الموسوعة القرآنية
فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ
تفسير ـ أسباب نزول ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
اختيار وتأليف:
الشاعر عبد القادر الأسود
الجزءُ الخامس عَشَرَ ـ المُجَلَّدُ الثامن عشر
سُورَةُ الإسراءِ
(17)
مَكِّيَّةٌ نَزَلَتْ بَعْدَ سورةِ القَصَصِ وعَدَدُ آياتِها مِئَةٌ وعشْرُ آياتٍ، أَوْ إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً. وكَلَمَاتُها أَلْفٌ وَخَمْسُ مِئَةٍ وثَلاثٌ وثلاثونَ كَلِمَةً، وَعَدَدُ حُرُوفِهَا سِتَةُ آلافٍ، وَأَرْبَعُ مِئَةٍ وَسِتُّونَ حَرْفًا كُلُّها مَكِيَّةٌ إلَّا ثَمَانيَ آياتٍ، مِنْ قَوْلِهِ سُبُحانَهُ وتَعَالَى: {وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ} إلى قولِهِ: {سُلْطانًا نَصِيرًا} نَزَلَتْ حِينَ جَاءَ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفْدُ ثَقِيفٍ، وَحِينَ قَالَتِ الْيَهُودُ: لَيْسَتْ هَذِهِ بِأَرْضِ الْأَنْبِيَاءِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ}. وَقَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ} الْآيَةَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ} الْآيَةَ. فَتِلْكَ الآياتُ الثَمَانِيَةُ مَدَنِيَّةٌ. قالَهُ قتادَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ. وقالَ مُقاتِل ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: فيها مِنَ المَدَنِيِّ قولُهُ تَعَالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} الآيَةَ، وَقولُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ}، وقولُهُ: {إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ}، وقولُهُ: {وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ}، وقولُه: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ} والتي تَلِيهَا. وأَخْرَجَ أَبْو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَكَّةَ. وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ، وَابْنُ الضِرِّيسِ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي سُوَرِ: بَني إِسْرَائِيلَ، والكَهْفِ، وَمَرْيَمَ وطَهَ: أَنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ وَهُنَّ مِنْ تِلادي. ذَلِكَ لأَنَّهُ كانَ صَغِيرَ السِنِّ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ السُوَرُ، والتِلادُ هو الكَسْبُ القديمُ.
ومِمَّا وَرَدَ فِي فَضْلِهَا: ما رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي أُمامَةَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قوْلُهُ ـ صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ سُورَةَ بَنِي إِسْرائيلَ فَرَقَّ قَلْبُهُ عِنْدَ ذِكْرِ الوَالِدَيْنِ، كانَ لَهُ قِنْطارٌ فِي الجَنَّةِ. والقِنْطَارُ: أَلُفُ أَوقِيَّةٍ، وِمِئَتَا أُوْقِيَّة، الأُوقِيَّةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُنْيا ومَا فِيها)). والمَقصودُ الشيءُ الكثيرُ واللهُ ورسولهُ أَعْلَمُ. ولفضلها كانَ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقرأُها كلَّ ليلةِ، فقد أَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنْ السيِّدةِ عَائِشَةَ، أُمِّ المُؤْمِنِينَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقْرَأُ كُلَّ لَيْلَةٍ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالزُمَرَ. وتُسَمَّى أَيْضًا: سُورَة بَنِي إِسْرائيلَ، وسُورة سُبحانَ.
وجُمْلَةُ المَنْسُوخِ فيها ثَلاثُ آياتٍ: أُولاهُنَّ: قولُهُ تَعَالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما} إِلَى قَوْلِهِ: {كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا} نُسِخَ بَعْضُ حُكْمِهَا، وبَقِيَ البَعْضُ عَلَى ظاهِرِهِ، فَهُوَ فِي أَهْلِ التَوْحِيدِ مُحْكَمٌ، وَبْعُضُ حُكْمِهَا فِي أَهْلِ الشِّرْكِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآيةَ. أَمَّا الآيةُ الثانيةُ المَنْسُوخَةُ فهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَا أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} نُسِخَتَا بِآيَةِ السَّيْفِ. والآيَةُ الثالِثَةُ هي قولُهُ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ} إِلى قولِهِ: {فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى}، الآيةَ. وَنُسِخَتْ بالآيَةِ التي في سُورَةِ الأَعْرافِ، وهِيَ قولُهُ: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} الآيةَ. قالَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى.