روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 31

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 31 Jb12915568671



الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 31 Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 31   الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 31 I_icon_minitimeالأحد أغسطس 11, 2019 1:36 pm

أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)


قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} هم الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ، الذينَ تَعَهَّدَ المَوْلَى الكريمُ فِي الآيَةِ التي قَبْلَها أَنْ لا يُضيِّعَ لَهُمْ أَجْرًا، وَقَالَ هَهُنا بِأَن َّلَهُمْ جنَّاتُ عدْنٍ"، فقَدْ جاءَتْ هَذِهِ الآيةُ الكَريمةُ لِتُبَيِّنَ الأَجْرَ الذي وَعَدَهمْ بِهِ اللهُ ـ جَلَّ وَعَلا، بِمَحْضِ جُودِهِ وكَرَمِهِ وإِحسانِهِ وفضْلِهِ.
وَ "جَنَّاتُ عَدْنٍ" أَيْ جَنَّاتُ الإِقَامَةِ الدائمَةِ، قِيلَ: هِيْ وَسَطُ الجَنَّةِ، فهِيَ سُرَّةُ الْجَنَّةِ، وَسَائِرُ الْجَنَّاتِ مِنْ حَوْلِها مُحْدِقَةٌ بِهَا. وَقَدْ جاءَتْ (جَنَّاتُ) بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِسَعَتِهَا. وَقِيلَ: لِأَنَّ كُلَّ بُقْعَةٍ مِنْهَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ جَنَّةً مُسْتقلَّةً.
وَالْعَدْنُ: الْإِقَامَةُ في المكانَ، يُقَالُ: عَدَنَ فلانٌ بِمَكَانِ كَذا إِذَا لَزِمَهُ وأَقَامَ فيهِ، وتَقُولُ: عَدَنْتُ الْبَلَدَ إِذا تَوَطَّنْتَهُ وأَقَمْتَ فيهِ فلمْ تَبْرَحْ منْهُ. وَمنْهُ قالوا: مَعْدِنُ الشَيْءٍ مَرْكَزُهُ وأَصْلُهُ. وَ (عَدَنُ) اسْمُ بَلَدٌ جَنُوبِيَّ اليَمَنِ.
قولُهُ: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ} تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ مَعْنَى "تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ" تَجْرِي مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِ الجنَّاتِ التي هُمْ فِيهَا، أَوْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِ قُصُورِهَا لأَنَّ أَرْضَها شَفَّافَةٌ كالزُجاجِ، أَوْ لأَنَّ الأَنْهارَ مُغَطَّاتٌ بِالزُّجاجِ أَوْ مَا يُشْبِهُهُ، فهم يَجْلسونَ فوْقَها أَوْ يَمْشُونَ عَلَيْها. فَقُولُهُ تَعَالى: "مِنْ تَحْتِهِمُ"، بِمَنْزِلَةِ لَوْ أَنَّهُ قِيلَ: "مِنْ تَحْتِهَا" لِأَنَّ تَحْتَ جَنَّاتِهِمْ هُوَ تَحْتٌ لَهُمْ. وَاللَّامُ فِي "لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ: للْمُلْكِ. وَ "مِنْ" لِلِابْتِدَاءِ، وَمثلُ ذلكَ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ سورةِ بَرَاءَة: {وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} الآيةَ: 72. فقد جُعِلَتْ جِهَةُ "تَحْتِهُمْ" مَنْشَأً لِجَرْيِ الْأَنْهَارِ. وَفي إِيثَارِ إِضَافَةِ "تَحْتَ" إِلَى ضَمِيرِ سكانِ الجِنَانِ دُونَ ضَمِيرِ الْجَنَّاتِ نَفْسِها، زِيَادَةٌ في تَقْرِيرِ الْمَعْنَى الَّذِي أَفَادَتْهُ لَامُ الْملْكِ، فَاجْتَمَعَ فِي هَذَا الْخَبَر عدَّةُ مُقَرِّراتٍ لِمَضْمُونِهِ، وَهِيَ: التَّأْكِيدُ مَرَّتَيْنِ، وَذِكْرُ اسْمِ الْإِشَارَةِ. وَلَامِ الْمِلْكِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ جَرِّ اسْمِ الْجِهَةِ بِـ "مِنْ"، وَإِضَافَةِ اسْمِ الْجِهَةِ إِلَى ضَمِيرِهِمْ، التَّعْرِيضُ بِإِغَاظَةِ الْمُشْرِكِينَ، وبِشَارَةُ الْمُؤْمِنِينَ أَتَمَّ بِشَارَةٍ.
قولُهُ: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} يُحَلَّوْنَ: و "يَحْلَوْنَ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ خَفِيفَةً أَيْضًا، يُلْبَسُونَ الحُلِيَّ، وحَلِيَتِ الْمَرْأَةُ، تَحْلَى، فَهِيَ حَالِيَةٌ، أَيْ لَبِسَتِ الْحُلِيَّ. وَحَلِيَ الشَّيْءُ بِعَيْنَيَّ يَحْلَى: أَيْ: حَسُنَ وَجَمُلَ.
وَ "أَسَاوِرَ" جمْعُ أَسْوِرةٍ، وَأَسْوِرَةٌ جَمْعُ سِوَارٍ، كَ "حِمَارٍ" و "أَحْمِرة"، فَهُوَ جَمْعُ الجَمْعِ. جمع إسْوار. وأَنْشَدوا عَلَيْهِ مِنَ الرَّجَزِ:
واللهِ لولا صِبْيَةٌ صِغَارُ ........................... كأَنَّما وُجُوهُهمْ أَقْمارُ
تَضُمُّهم مِنَ العَتيكِ دارُ ...................... أَخَافُ أَنْ يُصِيبَهُمْ إِقْتَارُ
أَوْ لاطِمٌ لِيْسَ لَهُ إِسْوارُ .......................... لَمَّا رَآني مَلِكٌ جَبَّارُ
بِبَابِهِ مَا طَلَعَ النَّهَارُ
وقالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ جَمْعُ "إِسْوَارٍ" عَلَى حَذْفِ الزِّيادَةِ، وَأَصْلُهُ أَسَاوِير. والسَّوارُ يُجْمَعُ في القِلَّةِ عَلَى "أَسْوِرةٍ" وَفي الكَثْرَةِ عَلى "سُور" بِسُكونِ الواوِ، وأَصْلُهَا ك "قُذُلٍ" و "حُمُرٍ"، وَإِنَّما سُكِّنَتْ لِأَجْلِ حَرْفِ العِلَّةِ. وَقَدْ يُضَمُّ في الضَّرورَةِ، وَقاَلَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
عَنْ مُبْرِقاتٍ بالبُرِيْنَ وتَبْــ ................ ــدُو في الأكفِّ اللامعاتِ سُوُرْ
قولُهُ: المُبْرِقات: النِّساءُ المُتَزَيِّناتُ، وَ البُرِينِ: جَمْعُ بُرَّةٍ، أَيْ: الحُلِيُّ، وَسُوُر: جَمْعُ سِوارٍ. وَهُوَ ما يُلْبَسُ فِي الذِّرَاعِ، إِذا كانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ نُحَاسٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ سُمِّيَ (قُلْبٌ) وَيُجَمَعُ عَلَى (قَلِبَة)، فَإِنْ كَانَ مِنْ قَرْنٍ أَوْ عَاجٍ، سُمِّيَ مَسْكَةٌ، وَجُمِعَ عَلَى (مَسَكٌ). وَ "مِنْ" فِي قَوْلِهِ "مِنْ ذَهَبٍ" قيلَ: هِيَ لِلْبَيَانِ، وقيلَ غيرُ ذَلِكَ كما سَيَأْتي تفصيلُهُ في مَبْحَثِ الإِعْرَابِ، إِنْ شاءَ اللهُ.
وَفِي الْكَلَامِ هُنَا اكْتِفَاءٌ، والمَعْنَى: مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، فَهُوَ كَمَا قالَ تَعَالَى فِي الآيَةِ: 21، مِنْ سُورَةِ الْإِنْسَان: {وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} فَاكْتَفَى فيها بِذِكْرِ الْفِضَّةِ عَنْ ذِكْرِ الذَّهَبِ، فَإِنَّ المَعْنَى: وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ أَسْوِرَةٍ: وَاحِدٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَوَاحِدٌ مِنْ وَرِقٍ، وَوَاحِدٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ. وهَذَا مَنْصُوصٌ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ هُنَا" مِنْ ذَهَبٍ" وَقَالَ فِي سورةِ الْحَجِّ: { {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} الآية: 23، وَقالَ مِنْ سُورَةِ فاطِر: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} الآية: 33، وَقالَ مِنْ سُورَةِ الْإِنْسَانِ: {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} الآية: 21. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: سَمِعْتُ خَلِيلِي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ} خَرَّجَهُ الأَئِمَّةُ: أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: (2/232، 371). ومُسْلِمٌ بِرَقَم: (246). والنَّسَائيُّ في الطَّهَارَةِ، باب: (109)،
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وأَبُو نُعَيْمٍ فِي (صَفَةُ الجَنَّةِ) عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ((قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَ فَبَدَتْ أَسَاوِرُهُ، لَطَمَسَ ضَوْؤُهُ ضَوْءَ الشَّمْسِ كَمَا يُطْمَسُ ضَوْءُ النُّجُومِ)) وأَخْرَجَهُ التِرْمِذِيُّ أَيْضًا: (2538).
وَأَخَرْجَ ابْنُ عَسَاكِرَ: (40/413). والطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ: (8/363، رقم: 8879)، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي (الْبَعْثُ والنُّشُورُ): (1/309)، بِسَنَدٍ حَسَنٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: ((لَوْ أَنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ حِلْيَةً عَدَلَتْ حِلْيَتُهُ بِحِلْيَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا جَمِيعًا، لَكَانَ مَا يُحَلِّيهِ اللهُ بِهِ فِي الآخِرَةِ أَفْضَلَ مِنْ حِلْيَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا جَمِيعًا)).
