فيض العليم .... سورة يوسف، الآية: 83
قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
(83)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} بَلْ: هنا للإضراب، ولكنْ ليسَ عَنْ صَريحِ كَلامِهمْ، فإنَّهمْ صادِقونَ فِيهِ، بَلْ عَمَّا يَتَضَمَّنُهُ مِنِ ادِّعاءِ البَراءَةِ عَنِ التَسَبُّبِ فيما نَزَلَ بِهِ، وأَنَّهُ لَمْ يَبْدُرْ منْهم قولٌ أَوْ فِعْلٌ أَدَّى إِلى ذَلك. و "سوَّلتْ" سَهَّلَتْ، وزَيَّنتْ لَكمْ أَنْفُسُكمْ أَمْرًا في قولِكُم إِنَّ ابْنِيَ سَرَقَ وهو لم يَسْرِقْ، وإنَّمَا هو أَمْرٌ يُريدُهُ اللهُ تَعَالى. أَيْ فلَمَّا رَجَعُوا إلى أَبِيهم، وقالوا لَهُ ما أمَرَهم بِهِ أَخوهم، قالَ: لقد زَيَّنَتْ لكم أَنْفُسُكمْ أَمْرًا فَظِيعًا، أَرَدْتُموهُ فَقَدَّرْتُمُوهُ ونَفَّذْتُموهُ، وإِلَّا فمَا أَدْرَى المَلِكَ بِشَرْعِنا مِنْ أَنَّ السَّارِقَ يُؤخَذُ بِسَرِقِتِهِ ويُسْتَرَقُّ، ومَنِ الذي علَّمَهُ إيَّاهُ، ومَنِ الذي أَفْتَاهُ بهِ؟. وهذا اسْتِئْنافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى سُؤالٍ نَشَأَ مِمَّا سَبَقَ، فكأنَّهُ قِيلَ: فماذا كانَ مِنْ أمرِ يعقوبَ ـ عليهِ السَّلامُ، عِنْدَ قوْلِ ذَلِكَ القائلِ؟ فقِيلَ: قالَ لَهمْ أَبوهمْ عندما رَجَعُوا إِلَيْهِ وقالوا لَهُ مَا تقَدَّمَ في الآيتينِ السابقَتَيْنِ: {يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَة الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} (82)، قالَ: "بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا" فقد جُعِلَتْ هذه الجُمْلَةُ فِي صُورَةِ الْجَوَابِ عَنِ الْكَلَامِ الَّذِي لَقَّنَهُ لهم أَخُوهُمْ، وذلك عَلَى طَرِيقَةِ الْإِيجَازِ. وإِنَّما حُذِفَ ذلك للإيذانِ بِأَنَّ مُسَارَعَتَهم إلى قَبُولِ كَلامِ ذَلكَ القائلِ ورُجوعَهم بِهِ إِلى أَبيهم أَمرٌ مُسَلَّمٌ بِهِ غَنِيٌّ عَنِ البَيَانِ، وإنَّما المُحْتَاجُ إِلَيْهِ جَوابُهُ. والتَنْوينُ في "أَمْرًا" للتَّعْظيمِ، أَيْ بلْ سوَّلتْ لكم أنفُسُكم أَمْرًا عَظِيمًا. وَقَوْلُهُ هُنَا كَقَوْلِهِ لَهُمْ حِينَ زَعَمُوا أَنَّ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَكَلَهُ الذِّئْبُ، فَهُوَ تُهْمَةٌ لَهُمْ بِالتَّغْرِيرِ بِأَخِيهِمْ. فقَدْ ظَنَّ بِهِمْ سُوءًا فَصَدَقَ ظنُّه فِيما زَعَموهُ فِي يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِي أَمْرِ بِنْيَامِينَ، وَمُسْتَنَدُهُ فِي هَذَا الظَّنِّ عِلْمُهُ أَنَّ ابْنَهُ لَا يَسْرِقُ، فَعَلِمَ أَنَّ فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ مَكِيدَةً. فَظَنُّهُ صَادِقٌ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا عَلَى التَّفْصِيلِ. وَأَمَّا تُهْمَتُهُ أَبْنَاءَهُ بِأَن يَكُونُوا قد تَمالَؤوا عَلَى أَخِيهِمْ بِنْيَامِينَ فَهُوَ ظَنٌّ مُسْتَنِدٌ إِلَى الْقِيَاسِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ أَمْرِهِمْ فِي قَضِيَّةِ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقد قَالَ لَهُمْ حينَها: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ} الآية: 64 من سُورَة يُوسُف. وَيَجُوزُ عَلَى النَّبِيِّ أنْ يُخَطَأُ فِيما يظُنُّ مِنْ أُمُورِ الْعَادَاتِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ تَرْكِ إِبَّارِ النَّخْلِ عن نبيِّنا محمدٍ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ.
