الموسوعة القرآنية
فيض العليم من معاني الذكر الحكيم
تفسير ـ أحكام ـ أسباب النزول ـ إعراب ـ تحليل لغة ـ قراءات
جمع وتأليف الشاعر عبد القادر الأسود
سُورَةُ يوسُفَ
عليه السلامُ
هو اسْمُها الْوَحِيدُ، وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهَا ظَاهِرٌ لِأَنَّهَا قَصَّتْ قِصَّةَ يُوسُفَ نبيِّ اللهِ يوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كُلَّهَا، وَلَمْ تُذْكَرْ قِصَّتُهُ فِي غَيْرِهَا، كما جرتْ عليه عادتُه ـ سبحانَه، في هذا الكتابِ الكريمِ، أنْ يذكُر القصَّةَ في أكثرِ مِنْ مَكانٍ، وفي كلِّ مرةٍ يَتَنَاوَلُها بأُسلوبٍ مختلفٍ ويتناولُ منها جانبًا من جوانِبِها. وَلَمْ يُذْكَرِ اسْمُهُ ـ عليه السلامُ، فِي غَيْرِهَا إِلَّا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَغَافِرٍ. وَفِي هَذَا الِاسْمِ تَمَييزٌ لَهَا مِنْ بَيْنِ السُّوَرِ الْمُفْتَتَحَةِ بِحُرُوفِ (الَرَ)، كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ يُونُسَ.
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ إِلَى غَيْرِهِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْآيَاتِ الثَّلَاثَ مِنْ أَوَّلِهَا مَدَنِيَّةٌ. قَالَ الإمامُ السيوطيُّ فِي (الْإِتْقَانِ): وَهُوَ وَاهٍ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ. ورُويَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وقتادةَ ـ رضي اللهُ عنهم، أنَّهُما قالا: إلَّا ثلاثَ آياتٍ مِنْ أَوَّلِها، واسْتَثْنَى بعضُهم آيةً رابعةً، ورُوِيَ أنَّها الآيةُ السابعةُ وهي قولُهُ ـ سُبْحانَهُ: {لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ}. وكلُّ ذَلِكَ واهٍ جِدًّا لا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وما اعْتَمَدْنَاهُ ـ وغيرُنا، هوَ الثابِتُ عَنْ حَبْرِ هذِهِ الأُمَّةِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَخْرَجَهُ عنه النَّحَّاسُ وأَبو الشيخِ وابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وأَخْرَجَهُ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَيْضًا، وهوَ الذي يَقْتَضيهِ ما أَخْرَجَهُ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ رِفاعَةَ بْنِ رافعٍ مِنْ حَديثٍ طَويلٍ يَحْكي فيهِ قُدومَ رافِعٍ مَكَّةَ، وإِسْلامَهُ، وتَعليمَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، إِيَّاهُ هَذِهِ السُّورَةَ، وسورة العَلَقِ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ}.
وَهِيَ السُّورَةُ الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ فِي تَرْتِيبِ نُزُولِ السُّوَرِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ. وقد نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ هُودٍ، وَقَبْلَ سُورَةِ الْحِجْرِ. وَلَمْ تذكر قصَّة نبيٍّ فِي الْقُرْآنِ بِمِثْلِ مَا ذُكِرَتْ قِصَّةُ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، هَذِهِ السُّورَةُ مِنَ الْإِطْنَابِ.
أَمَّا آياتُها فهي مِئَةٌ وإِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً بالإجْماعٍ، عَلَى ما نُقِلَ عَنْ الدَّاني وغَيْرِهُ، عنْ أَصْحَابِ الْعَدَدِ فِي الْأَمْصَارِ. وعَدَدُ كَلِماتِها: أَلْفٌ وسَبْعُمِئَةٍ وسِتٌّ وسَبْعونَ كَلِمَةً. وعَدَدُ حُروفِها: سَبْعَةُ آلافٍ ومِئَةٌ وسِتَّةٌ وسِتُّونَ حَرْفًا.