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، فِي (العَظَمَةِ)، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ للهِ مَلَكًا ـ وَفِي لَفْظٍ: فِي الْجَنَّةِ مَلَكٌ، لَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَهِ لَسَمَّيْتُهُ، يَصُوغُ حُلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، مِنْ يَوْمِ خُلِقَ إِلَى أَنْ تَقومَ السَّاعَةُ، وَلَوْ أَنَّ حُلِيًّا مِنْهَا أُخْرِجَ لَرَدَّ شُعَاعَ الشَّمْسِ.
وَإِنَّ لأَهْلِ الْجَنَّةِ أَكَالِيلُ مِنْ دُرِّ لَوْ أَنَّ إِكْليلًا مِنْهَا دُلِّيَ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، لَذَهَبَ بِضَوْءِ الشَّمْسِ، كَمَا تَذْهَبُ الشَّمْسُ بِضَوءِ الْقَمَرِ).
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يُحَلَّوْنَ أَسْوَرَةً مِنْ ذَهَبٍ ولُؤْلُؤٍ وَفِضَّةٍ هِيَ أَخَفُّ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّمَا هِيَ نُورٌ.
وَأَخْرَجَ عبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ" قَالَ: الأَسَاوِرُ الْمَسَكُ. وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَمْنَعُ أَهْلَهُ الْحِلْيَةَ وَالْحَرِيرَ وَيَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ حِلْيَةَ الْجَنَّةِ وَحَريرَهَا فَلَا تَلْبُسُوهُما فِي الدُّنْيَا.
قولُهُ: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} اللِّبَاسُ: هو سَتْرُ الْبَدَنِ بِثَوْبٍ قَمِيصًا كانَ أَوْ إِزَارٍ أَوْ رِدَاءٍ، وَذَلِكَ لِلْوِقَايَةِ مِنَ الْحَرِّ وَالْقرِّ والأَذَى وَلِلتَّجَمُّلِ بهَا وزينَةً. وَالثِّيَابُ: جَمْعُ ثَوْبٍ، وَهُوَ الشُّقَّةُ مِنَ النَّسِيجِ. وَقد خُصَّ ذو اللَّوْنِ الْأَخْضَرِ منها بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلْبَصَرِ، فَهُوَ أَعْدَلُ الْأَلْوَانِ عِنْدَ النَّظَرِ وَأَنْفَعُهَا لَلبَصَرِ، فالْبَيَاضُ يُبَدِّدُ النَّظَرَ وَيُؤْلِمُهُ لِحِدَّتِهِ، وَالسَّوَادُ مَذْمُومٌ لِغُمُوضِهِ، أَمَّا الْأخْضَرُ فهو بَيْنَ الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ، وَقد كَانَتِ الثِّيَابُ المَصْبُوغَةُ بِالْأَلْوَانِ الثَّابِتَةِ الَّتِي لَا تزولُ بالْغَسْلِ نَادِرَةً في تِلْكَ العُصورِ لِقِلَّةِ الْأَصْبَاغِ الثَّابِتَةِ، وَلَا تَكَادُ تَعْدُو الْأَخْضَرَ والأصفرَ وَالْأُرْجُوَانِيَّ الْأَحْمَرَ. وَكانَ الأَصْفَرُ أَكْثرَها تَدَاوُلًا عِنْدَ الْعَرَبِ فكانُوا يَصْبِغونَ ثِيَابهم بِالْوَرَسِ وَالزَّعْفَرَانِ وَكِلاهما أَصْفَرَ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَإِنَّمَا لَوْنُهُ لَوْنُ مَا يُنْسَجُ مِنْهُ مِنْ صُوفِ الْغَنَمِ فيكونُ ـ في الغالبِ أَبْيَضَ اللونِ، أَوْ أَسْوَدَ، أَوْ مِنْ وَبَرٍ الإبِلِ، أَوْ شَعْرِ الْمَعِزِ، فيكونُ لونُها بحسَبِ أَلْوانِها، أَوْ مِنْ كَتَّانٍ أَبْيَضَ. وَكَانَ اللونُ الأَخْضَرُ مِنْ شِعَارِ الْمُلُوكِ الغَسَاسِنَةِ، وَهُمْ عَرَبُ بلادِ الشَّامِ، ذكَرَ ذلكَ النَّابِغَةُ الذُّبيانيُّ في مَدْحِهِ للمَلِكِ الغسَّانيِّ المُنْذِرِ بْنِ مَاءِ السَّمَاءِ فقالَ:
يَصُونُونَ أَجْسَادًا قَدِيمًا نَعِيمُهَا ......... بِخَالِصَةِ الْأَرْدَانِ خُضْرِ الْمَنَاكِبِ
قولُهُ: خَالِصَةِ الْأَرْدَانِ: أَيْ بِيضِ الْأَكْمَامِ. وخُضْرُ المَنَاكِبِ: أَيْ إنَّهم في خِصْبٍ عَظِيمٍ وَسَعَة وثَرَاءٍ، لِأَنَّ اللَّوْنَ الأَخْضَرَ هوَ عُنْوانُ الخِصْبِ.
والسُّنْدُسُ: هو صِنْفٌ رَقِيقٌ رَفيقٌ مِنَ الثِّيَابِ، يُلْبَسُ مُبَاشِرًا للجِلْدِ لِيَقِيَهُ غِلَظَ الإسْتَبْرَقِ، يُنْسَجُ مِنَ الدِّيباجِ، وَهُوَ الْحَرِيرُ، وَاحِدُهُ سُنْدُسَةٌ. قَالَ الشَّاعِرُ الجاهليُّ المُرَقَّشُ، رَبيعَةُ (أَوْ عَمْرُو) بْنُ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ:
تَرَاهُنَّ يَلْبَسْنَ الْمَشَاعِرَ مَرَّةً ............. وَإِسْتَبْرَقُ الدِّيبَاجِ طَوْرًا لِبَاسُهَا
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبي الْخَيْرِ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ تُنْبِتُ السُّنْدُسَ، مِنْهُ تَكونُ ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِم عَنْ عبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: يَبْعَثُ اللهُ إِلَى العَبْدِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِالْكِسْوَةِ فَتُعْجِبُهُ، فَيَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُ الْجِنانَ، فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذِهِ الْكِسْوَةِ قَطُّ، فَيَقُولُ الرَّسُولُ الَّذِي جَاءَ بِالكِسْوَةِ: إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُ أَنْ تُهَيَّئَ لِهَذَا العَبْدِ مِثْلُ هَذِهِ الْكِسْوَةُ مَا شَاءَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: لَوْ أَنَّ ثَوْبًا مِنْ ثِيَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ نُشِرَ الْيَوْمَ فِي الدُّنْيَا، لَصَعِقَ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَمَا حَمَلَتْهُ أَبْصَارُهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ سَليمِ بْنِ عَامِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَلْبَسُ الْحُلَّةَ مِنْ حُلَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَضَعُهَا بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ فَمَا يُرَى مِنْهَا شَيْءٌ وَإِنَّهُ يَلْبَسُهَا فَيَتَعَفَّرُ حَتَّى تُغَطِّي قَدَمَيْهِ، يُكْسَى فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ سَبْعينَ ثَوْبًا، إِنَّ أَدْناها مِثْلُ شَقِيقِ النُّعْمَانِ، وَإِنَّهُ يَلْبَسُ سَبْعِينَ ثَوْبًا يَكَادُ أَنْ يَتَوَارَى، وَمَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَلْبَسَ سَبْعَةَ أَثوَابٍ مَا يَسَعُهُ عُنُقُهُ.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبي رَافِعٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَفَّنَ مَيْتًا كَسَاهُ اللهُ مِنْ سُنْدُسِ وإسْتبْرَقِ الْجَنَّةِ.
والإِسْتَبْرقُ: هو الغَلِيظُ مِنَ الدِّيباجِ، ويكونُ في العادةِ مَنْسُوجً بِخُيُوطِ الذَّهَبِ، وَيُلْبَسُ فَوَقَ الثِّيابِ المُبَاشِرَةِ للجِلْدِ، وَيُصَغَّرُ عَلَى أُبَيْرِقٌ. وَقِيلَ: سُمِّيَ اسْتَبْرَقًا مِنَ بَرِيقِهِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: الاسْتَبْرَقُ: الدِّيباجُ الغَلِيظُ وَهُوَ بِلُغَةِ الْعَجَمِ اسْتَبْرَه.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: الاسْتَبْرَقُ الدِّيباجُ الغَليظُ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: الاسْتَبْرَقُ الغَلِيظُ مِنَ الدِّيباجِ. ورَوَى الإمامُ النَّسَائِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، قالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ، أَخَلْقٌ يُخْلَقُ أَمْ نَسْجٌ يُنْسَجُ؟ فَضَحِكَ بَعْضُ الْقَوْمِ. فَقَالَ لَهُمْ: "مِمَّ تَضْحَكُونَ مِنْ جَاهِلٍ يَسْأَلُ عَالِمًا"؟ فَجَلَسَ يَسِيرًا، أَوْ قَلِيلًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ))؟ فَقَالَ: هَا هُوَ ذَا يَا رَسُولُ اللهِ، قَالَ: ((لَا بَلْ تَشَّقَّقُ عَنْهَا ثَمَرُ الْجَنَّةِ)) قَالَهَا ثَلَاثًا. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: دَارُ الْمُؤْمِنِ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ فِي وَسَطِهَا شَجَرَةٌ تُنْبِتُ الْحُلَلَ، وَيَأْخُذُ بِأُصْبُعِهِ، ـ أَوْ قَالَ بِأُصْبُعَيْهِ، سَبْعِينَ حُلَّةً مُنَظَّمَةً بِالدُّرِّ وَالْمَرْجَانِ. ذَكَرَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، فِي تَفْسِيرِهِ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى، فِي رَقَائِقِهِ. وَذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الشَّريفِ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحُلَّةُ لَهَا وَجْهَانِ، لِكُلِّ وَجْهٍ لَوْنٌ، يَتَكَلَّمَانِ بِهِ بِصَوْتٍ يَسْتَحْسِنُهُ سَامِعُهُ، يَقُولُ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِلْآخَرِ: أَنَا أَكْرَمُ عَلَى وَلِيِّ اللهِ مِنْكَ، أَنَا أَلِي جَسَدَهُ، وَأَنْتَ لَا تَلِي. وَيَقُولُ الْآخَرُ: أَنَا أَكْرَمُ عَلَى وَلِيِّ اللهِ مِنْكَ، أَنَا أُبْصِرُ وَجْهَهُ، وَأَنْتَ لا تُبْصِرُ.
وَقد قُدِّمَ ذِكْرُ الْحُلِيِّ عَلَى اللِّبَاسِ هُنَا في هَذِهِ الآيةِ الكريمةِ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ صِفَةً لِلْجَنَّاتِ ابْتِدَاءً، وَلَمَّا كانَتْ مَظَاهِرُ الْحُلِيِّ أَبْهَجَ لِلْجَنَّاتِ، فقدْ قُدِّمَ ذِكْرُها وَأُخِّرَ اللِّبَاسَ، لِأَنَّ اللِّبَاسَ أَشَدُّ اتِّصَالًا بِأَصْحَابِ الْجَنَّةِ، ولَيسَ بِمَظَاهِرِ الْجَنَّةِ، وَعَكْسُ ذَلِكَ جاءَ فِي سُورَةِ الْإِنْسَانِ بِقَوْلِهِ: {عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ} الآية: 21، لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَالِكَ جَرَى عَلَى صِفَاتِ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ} الِاتِّكَاءُ: هُوَ جِلْسَةُ الرَّاحَةِ وَالتَّرَفِ. وَقد تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورةٍ يوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} الآية: 31.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَن ثَابتٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ الرَّجُلَ يَتَّكِئُ فِي الْجَنَّةِ سَبْعينَ سَنَةً عِنْدَهُ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَخَدَمِهِ، وَمَا أَعْطَاهُ اللهُ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ، فَإِذا حَانَتْ مِنْهُ نَظْرَةٌ، فَإِذا أَزْوَاجٌ لَهُ لَمْ يَكُنْ يَراهُنَ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ، فَيَقُلْنَ: قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ لَنَا مِنْكَ نَصِيبًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ مَالِكٍ الطَّائِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَّكِئُ المُتَّكَأَ مِقْدَارَ أَرْبَعِينَ سَنَةً مَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ وَلَا يَمَلُّهُ، يَأْتِيهِ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ وَلَذَّتْ عَيْنُهُ.
وَ "الْأَرَائِكُ" جَمْعُ أَرِيكَةٍ. وَهِيَ الِسَرِيرُ تكونُ فوقَهُ حَجَلَةٌ. وَالْحَجَلَةُ: قُبَّةٌ مِنْ ثِيَابٍ تَكُونُ فِي الْبَيْتِ تَجْلِسُ فِيهَا الْمَرْأَةُ أَوْ تَنَامُ فِيهَا. وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِلنِّسَاءِ: رَبَّاتُ الْحِجَالِ. فَإِذَا وُضِعَ فِيهَا سَرِيرٌ لِلِاتِّكَاءِ، أَو الِاضْطِجَاع فَهُوَ أَرِيكَةٌ. وَقد يَجْلِسُ فِيهَا أَيْضًا الرَّجُلُ مَعَ الْمَرْأَةِ، وَيَنَامُ أَيْضًا، وَيُعَدُ ذَلِكَ مِنْ التَّرَفِ. وَقِيلَ: الأَرائِكُ: الفُرُش في الحَجالِ أَيْضًا. وتَسْمِيَتُها بِذلِكَ: إِمَّا لِكَوْنِها في الأَرْضِ مُتَّخَذَةً مِنْ أَراكٍ، أَوْ مِنْ كَوْنِها مَكانًا للإِقامَةِ، وهو مِنْ قَوْلِهِمْ: أَرَكَ بِالمَكانِ أُرُوكًا، وَأَصْلُ الأُرُوكِ الإِقامَةُ عَلَى رَعْيِ الأَراكِ، ثُمَّ تُجُوِّزَ بِهِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الإِقامَاتَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: الأَرائِكُ السُّرُرُ فِي جَوفِ الحِجَالِ، عَلَيْهَا الْفَرْشُ مَنْضُودٌ فِي السَّمَاءِ فَرْسَخٌ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي (الْبَعْثِ والنُّشورِ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَا تَكونُ أَريكَةً. حَتَّى يَكُونَ السَّريرُ فِي الحَجَلَةِ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ حَجَلَةٍ لَمْ يَكُنْ أَريكةً، وَإِنْ كَانَتْ حَجَلَةً بِغَيْرِ سَرِيرٍ لَمْ تَكُنْ أَريكَةً، فَإِذا اجْتَمَعَتَا كَانَتْ أَريكَةً.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَهَنَّاد، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "عَلَى الأَرائكِ" قَالَ: السُّرُرُ عَلَيْهَا الحِجالُ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: الأَرائكُ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَيَاقُوتٍ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الأَرائِكِ فَقَالَ: هِيَ الحِجَالُ عَلَى السُّرُرِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي (الْوَقْفِ وَالابْتِداءِ) عَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ، قَالَ: لَمْ نَكُنْ نَدْرِي مَا الأَرائِكُ حَتَّى لَقينَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَأَخْبَرَنَا أَنَّ الأَريكةَ عِنْدَهُمُ الحَجَلَةُ إِذا كَانَ فِيهَا سَرِيرٌ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبي رَجَاءٍ قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ البَصْريُّ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُ، عَنِ الأَرائِكِ فَقَالَ: هِيَ الحِجَالُ، أَهْلُ الْيَمَنِ يَقُولُونَ: أَريكَةُ فُلَانٍ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: الأَرائِكُ: الحِجَالُ فِيهَا السُّرُرُ. واللهُ أَعلمُ.