قولُهُ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أيْ: عَلَيَّ للهِ صَبْرٌ جَميلٍ، حَسَنٌّ، عَلَى مَا ابْتَلاني بِهِ، مِنْ غَيْرِ جَزَعٍ ولا خوفٍ ولا فزعٍ، ولا شَكْوَ فِيهِ إِلى أَحَدٍ غيرِ اللهِ ـ سبحانَهُ وتعالى.
قولُهُ: {عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ يُوسُفَ، ويَهوذا أو (روبين)، وبِنْيامِينَ. قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ حُسْنِ الظَّنِّ بِرَحْمَةِ اللهِ تعالى. أو لَعَلَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَهُ مِنْ بَعْدِ مِحْنَةِ يُوسُفَ أَنَّهُ حَيٌّ، أَوْ لعلَّهُ ظَهَرَتْ لَهُ عَلَامَاتُ ذَلِكَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَني بِهِم جَمِيعًا" قَالَ: بِيُوسُف وأَخِيهِ و (روبيل). وَأَخْرجَ ابْنُ الْمُنْذرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْله: "عَسى اللهُ أَنْ يَأْتِيَني بِهِم جَمِيعًا" قَالَ: بِيُوسُفَ وأَخِيهِ وَكَبِيرِهمْ الَّذِي تَخَلَّفَ. وَأخرج ابْنُ أبي حَاتِم عَنْ أَبي الْجَلْدِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لَهُ أَخُوهُ: يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ لَقَدْ ذَهَبَ لَي أَخٌ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ بِهِ مِنْكَ، لَكَأَنَّهُ الشَّمْسُ. فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَسْأَلُ إِلَهَ يَعْقُوبَ أَنْ يَرْحَمَ صِباكَ وَأَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ أَخَاكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ أَبي رَوْقٍ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا حَبَسَ يُوسُفُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَخَاهُ بِسَبَبِ السَّرِقَةِ كَتَبَ إِلَيْهِ يَعْقُوبُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مِنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ إِلَى يُوسُفَ عَزِيزِ فِرْعَوْنَ، أَمَّا بعد: فَإنَّا أَهْلَ بَيْتٍ مُوكَلٌ بِنَا الْبلَاءُ، إِنَّ أَبي إِبْرَاهِيمَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أُلْقِيَ فِي النَّارِ فِي اللهِ فَصَبَرَ، فَجَعَلَهَا اللهُ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، وَإِنَّ أَبي إِسْحَقَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قُرِّبَ للذَّبْحِ فِي اللهِ فَصَبَرَ، فَفَدَاهُ اللهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. وَإِنَّ اللهَ كَانَ وَهَبَ لِي قُرَّةَ عَيْنٍ فَسَلَبَنِيهُ، فَأَذْهَبَ حُزْنُهُ بَصَرِي، وأَيْبَسَ لَحْمِي عَلَى عَظْمِي، فَلَا ليلِي لَيْلٌ، وَلَا