فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ
(29)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} يَأْمُرُهُمُ اللهُ بِدُخُولِ جَهَنَّمَ مِنْ أَبْوَابِها لِيَبْقَوْا فِيهَا، وَلْيَذُوقُوا أَلْوَانَ العَذَابِ المُهينِ، جَزَاءً لَهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَارْتَكَبُوا مِنَ المَعَاصِي، أَيْ لكُلُّ صَنْفٍ بابُهُ المُعَدُّ لَهُ. ولَمْ يُبَيِّنْ هُنَا عَدَدَ أَبْوَابِهَا، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَهُ فِي الآيةِ: 44، مِنْ سُورَةِ الْحِجْرِ، فقَالَ: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ}. وقالَ الطَبَرِيُّ: "أَبْوابَ جَهَنَّمَ"، يَعْني: طَبَقاتَ جَهَنَّمَ. وَقِيلَ أَيْضًا أَبْوابُ جهنَّمَ أَصْنَافُ عَذَابِها، ودُخُولُها عِبَارةٌ عَنْ مُلابَسَتِها والمُعاناةُ فيها. وهذا إنَّما يُقَالُ لَهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ. وَقِيلَ: هُوَ بِشَارَةٌ لَهُمْ بِعَذَابِ الْقَبْرِ، إِذْ هُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ، لقولِهِ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ)) أَخْرَجَهُ الإمامُ التِرْمِذِيُّ: (4/639، برقم: 2460)، مِنْ حَديثِ الصَّحابِيِّ الجَلِيلِ أَبي سَعِيدٍ الخدريِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ.
قولُهُ: {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} ذَكَرُهُمْ بِعُنَوانِ التَكَبُّرِ إِشْعارًا بِعِلِّيَّةِ ثُوائِهِمْ فِيها. أَيْ فَلَبِئْسَ جَهَنَّمُ مَنْزِلَ مَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللهِ وَلَمْ يُقِرَّ بِرُبوبِيَّتِهِ، وَلَمْ يُصَدِّقْ بِوَحْدانِيَّتِهِ.
قولُهُ تَعَالى: {فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} الفاءُ: حَرْفُ عَطْفٍ وتَعْقيبٍ، لِرَبْطِ المُسَبّبِ بِالسَّبَبِ، وَ "ادخلوا" فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى حَذْفِ النُّونِ مِنْ آخرِهِ لأنَّ مُضارِعَهُ مِنَ الأفعالِ الخمسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بهِ في محلِّ الرفعِ فاعِلُهُ، والألفُ فارقةٌ. "أَبْوَابَ" مفعولٌ بِهِ منصوبٌ، وهو مُضافٌ، و "جَهَنَّمَ" مجرورٌ بالإضافةِ، والجُمْلَةُ مَعْطوفَةٌ عَلَى الجَوابِ والتقديرُ: بَلَى كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَشَدَّ الشِرْكِ وأَقْبَحَ الآثامِ فادْخُلوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ، و "خَالِدِينَ" منصوبٌ على حالِ مُقَدَّرَةٍ مِنْ فاعِلِ "ادْخُلوا" وعلامةُ نَصْبِهِ الياءُ لأَنَّهُ جَمْعُ المُذكَّرِ السَّالِمُ، والنُّونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسمِ المُفْرَدِ. و "فِيهَا" في: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "خَالِدِينَ"، و "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجرِّ بِحَرْفِ الجرِّ.
قولُهُ: {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} الفاءُ: حَرْفُ عَطْفٍ وَتَعْقِيبٍ، واللَّامُ: مُوْطِئَةٌ للقَسَمِ للتوكيدِ، وإِنَّما دَخَلَتْ عَلى الماضِي لِكونِهِ جامِدًا ولِقُرْبِهِ مِنَ الأَسْمَاءِ. و "بِئْسَ" فِعْلٌ ماضٍ جامِدٍ لإِنْشاءِ الذَّمِّ، مبنيٌّ على الفتحِ الظاهِرِ. و "مَثْوى" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ وعلامةُ رَفْعِهِ الضمَّةُ المُقدَّرةُ على آخِرِهِ لِتَعَذُّرِ ظهورها عَلى الأَلِفِ، وهوَ مُضافٌ. و "المُتَكَبِّرينَ" مجرورٌ بالإضافةِ إلَيْهِ، وعلامةُ جرِّهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السَّالِمُ، والنونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفْرَدِ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ جَوابُ القَسَمِ المَحْذوفِ، وجُمْلَةُ القَسَمِ مُعطوفةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: "فَادْخُلُوا"؛ أَيْ: فادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ فَيُقالُ فِيكمْ: واللهِ لَبِئْسَ مَثْوَى المُتَكَبِّرينَ، والمَخْصوصُ بالذَّمِّ مَحْذوفٌ تَقديرُهُ: جَهَنَّمُ.