فيض العليم ... سورة يوسُف، الآية: 77
قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)
قولُهُ ـ تعالى شأنُهُ: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} تَعليلٌ لِسَرِقَةِ بِنْيامِينَ وربطها بأخيهِ يوسُفَ ـ عليهِ السَّلامُ، لأنَّهما مِنْ أمِّ واحدةٍ غير أُمِّ الإخوةِ العَشَرةِ، وهي راحيل. فكأَنَّهم يردونَ هذا إلى وَصفٍ متأَصِّلٍ في أمهما راحيلَ، أَيْ: لا تَعْجَبْ يا عَزيزَ مِصْرَ؛ لأَنَّ هَذِهِ خَصْلَةٌ في أَوْلادِ راحِيلَ، وَكَانَ لِيَعْقُوبَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ: (رَاحِيلُ) هَذِهِ أُمُّ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبِنْيَامِينَ وَ (لِيئَةُ) بِنْتُ لَابَانَ أُخْتُ رَاحِيلَ وَهِيَ أُمُّ رُوبِينَ، وَشَمْعُونَ، وَلَاوِي، وَيَهُوذَا، وَبِسَاكِرَ، وَزَبُولُونَ وَ (بُلْهَةُ) جَارِيَةُ رَاحِيلَ وَهِيَ أُمُّ دَانَا، وَنَفْتَالِي وَ (زُلْفَةُ) جَارِيَةُ رَاحِيلَ أَيْضًا وَهِيَ أُمُّ جَادَ، وَأَشِيرَ. وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِيَبْرَؤوا مِنْ فِعْلِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أُمِّهِمْ، لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْأَنْسَابِ يُشَاكِلُ فِي الْأَخْلَاقِ. قالوا ذَلِكَ وَهمْ يَجْهَلُونَ أَنَّهمْ يَتَحَدَّثونَ إِلى يُوسُفَ بْنِ رَاحيل!. لكنَّ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، لَمْ يَنْزِعْ إِلى الرَّدِّ، بلْ أَسَرَّهَا فِي نَفْسِهِ. لِيَظَلَّ مَجْهولًا بالنِّسْبَةِ لَهُم، لِتَأْخذَ الأُمورُ مَجْراها، حدَثَ ذَلِكَ رَغْمَ أَنَّ قَوْلَهم قدْ أَثَّرَ فِيهِ. فإنَّهُ لَمَّا خَرَجَ الصُّوَاعُ مِنْ رَحْلِ بِنْيامِينَ نَكَسَ إِخْوَتُهُ رُؤوسَهم، وَقَالُوا: هَذِهِ الْوَاقِعَةُ عَجِيبَةٌ أَنَّ رَاحِيلَ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ لِصَّيْنِ، ثُمَّ قَالُوا: يَا بَنِي رَاحِيلَ مَا أَكْثَرَ الْبَلَاءَ عَلَيْنَا مِنْكُمْ، فَقَالَ بِنْيَامِينُ مَا أَكْثَرَ الْبَلَاءَ عَلَيْنَا مِنْكُمْ أَنتم، ذَهَبْتُمْ بِأَخِي يوسُفَ وَضَيَّعْتُمُوهُ فِي الْمَفَازَةِ، ثُمَّ تَقُولُونَ لِي هَذَا الْكَلَامَ، قَالُوا لَهُ: فَكَيْفَ خَرَجَ الصُّوَاعُ مِنْ رَحْلِكَ؟، قَالَ: وَضَعَهُ فِي رَحْلِي مَنْ وَضَعَ الْبِضَاعَةَ فِي رِحَالِكُمْ. وظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ قَالُوا لِلْمَلِكِ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَيْسَ بِغَرِيبٍ مِنْهُ فَإِنَّ أَخَاهُ الَّذِي هَلَكَ كَانَ أَيْضًا سَارِقًا، وَكَانَ غَرَضُهُمْ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّا لَسْنَا عَلَى سِيرَتِهِ، هُوَ وَأَخُوهُ فقطْ مُتَّصِفانِ بِهَذا الوصفِ سالكانِ لهذا السبيل المعوجِ، لِأَنَّهُمَا مِنْ أُمٍّ غير أُمِّنا. وَقد اخْتَلَفَ المفسِّرونَ فِي السَّرِقَةِ الَّتِي نَسَبُوهَا إِلَى يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَى أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَ جَدُّهُ أَبُو أُمِّهِ كَافِرًا يَعْبُدُ الْأَوْثَانَ، فَأَمَرَتْهُ أُمُّهُ بِأَنْ يَسْرِقَ تِلْكَ الْأَوْثَانَ وَيَكْسِرَهَا، لَعَلَّهُم يَتْرُكُونَ عِبَادَتَها، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَهَذَا هُوَ السَّرِقَةُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ يَسْرِقُ الطَّعَامَ مِنْ مَائِدَةِ أَبِيهِ وَيَدْفَعُهُ إِلَى الْفُقَرَاءِ، حتى قِيلَ إنَّهُ سَرَقَ عَنَاقًا مِنْ أَبِيهِ وَدَفَعَهُ إِلَى مِسْكِينٍ، وَقِيلَ دَجَاجَةٌ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ عَمَّتَهُ كَانَتْ تُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا فَأَرَادَتْ أَنْ تُمْسِكَهُ عِنْدَ نَفْسِهَا ـ كما تقدَّمَ، وَكَانَ قَدْ بَقِيَ عِنْدَهَا مِنْطَقَةٌ لِإِسْحَاقَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِهَا، فَشَدَّتْهَا عَلَى وَسَطِ يُوسُفَ، ثُمَّ قَالَتْ بِأَنَّهُ سَرَقَهَا، وَكَانَ مِنْ حُكْمِهِمْ بِأَنَّ مَنْ سَرَقَ يُسْتَرَقُّ، فَتَوَصَّلَتْ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ إِلَى بقائهِ عِنْدَهَا. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُمْ كَذَبُوا عَلَيْهِ، وَبَهَتُوهُ، وَكَانَتْ قُلُوبُهُمْ مَمْلُوءَةً بِالْغَضَبِ عَلَى يُوسُفَ بَعْدَ تِلْكَ الْوَقَائِعِ، وَبَعْدَ انْقِضَاءِ تِلْكَ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ، وَهَذِهِ الْوَاقِعَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَلْبَ الْحَاسِدِ لَا يَطْهُرُ عَنِ الْغِلِّ الْبَتَّةَ.
قولُهُ: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: "فَأَسَرَّها يُوسُفُ" إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَعُودُ؟ فقَالَ الزَّجَّاجُ: "فَأَسَرَّهَا" إِضْمَارٌ عَلَى شَرِيطَةِ التَّفْسِيرِ، وتَفْسِيرُهُ "أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا" وَإِنَّمَا أُنِّثَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: "أَنْتُمْ شَرٌّ مَكانًا" جُمْلَةٌ، أَوْ كَلِمَةٌ لِأَنَّهُمْ يُسَمُّونَ الطَّائِفَةَ مِنَ الْكَلَامِ كَلِمَةً، كَأَنَّهُ قَالَ: فَأَسَرَّ الْجُمْلَةَ أَوِ الْكَلِمَةَ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ: "أَنْتُمْ شَرٌّ مَكانًا" وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "فَأَسَرَّ" بِالتَّذْكِيرِ، يُرِيدُ الْقَوْلَ أَوِ الْكَلَامَ، وَقد طَعَنَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ فِي هَذَا الْوَجْهِ فِيمَا اسْتَدْرَكَهُ عَلَى الزَّجَّاجِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أمَّا أَوَّلُ الوجهينِ: قَالَ الْإِضْمَارُ عَلَى شَرِيطَةِ التَّفْسِيرِ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُفَسَّرَ بِمُفْرَدٍ كَقَوْلِنَا: نِعْمَ رَجُلًا زَيْدٌ فَفِي نِعْمَ ضَمِيرُ فَاعِلِهَا، وَرَجُلًا تَفْسِيرٌ لِذَلِكَ الْفَاعِلِ الْمُضْمَرِ وَالْآخَرُ أَنْ يُفَسَّرَ بِجُمْلَةٍ وَأَصْلُ هَذَا يَقَعُ فِي الِابْتِدَاءِ كَقَوْلِهِ تعالى في سورة الْأَنْبِيَاءِ: فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية: 97، وَالْمَعْنَى: الْقِصَّةُ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وكقولِه في أوَّلِ سورةِ الْإِخْلَاصِ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} وَالْأَمْرُ: الله أَحَدٌ. ثُمَّ إِنَّ الْعَوَامِلَ الدَّاخِلَةَ عَلَى الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ تَدْخُلُ عَلَيْهِ أَيْضًا نَحْوَ "إِنَّ" في قَوْلِهِ: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} الآية: 74 من سورة: طه، وفي قولِهِ: {فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصارُ} الآية: 46 من سورةِ الحجِّ. ونَفْسُ الْمُضْمَرِ عَلَى شَرِيطَةِ التَّفْسِيرِ فِي كِلَا الْقِسْمَيْنِ مُتَّصِلٌ بِالْجُمْلَةِ الَّتِي حَصَلَ مِنْهَا الْإِضْمَارُ، وَلَا يَكُونُ خَارِجًا عَنْ تِلْكَ الْجُمْلَةِ وَلَا مبايِنًا لَها. والتَّفْسِيرُ هَهُنَا مُنْفَصِلٌ عَنِ الْجُمْلَةِ الَّتِي حَصَلَ مِنْهَا الْإِضْمَارُ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَحْسُنَ. وَثَانِيهِما: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: "أَنْتُمْ شَرٌّ مَكانًا" وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ، وَلَوْ قُلْنَا: إِنَّهُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَضْمَرَ هَذَا الْكَلَامَ لَكَانَ قَوْلُهُ: إِنَّهُ قَالَ ذَلِكَ كَذِبًا. وَهَذَا الوجهُ مِنْ طَعْنِ أَبي عَلِيٍّ ضَعِيفٌ لِوجْهَينِ:
ـ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُسْنِ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ قُبْحُ القِسْمٍ الثَالِثٍ.
