وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
(38)
قولُهُ ـ جَلَّ وعَلَا: {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} أَيْ: أَنَّهم حَلَفُوا مُجْتَهِدينَ فِي الْحَلِفِ مُغَلِّظِي الْأَيْمَانَ، وفيه تَعْجِيبٌ مِنْ صُنْعِهِمْ هذا، إِذْ أَنَّهم أَقْسَمُوا بِاللهِ، وَبَالَغُوا فِي تَغْلِيظِ أَيْمانِهم بِأَنَّ اللهَ لَا يَبْعَثُ مَنْ يَمُوتُ. وَوَجْهُ التَّعْجِيبِ أَنَّهُمْ يُظْهِرُونَ تَعْظِيمَ اللهِ تَعَالى، فَيُقْسِمُونَ بِهِ، ثُمَّ يَرونَهُ عَاجِزًا عَنْ بَعْثِ الْأَمْوَاتِ.
قَالَ قَتَادَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا قالَ لابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضِيَ اللهُ عنهُما: يا بْنَ عَبَّاسٍ، إِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا مَبْعُوثٌ بَعْدَ الْمَوْتِ قَبْلَ السَّاعَةِ، وَيَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الْآيَةِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَذَبَ أُولَئِكَ! إِنَّمَا هَذِهِ الْآيَةُ عَامَّةٌ لِلنَّاسِ، لَوْ كَانَ عَلِيٌّ مَبْعُوثًا قَبْلَ الْقِيَامَةِ مَا نَكَحْنَا نِسَاءَهُ وَلَا قَسَمْنَا مِيرَاثَهُ.
قولُهُ: {لَا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ} عَطْفُ بَيَانٍ لِجُمْلَةِ أَقْسَمُوا، وَهوَ مَا أَقْسَمُوا عَلَيْهِ. وهَذِهِ مَقُولَةٌ أُخْرَى لمُشْرِكي قُريشٍ مِنْ شَنِيعِ مَقولاتِهِمْ، وَاسْتِدْلَالٌ آخَرُ مِنْ أَدِلَّتِهمُ الزائفَةِ، في تَكْذِيبِهِمُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ رَبِّهِ، وذلك إِظْهَارًا مِنْهُمْ لِدَعْوَتِهِ فِي مَظْهَرِ الْمُحَالِ، وَذَلِكَ بِإِنْكَارِهِمُ الْحَيَاةَ الثَّانِيَةَ والبَعْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَذَلِكَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فِي هَذِهِ السُّورَةِ سِوَى الِاسْتِطْرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالى قبلَ ذَلِكَ في الآيةِ: 22، مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ المُبَارَكَةِ: {فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ}. وَأَرَادُوا بِالْقَسَمُ عَلَى نَفْيِ الْبَعْثِ الدَّلَالَةَ عَلَى يَقينِهِمْ بِانْتِفائِهِ. وَإِنَّمَا أَيْقَنُوا بِذَلِكَ، وَأَقْسَمُوا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمْ تَوَهَّمُوا أَنَّ سَلَامَةَ الْأَجْسَامِ، وَعَدَمَ انْخِرَامِهَا، شَرْطٌ لِقَبُولِهَا الْحَيَاةَ، وَقَدْ رَأَوْا أَجْسَادَ الْمَوْتَى مُعَرَّضَةً لِلِفناءِ والاضْمِحْلَالِ والتلاشي، فَكَيْفَ تُعَادُ كَمَا كَانَتْ.
