الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 72

قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)


قولُهُ ـ تَعَالى شأْنُهُ: {قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} القائلُ هوَ الخَضِرُ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَيْ: أَتُقِرُّ أَنِّي قُلْتُ إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ مَعِي صَبْرًا؟. لأَنَّكَ تَنْظُرُ إِلَى هَذَا مِنْ حَيْثُ العِلْمِ، وَأَنَا أُجْريهِ مِنْ حَيْثُ الحُكْمِ. وَالمُخاطَبُ هُوَ مُوسَى ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ.
وهَذَا اسْتِفْهَامٌ تَقْرِيرِيٌّ وَتَعْرِيضٌ بِاللَّوْمِ لِسَيِّدِنا مُوسَى عَلَى عَدَمِ وَفَائهِ بِمَا الْتَزَمَ بِهِ للخَضِرِ عندما التَقَيا، واشْتَرَطَ الخضِرُ عَلى موسَى ألَّا يسْأَلَهُ عنْ شيءٍ يراهُ مِنْهُ حتَّى يَكونَ الخَضِرُ هوَ الذي يحدِّثُهُ ويَشْرَحُ لَهُ الأَسْبابَ التي حَمَلَتْهُ عَلى أَنْ يَفعَلَ ما يَفعلَ، ووافقَ مُوسَى عَلى ذَلِكَ وتعهَّدَ لهُ أَنْ يَلْتَزِمَ بِهِ. وَاسْتِطَاعَةُ الصَّبْرِ الْمَنْفِيَّةُ هِيَ الَّتِي تَكُونُ فِي صُحْبَتِهِ لِأَنَّهُ يَرَى أُمُورًا عَجِيبَةً لَا يُدْرِكُ تَأْوِيلَهَا. وَقدْ حُذِفَ مُتَعَلِّقُ الْقَوْلِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ، أَيْ: أَلَمْ يَقَعْ مِنِّي قَوْلٌ خاطَبْتُكَ فِيهِ بِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِكَ الصَّبرَ عَلى ما سَوْفَ تَرَاهُ.
قوْلُهُ تَعَالى: {قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} قَالَ: فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنيٌّ عَلى الفتحِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هوَ) يَعودُ عَلَى موسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، والجُمْلَةُ الفعليَةُ هذِهِ مُسْتَأْنفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإِعْرَابِ. و "أَلَمْ" الهَمْزَةُ هنا للاسْتِفْهامِ التَقْريرِيِّ، و "لَمْ" حرفٌ للجَزْمِ والنَّفْيِ والقلْبِ. و "أَقُلْ" فعلٌ مُضارعٌ مَجْزومٌ بها، وَفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فِيهِ وُجوبًا تقديرُهُ "أَنَا" يَعُودُ عَلَى الخَضِرِ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَالجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بـ "قالَ". و "إِنَّكَ" إِنَّ: حرفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعلِ، وَكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ اسْمًا لِـ "إِنَ". و "لَنْ" حرْفٌ للنَّصْبِ والنَّفْيِّ. و "تَسْتَطِيعَ" فعلٌ مضارعٌ مَنْصوبٌ بـ "لَنْ" وَفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا مُوسَى عَلَيْهِ السَلامُ. و "مَعِيَ" مَنْصوبٌ عَلى الظَرْفيَّةِ الاعْتِباريَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَسْتَطِيعَ"، أَوْ بِمَحْذوفِ حَالٍ مِنْ فَاعِلِ "تَسْتَطِيعَ" فَاسْتِطَاعَةُ الصَّبْرِ الْمَنْفِيَّةُ هِيَ الَّتِي تَكُونُ فِي صُحْبَتِهِ لِأَنَّهُ يَرَى أُمُورًا عَجِيبَةً لَا يُدْرِكُ تَأْوِيلَهَا. و "صَبْرًا" مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصوبٌ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرًا لِـ "إِنَّ"، وَجُمْلَةُ "إِنَّ" فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بِـ "أَقُلْ".