ـ والثَّانِي: أَنَّا نَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ، وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ يَسْقُطُ هَذَا السُّؤَالُ.
أمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي من اعتراضِ الفارسيِّ على الزجَّاجِ: فَهُوَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: "فَأَسَرَّها" عَائِدٌ إِلَى الْإِجَابَةِ كَأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّ يُوسُفُ إِجَابَتَهُمْ فِي نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إِلَى وَقْتٍ ثَانٍ. وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ إِضْمَارًا لِلْمَقَالَةِ. وَالْمَعْنَى: أَسَرَّ يُوسُفُ مَقَالَتَهُمْ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْمَقَالَةِ مُتَعَلِّقُ تِلْكَ الْمَقَالَةِ كَمَا يُرَادُ بِالْخَلْقِ الْمَخْلُوقُ وَبِالْعِلْمِ الْمَعْلُومُ يَعْنِي أَسَرَّ يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ كَيْفِيَّةَ تِلْكَ السَّرِقَةِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أَنَّهَا كَيْفَ وَقَعَتْ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَا يُوجِبُ الذَّمَّ وَالطَّعْنَ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَالَ: عُوقِبَ يُوسُفُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: لِأَجْلِ هَمِّهِ بِهَا: عُوقِبَ بِالْحَبْسِ. وَلِقَوْلِهِ: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} الآية: 42، مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، عُوقِبَ بِالْحَبْسِ الطَّوِيلِ. وَلِقَوْلِهِ: {إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ} الآية: .7، عُوقِبَ بِقَوْلِهِمْ: فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ.
قولُهُ: {قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا} أَيْ أَنْتُمْ شَرٌّ مَنْزِلَةً عِنْدَ الله تَعَالَى لِمَا أَقْدَمْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ ظُلْمِ أَخِيكُمْ وَعُقُوقِ أَبِيكُمْ، فَأَخَذْتُمْ أَخَاكُمْ، وَطَرَحْتُمُوهُ فِي الْجُبِّ، ثُمَّ قُلْتُمْ لِأَبِيكُمْ إِنَّ الذِّئْبَ أَكَلَهُ وَأَنْتُمْ كَاذِبُونَ، ثُمَّ بِعْتُمُوهُ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، ثُمَّ بَعْدَ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَالزَّمَانِ الْمُمْتَدِّ مَا زَالَ الْحِقْدُ وَالْغَضَبُ عَنْ قُلُوبِكُمْ فَرَمَيْتُمُوهُ بِالسَّرِقَةِ.
قَولُهُ: {وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} يُرِيدُ أَنَّ سَرِقَةَ يُوسُفَ كَانَتْ رِضًا للهِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْوُجُوهُ الْمَذْكُورَةُ فِي سَرِقَتِهِ لَا يُوجِبُ شَيْءٌ مِنْهَا عَوْدَ الذَّمِّ وَاللَّوْمِ إِلَيْهِ، وَالْمَعْنَى: ـ ـ والله أَعْلَمُ، أَنَّ هَذَا الَّذِي وَصَفْتُمُوهُ بِهِ هَلْ يُوجِبُ عَوْدَ مَذَمَّةٍ إِلَيْهِ أَمْ لَا.
قولُهُ تعالى: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} قَالُوا: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الضمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وهي ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرفعِ فاعلٌ، والألفُ فارقة، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "إِنْ" شَرْطِيَّةٌ جازمةٌ. و "يَسْرِقْ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَجزومٌ بِ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ، على أنَّهُ فعلُ الشرطِ، وفاعلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ "هو" يَعودُ عَلَي بِنْيامِينَ. و "فَقَدْ" الفاءُ: رابطَةٌ لِجوابِ "إنْ" الشَّرْطِيَّةِ وُجُوبًا لاقْتِرانِهِ بِ "قد"، و "قد" للتَحقيقِ. و "سَرَقَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ الظاهرِ في مَحَلِّ الجَزْمِ بِ "إنْ" الشَّرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِهِ جَوابًا لَهَا. و "أَخٌ" فاعِلُهُ مرفوعٌ به، و "لَهُ" اللامُ: جرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بصفةٍ لِ "أَخٌ"، والهاءُ ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ الجرِّ بحرف الجرِّ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِ "سَرَقَ"، و "قَبْلُ" اسْمٌ ظَرْفيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرف الجرِّ لأَنَّه مَقْطوعٌ عنِ الإضافة، وجُمْلَةُ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقول ل "قَالُوا".
قولُهُ: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ} الفاءُ: حرف عطفٍ. و "أَسَرَّ" يوسف}: فعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، و "ها" ضميرٌ متَّصلٌ به في مَحلِّ نصبِ مفْعولٍ بِهِ. و "يوسُفُ" فاعِلُهُ مرفوعٌ بهِ ولم يُنَوَّنْ لأنَّهُ ممنوعٌ من الصرفِ بالعلميةِ والعُجمةِ، و "فِي" حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بِ "أسرَّ"، و "نَفْسِهِ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ به في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليه.
قولُه: {وَلَمْ يُبْدِهَا لهم} الواو: حرف عطفٍ، و "لم" حرفُ جَزْمٍ ونفيٍّ وقلبٍ، و "يبدِ" فِعْلٌ مُضارعٌ مجزومٌ بها، وعلامةُ جَزمِهِ حذف حرف العلَّةِ من آخرهِ، والفاعلُ ضميرٌ مستترٌ به جوازًا تقديرُه "هو" يعودُ على "يوسُف"، و "ها" ضميرٌ متَّصلٌ به في محلِّ نصب مفعولٍ بِهِ، والجُمْلَةُ معطوفَةٌ عَلى "فَأَسَرَّهَا". و "لَهُمْ" اللامُ حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِ "يُبْدِها"، والجُمْلَةُ مَعْطوفةٌ عَلَى جُمْلَةِ "فَأَسَرَّهَا".
قولُهُ: {قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا} قَالَ: فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ "هو" يَعودُ عَلَى "يُوسُفُ"، والجملة مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإعراب. و "أَنْتُمْ" ضميرُ فصلٍ في محلِّ الرفعِ بالابتداءِ، و "شَرٌّ" خبرُهُ مرفوعٌ. و "مَكَانًا" تَمْييزٌ مُحَوَّلٌ عَنِ المُبْتَدَأِ، مَنْصوبٌ باسْمِ التَّفْضيلِ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقولِ لِ "قَالَ".
قولُهُ: {وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} الوَاوُ: و "اللهُ" لفظُ الجلالةِ مرفوعٌ بالابتداءِ، و "أَعْلَمُ" خَبَرُهُ مرفوعٌ. وهذه الجملةُ الاسْمِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقوْلِ لِ "قَالَ"، و "بِمَا" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِ "أَعْلَمُ"، و "ما" موصولةٌ أو موصوفةٌ أو مصدريَّةٌ، و "تصفون" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ من الناصبِ والجازمِ، وعلامة رفعِهِ ثبوتُ النونِ في آخرِهِ لأنَّه من الأفعالِ الخمسةِ، والواوُ: واوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ فاعِلِهِ، والعائدُ أَوِ الرّابِطُ مَحذوفٌ تَقديرُهُ: بِمَا تَصِفُونَهُ، وجُمْلَةُ "تَصِفُونَ" صِلَةٌ لِ "ما" أَوْ صِفَةٌ لَهَا.
قرأَ الجمهورُ: {فَقَدْ سَرَقَ} مُخَفَّفًا مَبْنِيًّا للفاعِلِ. وقرأَ أَحْمَدُ بْنُ جُبَيْرٍ الأَنْطَاكِيُّ، وابْنُ أَبي شُرَيْحٍ عَنِ الكِسائيِّ والوَليدِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ يَعقوبَ في آخَرِين: "سُرِّقَ" مُشَدَّدًا مَبْنِيًّا للمَفْعولِ، أَيْ: نُسِبَ إِلى السَّرِقَةِ.
قرأَ الجمهورُ: {فَأَسَرَّها} بالتأنيث، وقرأَ عَبْدُ اللهِ بنُ مسعودٍ، وابْنُ أَبي عَبْلَةَ: "فَأَسَرَّه" بالتَذكْيرِ. قالَ الزَمَخْشَرِيُّ: يُريدُ القولَ أَوِ الكَلامَ. وقالَ العُكبُريُّ: المُضْمَرُ يَعودُ إلى نِسْبتِهم إيَّاهُ إِلى السَّرِقَةِ، وقدْ دَلَّ عَلَيْهِ الكَلامُ. وقيلَ: في الكلامِ تقديمٌ وتَأخيرٌ تَقديرهُ: قالَ في نَفْسِهِ: أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا، وأَسَرَّها أَيْ هَذِهِ الكَلِمَةَ. قالَ السمينُ: ومِثْلُ هذا يَنْبغي أَنْ لا يُقالَ: فإنَّ القرآنَ يُنَزَّهُ عَنَهُ.