قولُهُ: {بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا} كَذَّبَهُمُ اللهُ ـ جَلَّ وَعَلَا، فِي قَسَمِهِمْ ذَاكَ، فَـ "بَلى" حَرْفٌ لِإِبْطَالِ النَّفْيِ فِي الْخَبَرِ وَالِاسْتِفْهَامِ، أَيْ بَلْ يَبْعَثُهُمُ اللهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: قَالَ اللهُ تعالى: (سَبَّني ابْنُ آدَمَ، وَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسُبَّني، وَكَذَّبَنِي، وَلم يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكَذِّبَنِي. فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إيَّايَ فَقَالَ: "وأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ"، وَقُلْتُ: "بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًا". وَأَمَّا سَبُّهُ إِيَّايَ فَقَالَ: {إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} الآية: 73، مِنْ سُورَةِ المائدَةِ. وَقُلْتُ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد * وَلم يَكُنْ لَهُ كُفوًا أَحَدٌ} سُورَةُ الإِخُلاص. وأَخْرَجَهُ أحمدُ والبُخاري والنسائيُّ بلفظ: ((شَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ، وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتُمَنِي، وَكَذَّبَنِي وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكَذِّبَنِي، أَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: إِنَّ لِي وَلَدًا، وَأَنَا اللهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ، وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَيْسَ يُعِيدُنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِه)) مُسْندُ أَحْمَد: (2/393، رقم: 9103)، وصحيحُ البُخارِي: (3/1166، رقم: 3021)، وسُنَن النَّسائي: (4/112، رقم: 2078). وَقَدِ انْتَصَبَ "وَعْدًا" عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ مُؤَكِّدًا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَرْفُ الْإِبْطَالِ مِنْ حُصُولِ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ مُؤَكِّدًا لِنَفْسِهِ، أَيْ: مُؤَكِّدًا لِمَعْنَى فِعْلٍ هُوَ عَيْنُ مَعْنَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ. و "عَلَيْهِ" صِفَةٌ لِـ "وَعْدًا"، أَيْ: وَعْدًا كَالْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْخُلْفَ. فَفِي الْكَلَامِ اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ. شُبِّهَ الْوَعْدُ الَّذِي وَعَدَهُ اللهُ تَعَالى بِمَحْضِ إِرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ، بِالْحَقِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَرَمَزَ إِلَيْهِ بِحَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ "على". وَ "حَقًّا" صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِـ "وَعْدًا". وَالْحَقُّ هُنَا بِمَعْنَى الصِّدْقِ الَّذِي لَا يُتَخَلَّفُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ بَرَاءَةٍ: {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} الآيةَ: 111. وَكَرَّرَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ هَذَا الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ هُنَا، مِنْ إِنْكَارِهِمْ لِلْبَعْثِ وَتَكْذِيبِهِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، َكقَوْلِهِ تَعالى مِنْ سُورَةِ الإسْراءِ: {فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} الآية: 51، وَكَقَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ الأَنْبِيَاءِ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} الآيةَ: 104، وكقولِهِ مِنْ سُورةِ يَس: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} الآيتان: 78، 79، وكَقَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ التغابُنِ: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} الْآيَةَ: 7، ومِثْلُ هَذَهِ الآياتِ كَثِيرٌ جِدًّا.
قولُهُ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} الاسْتِدْراكُ هنا ناشِئٌ عَنْ جَعْلِهِ وَعْدًا عَلَى اللهِ حَقًّا، فَيَتَوَهَّمُ السَّامِعُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَجْهَلُهُ أَحَدٌ، فَجَاءَ الِاسْتِدْرَاكُ لِرَفْعِ هَذَا التَّوَهُّمِ، وَلِأَنَّ جُمْلَةَ "وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا" تَقْتَضِي إِمْكَانَ وُقُوعِهِ، وَالنَّاسُ يَسْتَبْعِدونَ ذَلِك. وَالْمُرَادُ بِـ "أَكْثَرَ النَّاسِ" الْمُشْرِكُونَ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَكْثَرُ النَّاسِ. وَمَعْنَى "لَا يَعْلَمُونَ" أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ، فَيُقِيمُونَ مِنْ الِاسْتِبْعَادِ دَلِيلَ اسْتِحَالَةِ حُصُولِ الْبَعْثِ بَعْدَ الفَنَاءِ وتلاشي الجَسَدِ وتماهيهِ في الأَرْضِ، وهو ما صَعُبَ على عقولِهِم تصوُّرهُ وإِدراكُ كيفيَّةِ حُصولِهِ، وقد رَدَّ عليهِمُ اللهُ تعالى في سورةِ (يس) رَدًّا مُفْحِمًا فقالَ: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة} الآية: 79. فإنَّ مَنْ خَلَقَها مِنْ عَدَمٍ أَوَّلَ مَرَّةٍ قادرٌ على أَنْ يُعيدَها كما كانَتْ.
وفي سَبَبِ هذهِ الآيةِ الكريمةِ، قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ ـ رَضي اللهُ عنْهُ: كَانَ لِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مُشْرِكٍ دَيْنٌ، فَتَقَاضَاهُ، وَكَانَ فِي بَعْضِ كَلَامِ المُسْلِمِ: (وَالَّذِي أَرْجُوهُ بَعْدَ الْمَوْتِ إِنَّهُ لَكَذَا)، فَأَقْسَمَ الْمُشْرِكُ بِاللهِ: لَا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. أَخْرَجَهُ عَنْهُ: عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْن الْمُنْذِرِ وَابْن أَبي حَاتِمٍ.