نَهَارِيَ نَهَارٌ، والأَسِيرُ الَّذِي فِي يَدَيْكَ بِمَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ مِنَ السَّرْقِ أَخُوهُ لأُمِّهِ، فَكُنْتُ إِذا ذَكَرْتُ أَسَفِي عَلَيْهِ قَرَّبْتُهُ مِنِّي فَيُسَلِّي عَنِّي بَعْضَ مَا كُنْتُ أَجِدُ، وَقد بَلغنِي أَنَّكَ حَبَسْتَهُ بِسَبَبِ سَرِقَةٍ، فَخَلِّ سَبيلَهُ فَإِنِّي لَمْ أَلِدْ سَارِقًا وَلَيْسَ بِسارِقٍ وَالسَّلَامُ. هذا والصحيحُ أَنَّ الذبيحَ الذي فَدَاهُ اللهُ تَعالى (بذِبْحٍ عظيمٍ) هوَ إِسْمَاعيلُ وليسَ إِسحاقَ ـ عَلَيْهِمَا السَّلامُ، واللهُ أعلمُ. لأنَّهُ أَظْهَرُ وأَشْهَرُ فهُو الذي وُهِبَ إِثْرَ المُهَاجَرَةِ، ولأَنَّ البِشَارَةَ بإسْحاقَ بَعْدَهُ مَعْطوفٌ عَلَى البِشارَةِ به كما جاء في سورةِ الصافَّاتِ: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112). ولِقَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((أَنَا ابْنُ الذَّبيحَيْنِ)) وروى الحاكمُ وابْنُ جَريرٍ وعبدُ اللهِ بنُ الإمامِ أحمدٍ، وابْنُ أَبي حاتمٍ مِنْ حَديثِ مُعَاوِيَةَ: أَنَّ أَعْرابِيًا قالَ للنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا بْنَ الذَّبِيحَيْنِ، فتَبَسَّمَ ولَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ. فأَحَدُهُما جَدُّهُ إِسْماعيلُ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، والآخَرُ أَبُوهُ عَبْدُ اللهِ. ثُمَّ إِنَّ بِشارَةَ إِسْحاقَ كانَتْ مَقْرونَةً بِوِلادَةِ يَعْقوبَ مِنْهُ فَلا يُنَاسِبُهُ الأَمْرُ بِذَبْحِهِ مُراهِقًا. ومَا رُوِيَ أَنَّهُ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، سُئِلَ أَيُّ النَّسَبِ أَشْرَفُ؟ فقالَ يُوسُفُ صِدِّيقُ اللهِ ابْنُ يَعْقوبَ إِسْرائيلَ اللهِ ابْنِ إِسْحاقَ ذَبيحِ اللهِ ابْنِ إِبراهيمَ خَلِيلِ اللهِ فالصَّحيحُ أَنَّهُ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، قالَ يُوسُفُ بْنُ إِسْحاقَ بْنِ إِبراهيمَ والزَّوائدُ مِنَ الرَّاوي، وما رُوِيَ مِنْ أَنَّ يَعْقوبَ كَتَبَ إِلى يُوسُفَ مِثْلَ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ.
قولُهُ: {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} تَعْلِيلٌ لِرَجَاءِ يعقوبَ ـ عليهِ السَّلامُ، مِنَ رَبَّهِ ـ سُبْحانَهُ، بِأَنَّهُ (العَلِيمُ) بمَكانِهم فَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ مَوَاقِعُهُمُ وإنْ كانتْ مُتَفَرِّقَةً وبعضُها بعيدٌ عنْ بعْضِها الآخَرِ. وأَنَّهُ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالى، (حَكِيمٌ) قَادِرٌ عَلَى إِيجَادِ وخلقِ أَسْبَابِ جَمْعِهِمْ بَعْدَ التَّفَرُّق وردِّهم عَلَيْهِ.
قولُهُ تَعَالى: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} قَالَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ عَلَى الفَتْحِ الظَّاهِرِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جَوازًا تَقديرُهُ "هو" يَعودُ عَلى يَعْقوبَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، وهذهِ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "بَلْ" حَرْفُ إِضْرابٍ وابْتِداءٍ. و "سَوَّلَتْ" فعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفتحِ والتاءُ الساكنةُ لتأنيثِ الفاعلِ. و "لَكُمْ" اللامُ حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ ب "سوَّلَ"، وضميرُ المُخاطَبينَ "كم" متَّصلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ. و "أَنْفُسُكُمْ" فاعِلٌ مَرْفوعٌ، وهو مُضافٌ، وضميرُ المُخاطَبينَ "كم" متَّصلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليْهِ. و "أَمْرًا" مَفْعولٌ بِهِ منصوبٌ، وقد نُوِّنَ لِتَفْظيعِهِ، كَمَا جاءَ في التَّفْسِيرِ، والجُملَةُ الفعليَّةُ هذه في مَحَلِّ النَّصْبِ مقولًا ل "قَالَ".
قولُهُ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} الفاءُ: هيَ الفَصيحَةُ؛ أَفصَحَتْ عَنْ جَوابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ بِ: إِذا عَرَفْتُمْ ما قُلْتُ لَكمْ، وأَرَدْتُمْ بَيَانَ حالي لَكمْ فأَقولُ لَكم: "صَبْرٌ جَميلٌ". و "صبرٌ" خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذوفٍ وُجوبًا. و "جَمِيلٌ" صِفَةٌ لَهُ والتَقْديرُ: فَصَبْرِيَ صَبْرٌ جَميلٌ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَقولًا لِجَوابِ إذا المُقَدَّرَةِ، وجُمْلَةُ إذا المُقَدَّرَةِ في مَحَلِّ النَّصْبِ بِ "قَالَ".
قولُهُ: {عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} عَسَى: فعلٌ ماضٍ جامِدٌ ناقِصٌ مِنْ أَفعالِ الرَّجاءِ، ولَفْظُ الجَلالَةِ "اللهُ" اسْمُهُ مَرْفوعٌ بِهِ. و "أَنْ" حرفٌ مصدريٌّ ناصِبٌ، و "يَأْتِيَنِي" فعْلٌ مُضارعٌ مَنْصوبٌ بِهِ، وفاعلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيه جوازًا تقديرُهُ "هو" يعودُ عَلى "اللهُ" تعالى، والنُّونُ للوِقايَةِ، وياءُ المتكلِّمِ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ في مَحلِّ نَصْبِ مَفعولِهِ. و "بِهِمْ" الباءُ حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بِ "يأتي"، وضَميرُ الغائبينَ "هم" المتَّصلُ بهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ، و "جَمِيعًا" حالٌ مِنْ الضميرِ في "بِهِمْ"، والجُمْلَةُ "يأْتيني" الفِعْلِيَة صِلَةُ "أَنْ" المَصْدَرِيَّةِ، و "أَنْ" مَعَ صِلَتِها: في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَنْصوبٍ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ "عَسَى"، وَلَكِنَّهُ في تَأْويلِ اسْمِ الفاعِلِ؛ لِيَصِحَّ الإخْبارُ بهِ والتقديرُ: عَسَى اللهُ آتِيًا بِهِمْ جَمِيعًا.
قولُهُ: {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} إِنَّهُ: حَرْفٌ نَاصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفعلِ للتَوْكيدِ، والهاءُ ضميرٌ متَّصلٌ به في محلِّ نصبِ اسمِهُ. و "هُوَ" ضَميرُ فَصْلٍ للتوكيدِ. و "الْعَلِيمُ" خَبَرٌ أَوَّلُ لِ "إِنَّ". و "الْحَكِيمُ" خَبَرٌ ثانٍ لَها، ويجوزُ أنْ نُعرِبَ "هو" ضميرًا منفصلًا مبنيًّا في محلِّ الرفعِ بالابتداءِ، فيكونُ "العليمُ" خبرَهُ الأول، و "الحكيمُ" خَبَره الثاني، وجملةُ "هو العليم الحكيمُ" في محلِّ رفعِ خبرِ "إنَّ"، وجُملةُ "إنَّ" في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقولِ مَسوقةٌ لِتَعْليلِ ما قَبْلَها.