قولُهُ: {نِعْمَ الثَّوَابُ} اسْتِئْنَافُ مَديحٍ، وَقد حُذِفَ منهُ مَخْصُوصُ فِعْلِ الْمَدْحِ لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ. وَالتَّقْدِيرُ: نِعْمَ الثَّوَابُ الْجَنَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِـ ... .
قولُهُ: {وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} الْمُرْتَفَقُ: مُسْتَعْمَلٌ هُنَا فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ بِخِلَافِ مُقَابِلهِ الْمُتَقَدِّمِ. وَقَدْ عُطِفَ عَلَيْهِ فِعْلُ إِنْشَاءٍ ثَانٍ وَهُوَ "حَسُنَ" لِأَنَّ (حَسُنَ)، وَ (سَاءَ) مُسْتَعْمَلَانِ اسْتِعْمَالَ (نِعْمَ) وَ (بِئْسَ) ولذلك فَقد عَمِلَا عَمَلَهُمَا. وَلِذَلِكَ كَانَ التَّقْدِيرُ: وَحَسُنَتِ الْجَنَّاتُ مُرْتَفَقًا. وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ فِي حِكَايَةِ حَالِ أَهْلِ النَّارِ وَساءَتْ مُرْتَفَقًا.
قولُهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} أُولئِكَ: "أُولاءِ" اسْمُ إِشَارَةٍ مَبْنِيٌّ عَلى الكَسْرِ في مَحَلِّ الرَّفعِ عَلى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ أَوَّلُ، والكَافُ للخِطابِ. وَ "لَهُمْ" اللامُ حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ للمُبْتَدَأِ الثاني، والهاءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ، والمِيمُ علامةُ الجَمْعِ المُذكَّرِ. و "جَنَّاتُ" مَرفوعٌ عَلى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ ثانٍ مُؤَخَّرٌ، وَهوَ مُضافٌ. وَ "عَدْنٍ" مَجْرُورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. وَالجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ هَذِهِ مِنَ المُبْتَدَأِ الثَانِي وَخَبَرِهِ في مَحَلِّ الرَّفعِ عَلَى كَوْنِها خَبَرًا للمُبْتَدَأِ الأَوَّلِ، وَالجُمْلَةُ الاسْميَّةُ مِنَ المُبْتَدَأِ الأَوَّلِ وخَبَرِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرٌ ثانٍ، لِـ "إِنَّ" الأُولَى أَيِّ جملة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} مِنَ الآيةِ التي قبلَها، أَوْ خَبَرٌ لَهَا، إِنْ قُلْنَا: إِنَّ جُمْلَةَ {إِنَّا لَا نُضِيعُ} هي جملةٌ مُعْتَرِضَةٌ.
قوْلُهُ: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ} تَجْرِي: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رَفْعِهِ الضمَّةُ المُقدَّرةُ عَلى آخِرِهِ، لِثِقَلِها على الياءِ. و "مِنْ" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَجْرِي". وَ "الْأَنْهارُ" فَاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ فِي مَحَلَّ الرَّفْعِ صِفَةً لِـ "جَنَّاتُ" أَوْ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى أَنَّها حَالٌ مِنْها.
