير ذلك . ويصح حمل الأسماء على خواص الأشياء ومنافعها ، فإن الخواص والمنافع علامات على ما تتعلق به من الحقائق . { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة } عرض الشيء : إظهاره وإبانته والضمير في { عَرَضَهُمْ } يعود على المسميات ، وهي مفهومة من قوله: {الأسمآء كُلَّهَا} إذ الأسماء لابد لها من مسميات ، فإذا أجرى حديث عن الأسماء حضر في ذهن السامع ما هو لازم لها ، أعني المسميات . ودل على المسميات بضمير جمع الذكور العقلاء فقال : { عَرَضَهُمْ } ولم يقل عرضها ، لأن في جملة هذه المسميات أنواعاً من العقلاء: كالملائكة ، والإِنس ، ومن الأساليب المعروفة بين فصحاء العرب تغليب الكامل على الناقص ، فإذا اشتركا في نحو الجمع أو التثنية أتى بالجمع أو التثنية على ما يطلق حال الكامل منهما . والأمر في قوله: { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هؤلاء } ، ليس من قبيل الأوامر التي يقصد بها التكليف ، أي: طلب الإِِتيان بالمأمور به ، وإنما هو وارد على جهة إفحام المخاطب بالحجة . والمعنى: أن الله ـ تعالى ـ ألهم آدم ومعرفة ذوات الأشياء التي خلقها في الجنة ، ومعرفة أسمائها ومنافعها ، ثم عرض هذه المسميات على الملائكة . فقال لهم على سبيل التعجيز : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤلاء إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } فيما اختلج في خواطركم من أنى لا أخلق خلقاً إلا وأنتم أعلم منه وأفضل . قال ابن جرير: ” وفي هذه الآيات العبرة لمن اعتبر والذكرى لمن ذكر ، والبيان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، عما أودع الله في هذا القرآن من لطائف الحكم التي تعجز عن أوصافها الألسن ، وذلك أن الله ـ تعالى ـ احتج فيها لنبيه صلى الله عليه وسلم على من كان بين ظهرانيه من يهود بني إسرائيل ، بإطلاعه إياه من علوم الغيب التي لم يكن ـ تعالى ـ أطلع عليها من خلقه إلا خاصا ، ولم يكن مدركا علمه إلا بالإِنباء والإِخبار ليقرر عندهم صدق نبوته ، ويعلموا أن ما أتاهم به إنما هو من عند الله “
| |
|