{فَإِنْ لَمْ
تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } (24)
بعد أن تحدث الله سبحانه وتعالى عن الأدلة التي يستند إليها المشكّكون
في القرآن الكريم . وهي أدلة لا تستند إلى عقل ولا إلى منطق . تحداهم بأن يأتوا
بسورة مثل القرآن ، وأن يستعينوا بمن يريدون من دون الله ، لأن القرآن كلام الله ،
والله سبحانه هو القائل . وبما أنهم يحاولون التشكيك في أن القرآن كلام الله .
وأنه منزل من عند الله ، فليستعينوا بمن يريدون ليأتوا بآية من مثله ، لأن التحدي
هنا لا يمكن أن يتم إلا إذا استعانوا بجميع القوى ما عدا الله سبحانه وتعالى .
ثم يأتي الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك بالنتيجة قبل أن يتم التحدي .
لأن الله سبحانه وتعالى يعلم أنهم لن يفعلوا ولن يستطيعوا .
إن قوله سبحانه : { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ
وَلَن تَفْعَلُواْ } معناه أنه حكم عليهم بالفشل وقت نزول
القرآن وبعد نزول القرآن إلي يوم القيامة . لأن الله لا يخفى عن علمه شيء . فهو
بكل شيء عليم .
قوله تعالى : { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن
تَفْعَلُواْ } : " إنْ "
الشرطيةُ داخلةٌ على جملة " لم تفعلوا "
وتفعلوا مجزومٌ بلم ، كما تدخل إنْ الشرطيةُ على فعلٍ منفي بلا نحو : { إنْ لا
تفعلوه } فيكون " لم
تفعلوا " في محلِّ جزم بها .
وقوله : " فاتَّقوا "
جوابُ الشرطِ ، ويكونُ قولُه : " ولَنْ
تفعلوا " جملةً معترضةً بين الشرطِ وجزائه .
و " لَنْ " حرفُ
نَصْبٍ معناه نَفْيُ المستقبل ، ويختصُّ بصيغةِ المضارع ك " لم "
.
قوله تعالى : { فاتقوا النار }
هذا جوابُ الشرطِ كما تقدم ،
والكثير في لغة العرب : " اتقى يتَّقي " على افْتَعَل
يَفْتَعِلُ ، ولغة تميم وأسد : تَقَى يَتْقي مثل : رَمَى يَرْمي ، فيُسكِّنون ما
بعد حرفِ المضارعة .
قوله تعالى : { النار } مفعول به ،
و " التي " صفتُها وقوله : {وَقُودُهَا
الناس } جملةٌ من مبتدأ وخبر صلةٌ وعائدٌ ، والألفُ واللامُ في " النار "
للعهدِ لتقدُّمِ ذكرها في سورة التحريم وهي مكية عند قوله تعالى : { قوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً }.
والمشهورُ فتحُ واوِ الوَقود ، وهو اسمُ ما يُوقَدُ به ، وقيل : هو
مصدر كالوَلوع والقَبول والوَضوء والطَّهور . ولم يجىءْ مصدرٌ على فَعُول غيرُ هذه
الألفاظِ فيما حكاه سيبويه . وزاد الكسائي : الوَزُوع ، وقُرئ شاذاً في سورة ( ق )
{ وما مسَّنا من لَغوب } ، فتصير سبعةً ، وهناك ذَكرْتُ هذه القراءةَ ، ولكن
المشهور أن الوقود والوَضوءَ والطَهور بالفتح اسمٌ وبالضم مصدرٌ ، وقرئ شاذاً
بضمها وهو مصدرٌ. فإن أريدَ اسمُ ما يُوقد به فلا حاجةَ إلى تأويل ، وإنْ أَريد
بهما المصدرُ فلا بدَّ من تأويلٍ وهو : إمَّا المبالغة أي جُعلوا نفس التوقُّدِ
مبالغةً في وصفهم بالعذاب ، وإمّا حذفُ مضافٍ : إمَّا من الأولِ أي أصحابُ توقدِها
، وإمَّا من الثاني أي : يُوقِدُها إحراقُ الناس ، ثم حُذِفَ المضافُ وأُقيم
المضافُ إليه مُقامَه . والهاءُ في الحجارةِ لتأنيثِ الجمع .
قوله تعالى : { أُعِدَّتْ }
فعلُ ما لم يُسَمَّ فاعلُه ، والقائمُ مَقَامَ الفاعلِ ضميرُ " النار "
والتاء واجبة ، لأن الفعلَ أُسْنِدَ إلى ضمير المؤنث ، و " للكافرين "
متعلقٌ به ، ومعنى أُعِدَّت : هُيِّئَتْ ، وقرئ: " أُعْتِدَتْ "
من العَتاد بمعنى العُدَّة . وهذه الجملةُ الظاهر أنها لا محلَّ لكونِها مستأنفةً
جواباً لمَنْ قال : لِمَنْ أُعِدَّتْ؟ وقيل : محلُّها النصبُ على الحالِ من "
النار " ، والعامِلُ فيها " اتقوا "
.