الموسوعة القرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الثامنَ عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الخامسُ وَالثلاثونَ
سُورَةُ المؤمنونَ، الآية: 97
وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} في الآيةِ: 96، السَّابقةِ أَدَّبَ الهُْ ـ تَعَالَى، رَسُولَهُ ـ صلَّى الهُْ عَلَيْهِ وسلَّمَ، وعَلَّمَهُ أَنْ يدْفعَ سيِّئةَ المُشركينَ وتجاوزَهم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. ثمَّ أَتْبَعَ ذلكَ بأنْ أَمَرَهُ أنْ يقولَ ما يَقْوَيهِ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ الِاسْتِعَاذَةُ بهِ ـ تَبَارَكَتْ أَسْماؤُهُ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَهَيَ جَمْعُ هَمْزَةٍ، وَتعْني النَّخْسَ وَالدَّفْعَ وَالتَّحْرِيكَ الشَّدِيدُ بِيَدٍ وَبِغَيْرِهَا، كَالْهَزِّ وَالْأَزِّ، وَمِنْ ذلكَ سُمِّيَتِ الأَداةُ الَّتِي يحثُّ بها رَائِضُ الخيلِ خيلَهُ مِهْمازًا. والمِهْمازُ: بوزْنِ "مِفْعال" مِنَ الهَمْزِ، كالمِحْراثِ مِنَ الحَرْث. والهَمَّازُ: هوَ الرَّجُلُ الذي يَعيبُ النَّاسَ، فَكَأَنَّهُ يَدْفَعُ بِلِسانِهِ وَيَنْخُسُ بِهِ.
وَهَمَزَاتُ الشيطانِ هِيَ وَسْاوِسُهُ ومكائدُهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ فِيما يخُصُّ الرَّسُولَ ـ صلَّى الهَا عليهِ وسلَّمَ، إمَّا بِالْوَسْوَسَةِ، أَوْ بِأَنْ يَبْعَثَ أَعْدَاءَهُ ويحُثَّهم عَلَى إِيذَائِهِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِيما يتعلَّقُ بالْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ إنَّما يَكِيدُهُمْ بِهَذَيْنَ الْوَجْهَيْنِ، إِلَّا مَنْ يَنْقَطِعُ إِلَى الله ـ تَعَالَى، ويلجَأُ إلَيْهِ ويَسْتَعيذُ بهِ مِنَ الشَّيْطَانِ وكيدِهِ، فَإِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وجَلَّ يَحميهَ منْهُ فلا يَضُرُّهُ. كما قالَ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورةِ الحِجْرِ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِين} الآيَةَ: 42. وَكَمَا قالَ مِنْ سُورةِ الإسراءِ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} الآيةَ: 65. وَلِذَلِكَ فإِنَّ عَلى المُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ مُتَذَكِّرًا مُتَيَقِّظًا دائمًا فِيمَا يَأْتِي وَيَذَرُ، وأَنْ يذكُرَ الهَي كثيرًا لِيَتَفَادَى شرَّ الشَّيطانِ وضَرَّهُ كما قالَ ـ صلَّى الهُن عَليْهِ وسَلَّمَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خَطْمَهُ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا ذُكِرَ اللهُ خَنَسَ، وَإِذَا نُسِيَ اللهُ الْتَقَمَ قَلْبَهُ فَوَسْوَسَ)). (التَّرْغيبُ في فضائلِ الأَعْمالِ وثوابِ ذَلِكَ) لابْنِ شاهينَ (ص: 56)، وحِلْيَةُ الأَوْلياءِ وَطَبَقاتُ الأَصْفياءِ: (6/268) لأبي نُعيمٍ منْ حديثِ أنَسِ بْنِ مالكٍ ـ رَضِي الهُو تَعَالى عَنْهُ. وَرَواهُ البُخارِيُّ تَعْليقًا. ورَواهُ غيرُ واحدٍ مِنْ أئمَّةِ الحديثِ عنِ ابْنِ عبَّاسٍ ـ رضيَ الهُّ تعالى عنهُما، مَوْقوفًا.
قَالَ الْحَسَنُ البَصْريُّ ـ رَضِيَ الهُق عنهُ: كَانَ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلَامُ، يَقُولُ بَعْدَ اسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ثَلَاثًا، اللهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ هَمْزِهِ وَنَفْثِهِ وَنَفْخِهِ، فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هَمْزُهُ؟ قَالَ الْمَوْتَةُ الَّتِي تَأْخُذُ ابْنَ آدَمَ ـ أَيْ الْجُنُونُ الَّذِي يَأْخُذُ ابْنَ آدَمَ، قِيلَ فَمَا نَفْثُهُ؟ قَالَ الشِّعْرُ، قِيلَ فَمَا نَفْخُهُ؟ قَالَ الْكِبْرُ. ذكَرَهُ الإمامُ الرازيُّ في تفسيرِهِ (الكبير).
قولُهُ تَعَالى: {وَقُلْ} الواوُ: للعطْفِ، قولُهُ تَعالى: {قُلْ} فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مَعطوفَةٌ على جملةِ {ادْفَعْ} مِنَ الآيَةِ الَّتي قَبْلَهَا عَلَى كَوْنِهَا جملةً مُسْتَأْنَفَةً لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {رَبِّ} مَنْصوبٌ عَلَى النِّداءِ، وَعَلَامَةُ نَصْبِهِ فَتْحَةٌ مُقدَّرَةٌ عَلَى مَا قَبْلِ ياءِ المُتَكَلِّمِ المَحْذوفةِ تَخْفيفًا، لِانْشِغالِ المَحَلِّ بِالْحَرَكةِ المُنَاسِبةِ لِلياءِ، وَهوَ مُضَافٌ، وَيَاءُ المُتَكَلِّمِ المَحذوفَةُ للتَّخْفيفِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، وُجُمْلَةُ النِّدَاءِ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، مَقُولُ القوْلِ لِـ "قُلْ".
قولُهُ: {أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} أَعوذُ: فِعْلٌ مُضارِعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ مُسْتتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنَا) يعودُ على حضرةِ نَبِيِّنا مُحَمِّدٍ ـ صلَّى الهُر عليْهِ وسلَّمَ، و "بك" الباءُ حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ (أَعُوذُ)، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "منْ" حرفُ جَرٍّ مُتعلِّقٌ بـ "أعوذُ" أَيْضًا، ويجوزُ أنْ يتعلَّقَ بِمَحْذوفِ حَالٍ مِنْ ضميرِ الفاعِلِ في "أَعُوذُ"، والتقديرُ: حالَ كونِيَ خَائِفًا، أَوْ هَارِبًا. وَ "همَزاتِ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ مُضافٌ، و "الشَّياطينِ" مجرورٌ بالإضافةِ إلَيْهِ، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هذِهِ في محلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القولِ لـ "قُلْ".