وأمَّا سَبَبُ نُزُولِها فقد تعدَّدتِ الرواياتُ فيه. منها ما رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ ـ رضي اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلى سيِّدِنا رَسُولِ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، فتَلاهُ عَلَى أَصْحابِهِ زَمانًا، فقالوا: يا رَسُولَ اللهِ، لَوْ قَصَصْتَ عَلَيْنا، فَنَزَلَتْ. ومنْ ذلك ما رواهُ الضَّحاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهُما، قال: سَأَلَتِ اليَهودُ النَّبِيَّ ـ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فقالوا: حَدِّثْنا عَنْ أَمْرِ يَعْقوبَ وَوَلَدِهِ، وشَأْنِ يُوسُفَ. فأَنْزَلَ اللهُ ـ عَزَّ وجَلَّ: {الر. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ} ... الآياتِ الكَريمَةَ.
ويُرْوَى أَنَّ اليَهودَ سَأَلوا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ، فَنَزَلَتِ السُّورَةُ بِسَبَبِ ذَلِكَ. ويُرْوَى أَنَّ اليهودَ أَمَرُوا كُفَّارَ مَكَّةَ أَنْ يَسْأَلوا رَسُولَ اللهِ ـ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، عَنِ السَّبَبِ الذي أَحَلَّ بَنِي إسرائيلَ بِمِصْرَ، فَنَزَلَتِ السُّورَةُ. وقيلَ: سَبَبُ نُزولِها هو تَسْلِيَةُ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، عَمَّا يَفْعَلُهُ بِهِ قومُهُ، بِمَا فَعَلَ إِخْوَةُ يُوسُفَ بِيُوسُف،
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن رِفَاعَة بْنِ رَافعٍ الزرقيِّ أَنَّهُ خَرَجَ هُوَ وَابْن خَالَتِه معَاذ بْنِ عَفْراءَ، حَتَّى قدما مَكَّةَ، وَهَذَا قبْلَ خُرُوجِ السِّتَّةِ مِنَ الْأَنْصَار، فَأتَيَا النَّبِيَّ ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلَّمَ، قَالَ: فَقلتٌ اعْرِضْ عَليَّ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، وَقَالَ: ((مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالْجِبَالَ؟)) قُلْنَا: اللهُ. قَالَ: ((فَمن خَلقكُم؟)) قُلْنَا: اللهُ. قَالَ: ((فَمَنْ عَمِلَ هَذِهِ الْأَصْنَامَ الَّتِي تَعْبدُونَ؟)) قُلْنَا: نَحن. قَالَ: ((فالخالقُ أَحَقُّ بِالْعبَادَة أَمِ الْمَخْلُوق؟، فَأنْتم أَحَقُّ أَنْ يَعبُدوكم، وَأَنْتُمْ عَمِلْتُمُوها، وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَعْبُدُوهُ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْتُموهُ، وَأَنَا أَدْعُوكُم إِلَى عبَادَةِ اللهِ، وَإِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، وصِلَةِ الرَّحِمِ، وَتَرْكِ الْعُدْوانِ، وبُغْضِ النَّاسِ)). قُلْنَا: لَو كَانَ الَّذِي تَدْعُونا إِلَيْهِ بَاطِلًا لَكَانَ مِنْ مَعَالِي الْأُمُورِ ومَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ، أَمْسِكْ راحِلَتَيْنَا حَتَّى نَأْتي الْبَيْتَ. فَجَلَسَ عِنْدَهُ مُعَاذُ بْنُ عَفْراءَ، قَالَ: فَطُفْتُ، وأَخْرَجْتُ سَبْعَةَ أَقْداحٍ، فَجَعَلْتُ لَهُ مِنْهَا قدحًا، فاسْتَقْبَلْتُ الْبَيْتَ، فَضَرَبْتُ بِهَا وَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ حَقًا فَأخْرجْ قدحَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ. قَالَ: فَضَرَبْتُ فَخَرَجَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَصُحْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيَّ وَقَالُوا: مَجْنُونٌ، رَجُلٌ صَبَأَ. قلتُ: بَلْ رَجُلٌ مُؤمِنٌ. ثمَّ جِئْتُ إِلَى أَعلَى مَكَّةَ فَلَمَّا رَآنِي مُعَاذٌ قَالَ: لقد جَاءَ رَافع بِوَجْهٍ مَا ذَهَبَ بِمِثْلِهِ. فَجِئْتُ وَآمَنتُ، وَعلَّمَنَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُورَة يُوسُفَ، و {اقْرَأ باسْمِ رَبِّك} الآية:1، ثمَّ رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ يُعَلَّمُ النَّاسَ الْقُرْآنَ بَعَثَ إِلَيْهِم عَمْرُو بْنُ الجَمُوحِ: مَا هَذَا الَّذِي جِئْتُمونَا بِهِ؟. فَقَالُوا: إِنْ شِئْتَ جِئْنَاكَ فَأَسْمَعْنَاكَ الْقُرْآنَ. قَالَ: نَعَمْ. فواعَدَهم يَوْمًا، فجَاءَ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ: {الر. تِلْكَ آيَاتُ الْكِتابِ الْمُبينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلونَ}.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ حَبْرًا مِنَ الْيَهُودِ دَخَلَ عَلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوافَقَهُ وَهُوَ يقْرَأُ سُورَةَ يُوسُف، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ عَلَّمَكَهَا؟. قَالَ: ((اللهُ عَلَمَنيها)). فَعَجِبَ الحَبْرُ لِمَا سَمِعَ مِنْهُ، فَرَجَعَ إِلَى الْيَهُودِ فَقَالَ لَهُم: وَاللهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيَقْرَأ الْقُرْآنَ كَمَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ، فَانْطَلَقَ بِنَفَرٍ مِنْهُم، حَتَّى دَخَلُوا عَلَيْهِ، فعَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ، ونَظَرُوا إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَجَعَلُوا يَسْتَمِعُونَ إِلَى قِرَاءَتِهِ بِسُورَةِ يُوسُفَ، فَتَعَجَّبُوا مِنْهُ وَأَسْلَمُوا عِنْدَ ذَلِك. وهذه الأحاديثُ نصوصٌ واضحةٌ قاطعةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ السورةَ المُبَاركةَ هي سورةٌ مكيَّةٌ كلُّها، فلا يُلتفتُ بعدَها إلى ما خالَفها من نصوصٍ واهيةِ الإسنادِ واللهُ أعلمُ.
ومِنْ مَقَاصِدِ هَذِهِ السُّورَةِ، وَأَهَمِّ أَغْرَاضِهَا: بَيَانُ قِصَّةِ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَعَ إِخْوَتِهِ، وَمَا لَقِيَهُ فِي حَيَاتِهِ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْعِبَرِ مِنْ نَوَاحٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَفِيهَا إِثْبَاتُ أَنَّ بَعْضَ الْمَرَائِي قَدْ يَكُونُ إِنْبَاءً بِأَمْرٍ مُغَيَّبٍ، وَذَلِكَ مِنْ أُصُولِ النُّبُوءَاتِ وَهُوَ مِنْ أُصُولُ الْحِكْمَةِ الْمَشْرِقِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} إنْ شاءَ اللهُ. فإنَّ تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا عِلْمٌ يَهَبُهُ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ صَالِحِي عِبَادِهِ. وَمنْ أغراضِها بيانُ تَحَاسُدُ الْقَرَابَةِ فيما بَيْنَهُمْ. وَلُطْفُ اللهِ بِمَنْ يَصْطَفِيهِ مِنْ عبادِهِ وَأنَّ الْعِبْرَةَ بالْعَوَاقِبِ، وَالْوَفَاءِ، وَالْأَمَانَةِ، وَالصِّدْقِ، وَالتَّوْبَةِ. وَفيها بيانُ سَبَبِ سُكْنَى إِسْرَائِيلَ وَبَنِيهِ بِأَرْضِ مِصْرَ. كما فيها تَسْلَيَةٌ لقلبِ النَبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَا لَقِيَهُ يَعْقُوبُ وَيُوسُفُ ـ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، مِنْ أَذَى آلهم. وَقد لَقِي النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آلِهِ أَشَدَّ مَا لَقِيَهُ مِنْ بُعَدَاءِ كَفَّارِ قَوْمِهِ، مِثْلَ عَمِّهِ أَبِي لَهَبٍ، وَابنِ عمِّهِ النَّضِرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا قَدْ أَسْلَمَ بَعْدُ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، فَإِنَّ وَقْعَ أَذَى الْأَقَارِبِ فِي النُّفُوسِ أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ أَذَى الْبُعَدَاءِ، كَمَا قَالَ طَرَفَةُ بنُ العبدِ:
وَظُلْمُ ذَوِي الْقُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً ... عَلَى الْمَرْءِ مِنْ وَقْعِ الْحُسَامِ الْمُهَنَّدِ
ثمَّ إنَّ المُناسَبَةَ بَيْنَ هذه السورةِ وبينَ سُورَةِ هُودٍ التي قبلها، أَنَّها مُتَمِّمَةٌ لِما فيها مِنْ قصَصِ الرُّسُلِ والاسْتِدْلالِ بِذَلِكَ عَلى أَنَّ القرآنَ وحيٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ دَالًّا عَلَى رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، خاتِمِ النَّبِيّينَ، والفَرْقُ بَيْنَ القِصَصِ فِيها وفيما قَبْلَهَا، أَنَّ السابِقَ كانَ قِصَصَ الرُّسُلِ مَعَ أَقوامِهم في تَبْليغِ الدَّعْوَةِ، والمُحاجَّةَ فيها، وعاقبةَ مَنْ آمَنَ مِنْهم، ومَنْ كَذَّبوهُمْ، لإنْذارِ مُشْرِكِي مَكَّةَ ومَنْ تَبْعَهم مِنَ العَرَبَ. وأَمَّا هذِهِ السُّورَةُ فهيَ قِصَّةُ نَبِيٍّ رُبِّيَ في غيرِ قَوْمِهِ قَبْلَ النُبُوَّةِ، وهوَ صَغيرَ السِّنِّ حَتَّى بَلَغَ أَشُدَّهُ واكْتَهَلَ فَنُبِئَ وأُرْسِلَ ودَعَا إلى دِينِهِ، ثمَّ تَوَلى إِدارةَ المُلْكِ لِقُطْرٍ عَظيمٍ، فَأَحْسَنَ الإدارَةَ والسِياسَةَ فيه، وكانَ خَيْرَ قُدْوَةٍ للنَّاسِ في رِسالَتِهِ وفى جَميعِ أُمورِ الحياة وأطوارِها وتَصْريفِ أُمورِها عَلَى أَحْسَنِ مَا يَكونُ، ومنْ ذَلِكَ شَأْنُهُ مَعَ أَبيه وإَخْوَتِهِ، ومِنْ ثَمَّ فقد كانَتْ أَطْوَلَ قِصَّةٍ في القُرآنِ الكريم.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَلِّمُوا أَرِقَّاءَكُمْ سُورَةَ يُوسُفَ فَإِنَّهُ أَيُّمَا مُسْلِمٍ تَلاهَا وَعَلَّمَهَا أَهْلَهُ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، هَوَّنَ اللهُ عَلَيْهِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ، وَأَعْطَاهُ الْقُوَّةَ أَلَّا يَحْسُدَ مُسْلِمًا)) التفسير الوسيط للواحدي (2/599) وتفسير الثعلبي (7/61) وقال الإمامُ الحُوفيُّ في تفسيره (البرهان في علوم القرآن) (ص: 104): وقالوا لا يصح لضعف إسناده بالكليَّةِ. واللهُ أعلمُ.