قولُهُ: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} يُحَلَّوْنَ: فِعْلٌ مُضارعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعَلامةُ رَفْعِهِ ثَباتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجماعَةِ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبنيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ عَلى أَنَّهُ نائِبٌ عَنْ فَاعِلِهِ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ على أَنَّها خَبَرٌ ثانٍ لِـ "أُولئِكَ". وَ "فِيها" فِي: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُحَلَّوْنَ"، أَوْ بِحالٍ مِنْ "الواوِ" فِيها، أَيْ: حَالَةَ كَوْنِهِمْ مَوْجودينَ فِيهَا، وَ "هَا" ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِها، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. وَ "مِنْ أَساوِرَ" مِنْ: حَرْفُ جَرٍّ زَائدٌ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُحَلَّوْنَ"، وَهَذَا قوْلُ سَعيدٍ الأَخْفَشِ، وفيها ثلاثَةُ أَوْجُهٍ أَخْرَى ذَكَرَها العُكْبُرِيُّ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكونَ للابْتِداءِ، ويَجُوزُ أَنْ تَكونَ للتبْعيضِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكونَ لِبيَانِ الجِنْسِ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هِيَ الـ "أَسَاوِرَ". وَ "أَساوِرَ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ الزَّائدِ لَفْظًا، وعَلامَةُ جَرِّهِ الفَتْحَةُ نِيابَةً عَنِ الكَسْرةِ لأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ فَهُوَ عَلِى صِيغَةِ مُنْتَهَى الجُمُوعِ، وَهُوَ أَيْ "أَساوِرَ" مَنْصُوبٌ مَحَلًّا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ ثانٍ لِـ "يُحَلَّوْنَ". وَ "مِنْ ذَهَبٍ" مِنْ: حرفُ جَرٍّ يَجُوزُ أَنْ تَكونَ لِلْبَيَانِ، ويجوزُ أَنْ تَكونَ للتَّبْعيضِ، مُتَعَلِّقٌ بِـ صِفَةٍ لِـ "أَساوِرَ" فَمَوْضِعُهُ جَرٌّ، وَيَجوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِنَفْسِ "يُحَلُّوْنَ" فَمَوْضِعُهَا نَصْبٌ، وَ "ذَهَبٍ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ.
قولُهُ: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} وَيَلْبَسُونَ: الواوُ للعَطْفِ، وَ "يَلْبَسُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعَلامةُ رَفْعِهِ ثَباتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجماعَةِ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبنيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ فَاعِلُهُ، وَالجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جملةِ "يُحَلَّوْنَ" على كونِها في مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلى أَنَّها خَبَرٌ ثانٍ لِـ "أُولئِكَ". وقد بُنِيَ الفِعْلُ فِي التَحْلِيَةِ للمَفْعُولِ إِيذانًا بِكَرَامَتِهِمْ، وَأَنَّ غَيْرَهُمْ هو الذي يَفْعَلُ لَهُمْ ذَلِكَ وَيُزَيِّنُهم بِهِ، كَما قَالَ امْرِئِ القَيْسِ:
غَرَائرُ فِي كِنٍّ وَصَوْنٍ وَنَعْمَةٍ ................. يُحَلَّيْنَ ياقُوتًا وشَذْرًا مُفَقَّرا
بِخِلافِ اللِّبْسِ فإِنَّ الإِنسانَ يَتَعَاطَاهْ بِنَفْسِهِ. وَقُدِّمَ التَّحَلِّي عَلَى اللِّباسِ لأَنَّهُ الأَشْهَى للنَّفْسِ. و "ثِيابًا" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ. و "خُضْرًا" منصوبٌ على أَنَّهُ صِفَةٌ أُولى لِـ "ثِيابًا". و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِصِفَةٍ ثانِيَةٍ لِـ "ثِيابًا" أَوْ بحالٍ مِنْها لِتَخَصُّصِهِ بالصِّفَةِ، و "سُنْدُسٍ" مجرورٌ بحرْفِ الجَرِّ. و "وَإِسْتَبْرَقٍ" الواوُ: للعطْفِ، و "إِسْتَبْرَقٍ" مَعْطوفٌ عَلَى "سُنْدُسٍ"،
قولُهُ: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ} مُتَّكِئِينَ: مَنْصُوبٌ عَلَى الحَالِ إِمَّا مِنَ الضَّميرِ فِي "تَحْتِهِمُ" أَوْ مِنَ الضَّميرِ فِي "يُحَلَّوْنَ" أَوْ "يَلْبَسُونَ". و "فِيها" في: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِحَالٍ أَيْضًا مِنَ الضَّميرِ فِي "يُحَلَّوْنَ"، أَوْ "يَلْبَسُونَ" وَهِيَ حَالٌ مُتَداخِلَةٌ، والهاءُ: مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "عَلَى" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "مُتَّكِئِينَ"، و "الْأَرائِكِ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ.
قولُهُ: {نِعْمَ الثَّوَابُ} نِعْمَ: فِعْلٌ ماضٍ لإنْشَاءِ المَدْحِ، مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ، وَالمَخْصُوصُ بِالمَدْحِ مَحْذوفٌ، تَقْديرُهُ: هِي؛ أَيْ: الجَنَّاتِ، و "الثوابُ" فاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ خَبَرُ المَخْصُوصِ بالمَدْح، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ جُمْلَةٌ إِنْشائِيَّةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} الوَاوُ: للعَطْفِ، و "حَسُنَتْ" فِعْلٌ مَاضٍ لإِنْشَاءِ المَدْحِ، مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ، مَعْطُوفٌ عَلَى "نِعْمَ"، والتَّاءُ: لِتَأْنيثِ الفاعلِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ تقديرُهُ (هيَ) يَعُودُ عَلَى الجَنَّاتِ و "مُرْتَفَقًا" منصوبٌ على التَمْيِيزِ لِفَاعِلِ "حَسُنَ" مُحَوَّلٌ عَنِ الفَاعِلِ، والتَقْديرُ: حَسُنَ مُرْتَفَقُها، والمَخْصُوصُ بِالمَدْحِ مَحْذُوفٌ، تَقْديرُهُ: هِيَ؛ أَيْ: الجَنَّاتُ.
