وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ
(27)
قولُهُ ـ تعالى شأْنُهُ: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} أَي: قَال الكَفَرَةُ: يَا مُحَمَّدُ إِنْ كُنْتَ رَسُولًا فَأْتِنَا بِآيَةٍ وَمُعْجِزَةٍ قَاهِرَةٍ ظَاهِرَةٍ مِثْلِ مُعْجِزَاتِ مُوسَى وَعِيسَى ـ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. والقائلُ هو عبدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ وَأَصْحَابُهُ حِينَ طَالَبُوا النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْآيَاتِ. وقد بَيَّنَا غيرَ مرَّةٍ أَنَّ اقْتِرَاحَ الْآيَاتِ عَلَى الرُّسُلِ، بَعْدَ أَنْ تَظهَرَ على يَدِ أحدِهم ولو آيَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ هو الجهلُ والزيغُ بعينِهِ والضلالُ.
قولُهُ: {قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} أي: أَجِبْهم يا مُحَمَّدُ عَنْ سُؤالِهِمُ السَّابِقِ: "إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ" وَكَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ لهم: إِنَّ اللهَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَاتٍ ظَاهِرَةً وَمُعْجِزَاتٍ قَاهِرَةً، وَلَكِنَّ الْإِضْلَالَ وَالْهِدَايَةَ مِنْهُ ـ سبحانَهُ وتعالى، فَأَضَلَّكُمْ عَنْ تِلْكَ الْآيَاتِ الْقَاهِرَاتِ الْبَاهِرَاتِ، وَهَدَى أَقْوَامًا آخَرِينَ إِلَيْهَا، حَتَّى عَرَفُوا بِهَا صِدْقَ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي دَعْوَى النُّبُوَّةِ، وَإِذَا كَانَ الأمرُ كَذَلِكَ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَكْثِيرِ الْآيَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ.
قولُهُ تَعَالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} الواوُ: للاستِئْنافِ، و "يقولُ" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازمِ، و "الذينَ" اسمٌ مَوْصُولٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ في مَحَلِّ رَفْعِ فاعِلِهِ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ. و "كَفَرُوا" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الضمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ فاعِلِهِ، والألِفُ فارقةٌ، والجملةُ صِلَةُ المَوْصُولِ فلا محلَّ لها مِنَ الإعراب. و "لَوْلَا" حَرْفُ تَحْضِيضٍ بِمَعْنَى (هَلَّا). و "أُنْزِلَ" فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، مبنيٌّ على الفتحِ الظاهر. و "عَلَيْهِ" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، والهاءُ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ. و "آيَةٌ" نائبُ فاعلِهِ مرفوعٌ بِهِ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "آيَةٌ"؛ أَيْ: آيَةٌ كائنةٌ مِنْ رَبِّهِ، و "رَبِّهِ" اسمٌ مجرورٌ بحرف الجرِّ مُضافٌ، والهاء: ضميرٌ متَّصلٌ بهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقَوْلِ لِـ "يَقُولُ".
قولُهُ: {قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} قُلْ: فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على السُّكونِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ وجوبًا تَقديرُهُ (أنت) يَعودُ عَلى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "إِنَّ" حرفٌ ناصِبٌ ناسخٌ مُشَبَّهٌ بالفعلِ للتوكيدِ، ولفظُ الجلالةِ "اللهَ" اسُمُ "إنَّ" منصوبٌ بهِا. و "يُضِلُّ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ من الناصِبِ والجازِمِ، وفاعلُهُ مُستترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يعودُ على اللهِ تعالى، و "مَنْ" اسمٌ موصولٌ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ النَّصْبِ مفعولٌ بهِ، وجُمْلَةُ "يُضِلُّ" الفِعْلِيَّةُ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرًا لِـ "إِنَّ"، وجُمْلَةُ "إِنَّ" مِنِ اسْمِها وخَبَرِها في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقَوْلِ لـ "قُلْ". و "يَشَاءُ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ لتجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازمِ، وفاعلُهُ ضَميرٌ مُستترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعودُ عَلَى "اللهَ" تعالى، والجُمْلَةُ صِلَةُ "مَنْ" المَوْصُولةِ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ، والعائدُ مَحْذُوفٌ والتَقْديرُ: مَنْ يَشَاءُ إِضْلالَهُ. و "وَيَهْدِي" حرفُ عطفٍ، وفعلٌ مُضَارعٌ مَرفوعٌ عَطْفًا عَلَى "يُضِلُّ"، وعلامةُ رفعِهِ ضمَّةٌ مقدَّرةٌ على آخرِهِ لثِقَلِها على الياء، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعودُ عَلَى "اللهَ" تعالى. و "إِلَيْهِ" حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يهدي"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ. و "مَنْ" اسْمٌ مَوْصُولٌ مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعولٌ بِهِ لـ "يَهْدِي". و "أَنَابَ" فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى "مَنْ"، والجُمْلَةُ صَلَةُ المَوْصولِ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.