قولُهُ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} الواوُ: اسْتِئْنافِيَّةٌ. وَ "أَقْسَمُوا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَمِّ لاتِّصالِهِ بِوَاوِ الجَمَاعَةِ، وَواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فَاعِلُهُ، والأَلِفُ الفَارِقَةُ. والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعْرابِ، وَهوَ الظاهرُ، وجَعَلَهُ أَبو القاسِمِ الزَمَخْشَرِيُّ عَطْفَ نَسَقٍ عَلَى قولِهِ السابقِ: {وِقالِ الذينِ أِشْرِكُوا} للإِيذَانِ بِأَنَّهُما كُفْرتَانِ عَظِيمَتَانِ. و "بِاللهِ" الباءُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَقْسَمُوا"، ولفظُ الجلالةِ مجرورٌ بِحرفِ الجرِّ. و "جَهْدَ" مَنْصُوبٌ عَلَى المَصْدَرِيَّةِ، واقعٌ مَوْقِعَ الحَالِ، مُضافٌ، و "أَيْمَانِهِمْ" مجرورٌ بالإضافةِ، مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ، والميمُ للجمعِ المذكَّرِ.
قولُهُ: {لَا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ} لا: نافيةٌ. و "يَبْعَثُ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجَازِمِ، ولَفْظُ الجَلَالَةِ "اللهُ" فاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ. وَ "مَنْ" اسْمٌ مَوْصُولٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ في مَحلِّ النَّصْبِ على المفْعُوليَّةِ. والجُمْلَةُ فِي مَحَّلِّ النَّصْبِ مَقُولٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ، وَاقِعٍ حالًا مِنْ فاعِلِ "أقسموا"؛ أَيْ: وَأَقْسَمُوا باللهِ جُهْدَ أَيْمَانِهِمْ قَائِلِينَ: "لَا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ". و "يَمُوتُ" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وَفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتتِرٌ فيهِ جوزًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى "مَنْ"، وهذه الجملةُ الفعليَّةُ صِلَةُ الاسمِ المَوْصُولِ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعْرابِ.
قولُهُ: {بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا} بَلَى: حَرْفُ جَوَابٍ لإثْباتِ مَا بَعْدَ النَّفْيِ، نائبٌ عَنِ الجَوَابِ المَحْذوفِ، والتَقْديرُ: بَلَى يَبْعَثُهُ اللهُ تَعَالَى، والجُمْلَةُ المَحْذوفَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعراب. "وَعْدًا" مَنصوبٌ على أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ "بَلَى" بفعلٍ مُقدَّرٍ، فإنَّ ذَلِكَ مَوْعِدٌ مِنَ اللهِ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالَى، أَوْ مِنَ المَحْذوفِ، أَيْ: وَعَدَ بِذَلِكَ وَعْدًا. وَ "عَلَيْهِ" عَلَى: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "وَعْدًا"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ، و "حَقًّا" مثلُ "وعدًّا" والتَقديرُ: وَعَدَ ذَلِكَ وَعْدًا، وَحَقَّ ذَلِكَ حَقًّا، وَقِيلَ: "حَقًّا" نَعْتٌ لـ "وَعْدًا".
قولُهُ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} الواوُ: عاطفَةٌ، و "لكنَّ" حَرْفُ نَصْبٍ واسْتِدْراكٍ. و "أَكْثَرَ" اسْمُهَا منصوبٌ بها، مُضافٌ. و "النَّاسِ" مجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "لا" نافيةٌ لا عمَلَ لها، و "يَعْلَمُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ فِي آخِرِهِ، لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَماعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُ. وهَذِهِ الجُمْلَةُ الفعليَّةُ في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "لكنَّ"، وجُمْلَةُ "لكنَّ" الاسْتِدْراكِيَّةُ مَعْطوفَةٌ عَلَى الجُمْلَةِ الجَوابِيَّةِ المَحْذوفَةِ.
قرأ الجُمْهورُ: {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا} بالنَّصْبِ، وَقَرَأَ الضَحَّاكُ: "وَعْدٌ عَلَيْهِ حَقٌّ" بِرَفْعِهِما عَلَى أَنَّ وَعْدٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ، أَيْ: بَلَى بَعْثُهُمْ وَعْدٌ عَلَى اللهِ، وَ "حَقٌّ" نَعْتٌ لـ "وَعْدٌ".