قَرَأَ جُمْهورُ القُرَّاءِ: {أَساوِرَ}، وَقَرَأَ أَبَانُ بْنُ عَاصِمٍ: "أَسْوِرَةٌ"، وَهُوَ جَمْعَ سِوارٍ.
قرَأَ العامَّةُ: {وَيَلْبَسُونَ} بفتْحِ الباءِ. وَقَرَأَ أَبَانُ بْنُ عَاصِمٍ "وَيَلْبِسُونَ" بِكَسْرِ الباءِ.
قَرَأَ الجمهورُ: {وإِسْتَبرقٍ} بهمزةٍ مَكْسُورةٍ وقافٍ مجرورةٍ، وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ "واسْتَبرقَ" بِوَصْلِ الهَمْزَةِ وَفتح القافِ غيرَ مُنَوَّنَةٍ. فَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍ: هَذَا سَهْوٌ أَوْ كَالْسَّهْوِ. كَأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ مَنَعَهُ مِنَ الصَّرْفِ وَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ، لِأَنَّ شَرْطَ مَنْعِ الاسْمِ الأَعْجَمِيِّ أَنْ يَكونَ عَلَمًا وَهَذَا اسْمُ جِنْسٍ. وَقَدْ وَجَّهَهَا غَيْرُهُ عَلى أَنَّهُ جَعَلَهُ فِعْلًا مَاضِيًا مِنَ البَريقِ، و "اسْتَفْعَلَ" بِمَعْنَى "فَعَلَ" المُجَرَّدِ، نَحْوَ: قَرَّ واسْتَقَرَّ. وَقَالَ الأَهْوازِيُّ فِي (الإِقناعِ): و "اسْتَبْرَق" بِالوَصْلِ وَفَتْحِ القافِ حَيْثُ كانَ لَا يَصْرِفُهُ، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ اسْمٌ، وَلَيْسَ بِفِعْلٍ وَلَيْسَ لِمَنْعِهِ وَجْهٌ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ جِنِّيٍ، وَصاَحِبُ (اللوامِحِ): لَمَّا ذَكَرَ وَصْلَ الهَمْزَةِ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ نَصَّ عَلَى بَقَائِهِ مُنْصَرِفًا، وَلَمْ يَذْكُرْ فَتْحَ القافِ أَيْضًا فَقَالَ: ابْنُ مُحَيْصِنٍ و "اسْتَبْرَق" بِوَصْلِ الهَمْزَةِ فِي جَميعِ القُرْآنِ، فَيَجُوزُ أَنَّهُ حَذَفَ الهَمْزَةَ تَخْفِيفًا عَلَى غيْرِ قِيَاسٍ، وَيَجُوزُ أَنَّهُ جَعَلَهُ عَرَبِيًّا مِنْ (بَرِقَ يَبْرُقُ بَرْيقًا)، وَوَزْنُهُ "اسْتَفْعَلَ"، فَلَمَّا سُمِّيَ بِهِ عَامَلَهُ مُعَامَلَةَ الفِعْلِ فِي وَصْلِ الهَمْزَةِ، وَمُعامَلَةَ المُتَمكِّنَةِ فِي الصَّرْفِ والتَّنْوينِ مِنَ الأَسْمَاءِ، وَأَكْثَرُ التَفَاسِيرِ عَلَى أَنَّها عَرَبِيَّةٌ وَلَيْسَ بِمُسْتَعْرِبٍ، دَخَلَ فِي كَلَامِهمْ فَأَعْرَبُوهُ.
قَرَأَ العامَّةُ: {على الأَرائكِ} وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: "عَلَّرَائِكِ" وَذَلِكَ: أَنَّهُ نَقَلَ حَرَكَةَ الهَمْزَةِ إِلَى لامِ الْتَعْريفِ فَالْتَقَى مِثْلانِ: لامُ "عَلَى" ـ فَإِنَّ أَلِفَهَا حُذِفَتْ لِالْتِقاءِ السَّاكِنَيْنِ، ولامُ التَّعْريفِ، وَاعْتَدَّ بِحَرَكَةِ النَّقْلِ فَأَدْغَمَ اللامَ في اللامِ، فَصَارَ اللَّفْظُ كَمَا تَرَى، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَمَا أَصْبَحَتْ عَلَّرْضِ نَفْسٌ بَريئَةٌ ........... وَلَا غَيْرُهَا إِلَّا سُلَيْمانُ نَالَهَا
يُريدُ "عَلَى الأَرْضِ". وَقَدْ تَقَدَّمَ قِراءَةٌ قَريبةٌ مِنْ هَذِهِ أَوَّلَ سُورَةِ البَقَرَةِ: بِمَا "أُنْزِلَّيْكَ"، أَيْ: أُنْزِلَ إِلَيْكَ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 31
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 9
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 27
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 44
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 59
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 74

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: