قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً} تقدَّمَ في الآيةِ التي قبلَها ذِكْرُ مَا يُلقي الشيْطانُ في أُمْنِيَةِ الأَنْبِيَاءِ والمُرْسَلِينَ ـ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ، وَقَدْ عَرَضْنَا أَقْوَالَ عُلَماءِ التَّفْسيرِ في ذَلِكَ بالتَّفْصيلِ، وَالجُمْلَةُ هُنَا تَقُولُ بِأَنَّ للهِ في ذَلِكَ حِكْمَةً بالِغَةً ـ وَكَذلكَ كُلُّ أَقوالِهِ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالى، وَأَفْعَالِهِ، وَالحِكْمَةُ هُنَا أَنَّ ذَلِكَ الإلْقاءَ إِنَّما هوَ فِتْنَةٌ، أَيْ: ابْتِلاءٌ، واخْتِبارٌ. فَلامُ الجَرِّ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ: {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} مِنَ الآيةِ السَّابقةِ، أَيْ: لِيَجْعَلَ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً وابْتِلَاءً.
وَالْجَعْلُ هُنَا: جَعْلُ نِظَامِ تَرَتُّبِ الْمُسَبِّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا، وَتَكْوِينِ تَفَاوُتِ الْمَدَارِكِ وَمَرَاتِبِ دَرَجَاتِهَا. أَيْ: أَنَّ اللهَ مَكَّنَ الشَّيْطَانَ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِأَصْلِ فِطْرَتِهِ مِنْ يَوْمِ خَلَقَ فِيهِ دَاعِيَةَ الْإِضْلَالِ، وَنَسْخُ مَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ بِوَاسِطَةِ رُسُلِهِ وَآيَاتِهِ لِيَكُونَ مِنْ ذَلِكَ فِتْنَةُ ضَلَالِ كُفْرٍ وَهَدْيُ إِيمَانٍ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْقَابِلِيَّاتِ. فَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الحِجْرِ: {قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قالَ هَذَا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ} الآياتِ: (39 ـ 42). وَلَامُ "لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً" مُسْتَعَارٌ لِمَعْنَى التَّرَتُّبِ مِثْلُ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورةِ الْقَصَص: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا} الآيةَ: 8. وَهِيَ مُسْتَعَارَةٌ لِمَعْنَى التَّعْقِيبِ الَّذِي حَقُّهُ أَنْ يَكُونَ بِحَرْفِ الْفَاءِ، أَيْ تَحْصُلُ عَقِبَ النَّسْخِ الَّذِي فَعَلَهُ اللهُ فتْنَة من افْتتن مَنْ الْمُشْرِكِينَ بِانْصِرَافِهِمْ عَنِ التَّأَمُّلِ فِي أَدِلَّةِ نَسْخِ مَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ، وَعَنِ اسْتِمَاعِ مَا أَحْكَمَ اللهُ بِهِ آيَاتِهِ، فَيَسْتَمِرُّ كُفْرُهُمْ وَيَقْوَى.
وَأَمَّا لَامُ {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} الآيةَ: 54، التاليةِ من هَذِهِ السُّورةِ المُباركةِ فَهِيَ عَلَى أَصْلِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ، أَي ينْسَخ الله مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ لِإِرَادَةِ أَنْ يَعْلَمَ الْمُؤْمِنُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ بِرُسُوخِ مَا تَمَنَّاهُ الرَّسُولُ وَالْأَنْبِيَاءُ لَهُمْ مِنَ الْهُدَى كَمَا يَحْصُلُ لَهُمْ بِمَا يُحْكِمُ اللهُ مِنْ آيَاتِهِ ازْدِيَادُ الْهُدَى فِي قُلُوبِهِمْ.
قَوْلُهُ: {لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} مَرَضٌ: أَيْ: مَرَضُ البَاطِنِ مِنْ شَكٌّ وَشِرْكٌ وكُفْرٌ وَنِفَاقٌ وَشِقَاقٌ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ وشاكَلَهُ مِنْ الأَخْلَاقِ الذَّميمَةِ المُنْكَرَةِ الَّتي قدْ تُعَشِّشِ في النَّفسِ الإنسانيَّةِ فتحرِفُها عنْ طريقِ الحَقِّ والصِّدْقِ وَالخَيْرِ، وتَسْلُكُها في سُبُلِ الغوايةِ والضلالِ، وَتُبعدُها عن طَريقِ الخيرِ والهدَايةِ. وَالَّذينَ فِي قُلوبِهِمْ مَرَضٌ هُمُ المتذَبْذِبونَ المُتَرَدِّدونَ فِي إِيمَانِهِمْ والمُتَأَرْجِحُونَ في قَبُولِ دِينِ اللهِ ـ جلَّ وَعَلَا، وشَريعَتِهِ منهَجًا لَهُمْ يَضْبِطُونَ عَليْهِ إِيقاعاتِ حَيَاتِهِم.
قولُهُ: {وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} هُمُ المُشْرِكِونَ العُتَاةُ الأَجْلَافُ الَّذينَ لَا تَلِينُ قُلُوبُهُم لِأَمْرِ اللهِ. قالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، فيما رَوَاهُ عَنْهُ الطَّبَرِيُّ في تفسيرِهِ: (17/191)، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
فقدْ اهْتَبَلَ المُتَرَدِّدُونَ وَالْمُنَافِقُونَ والمُشْرِكونَ جميعًا بِذَلِكَ الإِلْقاءِ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَإِنَّما كانَ الإِلْقَاءُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ وَوَسْوَسَتِهِ، فَافْتُتِنُوا بِهِ وصَدَّقوهُ وفرِحوا بِذَلِكَ.
وَقَدَ أَرَادَ اللهُ ـ تَعَالَى، فِتْنَتَهُمْ بِذَلِكَ الإِلقَاءِ وَالإِضْلَالِ في مُحَاوَلَةٍ منْهُ صَرْفَ النَّاسِ عَنْ دَعْوَةِ الحَقِّ، بِإِلْقَاءِ الأَبَاطِيلِ فِي نُفُوسِهِمْ، لِتَثْبِيتِهِمْ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ مِنْ ضَلالٍ وشِركٍ.
قولُهُ: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} الشِّقاقُ: والمُشَاقَّةُ: العَداوَةُ الخِلَافُ. ومنْ ذلكَ قولُهُ تَعَالى مِنْ سورةِ (ص): { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} الآيةَ: 2، وقولِهِ مِنْ سُورةِ الحَشْرِ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} الآيةَ: 4.
وَشَقَّ الأَمْرُ: صَعُبَ وعَسُرَ، كَالشِقِّ، وَالمَشَقَّةِ، ومِنْهُ قَوْلُهُ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورةِ النَّحْلِ: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} الآيةَ: 7. وقولُهُ مِنْ سُورةِ القَصَص: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِين} الآيَةَ: 27.
وَالشَقُّ ـ بالفَتْحِ: الصُّبْحُ. وشِقُّ الشَّيْءِ: نِصْفُهُ. وَالشِقُّ أَيْضًا: الأَخُ الشَقيقُ. وَالشِقُّ: النَّاحِيَةُ. وفلانٌ شَقيقُ فَلَانٍ، أَيْ أَخُوهُ مِنْ أُمَّهِ وأَبِيهَ. وَعَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ أَبي زُبَيْدٍ الطائيِّ، حَرْمَلَةُ بْنُ المُنْذِرِ، وَقَدْ صَغَّرَهَ:
يَا ابْنَ أُمِّي وَيَا شُقَيِّقَ نَفْسي ................. أَنْتَ خَلَّفْتَنِي لِدَهْرٍ شَدِيدِ
والشَقيقَةُ: الفُرْجَةُ بَيْنَ الحَبْلينِ مِنْ حِبَالِ الرَّمْلِ تَنْبُتُ فيها الأَعْشابُ، والجَمْعُ شَقائِقُ. وَعَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ شَمْعَلَةَ بْنِ الأَخْضَرِ بْنِ هُبَيْرَةَ الضَّبِيِّ فِي قَتْلِهِ بسْطَامَ بْنِ قَيْسٍ الشَّيْبَانِي:
وَيَوْمَ شَقيقَةِ الحَسَنَيْنِ لَاقَتْ .................. بَنُو شَيْبَانَ آجالًا قِصَارَا
شَكَكْنَا بالأَسِنَّةِ وَهْيَ زُورٌ .............. صِماخَيْ كَبْشِهم حتى اسْتَدارا فَخَرَّ عَلى الأَلاءَةِ لَمْ يُوَسَّدْ .................. وَقَدْ كَانَ الدِّمَاءُ لَهُ خِمَارَا
وقالَ لَبِيدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
خَنْسَاءُ ضَيَّعَتِ الفَرِيرَ فلَمْ يَرِمْ .......... عُرْضَ الشَّقائِقِ طَوْفُهَا وبُغَامُها
وقالَ ذو الرُّمَّةِ:
عَنوُدُ النَّوَى حُلَّالَةٌ حَيْثُ تَلْتَقي .......... جِمَادٌ وشَرْقيَّاتُ رَمْلِ الشَّقائِقِ
وشَقَقْتُ الشَّيْءَ فانْشَقَّ. وشَقَّ نابُ البَعِيرِ: طَلَعَ. وشَقَّ العَصَا: مُفَارَقُ الجَمَاعَةِ. وانْشَقَّتِ العَصَا، تَفَرَّقَ الأَمْرُ.
قولُهُ تَعَالَى: {لِيَجْعَلَ مَا} اللَّامُ: لامُ "كَيْ" حَرْفُ جَرٍّ وَتَعْلِيلٍ، أَوْ أَنْ تكونَ العاقِبَةَ. وَ "يَجْعَلَ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "أَنْ" مُضْمَرَةً بَعْدَ لَامِ "كَيْ"، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جَوَازًا تَقْديرُهُ (هُوَ) يَعُودُ عَلَى اللهِ ـ تَعَالَى. وَ "مَا" مَوْصُولَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّكون فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ "يَجْعَل" الأَوَّلُ، أَوْ هِيَ نَكِرَةٌ مَوْصوفةٌ. ويَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً. وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِه مَعَ "أَنْ" المُضْمَرَةِ فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بِاللَّام، والتقديرُ: لَجَعَلَ اللهُ مَا يُلْقي الشَّيْطانُ فِتْنَةً، لِلَّذينَ فِي قُلوبِهمْ مَرَضٌ. الجارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِـ {يُحْكِمُ}. وَهُوَ الأَظْهَرُ، أَيْ: يُحْكِم اللهُ آياتِهِ لِيَجْعَلَ .. . وَقَوْلُهُ: "وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" جُمْلَةٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ. وَإِلَى هَذا الوجْهِ نَحَا الحُوفِيُّ. وَيَجوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِـ {يَنْسَخُ}، وَإِلَيْهِ نَحَا ابْنُ عَطِيَّةَ. وَهُوَ ظَاهِرٌ أَيْضًا. وَقيلَ يَجُوزُ أَيضًا أَنْ تَتَعَلَّقَ بـ "أَلْقَى"، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ.
قوْلُهُ: {يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً} يُلْقِي: فعلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رفعِهِ ضمَّةٌ مُقدَّرةٌ عَلى آخِرِهِ لِثِقَلِها عَلى الياءِ. وَ "الشَّيْطَانُ" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ. والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ صِلَةٌ لِـ "مَا" المَوْصولَةِ لا مَحَلَّ لهَا مِنَ الإعرابِ. أَوْ صِفَةٌ لَهَا في محلِّ النَّصْبِ إِنْ كانتْ نَكِرةً مَوصوفةً، والعائِدُ، أَوِ الرَّابِطُ مَحْذوفٌ والتقديرُ: مَا يُلْقِيهِ الشَّيْطانُ. و "فِتْنَةً" مَفْعُولُ "يَجْعَل" الثاني.
قولُهُ: {لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} لِلَّذِينَ: اللَّامُ: حَرْفُ جَرٍّ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "فِتْنَةً"، أَوْ بِصِفَةٍ لها. و "الذينَ" اسْمٌ مَوْصولٌ مَبْنِيٌّ عَلى الفَتْحِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "فِي" حرفُ جَرٍّ مُتعَلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ. و "قُلُوبِهِمْ" مجرورُ بحرفِ الجَرِّ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والميمُ للجمعِ المُذَكَّرِ. و "مَرَضٌ" مَرفوعٌ بالابْتِداءِ مُؤَخَّرٌ. وَ "الْقَاسِيَةِ" مَعْطُوفٌ عَلَى الَّذينَ مَجرورٌ مِثْلُهُ، وهوَ مُضافٌ. وَ "أَلْـ" فيهِ مَوْصُولَةٌ، والصِّفَةُ صِلَتُها، وُ "قلوبُهم" فَاعِلٌ بِهَذِهِ الصِّفةِ المُشبَّهةِ بالفِعلِ، وَهوَ مضافٌ، والهاءُ ضَمِيرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ وَهُوَ عائدُ المَوْصُولِ، وَأُنِّثَتِ الصِّلَةُ لِأَنَّ مَرْفُوعَهَا مُؤَنَّثٌ مَجَازِيٌّ، وَلَوْ وُضِعَ فِعْلٌ مَوْضِعَهَا لَجَازَ تَأْنِيثُهُ، والميمُ لتَذْكيرِ الجَمْعِ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الاسْميَّةُ صِلَةٌ لِلِاسْمِ المَوْصُولِ "الذينَ" فَلَا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} الوَاوُ: حَالِيَّةٌ، أَوِ اسْتِئْنَافِيةٍ. و "إِنَّ" حَرْفٌ نَاصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ للتوكيدِ. و "الظالمينَ" اسْمُهُ منصوبٌ بهِ، وعلامةُ نَصْبِهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المُذَكَّرِ السَّالِمُ. و "لَفِي" اللَّامُ المُزحلقةُ للتوكيدِ (حَرْفُ ابْتِدَاءِ). و "في" حَرْفُ جَرٍّ مُتعلِّقٌ بِخبرِ "إِنَّ" المُقدُّرِ، وَ "شِقَاقٍ" مَجْرُورٌ بحرفِ الجَرِّ. و "بَعِيدٍ" صِفَةٌ لـ "شِقَاقٍ"، ومجرورةٌ مثلُهُ. وَجُمْلَةُ "إِنَّ" فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحالِ مِنَ الاسمِ المَوْصُولِ "الذين" وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَالرَّابِطُ إِعَادَةُ صَاحِبِ الحَالِ بِمَعْنَاهُ، وَالتَّقْديرُ: حَالَةَ كَوْنِ الذينَ في قلوبِهم مَرَضٌ، وَالقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم كَائِنين في شِقاقٍ بَعِيدٍ، وَيجوزُ أَنْ تكونَ جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةً لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.